لم أكن جميلة بالمعنى المعروف لمقاييس الجمال التي يضعها البعض في حساباته. أظنني كنت مقبولة الشكل . و كنتُ أول مَن أطلق صرخة ميلاد جديد في بيتنا .. فأنا الأولى في ترتيب الأسرة ... ( البِكْرِيَّة ) .. يَلِيني في الترتيب أخي ( محمود ) .. طريدي المشاكس .. على الأقل بالنسبة لي .. طالما تعاركنا و تلاسناَّ ... أبي كان يقف إلى جانبي دائماً .. حتى لو كنتُ مخطئة .. ثم ينفرد بي ليريني الخطأ في تصرفي .. طريقته في معالجة أخطائي .. قادت خطواتي طوال حياتي .. و أمي تقف إلى جانب ( محمود ) .. و لكنها في النهاية تحتضنني و هي تتمتم ( ربنا يخليك .. دي إنتي ... بِتِّي و أختي و حبيبتي ) .. فأنْدَسُّ بين أحضانها ناسية كل مناكفات أخي .. أحيطها بذراعيَّ الصغيرتين و أنا أستمريء مداعبتها لضفائر شعري. أتَذَكَّر تلك الأيام .. و رغم أنها بعيدة و موغلة في البُعْد و ترقد في ركن بعيد بالذاكرة .. إلا أن الدموع تأبى إلا و أن تندلق أمام زوجي و أبنائي .. فيمازحني زوجي : ( أها .. طَقْم الأحزان جا وقتو ) .. ترتيبي الأُسري فَرَضَ علي أن أكون بالفعل إبنة و أخت لأمي في آنٍ واحد.. تجرَّعْتُ طعم المسئولية منذ نعومة أظافري ... المرة الوحيدة التي صرخ فيها أبي في وجه أمي .. أُغْمي عليّ .. لم أتحمل فكرة أن يغضب أبي على أمي .. مجرد غضب .. ناهيك عن صراخ و تشنج .. يومها عرفت ما يكِنُّه أبي لنا .. .. فعندما فتحتُ عيني بعد نوبة إغمائي.. رأيتُ دموعه تنزلق غزيرة و هو يُقبِّل جبيني و يضمني إلى صدره في جزع .. كنت أتنقل بين إخوتي أستذكر لهم دروسهم .. كل يوم من أيام النتائج كان يوم إختبار لي. رسوب أيٍ منهم في مادة واحدة .. كانت تجلب لي نظرة عتاب صامتة من أمي و أبي .. نظرة كنتُ أتمنى أن لا أراها .. فقد كانت تملؤني إحساساً بالإحباط و خيبة الأمل. فأضاعف تعنيفي لإخوتي فخافوني و هابوني رغم حبهم الشديد لي. في البداية كنت أتذمر من ثقل هذا العبء .. و لكن بمرور الأيام .. عرفت حكمة أبي و أمي .. فبعد موتهما .. صرتُ الملاذ الآمن لإخوتي .. شقيقاتي و أشقائي .. يهرعهون إلي في كل كبيرة و صغيرة .. حتى مَنْ تزوج منهم ... و بنفْس الصبر الممتد الذي أدمنته .. أعالج كل الأمور صغيرها و كبيرها بكل أناةٍ و روية .. أزواج شقيقاتي يكرهونني و يحبونني في آنٍ واحد .. و زوجات أشقائي يتحاشيْن عرض مشاكل بيوتهن علي .. و لكنهن في النهاية يأتين رغماً عنهن .. فوجهي الودود و صبري اللامحدود يجبرهن على ذلك .. لا تنفك ذكرى أمي و أبي المجيء و الذهاب أمام مخيلتي .. أبي كان مشهوداً له بالكرم .. بل الكرم حد البذخ .. بيتنا كان لا يخلو من الضيوف .. أقاربنا من ناحية أمي .. و من ناحية أبي .. و من أصدقائهما القدامى ... كمْ أشتاق لروتين حياتنا ذاك .. فكل شيء كان محسوباً بدقة... الغداء يكون على ( الطبلية الخشبية ) بمجرد أن يدخل أبي و هو يمازح ( نجوى ) آخر العنقود .. يجتاح السكون كل أرجاء البيت عند دخول أبي غرفته ليأخذ قيلولته .. تدب الحياة في البيت من جديد ما أن يصحو أبي و هو يغني و هو ياخد ( حماماً ) .. ( ديوان ) أبي كان واحة وارفة .. فأحياناً نسمع أحد الأقارب ( يدوبي ) .. و أبي يجامله ( هييع .. فوق دربك ) .. و أحياناً نسمع قهقهته لنكتة قالها أحدهم بصوت خفيض .. و أحياناً تتعالى الأصوات و تنخفضف عند فض نزاع أسري دائما ما كان أبي يكون فيها الفيصل .. أول مرة أسمع أبي يقول : ( على الطلاق لو ما رجعتَ تاني لا بعرفك لا بتعرفني ) .. فقد حاول أحد أبناء العمومة أن يخرج محتجاً بعد أن رفض حكم أبي في مشكلة أسرية .. شعرت بخوف غامض من كلمة الطلاق .. و نظرت إلى أمي فوجدتها تبتسم : هو أبوك بيقدر يطلقني ؟ دة تهويش وزول شايلاهو الهاشمية .. من يومها و أنا أقول لأبي عندما تلوح نُُّذُر حل مشكلة في الديوان : أبوي عليك الله ما تشيلك الهاشمية .. شهر رمضان كان مرتَّباً بعناية في بيتنا .. لم يكن أبي يلبي أي دعوة للإفطار إلا فيما ندر .. بينما كان بيتنا معظم أيام الشهر المبارك يعج بالضيوف .. كان يحرص على أن تكون كل الأصناف متوفرة .. يتابع كل مراحل (عواسة) الحلو مر .. و يمازح أمي ( برضو ما بيبقى زى حق أمي ) .. يقف مع أمي في المطبخ يحادثها و هي منهمكة في عملها .. يسهر .. و ينام .. و يتسحر و يصلي الصبح حاضراً و يذهب إلى عمله في موعده .. كنا نحسبه أحياناً لا ينام أبداً .. كان يفعل كل شيء دون أن نعرف كيف يتسنى له ذلك خلال اليوم. عَوَّدَنا على أن يأخذنا كلنا لشراء ملابس و مستلزمات العيد .. لا يتذمر و لا يكل و لا يمل .. يأتي بخروف الضحية بنفسه .. يصلي صلاة العيد و يقوم بالذبح و السلخ و التقطيع و التكسير .. و هو يتجرع ( الشربوت ) الذي تتقنه أمي ... ( صلاح ) أصغر الأشقاء .. عندما فاتحني في أمر زواجه .. بكيت بكاءاً مراً حتى أشْفَق علي .. فقد كنت أتمنى أن يكون أبي و أمي على قيد الحياة حتى نجلس سوياً للتشاور كما فعلا في كل زيجاتنا .. رغم أن زمن أمي و أبي لم يكن ذلك الزمن الذي أتاح للفتاة كامل الحرية في كل أمورها .. إلا أن أبي كان يعيش زمناً غير زمانه .. كل من تقدم لنا .. كان يقول له : أشوف راى البت بالأول .. ثم يحرص على إن يكون المتقدم مرغوباً فيه من صاحبة الشأن.. ثم بعد ذلك يحدِّث بقية الأسرة ( تحصيل حاصل ) في زمن كان لرجال الأسرة الكلمة الأولى و الأخيرة في الرغبة بالزواج من بنات العمومة أو من عدمها. هذا الأمر خلق مشاكل عدة لأبي مع أشقائه .. و لكنه كان حاسماً و لا يتراجع عن كلمة الحق .. لذا كان يهابه الجميع .. تركْنا لشقيقي صلاح بيت الأسرة ليسكن فيه مع زوجته .. يوم عرسه .. بينما كان الكل غارق في الفرحة .. كنت أجوب أركان بيتنا .. غرفة غرفة .. و ركناً بعد ركن .. كأنني أستنشق عبق أمي .. و رائحتها المميزة. أتخيلها تحمل ( المبخرة ) و هي ترش على الجمرات ( بخور التيمان ) و هي تتمتم بأدعية و أوراد خاصة بها .. في غرفة أبي و أمي لا زال الدولاب يقبع في مكانه .. و بداخله ترقد بعض من ملابسهما. و برش الصلاة معلق بمسمار على الجدار .. و تعانقه سبحة أمي العتيقة المصنوعة من خشب الصندل. و صورة بالأبيض و الأسود أُلْتُقِطَتْ لهما في القاهرة عندما ذهبا بجدي في رحلة علاج .. كم كانت تحب ( توب أب قجيجة ) الأخضر هذا. إلتقطتْ أذناى صوتاً هامساً كصوت أمي يهمس في أذني مندلقاً من المجهول : ( ما قصَّرْتِ يا بتي .. الله يسعدك بأولادك و يديك العافية .. عافية منك لله و الرسول ..) خنقتْني عبرة .. و وقفتْ دمعات على أطراف المآقي سرعان ما إختزلتها بتكملة تجوالي في البيت الذي تجرعنا فيه هناءاً بنكهةٍ لن تزول. و طافت بمخيلتي حينئذٍ إبتسامة أبي التي كانت تنساب دائماً لتؤكد كلام أمي .. دلفتُ إلى المطبخ .. حيث تلقيتُ أولى دروس أمي في التدبير المنزلي .. لك الله يا أمي .. و كأنها أمامي تتذوق ( بالمغرفة ) طبيخها .. ثم تعطيني أيضاً لأتذوق و هي تنظر إلي منتظرة حكمي .. عندما وصلتُ إلى طرف الصالة التي كانت تجمعنا عندما لا يكون هناك ضيوف .. وجدت أخي ( محمود ) جالساً في الظلام .. لم أتبيَّن ملامحه في البداية .. حسبْته ضيفاً من الذين أتوا للعرس .. و لكن عندما سمعت صوت نحيبه المكتوم .. عرفته .. فأسرعت نحوه .. محمود ؟ مالك ياخوى ؟؟؟ لم يمهلني .. بل إرتمى في حضني كطفل صغير .. فهو أيضاً فاضت شجونه فتجول في مرتع الصبا الحميم.. فأخذته في حضني في عناق طويل و طويل جداً .. أهدهده كطفلٍ منتحب. ثم بلا سابق موعد .. وجدت أن كل شقيقاتي و أشقائي قد إجتمعوا في نفس الصالة .. هذا يقول للآخر : يا أخوانا عيب كدة .. الناس برة فرحانه بي عرس صلاح .. ثم لا يتمالك نفسه فيروح في بكاء ... فيعانق هذه .. و هذه تأخذ ذاك لتضع رأسه في حجرها .. بينما تمسح دموعها .. لم يستفيقوا إلا عندما صرخت فيهم : كفاية .. كفاية و هو صوت يعرفونه جيداً و طالما إمتثلوا له ... فساد صمت طويل قطَعَتْهُ ( نجوى ) بزغرودة يشوبها بقايا بكاء أتتْ بالعريس صلاح و هو يقول : ياخوانا أنتو وين ؟؟ الناس كلها بتسأل عليكم .. يلاكم .. فخرجنا في طابور طويل تسبِق إبتساماتنا بقايا الإنفعال .. و أنا أردد همساً : بيت العز يا بيتنا ...بيتنا يا بيت العز ..
تعرفي يا أخت منى .. هذه الإنسانة أصبحت ( حبوبة ) .. و وهن منها الجسم و ضعف النظر .. و رغم هذا تتوكأ عصاها و تذهب إلى بيت والديها .. بحجة زيارة أصغر أشقاءها .. و لكنها ما أن تدلف إلى الحوش تذرف دموعا غزيرة .. و تصر على أن تجلس في نفس المكان الذي كان يضمهم وقت القيلولة .. ثم تمضي لحال سبيلها و كأن هذه الزيارة شبه اليومية تزودها بأوكسيجين ما تبقى من حياتها ..
أرقدي عافية
01-23-2006, 02:42 AM
بدرالدين شنا بدرالدين شنا
تاريخ التسجيل: 07-30-2002
مجموع المشاركات: 3514
Quote: ثم بلا سابق موعد .. وجدت أن كل شقيقاتي و أشقائي قد إجتمعوا في نفس الصالة .. هذا يقول للآخر : يا أخوانا عيب كدة .. الناس برة فرحانه بي عرس صلاح .. ثم لا يتمالك نفسه فيروح في بكاء ... فيعانق هذه .. و هذه تأخذ ذاك لتضع رأسه في حجرها .. بينما تمسح دموعها .. لم يستفيقوا إلا عندما صرخت فيهم : كفاية .. كفاية
هسع أستفدت شنو غير بكيتني يا جلال .. إنت ما عارف أنا قاعد لي في صحراء ووحداني إنت لي متين حا تستمر في تميزك وشفافيتك دي؟؟؟ لك خالص معزتي وفخري
01-23-2006, 08:12 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
Quote: هسع أستفدت شنو غير بكيتني يا جلال .. إنت ما عارف أنا قاعد لي في صحراء ووحداني
أبو البدور أخوى ... البكا لازم و ضرورة .. و خاصة في الغربة الناشفة دي و إلا الواحد كان حينفجر زى أنبوبة الغاز ..
العبرة في قصة هذه النخلة .. أنها تجبرنا على أن نقول ( ما زالت الدنيا بخير .. و أن وشائج العلاقة الأسرية رغم كل شيء لا تزال جذوتها متقدة بأمثال هذه الكنداكة ) ..
لا تكبت دموعك .. أطلق لها العنان فهي غسيل للروح ..
أرقد عافية
01-23-2006, 03:06 AM
قرشـــو قرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385
كعادتك جميل فى كل فكرة تطرحها وكأنك تنعى لنا ذلك التكاتف الاسرى وتلك الاسر المتحابة دوما والتى تعيش وكأنها فرد واحد ... ترى هل تبقى شىء من تلك الأسر ؟؟؟؟
وهل بقى من الابناء من ينصاع لوالديه ناهيك عن كبير اخوانه ؟؟؟
المطلع ذكرنى عهد قديم ايضا حينما كانت الاغنية اياها تصدح من مذياع هنا امدرمان
لك تحياتى
01-23-2006, 08:42 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
أبو جهينة الله يديك العافية والصحة والعمر المديد لقد حلقت بنا في عالم الاسرة المتكاملة المتآلفة والتي نفتقده اليوم كثيراً مع تسارع ايقاع الحياة وتعقدها دمعت عيناي مع بعض المشاهد والصور رغم وجود الزملاء في المكتب وجاهدت كثيرا لأخفائها لكي لا تفضحني
01-24-2006, 08:27 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
كما قلت لشقيقي بدر الدين .. أطلق دائما لدموعك العنان .. أجلس أنا أحيانا أعصر ذاكرتي لإستدعاء صور حزينة .. ثم أروح في بكاء صامت .. ثم بعدها أشعر بأن روحي قد إنعتقتْ من ربقة قاسية .. و مثل هذه القصة الحية بشخصياتها التي لا زالت بيننا .. هي قصة نجدها في قرانا و مدننا و أريافنا .. أخوات بكريات يعملن في تفانٍ و صمت و تضحية و نكران ذات .. يؤدين رسالتهن من خلف الكواليس ..
لك مني راسخ المودة
01-25-2006, 00:57 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
سعدت بمداخلتك التي تعبر عن صدق مشاعرك .. محطات إنسكاب الدمع هي محطات لا بد منها .. فهي إن لم تغسل الروح .. فهي تزيد من زخم التجربة و تضيف للذاكرة نقطة قد يحتاجها الإنسان في مقبل أيامه ..
شكرا كثيفا .. دمتم
01-24-2006, 01:09 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
تعرف جيدا انني من معجبي كتاباتك. بساطة السرد في هذا النص القصصي منحه القدرة على النفاذ إلى نفس المتلقي بمنتهى اليسر. وحين أقول ببساطة السرد فإنني لا أجرد العمل الأدبي هنا من تفرد خصائصه الجمالية التي ساهمت في نجاحه بالتأكيد. عندك مقدرة لا تضاهى في استدعاء الزمان الماضي ليصبح جزءا من الحاضر..فالقصة - وهي سرد لعملية تداخل أجيال - حفلت بالمشاهد الحية والناطقة لبيت الأسرة السودانية في توارث أجمل أنماط الحياة فيه على مدى جيلين أو ثلاثة. المسافة بين الأب وصلاح (أصغر الأشقاء) هي اكتمال الدائرة لثلاثة أجيال تقريبا. عرس صلاح يمثل البداية لجيل جديد والنهاية لسيرة البيت السوداني في ثبات يقينه.. وما إجهاش الإخوة والأخوات في البكاء ليلة فرح صلاح باعتقادي إلا تحسرا وأسفا على رحيل آخر حالات اليقين وخوفا من خواء النفس وهي تواجه عالما جديدا من المجهول.
الحوار بعامية وسط وشمال السودان (وهي السائدة الآن) كان جزءا لا ينفصل من عبقرية النص وتماسكه..عامية غاية في الفصاحة. لقد أبدع قلمك لوحة أدبية سعدت بقراءتها أيما سعادة.
أود أن اسجل هناأن خطأين نحويين وردا في النص بسهو أعيبه على أديب بقامتك. مراجعة النص قبل أن ندفع به للقاريء يأتي في أولويات كل كاتب يحترم عمله وقراءه. إذ لا يجوز وأنت صاحب هذه اللغة الفخيمة أن تقول:
Quote: "و من أصدقاءهما القدامى ..."
والصواب أن حرف الجر (من) يمكنه أن يجر قصتك كلها ويرميها في ألف داهية!! كذلك ورد قولك : "..ترقد بعضا...". لماذا الفتح في "بعض" وهي فاعل واضح المعالم. مثل هذه الهفوات لا أقبلها من أديب بقامتك. راجع عملك قبل نشره. أكرر سعادتي بهذا النص الأدبي الجميل.
01-24-2006, 04:42 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
أسمحوا لي بأن أقفز لمداخلة أستاذنا فضيلي .. قبل أن أرد على مداخلاتكم القيمة ..
***
أستاذنا الجليل و شاعرنا الفذ فضيلي :
دائما أنادي بأن يقرأ الناس أي نص هنا بعين ناقدة قبل أن يردوا بكلمات التشجيع و المجاملة و يذهبوا في حال سبيلهم ..
و أنت أحد الذين يقومون بتقشير النص و تفتيشه و البحث بين جزيئياته. و خاصة النحو و التصريف .. و لم لا فأنت تلميذ زميلنا المرحوم الأستاذ المخضرم المغفور له بإذن الله شيخ الدين جبريل .. تلميذه في تلك البقعة الجميلة ( رجل الفولة ) ..
وزيرنا الهمام / جلال الدقير .. و زميل دراستك .. لاحظت أيضاً أنه متحدث مفوه ينتقي كلماته بدقة .. و هذا أظن أيضاً من زنقات أستاذنا المرحوم .. و حرصه على أن تكون اللغة خالية من أي خلل نحوي ..
تذكرني هذه الذكريات يا عزيزي بقصة مفادها أن أحد أبناء المرحوم الأستاذ شيخ الدين جبريل في محادثة هاتفية مع المرحوم أخطأ في نطق كلمة كانت لا بد أن تكون مجرورة بحرف جر سبقها فقال له المرحوم بإحدى ( لذاذاته التي ذكرتها تماضر ) : ياخي الحرف دة يجرك من جدة يجيبك أمدرمان ) .. و ملاحظتك الدقيقة أيضاً ذكرتني بقصتي مع أستاذي الجليل الكاروري في عطبرة .. حيث أتيتهم للمدارس الحكومية بعد دراستي في الكمبوني 4 سنوات .. فكان يعتمد علي كثيرا في حصة ال Grammer و لكن عندما أغلط .. فقد كان عقابه مضاعفا لي .. تماما كعدم قبولك بالسهو الذي حدث هنا ..
أزجي لك شكري و عميق إمتناني .. و لا خير في عين ناقدة لا ترينا مثل هذا السهو ..
سعدت كثيراً بمرورك العميق على النص .. و تحليله بعين الفاحص الذي عاش ذاك الزمن الجميل .. و هذا ديدنك .. دمت أخوك جلال أبو جهينة
01-25-2006, 04:19 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
استاذي أبوجهينة.. الدنيــا حظوظ .. ومن حظي العظيم انك بالجوار .. ارتــاح دائما عند المرور بواحة قلمك النقي ، المحزن المفرح المبكي اهرع .. لمستودع احزانك عندما احتاج اقف بامشاط القلب ومتوكل على اللهفة في متابعت مفرداتك .. يا طيب مدادك يا استاذنا
01-24-2006, 07:13 AM
يازولyazoalيازول يازولyazoalيازول
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10210
الحقيقة اسلوبك فعلا جميل ومؤثر ، كما أعجبتنى مداخلتك للأستاذ فضيلى ، وهو فعلا أحد تلاميذ والدنا الأستاذ المرحوم شيخ الدين وعند فضيلى مع الأستاذ قصص وذكريات لا تنسى أرجو أن تتاح له الفرصة ليحكى لنا عن بعضها.
الله يديك العافية يا استاذ جلال
01-24-2006, 08:26 AM
فضيلي جماع فضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315
شكرا على التعقيب الجميل. وأشكر لك استطرادك وأنت تتحفنا بما استدعى إلى الذاكرة شريحة من أحلى ذكريات العمر. الغالي إبن الغالي هشام شيخ الدين جبريل طلب لو أحكي بعضا من مواقف (طرائف) لي مع الراحل المقيم أستاذي شيخ الدين. قد لا يسمح ضيق الوقت بسرد حزمة طرائف في أمر الأكاديميات واللغة..لكني أشير إلى أن للرجل القدح المعلى في تحبيب بنت الضاد إلينا. وكان ميالا إلى المسرح المدرسي الناطق بالفصحى رغم أنه كان يقسو علينا بمحبة الوالد لنجود الإنجليزية التي كان يتحدثها بطلاقة. وعلى ذكرك للأخ الدكتور جلال الدقير (وزير الصناعة الحالي) فقد كنت وإياه وزملاء آخرين ممن شملهم الأستاذ شيخ الدين برعاية خاصة - لكن الويل لأحدنا ساعة "يلخبط" في النحو والصرف أو يؤدي أداء رديئا في المسرح الذي كانت تؤمه البلدة كلها في المناسبات القومية والدينية.
التقيته مرة وهو يشتري بعض الأغراض من السوق الأفرنجي بالخرطوم. كنت طالبا وقتذاك بجامعة الخرطوم (أيام مجدها). تجولنا معا وذكريات رجل الفولة الوسطى هي كل حديثنا. وعلى الرغم من أنه عمد إلى إشعاري بأني قد كبرت ولا داع للتبجيل الزائد عن الحد، إلا إنني شعرت أن قامتي لا تطول ذاك الهرم التربوي الشامخ. كنت أذكره مثلا بأحد زملائنا فينطلق الأستاذ بمرح الصبي - لا الشيخ- ويسألني كمن أعدت إليه عبر الزمن سيرة عطرة: وين هو الولد الشاطر والمشاكس دا؟ دا ابن حلال! تعرف كان طيب من جوة ، وكمان بلعب كورة كويس. ثم نتطرق إلى ذكرى مناسبة سارة بالمدرسة فتعلو قهقهته..وينظر مليا في الأفق كمن يستعيد صورا من الماضي. يهز رأسه باعجاب ثم يردف بابتسام: الله عليكم يا اولاد يا شطار..يا رجال بحق واولاد رجال!
حين فرغنا من شراء الأغراض وأعدناها للسيارة(وأذكر أن جلها كان حلويات وأغراض للعيد) طلب مني الجلوس معه في السيارة وقادها بنفسه إلى حيث داخليات الجامعة (البركس). أوقف السيارة وترجلنا منها. فتح طبلون سيارته وإذا بثلث الأغراض كان من نصيبي.. كما وضع خمسة جنيهات في جيبي (كانت مبلغا ضخما)..وحين مانعت (حدرني) بنظرة الأب المربي وقال-خالطا المزاح بالجد: إنت أظنك فاكر روحك كبرت يا فضيلي؟ خود الحاجات دي، بلاش عناد معاك !!
ودعته..لكن ليس قبل أن أعطيه موعدا بزيارته يوم العيد أنا وبعض زملائي ممن التحقنا بالجامعة. قال وهو يشيعني بابتسامة الرضا: أنا فخور بيكم دايما يا اولاد!
أبوجهينة: ذلك جيل سنلهث كثيرا لنتعقب غبارا خلفوه وراءهم. أحسن الله إليهم بقدرما غرسوا في دواخلنا قيما يزول الزمان ولا تزول.
لله درك أستاذى وأخى الكبير فضيلى جماع وأنت تذكرنا بذلك الهمام الذى قال لنا مرة - نحن أبناؤه _ يوصينا وصية الأب لولده مستحضرا قول الشاعر قيس بن خفاف يوصى ولده جبيل:
أجبيل إن أباك كارب يومــه فإذا دعيت إلى المكارم فأعجل أوصيك إيصاء إمرىء لك ناصح طبنٍ بريب الدهــر ، غير مغفل الله فاتقـــه ، وأوفى بنذره وإذا حلفت ممارياً فتحـــــلل وأترك محل السوء لاتنزل بـه وإذا نبا بك مـــنزل فتــحول وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا ترجو الفواضل عند غير المفضل وإذا هممت بأمر شرٍ ، فاتئد وإذا هممت بأمر خيرٍ ، فافـعل وإذا تشاجر فى فؤادك مــرة أمران ، فأعمد للأعـــف الأجمل
ثم ختمها بقوة قائلاً: مفهوووووووووم؟ فلم نملك إلا أن نقول مفهوم.
التحية والتقدير لك أستاذى فضيلى ، وسحائب الرحمة تتغشى قبر والدنا الهمام شيخ الدين جبريل
وتحية خاصة لأخى جلال (أبوجهينة) صاحب البوست الرائع الذى جلب لنا الأديب الحبيب فضيلى جماع
والتحية لكم معشر القراء ومحبى الأستاذ المرحوم شيخ الدين جبريل
الأخت تماضر رغم أنها أنزلت بوست بإسم ( لذاذات أبي ) إلا أنني أرى أن المرحوم الموسوعة يحتاج أن تفردوا له سيرة كاملة متكاملة .. و أعتقد أن هناك تلاميذ آخرين غير الأستاذ الشاعر فضيلي في هذا المنبر يمكن أن يسردوا مواقف معه. مع الصديقين و الشهداء ذاك الرجل.
و دمتم
01-26-2006, 01:59 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
عزيزنا علاء ( أبو آلاء ) آلاء دي من عندي لزوم ظبط السجع ..
تحايا
بكل صدق .. نحن محظوظون في الرياض بهذه الصحبة الفريدة الجميلة .. في مراحل الحياة المتشعبة هنا و هناك .. يمكنك أن تتعرف و تصادق فردا أو بالكثير شخصين في وقت واحد .. و لكننا في الرياض عرفنا و صادقنا أكثر من خمسين واحد في لمة واحدة .. و هي معرفة و صداقة لن ينمحي أثرها ما حيينا ..
دمتم أعزة متحابين و متآلفين .. أرقد عافية
01-25-2006, 08:34 AM
ابو جهينة ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492
أعتقد جازماً بأن الدموع في لحظات الفرح ( كما حدث لهؤلاء الأشقاء و الشقيقا ليلة عرس شقيقهم ) أعتقد بأنها ترجمة صادقة لمشاعر شتى إختزلوها بإطلاق دمعاتهم .. كم من موقف هزني .. فبكيت فرحاً .. أسأل الله أن يجعل أيامك كلها فرحا و سعادة .. قولي آمين ..
تخريمة يا تيسير : لا أدري .. يبكيني منظر أي زول بيجي من السفر و يقالد والدتو .. و يبكيني أكثر منظر واحدة مشتاقة لولدها المسافر و تبكي في صمت و تحاول تداري دميعاتا ..
غايتو ..
أرقدي عافية
01-26-2006, 06:07 AM
bayan bayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ابو جهينة
Muna Khugali
بدرالدين شنا
قرشـــو
عمر الفاروق
walid taha
showgi idriss
Habib_bldo
فضيلي جماع
تيسير عووضة
tmbis
يازولyazoalيازول
bayan
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست