|
Re: للحوار: دور (العقل) في فهم (الدّين) (Re: صلاح عباس فقير)
|
والذي تسبّب في شيوع ذلك الوهم عاملان: الأول: هو الفهم الخاطئ لقول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46]. إذا صحّ أنّ هذه الآية تدلّ على أن العقل المفكر كائنٌ في القلب. لقوله تعالى: {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، فلماذا لا يصح بمقتضاها: أنَّ العين الباصرة توجد في القلب، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ}؟! والعامل الآخر الّذي أشاع هذه الفكرة، هو أبو حامد الغزالي (ت505هـ) وإنّما دفعه إلى القول بهذا القول: الانتصار لمبدئه الصّوفيّ ففي كتابه "إحياء علوم الدين" يقرّرُ الغزالي بأسلوبه الرشيق: أنّ القلبَ هو الملكُ على مملكة الجسد، وليس العقلُ إلا وزيره. وتلقّف هذا المثل ابن تيمية وابن القيم، فأتاحا نشره على نطاقٍ واسع، وعضّدوه بالحديث: ((ألا وإنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائرالجسد، ألا وهي القلب)) ونقول بالنظر إلى مثال المملكة: إنّ القلب هو أعظم عضوٍ في الجسد، فما هو أعظم شيءٍ في المملكة، يكون جديراً بمقابلة القلب، حتى يكون المثال الغزاليُّ دقيقاً؟ والجوابُ: إنّ أعظم شيءٍ في المملكة، ليس هو شخص الملك، وإنما هو عقيدة الأمة وثرواتها. فهذه هي التي تُقابل القلبَ، أمّا العقل فإنّه الملك الذي تتمثّل وظيفته في حفظُ ثروة الإنسان الكبرى وتنميتها. وثروة الإنسان الكبرى هي القلب، فإنه إذا صلح صلح، وإذا فسد فسد. *** لديَّ قناعة كبيرة بأن وعي الإنسان البسيط غير المؤدلج، ممّن لم يرهن قوى وعيه لجهةٍ معيّنة يدينُ لها بالخضوع، من سلفيّةٍ أو صوفيّة أو علمانيّة أو...إلخ لديّ قناعةٌ عميقة بأنّ هذا الإنسان البسيط المتحرّر من قيود الأيديولوجيا، يتجاوزُ بوعيه كثيراً من المتعلّمين وأنصاف المتعلّمين. فهذا الإنسان البسيط بحسب تجربته الحيويّة، وخبراته في استعمال العقل، وتجاربه مع انفعالات القلب، يعرف جيّداً معنى كلٍّ منهما، ويعرف جيّداً أين مكان كلٍّ منهما. ***
|
|
|
|
|
|
|
|
|