|
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)
|
جاء إنقلاب الشيوعين على حين غرة وبتكتيك عالي الدقة والتنفيذ ، بل كان مباغتا. وخرجتْ جموع الشيوعيين بكل طبقات الشعب تهتف : ( شيوعيون طبقيون )، تجوب شوارع أتبرا. وككل المظاهرات في أنحاء المعمورة ، يندسُّ الرعاع والغوغاء بين المتظاهرين لأغراض في نفوسهم. فقد هجم البعض على المحال التجارية في سوق أتبرا، ولم يسلم (بار) تساكوتليس الأغريقي، فقد رأيتُ بأم عيني البعض يحمل كراتين البيرة والشري والسايبرس وأصناف الخمور الأخرى على سروج عجلاتهم وهم يطلقون صيحات كصيحات الهنود الحمر. ثم أنطلقت الجماهير حتى مشارف كوبري أتبرا العتيق ، ولكن الغوغاء والرعاع الذين لا ناقة لهم في الحزب أو نميري واصلوا مسيرتهم حتى إستراحة ( حسن عربي ) المقامة في مقرن إلتقاء الأتبراوي مع نهر النيل ، ثم نهبوا ما نهبوا وألقوا بالكراسي والأثاث والثلاجات في النيل وصيحاتهم تتواصل ليرددها الصدى ما بين التميراب والعكد ومصنع الأسمنت. ثم ... إنقلب نميري عليهم والأحداث بالطبع معروفة ، والإغتيالات مرصودة وحادثة بيت الضيافة لا تزال معلقة في مشلعيب الأخذ والرد والشد والجذب وبين درء الإتهام وتوجيه التهم.
ثم جاء وزير التربية والتعليم ( د. محي الدين صابر ) كأول مسئول في حكومة نميري يصل إلى أتبرا بعد عودة مايو إلى سدة الحكم. إجتمع بالمعلمين وعينيه تقدحان شررا وشواظا من غضب ، فقد كان للمعلمين القدح المعلّى في تزكية روح التظاهر ومساندة الإنقلابيين. ثم جاء بالقشة التي قصمتْ ظهر البعير ، فقد طلب من كل المعلمين الذين أتوا من قرى ومدن الشمالية أن يختاروا المدارس التي تروق لهم وقال ما معناه : ( تاني أتبرا دي تشموها قدحة ). كنتُ أكثر المتضررين ، فحبيبة القلب ستبقى في أتبرا ، بينما جاء قرار نقلي إلى قرية لا تزال ( لمبة الجاز ) تعادل نظرية أرخميدس، ولا يزال (الحمار) هو فضْل الظهر الذي لا يشق له غبار الطريق. طلبتُ منها أن تطلب النقل إلى أي قرية قريبة ، ولكنها استهجنتْ طلبي وقالت إن كنتّ حقا الارتباط بها أن أتقدم لخطبتها قبل أن أشد الرحال إلى القرية. وقد كان ، فقد كانت والدتي تحبها ، أما أبي فكان رأيه أن أتريث قليلا ، ولكن والدتي أحكمتْ قبضتها على مجرى التفاوض وذهبنا لخطبتها.
رحّبت بنا أسرتها أيما ترحيب وأنا أختلس النظر إليها وكأنني أُمْلي ناظري من وجهها قبل أن أغادر إلى تلك القرية التي لا أعرف عنها غير أسمها وموقعها الجغرافي على خارطة قديمة عالقة بذهني منذ أيام دراستنا لمقرر ( سبل الكسب العيش في السودان ) ... اتفقنا على كل التفاصيل وعلى موعد الزواج في الإجازة الصيفية القادمة، ورغم أنني حتى تاريخه كنت لا أملك إلا بضع جنيهات تكفيني للسفر، إلا أن تعلقي بـ(إحسان) كان حافزا لأن أفعل المستحيل لتدبير المال الكافي واضعا في اعتباري كل كميات ( النقطة ) التي إنبهلتْ مني خلال الأعوام الفائتة في مناسبات الأفراح والأتراح وحتى في مناسبات الطهور والسبوع وحوليات القادمين من الحج وبوش البناء. انطلقتُ بعدها بأيام إلى وجهتي الجديدة وعلى فمي ابتسامة السعادة المرجوة القادمة بينما أنا أتحسر على مفارقة مدينتي التي رأيت فيها النور وترعرعت فيها وأعرف دروبها وأزقتها وأنا مغمض العينين. طوال الرحلة كانت (إحسان) كبورتريه ملون على وجوه المسافرات وعلى وجوه المستقبلين والمودعين في محطات القطار و(السّنْدات).
***
نواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 07:51 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 07:53 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 07:54 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 07:56 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 07:58 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 08:01 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 08:04 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 08:06 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-22-18, 08:11 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | محمد عبد الله الحسين | 04-22-18, 10:16 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-23-18, 03:27 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | علي عبدالوهاب عثمان | 04-24-18, 07:42 AM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-24-18, 12:27 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | إدريس محمد إبراهيم | 04-24-18, 05:59 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-24-18, 06:31 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | Nasr | 04-24-18, 06:33 PM |
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) | ابو جهينة | 04-24-18, 06:41 PM |
|
|
|