|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
الناى وريحة النال والشيح والباشندى والمحريب وبريب البطانه وجدى الخشش الدافقه لقرضها والخريم والبرم، ولغات جميعها ناقله للجمال تلك البدويه الغائصه المتعمقه فى الأصاله وتلك الحامله لأوجه الحداثه والمواكبه للتحول الإجتماعى وتغير وسائله وطرائقه والمسميات فلم تحرن تلك اللغه أبدا، بل أفردت أجنحتها ورقصت بصدرها لتحويها وتحتويها لتنتج ذلكم البهاء والروعة والإبداع الحامل لثقافة الناس وتراثهم والعاكس لواقعهم وواقع حالهم وأحوالهم وعلائقهم المتشابكه المتداخله الصناعه لأسباب سعادتهم والذى يسعدنا نحن من يناغى ذلك التراث القوس قزحى الجميل المتميز والأصيل الفارق فيا لك من أمة عظيمة وراقيه ويا لك يا ذات المذاقات الحادقة الحاليه، الأمانى لك بوهدةٍ تبين فيها تلك المفاتن الساحرة الخلابه.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
عبدالقادر سالم أحد عمالقة ترسيخ الفن الكردفانى كلمةً وإيقاعاَ وموسيقى كلمة تحمل مضامين التراث وايقاع يتنوع ويتلون بين خببٍ وجكةٍ وشوباح وموسيقى تنسجم مع تلك الإيقاعات والكلم الطروب الذى يعكس أشواق الناس وبواعث فرحهم وسعادتهم ويشارك ذلك المبدع آخرون كعبدالرحمن عبدالله والمرحوم صديق عباس والمرحوم موسى أبا فقد إستطاع جمعهم بتوسيع دائرة الإستجابه لتلك اللحون حتى صارت فنوناً قوميه.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
ضاع صبري اين يا وصلي قلبي بنار الغرام مصلي ياعقود آمالي انفصلي مابفيق من النويح اصلي عقلي يوت كل ساعه ينقص لي فيك ضاع يا طيبة الاصل ايه ده ليل والبدر واضحلي ام ده ديسك محيو فاضحلي يا العيون عاد روقي واحلي خفي رمشك ده المجرح لي زاد من نار الصدود وجلي يا معاني الشعر والزجل باهي جيدك والخديد مجلي ترى ده الهلاك في الاعين النجل ليك نسائم الشوق دوام رسلي في هواك كم ضائعا" مثلي ماسليت وانتي كيف تسلي انا صرت ميت والدموع غسلي مالي يا ليل الهم تجمعلي يا بدر بالله اسطعلي وياسهيل ارجوك اسمعلي ترمي محيك في الكفل تعلي يا حمام بالله اسجع لي مالو ضائع في الخيال فعلي
عبيد عبدالرحمن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
جننونا بالخضار يا الله سميره وين يا الله سكنوك جنوب الفونج سميره أنا أبقى ليك تلفون سميره فى المدرسه أم جملون سميره فى المدرسه أم جملون سميره الرصيرص جنوب الفونج جننونا بالخضار يا الله سميره وين يا الله سميره قمنا من سنار فى سنجه أنا قلبى ولع نار يا الله سميره أنا قلبى كلو ودار سنجه كيف يا الله الرصيرص كيف يا الله سميره دى المحلب الدرفون سميره ديل كهارب واللا عيون سميره ديل كهارب واللا عيون سميره ديل فضه واللا سنون جننونا بالخضار سميره وين يا الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
كيف لمن يقارب بين صديق عباس ويا بنيه يا صندل الليون وسميره دى المحلب الدرفون من قسم على إسماعيل من جنوب النيل الأزرق وبهاء الفونج وروعه جنوب الفور يا لها من من مقاربة ربطت عناصر الجمال بأشواق وإشراق مبدعى البلاد وبتلقائيه لا شبيه لها تلقائيه توحد مشاعر مكونات الأمه وتعمق الأواصر وتشحن الصور فى بعضها البعض صانعة قوس قزحٍ قومىٍ فريد فيا لها من فنون تلك التى تحمل مشارط الإستشفاء السحريه والعافيه المرتجاة أبداً لوطنٍ حاضنٍ لتلك العظائم الباهره.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
قوة العباره وفرادة التعبير وجودة التطريب العفوى يجعلك ترتحل فى هلامية إيحآت المفرده وما توحى به من معانٍ يتسامى من كهربتها عنان الروح فتروح فى شأن خالقها الذى أبدع ذلك الجمال ليجمل لنا هذه الحياة ونعيشها وأرواحنا تلهج شكراً وثناء وهى تدور بلطف مع ذلك التدوير والدوران الكونى فى تلك الأفلاك بإرادة خالقها لترقص فى مداراتها بلا مداراةٍ ولا فتر ولا نفتر نحن من الإرتحال معها خارج جاذبية عوالم الأشباح إلى ما فوق عوالم الأرواح المريح، فيا لذلك الجيل الذى أطرب وأشجى وشق للفن ديداباً وعبده بالروائع الغوالى فى القوالب الحوالى لتبقى مراجعاَ تخم من بحرها الأجيال كيفما شاء لهم الغرف ومتى ما أرادت ذلك، بحارٌ سلسبيلية عذبة قراح دنها وملاح أكوابها والقوارير وكأنى بها من تلك التى قدر الله فضتها تقديرا. فحوجة الإنسان لذاك الفن حوجة لا تقل عن حاجته للأكل والشرب وحاجته للذكر والتلاوة والإنشاد فهى حاجة الروح لزادها وزوادتها ويا لملكة ذلك الجيل وتَمَلُكه للقدره على قرآة لوح أشواقنا المُشرّفْ بالنقاء والطهر والأريحية السمحه.
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
في ذكرى الطيب محمد الطيب.. وشهادات من عدول AWWAL | 20 فبراير, 2015 at 20:41 18 0 في السابعة من مساء الأثنين 16 فبراير 2015م ، احتشدت القاعة الكبرى بمركز الفيصل الثقافي ، في البرنامج الثقافي الشهري الراتب (في ذكراهم ) و الذي خصص لذكرى الباحث و الكاتب الراحل الأستاذ الطيب محمد الطيب ، عبر شهادات يقدمها بعض تلامذته و أصدقائه و عارفي فضله على المشهد الثقافي السوداني . افتتح الحديث الأستاذ الناقد نادر السماني ، الذي اعتبر الراحل الأستاذ الطيب محمد الطيب هو النموذج الأوفى للشخصية السودانية المعافاة في أروع تجلياتها و بساطتها ، إذ كان من فرط تواضعه و بساطته يشعر محدثه أياً كان بأنه يتعلم منه ، و هو كان حقاً – وهو يعلّم الآخرين من كنانة موسوعيته و علمه – يتعلم منهم في الآن ذاته ، و كان يملك القدرة على استنطاق بسطاء الناس ما يريد أن يقوّلهم إياه ، كناية عن معرفته العميقة بخصائص الشخصية السودانية . كان الشاهد الأساسي هو البروفيسور محمد المهدي بشرى ، الذي كان لصيقاً بالراحل و يعتبر نفسه أحد تلامذته ، معدداً سبق الرجل و موسوعيته في توثيق التراث الشعبي السوداني مستقصياً كل مفرداته و تجلياته ، فما ذهل عن شئ من مكونات الثقافة السودانية ، ما تعلق منها بأشكالهم و طقوسهم ، الشلوخ ، الختان ، الزواج ، الحرب ، الصيد ، تواريخ القبائل و تقاليدها ، إلخ ، و أشار البروفيسور محمد المهدي بشرى إلى كتاب للراحل ، صغير هو كتاب (في ذاكرة قرية) يعتبره مع صغره أحد أهم إصداراته ، يبحث فيه شتاتاً من مفردات ثقافة القرية السودانية من الألعاب الشعبية إلى أشعار النساء ،إلى كافة تقاليد القرية السودانية . و كان من أهم شهادات البروفيسور محمد المهدي عن الراحل أن إنجازاته العلمية و التوثيقية اعتمدت في الغالب على جهده الخاص ، إذ لم يكن ينتظر أية تسهيلات من الجهات التي يعمل لصالحها سواءً أكانت مؤسسات بحثية أكاديمية كالجامعات ، أو منابر و أجهزة إعلامية كالتلفزيون أو الإذاعة ، ظل مشغولا بالشخصية السودانية و دراستها و معرفة خصائصها و محركاتها ، فحصل خبرة و معرفة عميقة بهذه الشخصية في مختلف تجلياتها . عصامي تعلم بنفسه ما ينافس به ذوي التأهيل العلمي التخصصي الرفيع ، توجه محمد المهدي بشرى إلى مركز الفيصل برجاء أن يتكفل بطباعة الكتب و الأوراق التي توثق مسيرة و حياة الطيب محمد الطيب ، مما كتبه هو أو أخرين كثر من تلامذة و أصدقاء الراحل. كان أيضاً من الشهود المتحدثين عن الراحل ، البروفيسور عبدالله حمدنا الله ، الذي بدأ بطرح سؤال جوهري : هل كان الطيب محمد الطيب يتوفر على (مشروع)؟ في الخمسينات ظهرت الدراسات المتخصصة في التراث القولي ، كتابة و إذاعة ، و ظهرت أسماء لامعة تخصصت في بعض مفردات و جزئيات التراث الشعبي ، كالمديح ، أو بعض صور الغناء ، أو بعض مفردات الفولكلور ، و في الفترة ذاتها ظهر الطيب محمد الطيب كمشروع شامل و متكامل (تخصص غيره في جزئيات التراث ) ، من حيث إحاطته بجميع مفردات التراث ، و من حيث الإحاطة بكل أركان السودان و الإثنيات و الثقافات التي تعمره .. كتب مالئاً كل المسافة الشاسعة ما بين المسجد و الإنداية (من أهم مؤلفات الرجل كتاب “المسيد” و كتاب “الإنداية” ..، ليس التراث القولي فحسب ، بل و الفولكلور ، يمكن أن نصف مشروعه بالشمول و البساطة ، ثم تساءل البروفيسور عبدالله : هل له منهج ؟ نعم .. كان أصيلاً في كتاباته (لم يعتمد على مصادر ثانوية بل اعتمد على مبادراته المباشرة من المصدر ذاته ) أي منهج؟ لم يكن أكاديمياً يعتمد على طرق و قيود البحث العلمي التي تقيد من يعتمدها و تحد من حركته ، و هذه ميزة أصيلة ، كان مسامراً ، اعتمد على طريقة السرد و إيراد القصص ، ما يقرب المادة إلى أذهان العامة ، و هذا سر إقبال الناس عليها . أعيد نشر كتبه في هيئة الخرطوم للنشر مرتين ، فوجدت إقبالاً لم يضارعه إلا كتاب “عصر البطولة في سنار” الذي نشرته الهيئة بدوره. أشار البروف عبدالله حمدنا الله أيضاً إلى ميزة امتاز بها الراحل ، تؤكد عميق معرفته و شموليتها ، إذ يكتشف أشياء لا يلتفت إليها المثقفون الأكاديميون من ذوي التخصص إلا بعد أن يذكرها ، مثل ما حكاه الأستاذ كمال الجزولي من أنه مع البروف عبدالله علي إبراهيم كانا يتحدثان عن “مسرح الرجل الواحد” و كان الطيب محمد الطيب حاضراً حديثهما ، فقال لهما إن مسرح الرجل الواحد عندنا هنا في السودان ، و ذات يوم جاء فأخذهما إلى قرية كركوج ، و هناك بدأ مادح يحكي لهم ، فقال كمال الجزولي أن أداء ذلك الرجل كان بالفعل هو مسرح الرجل الواحد كما يعرفه المختصون.
منقول من النهار
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في ا (Re: munswor almophtah)
|
قصَّةُ بَقرَتَيْن! كمال الجزولي الحوار المتمدن-العدد: 1827 - 2007 / 2 / 15 - 09:43 المحور: سيرة ذاتية الثلاثاء: صديقى سمير عبد الباقى ، شاعر العاميَّة المصريَّة الكبير ، من أشعر خلق الله ، ومن أظرف خلق الله ، ومن أكثر خلق الله إثارة للجدل فى مناخات القاهرة المشبّعة ، أصلاً ، بالجدل سياسياً وفكرياً وأدبياً! سهرت فى ضيافته ، هذا المساء ، بصحبة الياس فتح الرحمن ، الشاعر والناشر الجميل ، وهشام السلامونى ، المفكر والناقد الستينى المرموق الذى هجر طبَّ العيون لينشغل بأسئلة مصر والسودان والعالم العربى الشائكة! ولسمير أسلوبه الفريد فى التعبير عن مشاعره. فحين دلفنا ثلاثتنا من باب شقته الصغيرة التى يعيش فيها وحده وسط حى شبرا الشعبي كنت تهيَّأت لأن أعزيه فى زوجته التى توفيت قبل سنة وما سمعت إلا اليوم. غير أننا ألفينا سميراً منهمكاً فى الردِّ على محادثة تلقاها للتوِّ. كان يصيح برنَّة يجهد لجعلها أقرب إلى المرح ، مع أنه كان واضح الاحتشاد بحزن كالجبل: ـ "يا عمِّ خلاص! ألف رحمة ونور عليها .. كفاية! عايز تواسيني قول لي كلام يفرَّحني وبلاش غلب .. أرجوك"! ثمَّ ما لبث أن علق سمَّاعة التلفون ليندفع يعانقني بتلقائيَّته الدافئة فى ليل القاهرة الصقيعي: ـ "والله زمن يا عمِّ كمال .. بقى ده اسمو كلام؟! فينك يا راجل .. بقالنا سنين ما بنشوفكش .. هُمَّ اعتقلوك تاني ، وللا الياس بياخدك مننا ، وللا إيه الحكاية بالضبط"؟! بدا لى ، لحظتها ، أننى إن لم أسقط جُلَّ عبارات العزاء التى كنت أعدَتها ، فسيقول لى فى وجهى إننى ثقيل! لذا اكتفيت بإدغام عبارة "البقية ف حياتك" بين جلجلة القهقهات التى فرقعت فى غرفة الاستقبال الصغيرة. لكنه ، وكأنْ لم يسمع شيئاً ، إنطلق يصيح ، عبر النافذة ، لبائع الكباب والكفتة فى الدور الأرضى كي يصعد بطلبات العشاء ، بينما كان يلتقط من رفِّ المكتبة أحد دواوينه القديمة ، ويصيح بذات الحماس: ـ "إستنوا .. استنوا لما أقرالكم القصيدة إللى كنت أهديتها لكمال وجيلى ، بعد انقلاب السودان ، لمَّا كمال أعتقل وجيلى توفى"! ورغم أننا كنا سمعناها ، من قبل ، إلا أن طلاوة الصور وفرادة التراكيب وحلاوة الإلقاء المتمكث العميق ، أخذتنا جميعها على موجة عالية من المتعة والتأمل ، وجعلتنا نستزيده ، القصيدة تلو القصيدة ، حتى انقضت السهرة وهو يضع ديواناً ويرفع آخر ، بما فى ذلك "نهنهات المشيب" ، "جمر مطفي فى حرايق الروح" ، "ولا هُم يحزنون" ، "دفاتر إبن عبد الباقي ـ آخر حدود الزجل" ، فضلاً عن إصدارته غير الدوريَّة الموسومة بـ "شمروخ الأراجوز" التى درج على تذييلها بعبارة "نشرة شعريَّة مصريَّة على قدِّ الحال. لا جريدة ولا جرنال ولا حتى مجلة. ومستقلة عن أىِّ حزب وأىِّ مِلة. عايشة بنفسكم مش بسِّ بفلوسكم. والغاوى ينقط بطاقيته. وأهلاً بالأصدقاء ، زجَّالين وفنانين وشعراء"! يحزننى أن إبداع سمير ما عاد معروفاً كثيراً فى السودان ، مع أن اسمه كان يرنُّ بيننا رنيناً وهو بعد فى بداياته قبل زهاء الثلاثين سنة ، خاصة عندما شكل مع المرحوم الموسيقار المُغنى عدلى فخرى ثنائياً ثورياً هزَّ أوساط الشباب والطلاب ، بالذات ، هزَّاً عنيفاً ، بالأخص عندما ذهبا ليعيشا مع اللبنانين مآسى الحرب الأهليَّة ، ومن هناك كانت تخرج أشرطتهما لتجوب الآفاق العربيَّة بأسرها ، من البحر إلى البحر! الأربعاء: تختصِر لفظة "شينق ـ cieng" ، لدى الدينكا ، مفاهيم "الوحدة" و"الانسجام" ، وتعني ، ضمن ما تعني في صيغة الاسم: "الاخلاق" و"العرف" و"الثقافة" ، وفي صيغة الفعل: "يعيش معاً" و"يسكن" و"يُعامِل" ، وتستخدم ، في الغالب ، بصفة إيعازيَّة تتضمن حكماً قيمياً ، كما في قولهم: "شينق سيئ" و"شينق حسن" .. الخ (أنظر: فرانسيس دينق ؛ الدينكا في السودان ، ط 1 ، مركز الدراسات السودانيَّة ، القاهرة 2001م ، ص 30 ـ 31). وظنِّي أن اللفظة تطابق ، من حيث ظلال المبنى وطيبة المعنى ، لفظتى "يُساكِن" و"مُساكَنة" ، على وزن "يُفاعِل" و"مُفاعَلة" ، وهما عربيَّتا الأصل ، سودانيَّتا المزاج ، ولطالما أسعفتاني ، وإنْ لم أكن أول من سكَّهما أو اجترح استخداماتهما ، إذ الفضل في ذلك يعود ، على ما أعتقد ، إلى صديقي عبد الله علي ابراهيم ، فما وقعت على أيِّهما عند أحد قبله. الشاهد أنني سعدت ، أيَّما سعادة ، وأنا أطالع وأستعيد من الشبكة رنين التعبيرات (الشينقيَّة) الجهيرة التى انطلقت من خطاب سلفاكير ميارديت الأخير أمام الاجتماع الحاشد لقيادات (قطاع الشمال) بالحركة الشعبيَّة فى 4/2/07. لم يقتصر الخطاب على تأكيد المنحى الفكريِّ (للشينغ) الحسن لدى الحركة ، بدلالة (التساكن) السلمي المفضي ، بالضرورة ، إلى (التعارف/التعامل/التثاقف) الطبيعي ، في إطار مشدود من (الوحدة) بين مفردات التنوُّع السودانى ، بل تجاوز ذلك إلى تحذير "اللاعبين بالنار" مِمَّن "يعرقلون عملية السلام في المؤتمر الوطني وفى الحركة الشعبيَّة على السواء .. ويعملون على طرد الجنوبيين من الشمال" ، فضلاً عن تشديده على أن عقيدة الحركة هى "الوحدة الطوعيَّة على أسس جديدة" ، وأن "المصلحة العامة في الوحدة أكثر منها في الانفصال .. وأن الوحدة ضروريَّة للسودان كله ، وللجنوبيين كافة ، لا الحركة وحدها". بحرارة القلب المرغوب فيها هذه تشمِّر الحركة عن ساعد (الوطن الواحد) فى عقلها ووجدانها. والمأمول أن تدير ظهرها نهائياً لجفاء الكلمات الباردة عن (الوحدة) ، وحياديَّة التقرير بأن "الشماليين وحدهم هم المسئولون عن أن تكون الوحدة جاذبة أو منفرة"! لقد فجَّر خطاب سلفاكير طرحاً نوعياً مختلفاً بشأن ثلاث قضايا أساسيَّة وضع بها الحركة كلها ، نفرة واحدة ، فى بؤرة الهمِّ الوحدوى السودانى: فمن جهة أبدى استعداد الحركة "للعمل المشترك مع القوى السياسيَّة كافة لإيجاد مخرج للسودان من أزماته". وليس سوى أعمى بصيرة من لا يلمح فى هذا الطرح رغبة أكيدة فى (الانعتاق) من (ربقة) الاقتصار على (شراكة) المؤتمر الوطني وحده! ومن جهة أخرى طرح مبادرة للسلام في دارفور لا تعوِّل على مشاركة السلاطين والنظار والشراتي وحدهم ، بل تنفتح على معطيات الواقع الجديد الذي تخلق وسط الحريق المشتعل في الاقليم من أقصاه إلى أقصاه ، وفى مقدِّمة ذلك ظهور قيادات ورموز سياسية جديدة تحظى بثقة المجتمع المحلي ، فدعاها إلى "تكثيف اتصالاتها من أجل إنجاح المبادرة". ويقيننا أنه لو قدِّر لهذا الجهد أن يمضى إلى غاياته ، بلا عوائق من أجندات ضيِّقة أو مكايدات وضيعة ، فستخرج ، لا دارفور فقط ، وإنما البلاد بأسرها ، من مصيدة التدويل الراهنة التي ما فاقم من مهدِّداتها سوى هذه الاجندات والمكايدات نفسها! أما من الجهة الثالثة فيُتوقع أن يبحث اجتماع طارئ للمكتب السياسي للحركة اقتراحاً بتصفية قطاعي (الشمال) و(الجنوب) ، على أن يحلَّ محلهما "هيكل موحَّد ينتظم خمسة وعشرين وحدة على خارطة عموم السودان". بخ بخ ، فمن ذا الذي لا يلمح في مثل هذا الاجراء خطة من شأنها إعادة الصياغة الأعمق للحركة في مزاج الوحدة؟! مع ذلك كله ، ولنكون أقرب إلى الواقعيَّة السياسيَّة ، يجدر ألا نزعم أننا انتقلنا من خانة (التشاؤم) إلى خانة (التفاؤل) .. بالمطلق! فلنقل ، إذن ، إننا صرنا الآن (أقل تشاؤماً) أو (أكثر تفاؤلاً) ، أو صرنا ، للدقة ، (متشائلين) ، بمصطلح إميل حبيبى السديد! الخميس: شقَّ عليَّ نبأ وفاة الأخ الحبيب الطيِّب محمد الطيِّب ، نعاه الناعى وأنا بعيد عن الوطن ، وكنت زرته ، آخر مرَّة ، بصحبة بعض الأصدقاء ، إبَّان رقدته الأخيرة بالمستشفى العسكري. حسبناه ، للوهلة الأولى ، نائماً ، فكدنا ننسحب بهدوء ، لولا أن زوجته عاجلتنا بالتمر ، قائلة: "ليس نائماً ، هو فقط على هذا الحال منذ جئنا به إلى هنا ، ولكن رؤيتكم ستسعده". فتح عينيه ببطء ، وبدا كما لو كان يهمُّ بالكلام ، سوى أنه طفق يُسرِّح نظراته الوادعة فى وجوهنا ولا ينبس ببنت شفة ، رغم إلحافنا في مشاغبته ، وكم كان ، فى زمانه ، حديد المشاغبة ، شديد اللماحيَّة ، منتجاً حاذقاً لبهار الاخوانيَّات اللاذع وعطرها النفاذ! تعرفت عليه عام 1973م. قدَّمنى إليه عبد الله علي ابراهيم ، أيام تفرغه لمسئوليات العمل الثقافى بالحزب الشيوعى ، وشوقي عز الدين ، المخرج المسرحى الذى كان قد فصل ، للتوِّ ، من العمل بمعهد الموسيقى والمسرح. كنا نقصد ، أحياناً ، داره ببرى ، مع بعض الأصدقاء ، نقضى الأمسيات فى حوارت ساخنة حول هموم الثقافة ، فكان يستقبلنا هاشاً باشاً ، ويكرم وفادتنا غيرَ هيَّاب ولا وجل من كوننا كنا مجموعة من الشباب (المدموغين) فى الوسط الثقافى بالتمرُّد ، أو حتى من كون صديقه عبد الله ، بالذات ، كان مختفياً ومطلوباً من الأجهزة الأمنيَّة! ظل الفقيد ، دائماً ، نسيج وحده فى مقاربة مختلف ظاهرات القول والفعل الشعبيين. كنا شغوفين وقتها ، شوقي وأنا ، بالمسرح. وقد سَمِعَنا نتحدث ، مرَّة ، عن مسرح الرجل الواحد One Man Theatre الذى كنا نحسبه حداثيَّاً لا أصل له فى ثقافتنا الشعبيَّة. فدعانا، بعد أيام ، لمرافقته فى زيارة إلى ود الفادنى. وفى الطريق أخذ يطلب من سائقه أن يُعرَّج إلى بعض القرى ، يسأل عن صديق له يُدعى حاج الصِدِّيق عبد الله ، إلى أن دلونا على سبعينىٍّ لا يكاد يلفت النظر لبساطته ، وقد هشَّ لرؤية الطيِّب الذى طلب منه الصعود إلى العربة ، وواصلنا سيرنا. بلغنا المسيد بعد صلاة العشاء. وبعد أن أولموا لنا وليمة تكفى لعشرة أضعافنا ، إستبقانا الطيِّب جلوساً على ذات الأبسطة التى مُدَّت لأجلنا فى صحن المسجد الرحب ، وفى حضرة الشيخ وأولاده. كانت المئذنة المهيبة تشمخ فوقنا، وظلالنا تترامى مجسَّمة ، بفعل (الرتاين) ، على الحوائط الجليلة من حولنا ، بينما تربَّع حاج الصِدِّيق فوق أحد العناقريب الفارهة التى أعدت لمبيتنا ، لتكتمل ثنائيَّة (الصالة والخشبة) بكل ما فى (المسرح الفقير) ، بالمصطلح الحديث ، من بساطة وتعقيد ، وليبدأ العرض فى ليلة لا نظننا ننساها ما حيينا ، تكشف فيها حاج الصِدِّيق عن مسرحىٍّ شديد الثقة فى نفسه ، والتوقير لفنه. إنطلق يضحكنا ضحكاً كالبكا ، وفينا مشايخ ما تنفكُّ أناملهم تداعب حبَّات مسبحاتهم ، على أنفسنا وعلى الدنيا من حولنا ، ببديع مفارقات يلتقطها ، بعين الفيلسوف الناقد وخيال الفنان الخلاق ، من شوارع القرية والمدينة ، ومن بيوت الأغنياء والفقراء ، ومن مناسبات الافراح والاتراح ، ومن دقائق تجليَّات مشاعر المزارع حين يحلُّ أجل سداد الديون ، بينما تتأخر صرفيات الحوَّاشات ، ومن مواسم الحج ، بكل ما تزدحم به من سحنات ولغات ولهجات وطائرات وقطارات وبواخر ، بل ومن مَشاهِد أسفار قاصدة من مغارب الشمس إلى مشارقها ، بأقدام حافية مشققة ، وببعض كِسرات خبز مجفف ، وبصغار مرتدفين فى ظهور الأمهات. وكان حاج الصِدِّيق يتنقل بين المَشاهِد ، فى قمَّة براعته ، باقتدار وسلاسة ، مُقلداً عويل الريح ، وبكاء الرضيع ، وثغاء الماعز ، وصفارة القطار ، وبوق السيارة ، وهدير محرِّك الطائرة ، وزمجرة مفتش الغيط المحتشد بسلطته ، وسخط المزارع المغلوب على أمره ، وغنج زوجة التاجر القروىِّ الثريِّ تحاول تسريب طلباتها الباذخة إلى حافظة نقوده المنفوخة! كان يفعل ذلك وحده ، خلواً إلا من قسمات وجهه المرنة ، واختلاجات جسده الناحل ، وتوترات أطرافه المعروقة ، وأقصى ما يختزن صدره الضامر من إرزام ، وحباله الصوتيَّة من صداح. وكنا ، من شدَّة تعجُّبنا منه ، نكاد نطير إليه ، طيراناً ، من (صالة) السجادة إلى (خشبة) العنقريب ، نعانقه ، ونهنئه ، وكذا نفعل مع الطيِّب ، منتج عرض (الرجل الواحد) البهىِّ ذاك فى مسيد ود الفادنى ، فقد مَنحَنا كلاهما ، فى ليلتنا تلك ، أعلى درجة من درجات الفرح يستطيع إنسان أن يهبها لإنسان. بعد انفضاض السامر ، آخر الليل ، كان واضحاً أن أكثرنا فرحاً هو الطيِّب نفسه الذى بدا كما لو فرغ من إجراء (تجربة) ناجحة! وبالفعل ، ما أن عدنا أدراجنا ، حتى عَمَدَ إلى إقناع التلفزيون بإعداد برنامج خاص عن (حاج الصِّدِّيق). لكن ليتهم سمعوا نصيحته وقتذاك ، كما قد علمت منه ، فلم يستكثروا ذهاب كاميرتهم لتسجيل اسكتشات ذلك الفنان المدهش ، بتلقائيَّة أدائه وسط جمهوره هناك ، فقد توفى الرجل ، للأسف ، بعد ذلك بسنوات ، ولم يتبقَّ منه الآن سوى هذا البرنامج الذى جفف طاقاته ، بكل ثرائها ، على منضدة بائسة فى ستديو خانق ، وما زلت أشعر بالحسرة ، كلما رأيت كاميرات الفيديو تتنقل الآن فى الحفلات ، على قفا من يشيل ، بعدد صحون العشاء وزجاجات البارد! فلو تيسَّرت للطيِّب واحدة ، ليلتها ، لما ضاع ذلك الأثر الفنى النادر ، مرَّة .. وللأبد! فهل من ماجد يقتفى الآن (بكاميرته) آثر اكتشاف الطيِّب ذاك بخطة بحث قاصدة تفترض أن حاج الصِّدِّيق لا يعقل أن يكون بلا ورثة ، فيجعل لحركتنا المسرحيَّة مرجعيَّة مخصوصة فى تراثنا الشعبى ، ولتنظيرات مسرحيينا آفاقاً أرحب من مجرَّد الاجترار العقيم لإشكاليَّات العرض من قواعد أرسطوطاليس إلى جدل (الممتع) و(المفيد) ضمن نظريات برتولد برشت فى (الأورغانون الصغير)! ألا رحم الله الطيِّب ، وغفر له ، وجعل الجنة مثواه ، فقد سلست عشرته ، بقدر ما بذل من جهد فى الاحسان لثقافة الشعب.
| |
|
|
|
|
|
|
|