من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 01:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2006, 11:10 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية (Re: bayan)

    كان واضحاً ان مجلس الثورة قد انقسم إلى فريقين فريق ثلاثي مواقفه قريبة جداً من مواقف الحزب الشيوعي، وفريق آخر ضم بقية أعضاء المجلس ولم ير الحزب كرؤية فريق الثلاثة: شريكاً أساسياً في الحكم لا يمكن الاستغناء عنه البتة.
    وكان من ضمن أجندة الخلاف اعتماد مجلس الثورة رأياً يرى ان دور تنظيم الضباط الأحرار قد انتهى باستلام الجيش للسلطة، ومن ثم فغن التنظيم لا يمكن ان يكون مرجعية لقيادة القوات المسلحة والسلطة السياسية.. بمعنى ان يكون تنظيم الضباط الأحرار مسئولاً أعلى من مجلس قيادة الثورة..
    ولما كان أمر الخلاف المباشر هو أسلوب القيادة واتخاذ القرار ثم نوعية القرارات، فإن الخلاف حسم بالتصويت..
    ومن ثم فقد أخرج فريق الثلاثة من مجلس قيادة الثورة (بالأغلبية البسيطة)... وكانت تلك من العلامات الفارقة في مسيرة مايو..
    الانزلاق نحو المواجهة:
    وقعت قرارات إعفاء بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا وقع الصاعقة على كل القوى السياسية النشطة في البلاد.. وقد كان وقعها أشد على الحزب الشيوعي السوداني.. إذ ان خروج الضباط الثلاثة كان يعني بداية المعركة الفاصلة المتوقعة بين مجلس الثورة وبين الحزب الشيوعي.
    والواقع ان الحزب الشيوعي السوداني اعتبر قرارات 16 نوفمبر (انقلاباً) من قبل جماعة مايو عليه، فكل أدبيات الحزب الشيوعي، بما فيها (وثيقة 19 يوليو 1971م) التي أصدرها الحزب حول تلك الأحداث، تصف قرارات مجلس الثورة بإبعاد فاروق وهاشم وبابكر النور باعتبارها انقلاباً استهدف (المجموعة الديمقراطية في مجلس الثورة)..
    لقد اتبع مجلس الثورة قرارات إبعاد أعضائه الثلاثة بعد قرارات صبت كلها في اتجاه المعركة الفاصلة مع الحزب الشيوعي..
    فقد تم إحالة ثلاثة عشر ضابطاً من القوات المسلحة إلى التقاعد لوجود اعتقاد بميلهم- أو على الأقل تأييدهم – للضباط الثلاثة المقالين ولمواقفهم ذات الميل الشيوعي.. وكان من بين هؤلاء أعضاء التنظيم العسكري الشيوعي ومن بينهم محمد محجوب عثمان، ومحجوب إبراهيم.
    قامت السلطات باعتقال عبد الخالق محجوب – والذي كان قد أعيد من منفاه في القاهرة – وتم التحفظ عليه في إحدى الوحدات العسكرية ، وليس في معتقل كوبر السياسي الشهير..
    أصدر مجلس الثورة قراراً بمصادرة ممتلكات حامد محمد الأنصاري وذلك لوجود اعتقاد بأن تلك الممتلكات إنما هي في حقيقتها ممتلكات الحزب الشيوعي.
    قامت سلطات الأمن بالاستغناء عن خدمات 38 ضابطاً من ضباط جهاز الأمن العام والأمن القومي.. وقد كان معظم هؤلاء قد جرى اختيارهم في ظل هيمنة وثيقة من الشيوعيين على أسلوب الاختيار في أجهزة وزارة الداخلية، ثم بعثهم إلى ألمانيا الديمقراطية التي قامت بتدريبهم تدريباً أمنياً وعقائدياً. وقد شمل الاستغناء عن الخدمات بعض ضباط جهاز الأمن القومي ذوي الانتماء الفكري الواضح..
    بيان 12 فبراير 71
    الفترة الممتدة من نوفمبر 70 وحتى فبراير 71 شهدت استمراراً في الأزمة بين الحزب الشيوعي وقادة مايو بحيث لم يعد هناك مجال أو خيار سوى الصدام المدمر... كانت منشورات الحزب الشيوعي قد أخذت في التوالي والتتابع في إدانة تهافت الجماعة العسكرية على السلطة وتطلع (البرجوازية الصغيرة) – وهو التعبير الذي يشير إلى الضباط – إلى إقامة دكتاتورية عسكرية جديدة تستغل فيها القوى التقدمية واليسارية لتحقيق أغراضها في السيطرة.
    وكانت المنشورات التي وزعت منذ يناير 1970 قد فصلت انتقاد الشيوعيين الذي كاد ان يشمل كل قرارات مايو السياسية، من المصادرة والتأميم، إلى اختيار نظام الحزب الواحد بدلاً من نظام الجبهة ، على قيام منظمات جماهيرية خاصة بمايو بدلاً من المنظمات الرافدة للحزب الشيوعي، وحتى اتفاقية ميثاق طرابلس ومن بعدها اتفاقية الوحدة الثلاثية (مصر وليبيا وسوريا).
    ومع تواصل مد النقد من الحزب الشيوعي لمايو، واتصال المواجهة على مستوى التجمعات- خاصة تجمعات الشباب والنساء- والمنتديات من شاكلة لجنة الميثاق الوطني. كانت اجتماعات مجلس الثورة تناقش أكثر من مرة مواقف الحزب الشيوعي وموقف مايو منها..
    كان آخر اجتماع ناقش هذا الأمر هو اجتماع الثاني عشر من فبراير71 وهو الاجتماع الذي عقد نهاراً في مقر القيادة العامة – كما كان الحال بالنسبة لكافة اجتماعات مجلس الثورة – وقد أشارت المعلومات ان الاجتماع لم يحسم أمر الموقف من الشيوعيين يومها.. بيد ان رئيس المجلس حسم ذلك الأمر.. (1.
    ففي نهار ذلك اليوم نبهت إذاعة أمدرمان المواطنين إلى بيان هام يوشك ان يلقيه عليهم رئيس مجلس قيادة الثورة جعفر نميري... وهو ذلك البيان الذي دخل تاريخ السودان باسم بيان 12 فبراير.
    وقد حوي ذلك البيان لأول مرة عبارات قوية وعنيفة ضد الحزب الشيوعي.
    .. فقد أكد ان البيان ان الثورة قد أعلنت حل جميع الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي وأنها لا تسمح لأي حزب ان يدعى أنه فوق ذلك القرار..
    .. ثم تحدث البيان عن رفض مايو لأية وصاية عليها من أية جهة.. وكان المقصود محاولات الوصاية الشيوعية..
    .. وأكد البيان ان الثورة ستضرب كل محاولات الوصاية بها وان العناصر التي تحاول التلاعب بإرادة الشعب سيتم سحقها...
    .. وقال البيان إن (ثورة مايو ثورة للجميع)
    كان ذلك البيان هو (بيان حربي رقم واحد) لمايو في معركتها الفاصلة مع الشيوعيين..
    وتوالت من بعد ذلك البيان الخطوات التصعيدية..
    في عيد مايو الثاني أصدر مجلس الثورة قرارات بحل تنظيمات اتحاد الشباب السوداني والاتحاد النسائي، وهما الواجهتان التاريخيتان الأشهر للحزب الشيوعي السوداني..
    وأصدر قراراً آخر بحل جمعيات الصداقة مع الدول الأجنبية ... وكانت أشهر تلك الجمعيات هي جمعيات الصداقة مع الاتحاد السوفيتي وألمانيا الديمقراطية وغيرها من دول المعسكر الشيوعي.
    قام مجلس الثورة بإلغاء قانون العمل الذي صاغت معظم بنوده بعض كوادر اتحاد العمال السوداني الذي سيطر عليه الشيوعيون وترأسه الشفيع أحمد الشيخ.. وكان القانون قد نال كثيراً من الجدل لما حواه من شطط وتجاوز للأعراف الاقتصادية المتوارثة والمتفق عليها في البلاد.
    أعلن مجلس الثورة قيام تنظيمات شبابية ونسائية خاصة بمايو وهي تنظيمات طلب منها (ان تتيقظ دون تسلسل عناصر مشكوك فيها إلى صفوفها)، وكانت الإشارة هذه المرة إلى الشيوعيين وليس (العناصر الرجعية).
    أعلن المجلس عن بدء العمل نحو قيام تنظيم سياسي جامع – يتخذ من تحالف القوى الوطنية العاملة – العمال والمزارعين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية – كأساس للعمل السياسي وكان هذا القرار ضربة أخرى للحزب الشيوعي الذي حاول ان يدفع الأمور في اتجاه قيام سلطة (الجبهة الوطنية الديمقراطية)..
    يعتبر البعض بيان الثاني عشر من فبراير علامة فاصلة في مسيرة مايو .. بينما يعتبر آخرون العاشر من أبريل هو اليوم الفاصل...
    الذين يعتبرون العاشر من أبريل 71 هو اليوم الفيصل بين زمان وزمان في تطور مايو، إنما يعتقدون ذلك بما كان في ذلك اليوم من أحداث..
    فيوم العاشر من أبريل 71 يعرف في أدب مايو بلقاء ميدان سباق الخيل.. وكان اللقاء قد جرى تنظيمه من قبل قوى شعبية كانت – حتى ذلك الوقت – بعيدة عن مايو لما كانت تراه من سيطرة يسارية ماركسية عليها.. بعد بيان فبراير الذي أعلن الطلاق بين مايو والحزب الشيوعي سعت بعض القوى السياسية والشعبية التي رأت في تلك التطورات خطوات إيجابية لفتح أبواب النظام الجديد على الرحاب السوداني الأوسع – سعت إلى إعلان مباركتها للموقف الجديد بما عرف بعد ذلك بلقاء أو مهرجان سباق الخيل...
    ولقد تدافع لذلك اللقاء مئات الآلاف من أبناء ضواحي الخرطوم على دقات النحاس واحتشدوا في تجمع مهيب كان غرضه ان يقول لأعضاء مجلس الثورة أين هذه الجماهير من جماهير الحزب الشيوعي..
    كان واضحاً ان مهرجان سباق الخيل هو بداية لتعميد مايو في رحاب اليمين العريض.. إذ كان معروفاً ان من بين القوي التي نظمت مهرجان سباق الخيل عناصر طائفية حزبية تنتمي إلى الوطني الاتحادي وبعض عناصر حزب الأمة.. وقد جاء المهرجان والعمل من أجله بمباركة من القيادات الحزبية والطائفية، وذلك في سبيل تعميق الفتق الشيوعي- المايوي وفي سبيل العمل على ضرب النظام بكامله من خلال توسيع جراحة وتضخيم التناقضات بين عناصره اليسارية المختلفة..
    مهما يكن من أمر هوية ذلك المهرجان فإنه تمكن من إكساب قيادة مايو ثقة في النفس وأعطاها جرأة في إقدامها على المواجهة مع الحزب الشيوعي بعد طلاق الثاني عشر من فبراير .. ولقد تسارعت الخطى من بعد ذلك من الجانبين – المايوي والشيوعي – في اتجاه النهاية المحتومة منذ الثاني عشر من أبريل..
    ففي مارس 71 أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ردها على بيان 12 فبراير المهدد بالسحق للشيوعيين من خلال صحيفة الأخبار البيروتية (19) التي نشرت ان اللجنة المركزية للحزب أعلنت ان سلطة مايو لا تملك القدرة على تحطيم الحزب الشيوعي وأنها ان حاولت ذلك، فإنها تضع نفسها في مواضع الخطر..
    في نهاية مايو 1971 أصدر الحزب الشيوعي آخر بياناته وأخطرها ... وهو البيان الذي أعلن بالوضوح وجوب إٍسقاط سلطة الدكتاتورية العسكرية..
    وفي منتصف يونيو 1971 قام التنظيم الشيوعي العسكري بتنفيذ عملية جريئة تم بها تهريب عبد الخالق محجوب من داخل مصنع الذخيرة بالخرطوم..
    كان الزمان يقترب سريعاً من شهور الصيف اللاهية في الخرطوم.. مابين مايو ويونيو ويوليو وقعت أحداث كثيرة.. ولكن كان أهمها على الإطلاق تهريب عبد الخالق محجوب من براثن القبضة العسكرية في عملية درامية (نرويها في الجزء التالي)..
    يوم هرب عبد الخالق من الذخيرة صرخ الرائد محمد محجوب سليمان (سكرتير تحرير صحيفة القوات المسلحة وقتها ( يا عالم .. ما فيش حزب شيوعي في الدنيا يهرب سكرتيرة إلا إذا كان سيعمل عمل أخطر.. انقلاب مثلاً!!)
    كان ميقات هذا الكلام نهاية يونيو 71 على بعد اسبوعين ونصف من (انقلاب العصر)..

    أعوام مايو الحُمْر..
    انقلاب (العصر) القصير
    o دبر التنظيم العسكري الشيوعي الانقلاب بمعرفة سكرتير الحزب..
    o صاحت الإذاعة – وقع تدخل أجنبي على بلادنا فاختلطت بعدها الأوراق..
    =========
    ذكرنا في الجزء السابق ان الرائد (وقتها) محمد محجوب سليمان – والذي أصبح فيما بعد مستشاراً صحفياً لنميري، أعلن – حينما علم بهروب عبد الخالق- ان الأحزاب الشيوعية لا تهرب سكرتيرها العام إلا إذا كانت تتوقع أمراً جللاً كأن يخشى اغتياله. أو أن تكون هي على وشك إحداث حدث عظيم قد يتعرض من جرائه السكرتير العام للخطر ... وقد قال محمد محجوب يومها بالصراحة والواضح إن الحزب الشيوعي يدبر انقلاباً..
    ولكن كيف تم تهريب عبد الخالق محجوب من داخل مصنع الذخيرة؟ ومن قام بتهريبه من غرفة الاستراحة الموجودة بالقرب من المدخل الرئيسي للمصنع...؟
    تفاصيل الهروب وردت في صحيفة القوات المسلحة التي صدرت في تلك الأيام(20)، وقد أشارت الصحيفة – مواربة – إلى الدور الذي لعبه التنظيم الشيوعي في ذلك الأمر...
    وكانت محاولة أخرى سابقة قد تمت من قبل حيث حاول ثلاثة من الضباط من أعضاء التنظيم الشيوعي العسكري الوصول إلى عبد الخالق ومن ثم الخروج به بعد ان جرى تأمين وجود عناصر من ضباط الصف ذات الميول الشيوعية كحرس لعبد الخالق.. وقد فشلت تلك المحاولة نتيجة شكوك بعض أفراد الحراسة عند ملاحظتهم لوجود جماعة بعربة أمام بوابة الذخيرة، وكانت تلك المجموعة تضم من بين أفرادها هاشم العطا، ومحمد محجوب عثمان (شقيق عبد الخالق) ومحجوب إبراهيم(21).
    والواقع ان مصنع الذخيرة كان يعتبر واحداً من المواقع القليلة في القوات المسلحة التي تستوعب ضباط الصف الذين أكملوا تعليمهم الثانوي، والذين يبعثون من حين إلى آخر في دورات تدريبية إلى ألمانيا الغربية – التي أمدت السودان بالمصنع.. لهذا السبب فإن احتمالات وجود عناصر يسارية منتمية للحزب الشيوعي كانت قوية جداً...
    ومن جانب آخر فغن واحداً من أعضاء التنظيم العسكري الشيوعي ... المقدم محجوب إبراهيم كان قريب الصلة من المصنع وضباطه وجنوده، وذلك بحكم عمله لفترات طويلة فيه .. ومن ثم فإن كان على معرفة بالكوادر التي يمكن ان تعاون في مجال إخراج عبد الخالق... وقد استند التدبير الثاني على استعانة محجوب إبراهيم بعدد من ضباط الصف ذوي الميول الماركسية في سلاح الذخيرة..
    وقد تمكن الضباط من العمل على ان يتم تكليف مجموعة من العناصر اليسارية من ضباط الصف بمهام حراسة عبد الخالق في اليوم الذي تقرر إخراجه فيه من المعتقل، وفي ذلك اليوم قام ضابط الصف المكلف بقيادة جماعة الحراسة لعبد الخالق بجمع جنود الحراسة من أمام الاستراحة واتجه بهم إلى خلفها حيث بدأ في توجيه تعليمات ونصائح (لا معنى لها) للجنود..
    في هذا الوقت كان الضباط المكلفون بتخليص عبد الخالق يدخلون بعربة فولكسواجن عبر المدخل الرئيسي لمصنع الذخيرة... وقفت العربة أمام الغرفة المخصصة لعبد الخالق.. وفي دقائق قليلة دخل أحد ركاب العربة إلى الغرفة ثم خرج ثلاثة عسكريين من الغرفة وركبوا العربة.. كان واحد من أولئك الثلاثة هو عبد الخالق محجوب.. وكان ثاني الثلاثة عريف اسمه عثمان عبد القادر، كان هو المكلف بفريق الحراسة..
    ولا يعرف إلى أين توجه عبد الخالق فور خروجه من المعتقل، ولكن الذي أصبح معروفاً فيما بعد، ان مقر سكن قائد الحرس الجمهوري، عثمان حاج حسين (أبو شيبة) كان المأوى الأساسي له طيلة تلك الفترة..
    التفكير في التدبير
    كيف ومتى بدأ التفكير في تدبير الانقلاب؟ وهل كانت أجهزة الحزب الشيوعي وراء ذلك التدبير؟
    يمكننا القول ان التاريخ الفيصل في هذا الأمر هو الثلاثين من مايو 71 يوم صدور (فتوى) اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بوجوب العمل على الإطاحة (بالنظام العسكري الفاشي) .. وكان بيان المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي قد صدر بعد رصد الحزب لخطوات التدهور في علاقة مايو بهم، وهي الخطوات التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
    1. إعفاء الضباط الثلاثة من عضوية مجلس الثورة.
    2. إعفاء عدد من ضباط الجيش والأمن ذوي الميول الماركسية.
    3. حل اتحاد الشباب السوداني والاتحاد النسائي وجمعيات الصداقة.
    4. إعفاء عدد من موظفي الخدمة المدنية المحسوبين على الحزب الشيوعي.
    5. حل اتحاد نقابات عمال السودان الذي يترأسه الشفيع أحمد الشيخ.
    6. إقامة تنظيمات خاصة بمايو: كتائب مايو/ أحرار مايو/ الحرس الوطني.
    7. إعلان الحرب على الحزب الشيوعي في بيان عام من قبل رئيس مجلس الثورة.
    8. إعلان إقامة تنظيم الاتحاد الاشتراكي واستبعاد فكرة الجبهة الوطنية الديمقراطية.
    كان الحزب الشيوعي قد وصل على القناعة الراسخة بأن مجلس الثورة قد سلك طريق اللاعودة في علاقته بالحزب الشيوعي، ولكن لم يكن الحزب مستعداً للخوض في الخلاف إلى مداه الأبعد.. فالحزب كان لا يزال يرى بعضاً من الأمل في الاجتماعات التي كانت تتم من آن لآخر حول العلاقة بين الدولة ممثلة في سلطة مايو، وبين الحزب.. وكانت بعض تلك الاجتماعات قد شملت محمد إبراهيم نقد الذي أكد في واحد منها ان الدعوة إلى إسقاط مايو (التي جاءت في بيان 30 مايو71) لم تصدر من اللجنة المركزية للحزب.(22)
    بيد ان الذي كان يستحث خطى الحزب الشيوعي نحو المواجهة كان هو التنظيم العسكري للحزب الشيوعي.. فقد كان التنظيم العسكري هو الذي نقل إلى لجنة الحزب المركزية وجود خطر على حياة عبد الخالق محجوب في معتقله بالذخيرة... حيث عبر التنظيم عن اعتقاده بأن سلطة مايو تدبر لنقل عبد الخالق إلى الجنوب وأنه من المحتمل ان يتم حقنه بمواد سامة بطيئة السريان(23)
    كما أن أعضاء التنظيم الشيوعي العسكري كانوا قد وضعوا خطة للاستيلاء على السلطة خاصة بتنظيمهم، وذلك بعد ان قام مجلس قيادة الثورة بحل تنظيم الضباط الأحرار في الوقت الذي أنشأ فيه ضباط المدرعات تنظيماً باسم أحرار مايو.. تحت رعاية وزير الدافع خالد حسن عباس وبإشراف العميد أحمد عبد الحليم وعبد المنعم محمد أحمد وسعد بحر.
    في تقديرنا ان المجموعة العسكرية التي أخرجت عبد الخالق محجوب من المعتقل لم تفعل ذلك إلا بنية الحصول على مباركته وموافقته على القيام بانقلاب.. فالوثائق أمامنا تشير بوضوح إلى ان التنظيم العسكري الشيوعي كان حذراً حتى في تعامله مع اللجنة المركزية للحزب في غياب عبد الخالق، وقد وصل هذا الحذر إلى الحد الذي أصبح فيه التنظيم يتصرف لوحده ودون الرجوع إلى المرجعية التقليدية: اللجنة المركزية.. وقد ذكر أحد أعضاء التنظيم العسكري إنهم صاروا لا يحيطون اللجنة المركزية علماً بكل تفاصيل قراراتهم وذلك بعد أن أصبحوا يشكون في ان بعض المعلومات أصبحت تنتقل إلى الحكومة عن طريق الجماعة المنقسمة التي عرضت الحزب إلى أكبر عملية اختراق في تاريخه.(24)
    وهذا السبب نفسه هو الذي برر إقدام الجماعة على الخوض في عملية إطلاق سراح عبد الخالق دون مشورة ولا معرفة الحزب.. كما تم إيواء عبد الخالق في مكان لم يكن يعرفه حتى عدد من أقرب المقربين في الحزب..
    لا يعني هذا الكلام ان الحزب الشيوعي لم يوافق ولم يعرف بالانقلاب المنتظر .. إذ هناك دلائل وشواهد على ان الحزب الشيوعي ولجنته المركزية كانا على معرفة بنية التنظيم العسكري بالقيام بانقلاب .. فهنالك دلائل على ان اللجنة المركزية تحدثت عن (حركة تصحيحية) في سياق تحليلها لما يمكن ان يكون عليه الحال لو قام الشيوعيون بانقلاب.. وقد شمل ذلك التحليل التحسب من إمكانيات تدخل دول ميثاق طرابلس من جهة .. والتدخل الأمريكي من خلال الإمبراطورية الإثيوبية من جهة أخرى.. وقد ناقشت اللجنة المركزية للحزب قبل اسبوع تقريباً من انقلاب يوليو، ناقشت فكرة القيام بانقلاب عسكري بعد الضغوط المتعددة التي مارسها التنظيم العسكري على اللجنة.
    بيد أن الدليل الأقوى على مباركة قمة الحزب الشيوعي – السكرتير العام – للانقلاب، ورد في إجابات عبد الخالق محجوب التي أدلى بها – وهو مقيد اليدين بعد اعتقاله إثر فشل انقلاب 19 يوليو – أمام جعفر نميري بحضور الكاميرات التلفزيونية (25) فقد قام السكرتير العام ان اللجنة المركزية للحزب قررت في الثلاثين من مايو 71 ان يتم استعمال القوة للتخلص من سلطة مايو وأنها دعت لإقامة سلطة الجبهة الديمقراطية (26)
    ما كان يمكن لأي جهة أخرى – سوى المجموعة العسكرية للحزب الشيوعي – ان تقرر تنفيذ الانقلاب .. ومن الواضح ان السكرتير العام قد أعطى موافقته على ذلك لكونه كان أقرب ما يكون من مركز تخطيط وتنفيذ الانقلاب – قيادة الحرس الجمهوري. ومن ثم فإن الانقلاب وليد شيوعي شرعي..
    من التدبير إلى التنفيذ
    المجموعة التي دبرت ثم نفذت هي مجموعة التنظيم الشيوعي، وقد ضمت قيادة ذلك التنظيم معظم الأسماء التي تم إعدامها بعد فشل المحاولة. وكان هناك عدد مقدر من الرتب الصغرى (نقيب – ملازم) – والتي تم استيعابها فيما أشتهر في الجيش بالدفعتين 23 و 24 – قد شارك في تنفيذ حركة 19 يوليو من منطلق التزام سياسي، فقد ضمت هاتان الدفعتان ضباطاً تم استيعابهم في إطار تأمين دخول كوادر (يسارية تقدمية) ضمن دفعات الطلبة الحربيين التي تم استيعابها بعد نجاح مايو مباشرة .. وكانت هذه المجموعة من صغار الضباط هي التي تم الاعتماد عليها في التنفيذ الفعلي أمسية التاسع عشر من يوليو (27).
    كان عصب التحرك والتنفيذ هو الحرس الجمهوري الذي كان يقوده المقدم عثمان حاج حسين العضو القيادي بالتنظيم الشيوعي... كما شكل اللواء الأول مدرعات بقائد الثاني العقيد عبد المنعم محمد أحمد، القوة الضاربة للتحرك. ولم يكن أي من أعضاء مجلس الثورة يشك في انتماء أبو شيبة أو عبد المنعم محمد أحمد على التنظيم الشيوعي، فقد كان ظن المجلس ان الثلاثة عشر ضابطاً الذين أحيلوا للمعاش ليلة إحالة بابكر النور وهاشم العطا وحمد الله هم كل أعضاء التنظيم العسكري الشيوعي (2 كما ان الثقة الموضوعة في أبو شيبة وعبد المنعم محمد أحمد أبعدت الشكوك حولهما.. فقد كان الاثنان يتوليان أكثر الوحدات التصاقاً بأمن الثورة – المدرعات والحرس الجمهوري(29).
    انقلاب العصر
    يحق لنا ان نسمي انقلاب هاشم العطا بانقلاب العصر لسببين: أولهما أنه تم عصراً، ولأنه بالحق كان انقلاباً فريداً في عصره وزمانه... فقد كان كالريح العاصفة، هب فجأة وانتهى فجأة وأحدث في تاريخ البلاد الحادثات..
    فبالرغم من أن أجهزة مايو الأمنية والعسكرية كانت تتوقع تحركاً عسكرياً إلا أنها فشلت في معرفة زمانه ومنصات انطلاقه.. وقد جاء ذلك التوقع نتيجة التطورات السياسية التي أدت في المنتهى إلى إصدار الحزب الشيوعي لبيان الثلاثين من مايو المنادي بإسقاط مايو.. كما ان إحالة ستة عشر ضابطاً رفيعي الرتبة لابد ان تضع الأجهزة الأمنية على أطراف حواسها تحسباً وحذراً.
    ولقد كانت بداية الانطلاقة للانقلاب في اليومين السابقين عليه، حينما تولى الحرس الجمهوري لأول مرة مهام الحراسة لمنزل رئيس مجلس قيادة الثورة بدلاً من جهاز الاستخبارات الذي كان موكلاً بأمر الإشراف على حراسة أعضاء المجلس وقتها. وقد تم توزيع جنود من الحرس الجمهوري كحراس لمنزل رئيس مجلس الثورة في الثامن عشر من يوليو 71 قبل يوم واحد من التنفيذ..
    وفي يوم التنفيذ اختارت الجماعة المنفذة ان يكون تحركها بعد ساعات قليلة من نهاية الدوام اليومي ... كانت المدرعات التي تحركت قد قدمت من منطقة المرخيات حيث خرجت للمشاركة في التدريب.. وقد قامت وحدات من الحرس الجمهوري بتأمين مدخل كوبري النيل الأبيض لتتمكن تلك القوة من الوصول إلى مواقعها المحددة وأهمها مدخل القيادة العامة، ومباني القصر والإذاعة والتلفزيون..
    كان أهم واجبات القوات المنفذة هو السيطرة على مركز القرار في مايو وهو مجلس قيادة الثورة. وقد تحقق هذا الهدف للقوة المنفذة بسهولة فائقة إذ ان من كان موجوداً في البلاد من أعضاء مجلس الثورة – باستثناء بابكر عوض الله الذي أصبح دوره هامشياً بعد إبعاده من رئاسة الوزراء، في أعقاب تصريحاته حول الحزب الشيوعي ودوره في الثورة – كان في لحظتها موجوداً في منزل رئيس مجلس الثورة. فقد كان نميري وأبو القاسم هاشم، وأبو القاسم محمد إبراهيم، ومأمون عوض أبوزيد وزين العابدين عبد القادر مجتمعين لحظتها في منزل نميري.
    أما خالد حسن عباس فقد كان وقتها في رحلة طويلة كان من المفترض ان تأخذه إلى موسكو لولا تواتر الأحداث..
    في اللحظة التي كانت فيها إذاعة أمدرمان تبث تصريحات الرائد زين العابدين عن رحلته إلى القاهرة بعد حضوره اجتماعات قمة طرابلس، كان ملازم من الحرس الجمهوري يقتحم منزل نميري ومعه ثلة من الجنود... أمر الملازم الجميع برفع يديه والتسليم.. حاول أبو القاسم استعمال مسدسه الذي كان يتدلى دوماً من وسطه.. أمسك جعفر نميري بيده وقال له.. (too late يا أبو القاسم).
    وضع الملازم أعضاء المجلس وبقية السياسيين الذين كانوا لحظتها في منزل نميري في عربة عسكرية مكشوفة أخذتهم مرفوعي الأيدي إلى داخل القصر حيث تم التحفظ عليهم في غرف مختلفة ووضعت حراسة لكل منهم..
    بسيطرتهم على أعضاء مجلس الثورة استطاع انقلابيو 19 يوليو شل حركة مايو تماماً .. ففي وقت قصير لم يتجاوز 45 دقيقة تم اعتقال جل القيادات العسكرية، وتم توزيع اعتقالهم على مبنى قصر الضيافة ومبنى جهاز الأمن القومي. ثم جرى احتلال مبنى القيادة العامة وبقية الوحدات ذات الأهمية بالعاصمة ولم يكن هناك من بعد ذلك إلا الإعلان عن الهوية..

    ثورة التصحيح
    ظهر هاشم العطا على شاشة التلفزيوني السوداني وكان واضح الاضطراب يعب عباً من كوب ماء بجانبه... قال العطا ان حركته إنما هي حركة تصحيح لمسار مايو.. وكال نقداً كثيراً لمجلس قيادة الثورة ورئيسه وتحدث عن الفساد الذي استشرى، والأفواه التي كممت... وقال إن مايو تحت قيادة نميري أصبحت تتخبط يوماً في اليمين ويوماً في اليسار ويوماً لا يمين ولا يسار.
    وقال إن النظام الجديد سيعمل في تضامن وثيق مع القوى التقدمية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي العظيم.
    ثم أعلن العزم على تكوين (سلطة الجبهة الديمقراطية) التي تتحالف فيها قوى العمال والمزارعين والمثقفين والضباط الأحرار والجنود والرأسمالية الوطنية...
    وأعلن العطا رفع الحظر عن نشاط اتحاد شباب السودان والاتحاد النسائي واتحاد نقابات عمال السودان وجمعيات الصداقة مع الدول الاشتراكية...
    وأعلن إلغاء عدد كبير من القرارات الجمهورية التي أصدرها نميري كرئيس لمجلس الثورة وتضمنت تلك القرارات قانون أمن الدولة/ قانون الحراسة العامة/ قانون الحكم الشعبي..
    ثم أعلن عن حل كتائب مايو واتحاد نساء السودان..
    وعطل العطا جميع الصحف ماعدا صحيفة القوات المسلحة التي صدرت يومياً خلال أيام الانقلاب وكانت السجل الوحيد لأحداث الأيام الثلاثة..
    استهلك مساء اليوم الأول في البيانات العسكرية الصادرة باسم المجلس العسكري والتي كان يصدرها هاشم العطا.. أما اليوم الثاني فقد أعلن فيه مجلس قيادة الثورة الجديد والذي ضم كل من:
    المقدم بابكر النور سوار الدهب رئيساً، وعضوية كل من:
    الرائد هاشم العطا
    الرائد فاروق حمد الله
    المقدم محمد أحمد الريح
    المقدم محمد أحمد الزين
    الرائد محمد محجوب عثمان
    والنقيب معاوية عبد الحي
    كما انعقد في ذلك اليوم مؤتمر صحفي في شكل اجتماع حاشد لقيادات الخدمة المدنية ضم هاشم العطا بوكلاء الوزارات الذين فوضوا صلاحيات الوزراء.. وقد تحدث العطا في ذلك الاجتماع المذاع على الهواء فأعلن أنهم لن يلجئوا للعنف ولن يحاكموا أو يعدموا أياً من رفاق السلاح.. وقال ان الحركة هي حركة تصحيح للانحرافات التي وقعت وان المسيرة التقدمية ستمضى بخطى راسخة..
    في لندن حيث كان بابكر النور وفاروق حمد الله في زيارة خاصة.. التقى بابكر النور – باعتباره رئيس مجلس قيادة الثورة الجديد – بالصحفيين في مؤتمر صحفي حاشد. نفى بابكر النور في ذلك المؤتمر بشدة ان تكون حركتهم شيوعية، ولكنه قال إنهم سيطبقون الاشتراكية العلمية، وستلتزم حركتهم بمبادئ عدم الانحياز، وأنهم سيحتفظون بعلاقات وثيقة بالعالمين العربي والإفريقي..
    وقال بابكر النور إنهم سيدعمون النضال الفلسطيني إلى آخر مدى..
    وقال أنه شخصياً ضد التأميم وأنه يفضل العون الخارجي غير المشروط...
    غادر بابكر النور وفاروق حمد الله لندن على طائرة الخطوط البريطانية في وقت متأخر من مساء يوم الحادي والعشرين من يوليو..
    في يوم الحادي والعشرين من يوليو نظم اتحاد نقابات العمل موكباً جماهيرياً أريد له ان يكون التعبير الشعبي عن الوقوف خلف التغيير والتصحيح...
    بيد أن الذين شاهدوا الموكب ذلك اليوم أيقنوا أنه كان أقصر بكثير من قامة القدرة الشيوعية على تنظيم المواكب والمهرجانات الجماهيرية..
    لهذا فقد ضرب ميقات يوم الثاني والعشرين من يوليو ليكون يوم اللقاء الحاشد مع الثورة التصحيحية وقد نظم لذلك اللقاء اتحاد نقابات عمال السودان.. ولكن حتى ذلك الموكب لم يسم من عيون التقدير السالبة... فقد قعدت أعداده عن التعبير عن (جماهيرية) و(شعبية) الحركة الوليدة، كما ان الرايات الحمر الصارخة التي ارتفعت بصورة ملفتة أقعدت غير الملتزمين بالحزب الشيوعي عن السير في تلك المواكب... وكان الهتاف المتردد يومها هتافاً منحازاً بحدة للحزب الشيوعي، بما جعل صعباً على غير الشيوعيين الهتاف به.. فقد كانت الهتافات من شاكلة:
    يا يمين يا جبان... الشيوعيين في الميدان..
    يا نميري يا جبان... الشيوعيين في الميدان..
    طبقيون أمميون..
    كل السلطة بيد الجبهة
    وكانت تلك المواكب، ضعيفة العدد وقليلة التنظيم، هي جرس الخطر الأول الذي دق في أسماع القائمين على أمر الثورة التصحيحية.
    طريق الانزلاق نحو النهاية
    منذ نهار اليوم الثاني بدأ الحزب الشيوعي مشاورات تكوين الحكومة... وكان هذا الأمر برمته في يد عبد الخالق محجوب، حيث دون بخط يده (30) مقترحات تكوين مجلس الوزراء. وقد شملت المقترحات الأسماء التالية: دكتور مصطفى خوجلي لرئاسة الوزراء.. محجوب شورة للتربية.. بدر الدين مدثر للقطاع الثقافي.. سعاد إبراهيم أحمد للإعلام.. دكتور شريف الدشوني للزراعة ... دكتور قريب الله الأنصاري للتخطيط .. مأمون علي عثمان للصناعة .. مهندس مهيد للمواصلات.. صلاح الأمير للتجارة.. مرتضى أحمد إبراهيم للري.. ومحمد سليمان الخليفة للعدل..
    مساء الحادي والعشرين ونهار الثاني والعشرين من يوليو كانت برقيات التأييد تتوالى من مختلف وحدات القوات المسلحة المنتشرة في البلاد وحتى خارجها.. فقد وصلت برقيات التأييد من الجنوب والشرق والغرب وحتى من اللواء السوداني الذي كان متواجداً على أرض مصر.. وكانت تلك البرقيات تتم إذاعتها باستمرار من إذاعة أمدرمان، بحيث اضطرت الوحدات التي لم تبعث بتأييدها من إرساله حتى يذاع اسم تلك الوحدة مع الوحدات الأخرى..
    وفي ذلك اليوم بدأت ملامح التأييد السياسي من بعض الدول الشيوعية والعربية الراديكالية، كما بدأت برقيات التهنئة الدبلوماسية في الورود الخجل من عدد من الدول الاشتراكية...
    في نهار يوم الثاني والعشرين من يوليو كان هاشم العطا قد انتهى من مخاطبة اللقاء الجماهيري، ومن ثم التقى بعدد من السفراء الأجانب وكان يتأهب ليستقبل ثلاثة من أعضاء المجلس القادمين من لندن.. وكان مطار الخرطوم لا زال مغلقاً حتى ذلك الوقت، ولم يفتح إلا لطائرة مصرية جاءت صباح العشرين من يوليو بوفد من شيوعي مصري ضم أحمد حمروش وأحمد فؤاد أرسلهم الرئيس المصري أنور السادات ليتوسطوا لدى المجلس الجديد حتى لا يدعم نميري ورفاقه...
    في الوقت الذي كان هاشم العطا وبقية أعضاء المجلس الجديد في انتظار رفيقيهم القادمين من لندن ليحملا معهم الهم الكبير.. وردت أنباء عن احتجاز ليبيا لطائرة الخطوط البريطانية التي تحمل النور وحمد الله...
    منذ منتصف نهار ذلك اليوم بدأت الإذاعة السودانية في إذاعة نداءات للجماهير لتقوم بحماية ثورتها..
    قالت الإذاعة إن الرائد هاشم العطا قد صرح بأن اعتداءً خارجياً قد وقع على البلاد.. وطالب الجماهير بأن تهب لحماية ثورتها..
    وكانت تلك هي بداية العد التنازلي نحو نهاية انقلاب العصر القصير..

    أعوام مايو الحُمْر..
    ومضى الانقلاب عصراً!
    o فقد الانقلابيون الثقة في العسكريين فكان ذلك باباً هبت منه الهزيمة..
    o نزف الجيش 31 قتيلاً و119 جريحاً و55 مبعداً..
    o زكائب رسائل التأييد للعطا أطعمها الضباط للنار..
    =========
    منتصف نهار الثاني والعشرين من مايو كانت إذاعة أمدرمان قد فرغت من نقل البث الحي للموكب الشعبي المؤيد للحركة التصحيحية... وبدأت في تقديم برنامج يتناسب وطبيعة التغيير.. بعد نشرة الثالثة بثت الإذاعة لقاءً فنياً ضم المذيع اللامع ذو النون بشرى والشاعر محجوب شريف والفنان الكبير محمد وردي..
    وقد اشتهر شريف ووردي بأناشيدهما المتواترة مدحاً لمايو خاصة قصيدة (يا فارسنا وحارسنا .. يا بيتنا ومدارسنا)
    بيد ان شريف ووردي كانا يومها في الإذاعة (لتصحيح) قصائدهما المادحة لمايو بقصائد جديدة تمدح التصحيح وتنبذ (التحريف) المايوي .. يومها عمل شريف قصيدته المشهورة لتقرأ (لاك حارسنا ولاك فارسنا)
    ويومها قال محجوب قصيدة جديدة كان وردي يدندن ببعض مقاطعها..
    حنتقدم..حنتقدم
    في وش الريح حنتقدم
    حنهدم سد .. ونرفع سد..
    واشتراكية لآخر حد..
    وكان هناك مقطع في النشيد تم تعديله ليتناسب والتغيير...
    كان المقطع يقول: مايو بلاك ما بنسلم..
    تعدل في ذلك اليوم إلى: يوليو بلاك ما بنسلم ..
    وبينما كان وردي يرفع عقيرته الندية القوية... كانت أصوات الدوي البعيد تطرق مسامع المواطنين المنبهرين بجمال الغناء ورصانة الكلمات المنبعثة من المذياع .. وقد شد صوت الدوي المتواتر.. وأزير جنازير الدبابات على الأسفلت شد الناس بعيداً عن ذلك الغناء الجميل..
    التدخل الأجنبي
    قطعت الإذاعة بثها في إذاعة بيان يقول إن البلاد قد تعرضت لعدوان خارجي..
    ظن الناس – أول الأمر – ان قوات أجنبية قد نزلت إلى السودان من خارجه وان معركة تدور مع تلك القوى الخارجية.. ولكن سرعان ما تبين الناس الأمر.. كان الإعلان عن التدخل الأجنبي إشارة إلى قيام ليبيا باعتراض الطائرة البريطانية التي كانت تقل كلاً من رئيس وعضو مجلس الثورة الجديد النور وحمد الله.. واعتقالهما في طرابلس بليبيا.
    وفي الوقت الذي كان المذيع يردد بعصبية نبأ التدخل الأجنبي، كان صرير جنازير الدبابات المتقدم من منطقة الشجرة نحو قلب الخرطوم يرتفع ويتواصل معلناً بداية التحرك المضاد لحركة التصحيح والذي كان مركزه وبدايته سلاح المدرعات بالشجرة..
    ولكن ماهي وقائع وملابسات هذا التحرك المضاد.؟ وكيف ومتى بدأ؟ الرواية لها بعدان.. بعد داخلي وآخر خارجي..
    التحرك في الخارج
    أما البعد الخارجي .. فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحركات اللواء خالد حسن عباس الذي كان في طريقه إلى موسكو حين وقع انقلاب العطا التصحيحي .. والواقع ان خالد كان وقتها قد عجز عن الوصول إلى موسكو بسبب تردد السوفييت في منحه والوفد المرافق له تأشيرة دخول إلى موسكو رغم أنه كان ينوي إجراء مباحثات هامة تتصل بالتسليح والتدريب.. لهذا السبب فإنه وجد نفسه في بلغراد حين وقع انقلاب العطا.. فاستأجر خالد طائرة خاصة أقلته والوفد المرافق إلى القاهرة..
    في القاهرة أجرى خالد اتصالات سريعة مع السلطات المصرية حول إمكانية تحريك القوات السودانية المتواجدة في القنال.. بيد ان السلطات المصرية رغم أنها أبدت تفهماً لم تتحمس كثيراً لفكرة إرسال قوات سودانية من مصر إلى الخرطوم..
    توجه خالد من القاهرة إلى طرابلس حيث التقى بالقذافي ثم أذاع بيانه الشهير للضباط والجنود من إذاعة ليبيا.. وقد نتج عن مباحثات خالد مع ليبيا ان أقدمت ليبيا على إجبار الطائرة البريطانية على النزول...
    بعد احتجاز ليبيا لفاروق حمد الله وبابكر النور وافقت القيادة المصرية على توجه القوات المرابطة في مصر إلى الخرطوم .. بيد ان المشكلة كانت تكمن في وجود كافة المطارات السودانية تحت سيطرة الحركة التصحيحية..
    كان هذا هو الذراع الخارجي للتحرك المضاد.. أما في الداخل فإن الصورة كانت مختلفة جداً..
    التحرك من الداخل
    كان كل قادة الوحدات الرئيسية قد تم اعتقالهم واحتجازهم من قبل الانقلابيين.. ومن ثم فإن الوحدات الضاربة التي يمكن ان تشكل خطراً على الانقلاب كانت بلا قيادة أصيلة .. وكان عدد الضباط المعتقلين قد تجاوز المائة معظمهم من الرتب القيادية والوسيطة.. وتحييد هذا العدد من الضباط كان قميناً بشل الجيش بكامله في تلك الأيام المبكرة حيث لم يكن قد توسع وتمدد بحده المعروف اليوم..
    وفي الواقع كان انقلاب العطا قد عمل على شكل كل قدرة للجيش على الانقلاب المضاد.. فقد اعتقل القادة ونوابهم ومعظم كبار الضباط في كل الأسلحة .. كما جرد معظم الجنود والضباط (إلا الموالين له تماماً) من أسلحتهم الشخصية.. ونزعت معدات إطلاق النار من الدبابات والمدرعات.. كما أفرغت خزانات الطائرات من وقودها..
    وكانت هذه الخطوات هي في واقعها خطوات استفزازية أكسبت القيادة الجديد مشاعر العداء من الضباط والجنود أكثر من ان تعود عليها بالرضي والتأييد .. بل لعل هذه الخطوات هي عينها التي كانت وقود التحرك المضاد.. فقد تبادل الجنود يومها الحديث عن تسريح لهم بالآلاف سيتم من بعد تثبيت أركان النظام.
    وكانت العاصمة يومها قد تناقلت نبأ تحطم الطائرة العسكرية العراقية التي كانت في طريقها للخرطوم وفيها المعدات والأسلحة. وقد تناقل الجيش أمر تلك الطائرة باعتبارها بداية التدفق لجنود وسلاح غير سوداني..
    ومع غياب معظم القادة أو تحييدهم بتجريدهم من السلاح فإن أي تحرك ضد حركة التصحيح كان لابد ان يعتمد على كوادر من غير الضباط..
    وكانت تلك الحقيقة هي مدخل ضباط الصف إلى واقع الفاعلية السياسية في البلاد.. فبالرغم من ان الوثائق تشير إلى أنه كانت هناك نواة لتنظيمات خاصة بضباط الصف في سلاحي المظلات والمدرعات، إلا أن هذه التنظيمات كانت شبحاً من غير أثر في غالب الأحيان...
    ولكن حينما وجد ضباط صف المدرعات – خاصة الكتيبة الثانية مدرعات – والتي كانت تعرف باسم كتيبة جعفر (نسبة إلى قائدها الأسبق جعفر نميري)، ان قادتهم وكثيراً من ضباطهم تحت القيد، فإنهم آثروا ان ينسقوا مع بعض الملازمين وبعض ضباط الصف من الوحدات الأخرى.. وقد جاء بيان خالد حسن عباس المذاع من ليبيا ليعطى دفعة قوية لأولئك الجنود في تحركهم، فهو من ناحية القائد العام الفعلي للقوات المسلحة.. ومن ناحية أخرى فإن إذاعة بيانه ذلك جعلت هاشم العطا يقوم بإعادة السلاح الشخصي إلى الأفراد تحسباً لاحتمال ورود قوات من الخارج..
    استطاع ضباط صف المدرعات تحريك الدبابات دون (إبر ضرب النار)، وهي القطع الحاسمة في تحويل الدبابة إلى آلة ذات قدرة قتالية .. ولكن بعد قليل تمكن عدد من الضباط من استعادة (إبر ضرب النار) ومن ثم أصبحت الدبابات ذات فاعلية .. وكانت تلك هي بداية التحرك من الشجرة نحو منطقة وسط الخرطوم.. تحركت دبابة في اتجاه القيادة العامة بينما اتجهت أخرى صوب القصر الجمهوري...
    مع هدير الدبابات ودوي مدافعها وهي تتجه من الشجرة نحو القيادة والقصر... ومع الصراخ الفزع للإذاعة وهي تدعو المواطنين لحماية ثورتهم من التدخل الأجنبي.. كانت القوة المعنوية للانقلابيين تنهار رويداً رويدا... وبدأ الاضطراب وسوء التقدير يسيطر على تصرفات قادة الانقلاب..
    مع اشتداد صوت الهدير والدوي، هجر كثير من طواقم الدبابات مدرعاتهم الرابضة في مداخل المدن الثلاث.. ومن ثم فقد امتطى عدد من مؤيدي مايو – الذين التهبوا حماساً ببدء التحرك المضاد – تلك الدبابات، وكان أشهرهم الوزير المهندس محمد إدريس محمود الذي عرف من يومها (بإدريس دبابة)...
    حينما اقتربت إحدى الدبابات التي كان على متنها صلاح عبد العال من القصر شاهدوا نميري وهو يقفز من فوق سور القصر المواجه لوزارة المواصلات.. قفز نميري إلى داخل الدبابة الموالية وأنطلق من القصر إلى الشجرة ثم إلى الإذاعة..
    كان نميري قد خرج من الأسر بجلابية.. وفي معسكر الشجرة ارتدى زياً عسكرياً لجندي توجه به إلى مبنى التلفزيون حيث أطل على الناس ليقول لهم إن واجب الشعب هو مطاردة كل شيوعي.. وكان من أشهر ما قاله نميري يومها أنه أشار إلى الضباط الشيوعيين ولم يذكر إلا اسم النقيب خالد الكد حيث ذكره بتعبير (something الكد). وقد اختفى خالد الكد لبعض الوقت ثم سلم نفسه. وحين سأله نميري عن سبب اختفائه قال له أنك لم تستطع تذكر أي اسم سوى اسمي.. وتنتظر مني ان لا أختفي؟
    المذبحة في قصر الضيوف
    بعد ان آلت الأمور إلى مايو مرة أخرى.. هرع الناس لإطلاق سراح المعتقلين ... في قصر الضيافة الواقع في شارع الجامعة، فوجئ الجميع بالمنظر المروع .. كان مسيل الدماء قد سرى من داخل المبنى على الدرج وحتى خارج المبنى.. في داخل المبنى كان هناك ستة عشر ضابطاً تم حصدهم بالرصاص.. لم ينج إلا عدد قليل، بعضهم عانى من عاهات مستديمة وبعضهم خرج بعناية الله وبشكل هو أقرب ما يكون إلى المعجزات...
    ما الذي جرى في قصر الضيوف؟ ومن وراء تلك المجزرة الشهيرة ...؟
    لابد ان أسجل هنا ان كاتب هذه السطور عكف على مدى ليال طويلة على ملف التحقيقات حول أحداث 19-22 يوليو.. وقد حرص الكاتب على ان يطلع على كل كلمة قيلت في هذا الصدد ليعرف الحقيقة في أمر المذبحة الشهيرة.. وألخص فيما يلي ما خرجت به من تلك القراءات..
    أولاً: كانت هناك (تعليمات مصروفة) بالتخلص من الأسرى في حالة حدوث أية انتكاسة. فقد جاءت أقوال بعض الضباط الذين اعتقلوا في مبنى جهاز الأمن القومي لتشير إلى ان الضابط الموكل بحراستهم كان يتحدث في اللحظات الأخيرة من انقلاب العطا إلى شخص ما. وقال المعتقلون أنهم سمعوه يؤكد ويكرر للطرف الآخر أنه لا يستطيع تنفيذ ما هو مطلوب.. ومع إلحاح الطرف الآخر قال الضابط (متأسف سعادتك أنا ما حأعمل كده). ثم ان ذلك الضابط أخبر أسراه بعد ذلك ان الأمر قد فلت .. وأنهم أحرار منذ تلك اللحظة.. ثم اختفى ذلك الضابط. وقد عرف الجميع يومها ان الضابط رفض تنفيذ تعليمات التخلص من الأسرى..
    ثانياً: ليس هناك ما يشير إلى ان هذه التعليمات قد صدرت من أي شخص آخر سوى المقدم أبو شيبة . فقد ذكر ضابط الحراسة المكلف بنميري في القصر أن المقدم أبو شيبة سأله: (ما نفذت تعليماتي ليه ما كان كلامي واضح) ثم أعقب ذلك بقوله: (على العموم أعدم الباقين).. وهو ما يشير على ان التعليمات كانت تتعلق بإعدام المعتقلين(31).
    ثالثاً: لم يجد هذا الكاتب أية معلومات في أي من ملفات التحقيق بما يمكن ان تشير إلى الضلوع المباشر للحزب الشيوعي كهيئة سياسية في عمليات الاغتيال تلك..
    رابعاً: ليس هناك أية دليل على ان جهة ثالثة- أو حتى رابعة – قد قامت بتنفيذ الاغتيالات. فالعقيد سعد بحر مثلاً كان معتقلاً في قصر الضيوف ونجا من ضمن الناجين... وكان هناك آخرون قد نجوا، منهم المقدم عبد القادر أحمد محمد، والملازم أول عثمان عبد الرسول. أما قوات لواء القنال (القوات السودانية بقناة السويس) فإنها لم تصل إلا في وقت متأخر من تلك الليلة(32).
    خامساً: تعرف الضباط الناجون من مذبحة قصر الضيوف على الملازم الذي قام بإطلاق الرصاص عليهم وكان واحداً من الضباط التابعين للمقدم أبو شيبة. وقد أشار أولئك الناجون إلى أن حواراً دار خارج المبنى كان فيه شخص يخاطب شخصاً آخر بعبارة يا ضابط ويطلب منه تنفيذ التعليمات المعطاة له.. وقد أعقب ذلك دخول الملازم إلى غرفة الأسرى وإفراغه الرصاص في أجساد زملائه..
    خلاصة القول في هذا الأمر هو ان المذبحة هي من صنع الانقلابيين بلا جدال .. وهي ان لم تكن لها مبرر سياسي فإن مبرراتها الشخصية- في اعتقادي الخاص- تتصل بظروف التكوين النفسي لأولئك الذين أقدموا على المغامرة وهم يضعون حسابات الفشل قبل حسابات النجاح.. فقد أقدموا على الفعل وعزموا – متى ما أحسوا بالخطر – على هدم المعبد عليهم وعلى أعدائهم..
    حين انكشف غيوم الليلة الكئيبة اتضح ان ضحايا الليلة الدامية قد بلغ 16 ضابطاً وأربعة ضباط صف وعدد الجرحى 119 من الضباط والصف والجنود..
    لم تفقد القوات المسلحة مثل هذا العدد من الضباط والجنود مجتمعاً في تاريخها.. حتى في أحداث توريت 55 لم يبلغ مجموع العسكريين الذين اغتيلوا فيها نصف هذا الرقم..
    ودارت طاحونة الدم..
    إذا كان انقلابيو يوليو قد أهرقوا دم الزملاء، فإن ذلك الدم المراق على درج القصر فجر براكين أخرى لم تتخير ولم تميز، فقد عصفت براكين الغضب الدامي بالطيب وغير الطيب على مدى الاسبوع المتبقي من شهر يوليو71.
    فقد تلاحقت من ليلة الثاني والعشرين من يوليو عمليات المطاردة والاعتقال والإيقاف للضباط والجنود فيما يشبه الهستيريا .. وعلى الصعيد غير العسكري أخذ الناس بالشبهات.. واتهم البريء.. وأسيئ إلى الشرفاء وذُلَّ الأعزاء وأتهم كثيرون بالباطل...
    كانت أيام الاسبوع الأخير من يوليو أياماً دامية.. أفرزت حقداً وغلاً.. واصطاد في ليالي الحقد المعتكر تلك كل حاقد وكل ذي غرض..
    امتلأت من جراء الاعتقال والتحفظ والإيقاف، ميزات الضباط في معسكرات الشجرة والمهندسين والإشارات. وانطلقت عشرات من لجان التحقيق تذرع المدن الثلاثة من جنوب الخرطوم إلى شمال بحري إلى غرب وشرق أمدرمان .. وقد جرى تقدير أعداد المعتقلين في أسابيع الغضب الظلوم تلك بما يقرب من ألفي معتقل وسجين ومتحفظ عليهم وموضوعين تحت الإيقاف..
    وقد بلغت حالات الإعدام التي نتجت عن الانقلاب 11 ضابطاً من بينهم كل أعضاء مجلس الانقلاب التصحيحي ما عدا محمد محجوب عثمان الذي كان من المفترض ان يصل الخرطوم في طائرة النور وحمد الله، إلا أنه لم يصلها لتأخره في الطريق.. بينما تقول رواية أخرى أنه كان في الطائرة مع زميليه إلا أنه لم يتعرف عليها أحد في ليبيا..(33)
    وقتل المقدم محمد أحمد الريح وهو يقاتل من على أسطح مباني القيادة العامة، فلم يجرد من رتبته ولم يحرم من معاشه..
    ثم أعدم ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهم عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق.. وسجن الدكتور مصطفى خوجلي لعشرين عاماً.. وبلغ عدد الذين سجنوا أو طردوا من القوات المسلحة 18 ضابطاً من مختلف الرتب والتخصصات، بينما سجن أو عزل أو طرد 7 من ضباط الصف الذين اشتركوا في الحركة..
    ثم أبعد من الجيش في دفعات متتالية عدد من الضباط بلغ في مجمله 55 ضابطاً..
    أما على الصعيد المدني، فإن طاحونة الأحقاد دارت في كل اتجاه ... فأدخل السجون والمعتقلات عشرات وطرد من وظائفهم مئات..
    ولقد سرت بين الناس من بعد محنة يوليو تلك سحابات دواكن من الشكوك فيها تعامل الناس مع بعضهم البعض بالحذر والريبة وسوء الظنون..
    النار تلتهم زكائب التأييد للعطا
    الظنون والريب التي أرخت سدولها على العلائق بين الناس بعد ليلة العنف الدموي، كانت أسبابها تلك التصرفات الشوهاء التي صحبت أيام الانقلاب الثلاثة.. فقد شهدت المؤسسات والمصالح – خلال الأيام الثلاثة- بعضاً من العاملين المؤيدين للعطا وانقلابه، وقد أنبروا باسم التصحيح يرهبون الناس ويلهبونهم بسياط من سيئ القول ورديئ الفعل.. وحين ذهبت ثورة التصحيح مخلفة وراءها خيوطاً من الدماء، كانت ردة فعل الذين آذاهم قول وفعل أنصار العطا حادة وعنيفة.. فحين عكفت الدولة على مراجعة ما جرى وإجلاء الحقائق عن دور الأفراد والمؤسسات، وجد الذين أوذوا بسوء القول والفعل فرصة للتشفي من أنصار الانقلاب.. ولقد كان ذلك التشفي مقيتاً وظالماً في بعض الأحيان.. إذ جاء متلفحاً الحقد ومؤتزراً الضغينة، فأفرز سماً زعافاً راح ضحيته العشرات في المصالح والمؤسسات والوزارات..
    ولعل القصص التي رويت – والتي لا زالت حبيسة الصدور دون رواية – عما جرى خلال تلك الاسابيع السوداء من تاريخ الوطن كثيرة لا تحصى ولا تعد .. بيد أنني أروى منها في هذا المقام واحدة.. لا أرويها لأنني كنت طرفاً فيها.. بل لما فيها من إضاءات عن الإنسان وطباعه، وعن النفس البشرية وخصالها..
    ولقد كنت طرفاً في هذه القصة بما كنته يومها.. ضابطاً تخرج لتوه من الجامعة وانضم- مع كوكبة من الزملاء – إلى التوجيه المعنوي نواة لعمله الإعلامي المنتظر، والذي كانت لحمته وسداه يومها جريدة القوات المسلحة..
    وبما ان صحيفة القوات المسلحة كانت – خلال أيام الانقلاب الثلاثة – صوت الحركة التصحيحية الوحيد، فإن كل خطاب وبرقية واردة من كل بقاع السودان مؤيدة لانقلاب العطا كانت ترد إليها..
    ولقد كان عجيباً وغريباً منظر تلك الزكائب الممتلئة من برقيات وخطابات المباركة والتأييد التي لم يتوقف انهمارها حتى بعد يوم الثاني والعشرين من يوليو.. فقد وصلت مئات من الرسائل الملتهبة الحماس والمتحمسة في تأييدها للماركسية والنظام الجديد بعد ان زال نظام التصحيح.
    وكان الأعجب هو في هوية وأسماء الباعثين .. لقد احتوت تلك الزكائب أسماء لشخصيات وأفراد.. ولجماعات وهيئات ومؤسسات على امتداد الوطن من شماله وشرقه، إلى وسطه وغربه... وكانت بعض تلك الأسماء لامعة ومعروفة، وبعضها له من المواقع والمسؤوليات الاجتماعية مكان رفيع .. بل وكان لبعض من الكاتبين مكانة وتاريخ..
    وقد بالغ بعض باعثي تلك الرسائل والبرقيات واشتط في تأكيد هويته السياسية وانتمائه التقدمي .. وقد غالى بعضهم واشتط في المطالبة بمعاقبة أركان مايو ورجالها .. بل ان بعض تلك الرسائل تبرع بمعلومات وتفاصيل عن أفراد وأشخاص اتهموهم بالعمالة والرجعية..!!
    ولما كان البحث عن الشيوعيين في تلك الأيام قد طال ماضي الناس وصداقاتهم وصلاتهم وحتى جيرتهم.. ولما كان الكشف عن مؤيدي حركة التصحيح ومسانديها – بالقول أو الفعل – قد شمل كل المواقع والفئات والجهات، فإن زكائب الرسائل تلك كانت وثائق إدانة جاهزة لآلاف من البشر على امتداد السودان العريض..
    وبالرغم من ان بعضاً من تلك الرسائل والبرقيات كان قد أذيع ونشر خلال أيام الانقلاب الثلاثة (وقد تعاملت الدولة مع كاتبيها بالعقاب)، فقد كانت هناك آلاف من تلك البرقيات والرسائل التي لم يكشف أمرها لورودها من مصلحة البريد إلى القيادة العامة بعد يوم الثاني والعشرين من يوليو، حيث تم تسليمها لنا في صحيفة القوات المسلحة..
    ولابد ان أصحاب الرسائل التي وصلت بعد سقوط انقلاب العطا، حملوا من القلق والهموم ما تنوء عنه الجبال.. فلقد بعث كل واحد من هؤلاء – طائعاً مختاراً- دليل إدانته الدامغ إما بانتمائه الماركسي أو بتأييده الجازم لذلك النظام الماركسي.. وكان ذلك كافياً في أيام البركان تلك لكي يبعث المرء إلى السجون..
    ولقد كان لأصحاب تلك الرسائل كل الحق في الهم بما يمكن ان يصير إليه أمر تلك الرسائل والبرقيات، فلو سقطت زكائب الرسائل في أيدي سوءٍ لجعلت منها طريقاً للانتقام والتشفي بل وربما الابتزاز لآلاف من أبناء الوطن...
    ولم يكن أمام ثلاثة من صغار الضباط في التوجيه المعنوي يومها إلا ان يستلهموا ضميرهم حسن التصرف أمام ذلك الدليل الدامغ المميت..
    ولقد فعلوا..
    وكانوا يومها أسعد ما يكونون حين وقفوا يرقبون جندياً من جنودهم وهو يطعم النار – على مدى ساعة كاملة – مافي جوف تلك الزكائب من برقيات ورسائل..
    ورغم ان كاتبي تلك الرسائل ما دروا حتى اليوم، فإن تلك النار إنما كانت برداً وسلاماً عليهم...













    الهوامش:

    (1) صرح بذلك فاروق حمد الله لرئيس تحرير مجلة أفريكا كونفدينشيال التي تصدر في لندن، أثناء لقائه له بالخرطوم بعد نجاح الثورة. راجع أفريكا كونفدينشيال، يوليو 69.
    (2) رواية نميري للقائه بنقد والشفيع ثم لقاءه بعبد الخالق محجوب في عادل رضا- الرجل والتحدي. القاهرة: دار الهلال.
    (3) وردت هذه المعلومات في باشري، وقد ذكر ان علي صديق عين في أول الأمر عضواً بمجلس الثورة، وهو ما لا نملك تأكيداً له. راجع محجوب باشري (1996) معالم الحركة الوطنية في السودان. بيروت: دار الثقافة.
    (4) يشير جعفر نميري في كتاب عادل رضا (الرجل والتحدي)، إلى هذه الحقائق حيث يبدو وكأنه يرد على إدعاءات بعض الضباط عن دورهم في إنفاذ الثورة.
    (5) يعلق نميري على هذا الأمر بقوله ان حمد النيل من أشجع الضباط وأنه لم يختلف قط – من تعليقات نميري على مخطوطة هذا الكتاب، الخرطوم يوليو 2003.
    (6) يروى محجوب برير كيف طلب منه فاروق تجنيد بابكر عوض الله باستغلال علاقات أسرية تجمعه به. راجع محجوب برير، مواقف على درب الزمان ج(2)، ص، (346).
    (7) لا يتفق نميري مع رأينا هذا إذ يقول إن الضباط لم يكونوا يساريين بل (وطنيون عسكريون لا ينتمون لأي حزب أو كيان خلاف الجيش) من تعليقات جعفر نميري على مخطوطة هذا الكتاب، الخرطوم، يوليو،2003.
    ( يعتقد جعفر نميري ان الضباط الذين قادوا مايو لا ينتمون إلى أي تنظيم يساري بل هم (وطنيون عسكريون) جعفر محمد نميري: تعليقات شخصية من نميري للمؤلف، الخرطوم 2003
    (9) Issue for the year, 1969-70 Africa Contemporary Records (CAR)
    (10) أنظر حاج حمد. محمد أبو القاسم، (1996) السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، 1956- 1996 المجلد الثاني Indies International Studies and Research Bureau West
    (11) خليفة خوجلي، انتخاب الحزب الشيوعي، دمشق: منشورات دار علاء الدين 1999، ص 49.
    (12) نص البيان ورد في كتاب الصحفي المصري عادل رضا الرجل والتحدي، مصدر سابق.
    (13) المصدر السابق 48
    (14) محمد عبد العزيز وهاشم أبو رنات: أسرار جهاز الأسرار، لندن نشر خاص (1993)
    (15) راجع كتاب النهج الإسلامي لماذا، جعفر محمد نميري، مصدر سابق.
    (16) راجع عادل رضا، الرجل والتحدي. القاهرة، المكتبة المصرية الحديثة
    (17) محجوب برير محمد نور، مواقف على درب الزمان، مصدر سابق ، 523-525
    (1 بشير نميري في النهج الإسلامي لماذا إلى أنه تصرف بمفرده فيما يتعلق بإذاعة البيان المذكور.
    (19) Africa Contemporary Records (CAR), 1970-71
    (20) نشرت القوات المسلحة تحقيقاً مع الرقيب الذي كان يقوم بالإشراف على حراسة عبد الخالق محجوب والذي تم اعتقاله بعد ذلك، راجع أعداد صحيفة القوات المسلحة، أبريل – مايو 1971م.
    (21) يورد محمد محجوب عثمان – شقيق عبد الخالق – تفاصيل المحاولة. راجع محمد محجوب عثمان الجيش والسياسة في السودان القاهرة – مركز الدراسات السودانية (1997)
    (22) عادل رضا (1975) الرجل و التحدي.
    (23) راجع محمد محجوب عثمان، (1997) الجيش والسياسة في السودان.
    (24) نفس المصدر
    (25) B.73. Africa Contemporary Records, Annual Survey and Documents 1971-72 p179
    (26) يعلق جعفر نميري على هذه المعلومة بقوله (لم يحصل أبداً. لم أقابل عبد الخالق منذ اعتقاله بالذخيرة). في حين أوردت آفريكا كونتمبوراري ريكوردس الحولية ترجمة مطولة (حوالي صفحة كاملة) بالإنجليزية لنص حوار بين نميري وعبد الخالق الموثوق اليدين بعد فشل انقلاب يوليو.
    (27) تعليق نميري على هذا المعلومات: (شئ جديد ومعلومات لم أعرفها من قبل).
    (2 تعليق نميري على هذه المعلومات: (دليل آخر على خيانة بعض أعضاء مجلس الثورة)
    (29) تعليق نميري على هذه المعلومات: (صحيح جداً).
    (30) نشرت الصحف الصادرة في تلك الأيام صورة لهذه الأسماء بخط عبد الخالق محجوب الذي أكد أنه كتب تلك الأسماء..
    (31) أخذت هذه النصوص من كتاب الرجل والتحدي، وقد اعتمد الكاتب على وثائق التحقيق مع المتهمين في أحداث يوليو 1971.
    (32) وردت اتهامات تنفيذ جهات أخرى للمجزرة في محجوب باشري، معالم الحركة الوطنية في السودان. مصدر سابق.
    (34) ذكر محمد محجوب عثمان أنه لم يستطع اللحاق بطائرة فاروق وبابكر النور لاختلاف مواقيت وصول طائرته من ألمانيا الديمقراطية. راجع محمد محجوب عثمان، (1997) مصدر سابق.
                  

العنوان الكاتب Date
من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 10:17 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 10:19 PM
  3 خالد العبيد01-20-06, 10:20 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية الطيب بشير01-20-06, 10:29 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 10:56 PM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:04 PM
        Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:05 PM
          Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:07 PM
          Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:07 PM
            Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:10 PM
              Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:27 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 11:35 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 11:46 PM
  1 خالد العبيد01-21-06, 00:00 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 00:06 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 00:12 AM
  ;من يزرع الريح يحصد العاصفة خالد العبيد01-21-06, 01:10 AM
  تشييع جنازة النظام المصرفي خالد العبيد01-21-06, 01:14 AM
  ك خالد العبيد01-21-06, 01:29 AM
  العصابة تنهب البنك وتبيع الصوامع! خالد العبيد01-21-06, 01:38 AM
  حمزة دوكة !!!! خالد العبيد01-21-06, 01:48 AM
  فضيحة بجلاجل خالد العبيد01-21-06, 01:56 AM
    Re: فضيحة بجلاجل charles deng01-21-06, 06:56 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 04:06 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-21-06, 07:06 PM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية القلب النابض01-21-06, 07:42 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 08:24 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية القلب النابض01-21-06, 08:33 PM
  ا خالد العبيد01-21-06, 08:29 PM
  في دولة الفساد خالد العبيد01-21-06, 08:40 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 08:43 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية أبو ساندرا01-22-06, 01:57 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية الطيب بشير01-22-06, 10:27 AM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-23-06, 08:49 AM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-23-06, 08:51 AM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-23-06, 09:50 AM
        Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-24-06, 06:23 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية lana mahdi03-27-06, 09:29 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 08:17 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية Mahathir03-27-06, 08:47 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 09:28 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 09:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de