الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 02:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-22-2018, 07:51 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات )

    07:51 PM April, 22 2018

    سودانيز اون لاين
    ابو جهينة-السعودية _ الرياض
    مكتبتى
    رابط مختصر


    المداخل الأتبراوية :
    يمكن الولوج لأحداث هذا الزمن من عدة جهات أتبراوية صميمة :
    من كوبري أتبرا العتيق ،
    أو من جهة السيالة، أومن الداخلة معقل العمدة السرور السافلاوي،
    ومن جهة غرب النيل ( أم الطيور ) ومن التميراب ومن العكد،
    ومن خلف مداخن مصنع الاسمنت ومن الجهة التي يكسح منها الأتبراوي وعند نقطة إلتقائه بالنيل ( المقرن ) ...
    ومن سماوات كل الأحياء الأتبراوية المعطونة بالكتاحة ( القيقر وأمبكول والموردة وزقلونا والسودنة وحى العمال والحصايا والمزاد والفكي مدني والسوق الكبير وميدان المولد ودار الرياضة والمكتبة القبطية وورش المرمة ومحطة السكك الحديدية والكمبوني وأتبرا الثانوية والأميرية والعمال الوسطى وملاعب الدافوري والجيش ونادي العمال والمعلمين،
    ومن زمن الناظر طلسم والناظر محمود أمين والأساتذة وداعة وعبيدي وملاسي وسيد الطاهر والشوش،
    وبار تساكوتلس ومطعم اليماني بسوق القيقر ، ومن رواد ليالي حفلات حسن خليفة الأتبراوي وفرقة دانة
    ومن ناقلي أحداث أبو جنزير، ومن مَن عاصروا ( مكليّة ومختارات ) ومغامراتهما في ميدان المولد،
    ومن عشاق الكابتن اللبودي وشوقي عبد العزيز وعبد الله موسى وبربرينا وشاتوت،
    ومن جلسات الساسة الحاج عبد الله وكبج ومحمد الحسن عبدالله.
    من كل هذا المزيج المتنوع الذي كان يشكل لوحة أتبرا، تخرج هذه الأحداث دون ترتيب زمني.
    تنساب كما هي بنفس العفوية وبنفس الإيقاع الذي كانت أتبرا تنام وتصحو عليه، برغم تكالب عدة منغصات ومعوقات.
    عندما نقول أننا ( شعب أسطى )، فذاك يشمل حتمت أهل أتبرا بكل المزيج الذي كانت أتبرا تعج به وذلك الحس الوطني الشاهق والتيرموميتر السياسي الحاذق.
    أتبرا في تلكم الأزمنة الحلوة، خرجتْ من بين حناياها حكاوي تملأ أسفارا وأضابيرا.
    قصص، وحكاوي، وأحاجي، البعض منها ذهب مثلا تناقلته القرى والأمصار والمدن، والبعض ربض في الأحشاء لتخرج بعد حين عندما تلامس بعض المنعطفات الحديثة بعض أركان الأحداث القديمة، لتُقابَل بالجملة المعهودة :
    ( سبحان الله، الخالق الناطق ).
    الكلام كان ولا زال وسيظل حلو في خشم سيدو ، ثم صار الآن منثورا بطرق شتّى، دعونا نقرأ ما جادت به خشوم أولئك الأتبراويين:

    نواصل




















                  

04-22-2018, 07:53 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    الزمان : ما قبل أكتوبر الأخضر
    ولون الزى المدرسي لمدارس بنات الكمبوني كان ( كحليا ) ككل الليالي التي عشتها وأنا مستلق على ظهري على ( عنقريب الحبل ) مدلدلا قدمي من فتحة (الكرّاب) الذي تقطّعتْ أوصاله من كثرة حركة أقدامي عليه والتي كانت تعبيرا عن سهري الذي يلازمه القلق والوسواس.
    أحيانا ألعن اليوم الذي أقنعني فيه ( أستاذ عثمان ) للإنضمام للحزب الشيوعي، وأحيانا يلح حبي لها بأن أنضم سرا إلى تنظيمها الإسلامي وليكن ما يكن.
    تقابلني كل يوم في محطة باصات ( حاج الريَّح )، وتبادرني بالسؤال الذي يُنْسيني كل كلمات الغزل التي كنت أود أن أدلقها على مسامعها في طريق عودتنا ( كدّاري) إلى الحى القريب
    أها ... قررت شنو ؟
    ثم تطور السؤال اليومي إلى مكاشفة وأمر صريح :
    شوف يا عبد القادر، بصراحة لا أنا ولا أبوي ولا ناس الحزب حيرضوا بيك كزوج لي ما دام إنت عامل لي فيها تقدمي وطبقي.
    فأقول متلجلجا : والله الحكاية صعبة بالحيل ..
    فترد يائسة : خلاص كل واحد يمشي في طريق وربنا يسهل علينا وعليك.

    هنا تتملكني رغبة في أن أخرج في مظاهرة عارمة ولو لوحدي ألعن فيها ذاك اليوم الذي خرجتُ فيه مؤيدا أهالي حلفا عندما تظاهروا ضد السد العالي. حينها إلتقطتْني أعين الشيوعيين المتربصة بالكوادر التي ترى فيها نواة وميولا لتوجهاتها.
    وبنفس الحماس الذي أظهرته لمناصرة الحلفاويين ، بصمتُ بالعشرة على أضابير الحزب وصرت ( كموريدا ) أتبراويا يشار إليه بالبنان بل يعرفونني حتى من صوتي في مكبرات الصوت في المسيرات والمناسبات.
    الله يقطع الحب وسيرة الحب.
    ثم أوْقف القدر ( رقية ) في طريقي ، فتعلق قلبي بها من أول لقاء في ذلك الإجتماع الذي إنعقد لإختيار لجنة النقابة.
    أظْهرتُ ( كبْكبة ) غير عادية عندما رأيتها بثوبها الأبيض وعيونها البقرية تجول في ملامحي القروية البسيطة الطيبة ، كبكبة أغضبتْ جماعتي ، وبانت الشماتة في عيون بقية الزملاء والزميلات.
    طيلة الإجتماع وعند توزيع أوراق البرامج والدعاية كنت أجوب الصفوف ثم أجد نفسي أقف أمامها ثم لا أجد ما أقوله غير : كيف الحال يا زميلة.

    ***

    نواصل
                  

04-22-2018, 07:54 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)

    لاحظ زملاء الحزب تدهور نشاطي وكثرة أعذاري عن القيام بالمهام التي كنت أتطوع للقيام بها نيابة عن بعض الزملاء والزميلات.
    أجلس ساهما أضرب أخماسا في أسداس.
    تارة يجرفني تيار كتيار الأتبراوي فأقرر مصارحتهم بانسلاخي منهم إكراما لعينيها.
    وتارة تنساب صافرة ورش أتبرا لتهمس لي بأن غدا لناظره قريب وربما أتى الفرج من حيث لا تحتسب.
    وحبيبة القلب تواصل إلحاحها. إلحاح تزيد ( الكتاحة ) من خنقها للجو في صيف أتبرا.
    وتوقيت هذه الحيرة كان قاتلا ، فالجو مشحون بعدة نزالات سياسية تتطلب أن يكون كل الأعضاء على أهبة الاستعداد.
    حكيت موقفي لزميلي الساخر ( ود المجذوب ) فقال وهو ينفث دخان سيجارة (البرنجي) في وجهي بينما أسنانه تنفرج عن ضحكته المخشوشنة :
    يا زول بالليل خليك جبهجي وبالنهار أمرق علينا ساي ، زولا أحمر لينيني ... قسما بالله بالليل وكت تتوهط العنقريب وينخلط حابلكم بنابلكم ، ما بتفْرق تكون هندوسي ولا مسلم.
    يواصل ضحكه وهو يمتص السيجارة حتى نخاع الفلتر ...

    ***

    نواصل
                  

04-22-2018, 07:56 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    انغمست بالكامل في علاقتي مع )رقية) ، وأصبحت تماما كحصان ( الكارو ) الذي يضعون في كل عين غطاءا بحيث لا يرى إلا أمامه الطريق الذي يريد له صاحبه أن يسلكه ، فقد كانت إحدى عيني تراعي ( رقية ) في سكناتها وحركاتها ، بينما الأخرى منغمسة في شئون الحزب وتوزيع المنشورات التي كانت تطبع في كثير من الأحايين تحت الأرض في سراديب يجهلها معظم الرفقاء إلا قلة منهم على مستوى القيادة.
    متابعتي اللصيقة لهذين الأمرين ( رقية وأمور الحزب) حجب عني أمرا كان له أبلغ الأثر في حياتي ، بل كان سببا في تغيير نظرتي للأمور برُمّتها.
    ففي غمار معركة العشق والانتماء السياسي كانت هناك خيوط تحاك في رقة خيوط بيت العنكبوت بدليل أنني لم ألحظها أو أسمع جَلَبَتها، ولكنها كانت شبكة تكفي بأن ( توديني التُّوُج) ويكسحني تيار جارف إلى المجهول.
    الذي أثار كوامن غضبي وحزني في آن واحد هو أن (رقية) كانت تمسك بالحبل (من النص)
    أو بمعنى آخر كانت تركب على ( سرْجين ) ، ولكن أنا الذي وقعت وليست هي، فهي كانت (جوكية ماهرة) ...
    وغريمي كان يقف في الجهة الأخرى التي تناهض وتعادي الحزب الذي أنتمي إليه، عينه على وعين على (رقية).
    ففي الحراك الذي سبق هبّة أكتوبر الخالدة ، تم تكليفي بتوزيع منشورات الحزب في منطقة تعج بالحركة بحيث يلتقطها المارة والسابلة عند انبلاج أول خيوط فجر اليوم التالي.
    ولكن يبدو أن غريمي كان لي بالمرصاد، ليس حبا في تزكية سياسية أو ترفيع في عمله ، ولكن كل همه كان أن يزيحني من طريقه وطريق (رقية).
    ما أن بدأت بمهمتي بعد منتصف الليل ، وأنا أتحاشى دوريات ( السواري ) والعسكر على صهوات الجياد ، فإذا بي أجد نفسي محاصرا من أربعة جهات عند (مزلقان) السكك الحديدية، وجهرتْ عيني أنوار عربة ( الكومر ) وبضعة جنود يقفزون من عليها ...
    ***

    نواصل
                  

04-22-2018, 07:58 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    في المعتقل، لم يراودني شيء غير أسرتي و(رقية).
    أسرتي لم تعرف أنني معتقل إلا بعد مرور ثلاثة أيام بالتمام والكمال، فقد ظنوا أنني عند صديق الطفولة ( حسين ) بمدينة بربر – الدّكّة ، أو بدامر المجذوب عند أخي الذي لم تلده أمي ( مصطفى )، فقد تعودوا أن أغيب دونما خبر.
    كل من شرب من ماء النيل الممزوج بمياه نهر الأتبراوي الكاسح ، فهو إنسان ذي مزاج مختلف تماما عن بقية أهل السودان،
    ففي المعتقل الذي لا يحسب فيه الإنسان يومه بالدقائق والساعات ، بل يحسبها بمجريات الأمور وأوامر السجن والتعرف على المعتقلين وظروفهم، سيبقى كل الذين عرفتهم في السجن كالأوسمة والنياشين على صدري، وسيقبعون في ذاكرتي ما حييت.
    جاءت جدتي لأبي تولول وهي تربط رأسها بطرحة حمراء اللون، و( المحفظة ) تموسق خطواتها وتتقافز عبر ( توب الزّراق ) الذي تتلحّفه منذ موت جدي قبل أعوام.
    قلت لها مواسيا : ( يا حبوبة السجن للرجال )
    فقالت وهي تصارع ( بلسانها سفّة ماكنة تقبع في شلوفتها المدقوقة ) : نان برة ما كُتّ راجل ؟
    سألتها على استحياء عن ساكنة قلبي ( رقية ) ..
    فقالت وهي تلفظ ( سفتها ) على بلاط مكتب الضابط : والله ما جابت خبرك ، وعرّست واحد ما بعرف إسمو منو. بركة ، هي الجابت ليك النحس دة.
    وقْع هذا الخبر كان سجنا آخر إنسربتْ فيه روحي،
    وعندما أطلقوا سراحي ، تمنيت أن أظل حبيس المعتقل على الأقل حتى يندمل الجرح ويبرأ.
    ولكن كدَيْدَن أهل أتبرا، فقد إنبرتْ شخصيات لا صلة لها بالحزب الذي أنتمي إليه، من رجالات الختمية والأنصار والطرق الصوفية، كلها إنبرتْ للتوسط لدى السلطات لإطلاق سراحي المشروط.
    وهذا هو معدن أهل أتبرا تحسبهم شتى ولكن قلوبهم تجتمع على بصمة الانتماء لهذه المدينة الوطن.
    وخرجتُ من المعتقل ..
    أحسستُ أن هذه المدينة التي أحببتها أضحتْ في حجم زنزانتي، وكل من جاء مهنئا كنت أظنه ينظر إلىّ إما مشفقا أو شامتا.
    كل الزملاء الذين هرولوا مهنئين، كانت في نظراتهم ما ينبّيء عن ما يدور في أذهانهم عن مدى تأثير خبر زواج ( رقية ) علىْ، أو بمعنى آخر إن كان هذا سيؤثر على نشاطي الحزبي.
    وبالفعل، في قرارة نفسي كنتُ قد قررتُ تطليق أي عمل حزبي أو إجتماعي.
    وعندما جاء قرار نقلي إلى غرب السودان، شعرتُ لأول وهلة بفرحة غامرة،
    لأنني سأغادر موقعا كان فيه مقتل حلم جميل، ولكن ما أن إبتعد القطار مغادرا محطة أتبرا ونحيب الوالدة والأخوات يسطر أخدودا جديدا في دواخلي والأصدقاء والزملاء يلوحون مودعين، شعرتُ بأنني أنفَصم من جسم كنت ألتصق به كنواة في عمق خلية، وأنني سأبدأ رحلة حياتية من الصفر.
    ( انتهتْ القصة الأولى ) ...
    ***
    نواصل
                  

04-22-2018, 08:01 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    ثم ؟ :
    الزمان : قبيل انقلاب الشيوعيين على نميري :
    كنتُ أول مرحّب بالأستاذة ( إحسان )، المدرّسة الجديدة في مدرسة البنات المجاورة،
    فقد قابلتها وهي تترجل من التاكسي وتنقل بصرها بين اللافتة المعلقة على سور المدرسة التي أعمل بها وبين سور مدرستها.
    توطّدت علاقتي بها منذئذ، وبدأنا رحلة الزمالة التي إنقلبتْ إلى (ريدة عديل) وجارفة في غضون شهور ،
    ريدة تناقل أخبارها المدرسين والمدرسات، المباركين منهم والمباركات، والحاسدين منهم والحاسدات، فقد كانت ( إحسان ) هجينا سودانيا مصريا بهجة تسر الناظرين، تخلط السوداني بلهجة أهل صعيد مصر فتخرج لغة مموسقة تناسب تقاطيع وجهها البريء وإبتسامتها التي تنفلق إلى غمازتين بحجم نبقة في عز إستدارتها.
    كنت عضوا نشطا في نقابة المعلمين وأكثر نشاطا في إتحاد المعلمين. ورغم أنني لا أنتمي إلى أي حزب ، فإن كل حزب كان يري فيني مشروع عضو لا يشق له غبار في استقطاب الأعضاء والمناصرين.
    كنت أجد متعة لا تضاهيها متعة عندما أصطحب ( إحسان ) بعد انتهاء اليوم الدراسي وأنا أقود راجلا ( عجلتي ماركة رالي ) وهي بجانبي في سجال بيدها مع ( توبها الأبيض ) ترفعه على رأسها كلما أنزلق من على رأسها ليكشف عن شعرها جرّاء تضاريس الشارع المؤدي إلى منزلها في ذلك الحى الشعبي، وأنا أتجاهل كل النظرات والتعليقات التي كان يلقي بها المعارف والأصدقاء وهم على متون ( العجلات ) أو جالسين على لساتك العربات أو متكئين على أعمدة النور :
    وين يا كازانوفا ؟
    خلااااص يا عمر الشريف ...
    يا زولة الجنا دة ما مضمون ....
    الفردة الأولانية وين يا ... ؟
    وهي تستغرب عدم ردي على كل هذه التعليقات التي لم تألفها.

    ***
    نواصل
                  

04-22-2018, 08:04 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    جاء إنقلاب الشيوعين على حين غرة وبتكتيك عالي الدقة والتنفيذ ، بل كان مباغتا.
    وخرجتْ جموع الشيوعيين بكل طبقات الشعب تهتف : ( شيوعيون طبقيون )، تجوب شوارع أتبرا.
    وككل المظاهرات في أنحاء المعمورة ، يندسُّ الرعاع والغوغاء بين المتظاهرين لأغراض في نفوسهم. فقد هجم البعض على المحال التجارية في سوق أتبرا، ولم يسلم (بار) تساكوتليس الأغريقي، فقد رأيتُ بأم عيني البعض يحمل كراتين البيرة والشري والسايبرس وأصناف الخمور الأخرى على سروج عجلاتهم وهم يطلقون صيحات كصيحات الهنود الحمر. ثم أنطلقت الجماهير حتى مشارف كوبري أتبرا العتيق ، ولكن الغوغاء والرعاع الذين لا ناقة لهم في الحزب أو نميري واصلوا مسيرتهم حتى إستراحة ( حسن عربي ) المقامة في مقرن إلتقاء الأتبراوي مع نهر النيل ، ثم نهبوا ما نهبوا وألقوا بالكراسي والأثاث والثلاجات في النيل وصيحاتهم تتواصل ليرددها الصدى ما بين التميراب والعكد ومصنع الأسمنت.
    ثم ...
    إنقلب نميري عليهم والأحداث بالطبع معروفة ، والإغتيالات مرصودة وحادثة بيت الضيافة لا تزال معلقة في مشلعيب الأخذ والرد والشد والجذب وبين درء الإتهام وتوجيه التهم.


    ثم جاء وزير التربية والتعليم ( د. محي الدين صابر ) كأول مسئول في حكومة نميري يصل إلى أتبرا بعد عودة مايو إلى سدة الحكم.
    إجتمع بالمعلمين وعينيه تقدحان شررا وشواظا من غضب ، فقد كان للمعلمين القدح المعلّى في تزكية روح التظاهر ومساندة الإنقلابيين.
    ثم جاء بالقشة التي قصمتْ ظهر البعير ، فقد طلب من كل المعلمين الذين أتوا من قرى ومدن الشمالية أن يختاروا المدارس التي تروق لهم وقال ما معناه : ( تاني أتبرا دي تشموها قدحة ).
    كنتُ أكثر المتضررين ، فحبيبة القلب ستبقى في أتبرا ، بينما جاء قرار نقلي إلى قرية لا تزال ( لمبة الجاز ) تعادل نظرية أرخميدس، ولا يزال (الحمار) هو فضْل الظهر الذي لا يشق له غبار الطريق.
    طلبتُ منها أن تطلب النقل إلى أي قرية قريبة ، ولكنها استهجنتْ طلبي وقالت إن كنتّ حقا الارتباط بها أن أتقدم لخطبتها قبل أن أشد الرحال إلى القرية.
    وقد كان ، فقد كانت والدتي تحبها ، أما أبي فكان رأيه أن أتريث قليلا ، ولكن والدتي أحكمتْ قبضتها على مجرى التفاوض وذهبنا لخطبتها.

    رحّبت بنا أسرتها أيما ترحيب وأنا أختلس النظر إليها وكأنني أُمْلي ناظري من وجهها قبل أن أغادر إلى تلك القرية التي لا أعرف عنها غير أسمها وموقعها الجغرافي على خارطة قديمة عالقة بذهني منذ أيام دراستنا لمقرر ( سبل الكسب العيش في السودان ) ...
    اتفقنا على كل التفاصيل وعلى موعد الزواج في الإجازة الصيفية القادمة،
    ورغم أنني حتى تاريخه كنت لا أملك إلا بضع جنيهات تكفيني للسفر، إلا أن تعلقي بـ(إحسان) كان حافزا لأن أفعل المستحيل لتدبير المال الكافي واضعا في اعتباري كل كميات ( النقطة ) التي إنبهلتْ مني خلال الأعوام الفائتة في مناسبات الأفراح والأتراح وحتى في مناسبات الطهور والسبوع وحوليات القادمين من الحج وبوش البناء.
    انطلقتُ بعدها بأيام إلى وجهتي الجديدة وعلى فمي ابتسامة السعادة المرجوة القادمة بينما أنا أتحسر على مفارقة مدينتي التي رأيت فيها النور وترعرعت فيها وأعرف دروبها وأزقتها وأنا مغمض العينين.
    طوال الرحلة كانت (إحسان) كبورتريه ملون على وجوه المسافرات وعلى وجوه المستقبلين والمودعين في محطات القطار و(السّنْدات).

    ***

    نواصل
                  

04-22-2018, 08:06 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    في القرية، حيث لا نقابة ولا اتحاد ولا سينما ولا قهاوي ولا دار رياضة ، لم أهتم كثيرا بكل هذه الرفاهيات التي أفتقدتها، ولكن قلبي كان معلقا هناك.
    إختزال الفصل الدراسي دون كل هذه الأشياء التي أدمنتها بأتبرا كان أمرا مقدورا عليه، ولكن من سكنتْ بالقلب كانت تتبعني كظلي في كل أوقات القرية الرتيبة.
    خلال العام الدراسي كله أرسلت لها خمس رسائل ، لم تصل إليها غير اثنتان ، والباقي تسلمتهم بعد رجوعي لأتبرا في الإجازة استعدادا لمراسم الزواج.
    لم أكن أحمل سوى منديلا مطرزا بخيوط حريرية حمراء أهدتْه لي ليلة سفري تحمل أسفلها الحروف الأولى من أسمينا. أما أنا فقد أهديتها ( علّاقة مفاتيح ) على هيئة قلب.
    عندما عدتُ في إجازة الصيف وأنا أتمنى أن أسابق ( قطر كريمة ) الذي كان يتوقف في أي محطة وفي أي (سندة )، وصلت إلى البيت وأنا منتفخ كديك رومي ليلة عيد الفصح.
    التعابير المرسومة على وجه أمي جعلتْني أتوجّسُ خيفة. عندما عانقْتها سألتها وأنا لا أزال بين أحضانها : مالك يمة ، شكلك ما عاجبني؟
    قالت وهي تصلح من هندامي دون أن تنظر إلىْ : كل شي قسمة ونصيب يا ولدي.
    ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أسألها : الحاصل شنو ؟
    على ما أذكر أنني جلست على أقرب (عنقريب) في الحوش وأنا أستمع لأمي وهي تسرد لي وقائع انفراط حبات مسبحة علاقتي بـ(إحسان) :
    قالت : جاتني أمها هي وأخوها وقالوا إن عمتهم قالت لو الزول دة عرّسْتو ليهو (إحسان)، ياها البيني وبينكم.
    فقلت بصوت مخنوق : طيب هم مش وافقوا وأدونا كلمة؟ وإحسان موافقة ؟ شنو الجَدَّ في الموضوع؟ وعمتها دي طلعتْ لينا من وين ؟
    قالت أمي مشفقة وهي تضع يدها على رأسي :
    عمتهم دي وارثة مال قارون ، شي أراضي وشي بيوت وقروش ماليها حد، أها وعمتهم دي ما عندها أولاد، وقالت لو عرّسوها ليك حالفة ما يضوقو مليم أحمر منها، إلا (إحسان) تتزوج من زول تختارو هي، أها من هنا وهناك إستفسرتَ عن سبب موقف عمتهم دة مننا ، عرفت إنها عندها تار بايت مع أبوك، وقدر ما سألت أبوك إتزاوغ مني وأبى يديني النجيضة ، ولاكين شكلو كدة مبسوط من فركشة العرس دة... أها حسع (إحسان) طلبت نقلية للخرتوم وهي وأهلها مشوا خلاص هناك عند عمتهم. القسمة شديدة يا حشاى.

    فبُهتَ الذي كان ( أباطو والنجم )... بينما النار مضرومة في حشاه.

    ***
    نواصل
                  

04-22-2018, 08:11 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)

    ثم دارت ساقية الأيام
    ما بين إنتقال من مدينة إلى قرية
    والوجوه التي ألفتها في أركان الوطن ترقد في قاع المخيخ لتعاود ظهورها عند كل محطة في إستصحاب لأحداث سياسية وأخرى إجتماعية بحتة

    ثم دقّ ناقوس الهجرة
    فشددتُ الرحال
    وتلك سيرة أخرى

    نواصل
                  

04-22-2018, 10:16 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10758

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)


    الأخ ابو جهينة

    تحية و احتراما

    سرد جميل و تداعيات منسابة في اريحية محببة. و فوق كل ذلك تتداخل الأحداث و الجو السياسي العام و الظرف ‏التاريخي ليعطي للسرد عمقه…‏

    لا أود أن أسأل هل القصة حقيقية أم خيالية…و لكني اكتفي بصدق المشاعر و دقة تصوير الاحاسيس.‏

    طبعا متابع
                  

04-23-2018, 03:27 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: محمد عبد الله الحسين)

    الاخ محمد عبدالله الحسين
    سلام وتحية

    مرورك البهي دافع للاستزادة من عبق الذكريات

    كل هذه القصص واقعية حدثت ولا تزال نفحاتها تجوب ساحات العقل
    دمتم
                  

04-24-2018, 07:42 AM

علي عبدالوهاب عثمان
<aعلي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12463

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)

    حبيبنا أبوجهينة .. تحياتي ..
    سرد رائع ..
    ربما نحن سن متقاربة ..
    تكاد هذه الاحداث تنطبق على بعض أفراد جيلنا ..
    ولو أن هناك إختلاف في الجغرافيا ..
    ولكن الزمان والوقائع تقريباً فيها نوع من التطابق
    مثال ذلك : الشيوعية .. موضة ذلك الزمان .. والمدرسين طبقة متوسطة .. مع كفاية الراتب
    الاحزاب السياسية الاخرى .. كانت تسمى بالرجعية ومنسوبيها رجعيين خلف التاريخ
    الانفتاح والحرية مع الضبط السلوكي والالتزام المهني ..
    مثال : لا مانع من بعض المشروبات ولكن ليس لدرجة الخروج عن السياق
    لا مانع من الحب والتبادل المشاعر ولكن في حدود العفة . ( حريات مقننة إجتماعياً )

    صدق المشاعر والاحساس ومشاركة المجتمع في التفاصيل الدقيقة للحياة ..
    واصل .. الحبيب أبوجهينة ..
                  

04-24-2018, 12:27 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: علي عبدالوهاب عثمان)

    تحياتي اخي العزيز علي عبد الوهاب

    في تلك الحقبة، تكاد كل الاحداث تحمل نفس الجينات
    تغير الزمن اخي علي، وتغيرت سبل مجابهة الناس للاحداث، السلبية منها والايجابية

    الاحزاب في ذلك الزمان تختلف في الرؤى ولكنها تلتقي عند بوابة المواطنة

    شكرا على المرور الباذخ
    حتما كلماتك حافز للمواصلة

    دمتم بخير
                  

04-24-2018, 05:59 PM

إدريس محمد إبراهيم
<aإدريس محمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 03-13-2006
مجموع المشاركات: 2762

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: ابو جهينة)

    جلال وضيوفه سلام

    واصل يا حبيب في هذا السرد والتداعي الذي ينضح بالصدق والجمال

    ولا تعليق سوى التصفيق .....

    مع خالص ودي وتقديري ،،،،
                  

04-24-2018, 06:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: إدريس محمد إبراهيم)

    سلام اخي ادريس
    اين انت يا رجل

    مشكور على المرور البهي
    اكيد بمتابعتكم نواصل
                  

04-24-2018, 06:33 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10745

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: إدريس محمد إبراهيم)

    إنت عسل ياخ
    واصل
                  

04-24-2018, 06:41 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22444

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحب في زمن الأنتفاضة ( اتبراويات ) (Re: Nasr)

    نصر
    وانت الأعسل ياخي
    انت مختفي وين؟

    مشكور على المرور العسلي
    دمتم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de