كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: عتذار متأخر لهذا القائد (Re: Ali Alkanzi)
|
ورالدين مدني mailto:[email protected]@msn.com هناك من ادعى المهدية وهم أبعد عن الحق. ولكن آخرين قاموا بها لأنهم استمعوا الى نداء السماء، وهي تنادبهم للقيام. وكانت مهدويتهم سماوية أرضية، فيها الصدق والإخلاص، وفيها التفاني في الرسالة، وفيها التماثل المطلق بين المسلك الفردي ومغزى الرسالة. ومن هؤلاء وقد يكون انجبهم وأعظمهم نبلاً، محمد احمد بن عبد الله السوداني، الذي ازدهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وشغل ساحة افريقيا والعالمين العربي والإسلامي كما لم يشغلها غيره في زمانه وفي غير زمانه. ولقد انتهى مهدي السودان عام 1885م ليترك وراءه تاريخا جديدا وزاخرا بالمعنى، ومع ذلك ورغم قرب المسافة في الزمان والمكان، لا يكاد العرب يعرفون شيئا عن هذا الجليل.
المهدي السوداني محمد احمد بن عبد الله، تخطى رحلة الانتظار والصبر ليدوي صوته في اسماع العدو والصديق. ومن فاته النظر قرأه باللمس. ومهما حاصروه فهو حاضر في الوجود والماهية. ذلك ما سهل على حفيده السوداني ان يكتب عن المهدي مراغما انوف اصحاب السيادة ومخترقا حجاب الاعلام الامبريالي، ليقدمه في لوحة مقروءة ومرئية كخطوة اولى في طريق انبعاثه، الى حد ان ترغم المؤسسات المسيجة بالعساكر لفتح ابوابها ليدخل منها المهدي بمهدويته الغرارية، التي يقصص علينا محمد سعيد القدال بعض فصولها في كتاب عنوانه: “الامام المهدي: محمد احمد بن عبد الله لوحة لثائر سوداني”. والمؤلف ماركسي، لكن من جلدة الامام، وماركسيو السودان لهم مزاياهم التي تذكرنا بماركسيي الصين ايام العز. فهم احرار تقل فيهم التبعية، ووعيهم الطبقي متجذر في مجتمعهم وغير مترجم. هم من نوادر العرب والافارقة الذين حملوا فكرا ووعيا محليا، لم يترجموا عن غيرهم، وماركسيتهم اقرب الى ماركسية ماركس ومريديه الاوائل، بحساب الفكر الاجتماعي لا المنهج العلمي، وهو ما لا نطالبهم به، لأن الماركسية الاجتماعية لا تحتاج الى الماركسية العلمية لكي تفعل في مجتمع ما، شرقي او آفرو آسيوي على الخصوص. وقد اقامت شعوب في آسيا وافريقيا على امتداد العصور الغابرة شيوعيتها الخاصة بها دون ان تنتظر ظهور منهج كارل ماركس، ودامت كيانات منها اكثر مما دامت شيوعيات حديثة ادعت الانطلاق من ماركس ومنهجه العلمي. قارن مثلا دولة القرامطة شرقي العربيا وقد عاشت مائتي سنة، ودولة السوفيت التي لم تستوف الثمانين. وقد جاء ماركس نفسه من صميم هذه التواريخ العامرة بالوعي المشاعي. ولم يكن في ذلك مدين لفلسفة غربية بقدرما هو لتكوين مثقفي مغروس في المثل العليا للبشر، وذلك هو ما يميزه عن فلاسفة ومفكرين اشتراكيين من اقرانه في الغرب، بل هو ما يميزه عن حاملي ميراثه ممن كانوا اقرب الى اشتراكية الغرب التجارية، ولإن انتج الفكر الغربي في سياق تطوره منهج ماركس العلمي، فهو غير مسؤول عن جنوحه البعيد الى ما وراء القارة البيضاء وتاريخها المسكون بالنهب. المعجب في شيوعيي السودان هذه الشفافية الإنسانية المتحدرة إليهم من تقاليد المجتمع القبلي شبه المشاعي، ومن التراث الإسلامي الذي استوعبوه اكثر من بقية رفاقهم العرب. ذلك ما دعي محمد سعيد القدال ان يتعامل مع المهدي كما لو انه يكتب عن عبد الخالق محجوب، رغم ما بينهما من تفاوت في الآيديولوجيا ووعي العصر، ولكن عبد الخالق محجوب ومحمد احمد المدهي يشتركان في وعي الوطن، الذي يعني بدوره معاداة الامبريالية، وتبعا لها معاداة الغرب كمصدر وحيد اوحد للامبريالية، وكمصدر وحيد اوحد لما يعصف في عالمنا العربي والافريقي، بل وفي عموم العالم الثالث من الشر والعدوان والنذالة. وعبد الخالق اقل ادلجة من غيره، لان الغالب كان وعي العصر متماهيا في قلب بروليتاري ذي خصوصية سودانية، وكان محمد احمد المهدي تام التأدلج في العقيدة الدينية للاسلام، وهي مظنة تعويق تركت بصماتها على دولته، في حين كان عبد الخالق شيوعي الوعي اكثر مما هو شوعي الايمان. تابع القدال ظهور المهدي والمهدوية في السودان في بداياتها الصوفية. فالمريد محمد احمد نشأ في الخلاوى، وهي المدارس الاولية في علوم الدين. ثم انتظم في سلك المريد لشيخ كبير لم يعجبه مسلكه الدنيوي. كان مريدا واعيا. ونعثر من خلال القدال على خصال قطب صوفي سريع التأهل من الصراحة والتحسس ضد الظلم ومقارعة الفساد لنقف امام شخصية اندفاعية اقتحامية، ستصنع للسودان رمزه الثوري الاعظم في هذا العصر، ومن آياته الزهد الصوفي لا الزهد الديني، وبينهما فرق. فالزاهد صوفيا فاعل والزاهد دينيا سلبي. هذا يريد من زهده نعيم الاخرة وذاك يريد من زهده بناء الدنيا على الاسس التي يراها صالحة لاهلها، ومن هنا كان جوهر حركة المهدي «البقارة والجهلاء والاعراب»، اي الاراذل من اتباع الانبياء. وانفصل المهدي عن العلماء الاعداء الطبيعيين للمتصوفة، ليصنع له مهدوية تنهل من ينابيع الفقر الحلاجي، لتجد نفسها في لحظة محسوبة على نقيض العثمانية التركية المتلبسة بالدروشة والمحمية من رجال الدين. واعلن المهدي تكفير الاتراك بعد ان عدد جرائمهم بحق المسلمين، وما قاموا به في السودان من نهب وبلطجة، ووقف رجال الدين ضد المهدي مع الاتراك. وليس خافيا ان يكون المهدي وجميع من ضارعه من زعماء المقاومة الوطنية في العالم الاسلامي قد جاءوا من منشأ صوفي. جرت ثورة المهدي في ربط مدروس مع التاريخ العسكري للاسلام الاول، واظهر المهدي اخلاقيات مماثلة، ويتحدث القدال عن الخبرة العسكرية للمهدي، فيكشف عن عقل عسكري كبير لم يتأهل في الاكاديميات الحربية، لكنه يملك جميع ما يملكه قادة الثورات المسلحة من عبقرية عسكرية، مع ما تمتع به من قدرة استثنائية على التحرك في مجتمع هو اشبه بغابة من القبائل والاقبال والطوائف، وظفها كلها لتصب في اتون الثورة، وسار بانصاره من معركة ظافرة الى اخرى. وكانت آخر المعالم الفاصلة هي التي انتهت بتحرير الخرطوم، وتصفية الاحتلال التركي البريطاني نهائيا. وكانت بريطانيا قد عينت غردون للدفاع عن الخرطوم، وهو إمبريالي عريق، وقد خدم من قبل في الصين وكان من اعمدة العدوان البريطاني ضد الشعب الصيني. وقتل غردون في تلك المعركة، وكانت مأثرة اضافية حفظها شو ان لاي للسودانيين، واستذكرها في زيارة رسمية للسودان، وخاطب السودانيين شاكرا لهم منتهم العظيمة على الشعب الصيني بأخذهم الثأر من المجرم غردون. بتحرير الخرطوم توجت الثورة المهدية باقامة دولة السودان المستقلة بامامة محمد احمد المهدي. ولم يعمر المهدي طويلا بعد تحرير الخرطوم، فتوفي بعد خمسة اشهر وهو في الاربعين من عمره.
يقول محمد سعيد القدال: (لم يستطع الثائر ان يقاوم المرض طويلا، رغم بنياه الجسماني القوي وشبابه. فالجهد الذي بذله منذ خروجه من أبا، والمعارك التي قادها، وعظم المسؤولية التي تحمل ثقلها، وفيض الرسائل والكتابات التي خطها، كلها انهكت قواه. فلم يصمد لاصابته بالحمى او التيفويد، التي اصيب بها الثناء تفقده المرضى). وطبق المهدي برنامجا سياسيا واقتصاديا متقدما. الا ان التخلف في نظام المهدي كان برنامجه الاجتماعي، وقد خضع فيه للشريعة كما استقرت عليه في العصر العثماني، وهذه المشكلة تتحدى دوما حركة الاصلاح الديني، بسبب صلابة الشريعة بشأن المرأة وصعوبة قبولها للتأويل. السودان مدين لوجوده كدولة للمهدي بن عبد الله. والشعب السوداني هو مخلوق المهدي، حقيقة مشتركة بين الفئات السودانية على اختلافها وتعددها. فهو رمز السودان الذي يجب ان يرتهن به تاريخه، انما من دون ان يذعن لكامل مطالبه، فلكل عصر نظام ولكل زمان احكام. وهذا حكم المجتهد المسلم حين يمارس الاجتهاد فعلا. ولدى النظر فيمن يحق له اليوم من السودانيين ان يتكلم باسم المهدي، لا ارى للجبهة الاسلامية ونظامها المتخلف وجها للكلام. ثمة هوة عميقة تملأها الفلاشا والسعودية وجعفر نميري، تمنع التحام حسن الترابي بالامام المهدي، وعندما نتجاوز تداخلات الايديولوجيا، فان الوحيد الذي يستحق وراثة المهدي هو حزب عبد الخالق محجوب. ان هذا ما يقوله كتاب محمد سعيد القدال من سطره الاول حتى كلمة الختام. نشر المقال في مجلة “الحرية” اللبنانية بتاريخ 29/8/1993م
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إعتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 08:19 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 08:22 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 08:37 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 08:45 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 09:14 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 09:33 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 09:22 PM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-13-18, 09:33 PM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-14-18, 09:38 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | Ali Alkanzi | 03-14-18, 08:59 PM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | علي عبدالوهاب عثمان | 03-15-18, 08:33 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-15-18, 09:32 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | اسماعيل عبد الله محمد | 03-15-18, 09:43 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | علي عبدالوهاب عثمان | 03-15-18, 09:50 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | Ali Alkanzi | 03-15-18, 11:26 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | Ali Alkanzi | 03-16-18, 04:50 PM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-17-18, 07:33 AM |
Re: عتذار متأخر لهذا القائد | محمد عبد الله الحسين | 03-17-18, 08:49 AM |
|
|
|