مكي أبوقرجة .. وداعاً

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-22-2015, 12:05 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مكي أبوقرجة .. وداعاً

    11:05 AM Jul, 22 2015
    سودانيز اون لاين
    عبدالله الشقليني-
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan34.jpg Hosting at Sudaneseonline.com







    مكي أبوقرجة .. وداعاً

    ألملم الدمع العصي على البُكاء
    لا النيل أرحم مما بنا
    ولا الهجير يُبقي لنا الداء

    أعرف النعي لا يجهل مقامك ، ولا أنت الصاحب الذي ينأى عن أحبته باختياره ، ولكن مولاك اختار رفقته ، ولسنا أمام سيد الاختيار نختار. بك انتعشت الدُنيا ، وبوجودك بيننا رفرف العُمر من حولنا ، وما لقيناك بالأحضان بعد توهمِ إلا كنتَ كعهدنا بكَ سباق الخُطى ، شوقك يسبق العينين الضاحكتين ، وتوزع في مجلسنا الفرح ، فبئرك الغني بالأمواه لا ينضب .
    لا الحُزن فارقنا إلا حين استبشرنا بك بيننا ، أطللت علينا ,خاب كل مُخاتلٌ ألا نلتقي . وكنت همزة الروح إلى الوثوب . ما تركت أحضاننا إلا وبسمتك تُعطر . هذا الزمان صار كئيباً بدونك ، وبيداء كدحنا تعلفُ من مواضي أيامنا معك . كل الدنيا تدور من حولك ، وبرفقتك نطمئن أن العيون تكتحل وتعلق بشَغاف القلوب . ليس لمُحياك من طيب يفوح فوق ما وهبتنا ، خلال عُمرك القصير بيننا . كالبرق حللت بيننا وتركت هاماتنا تشرئب بأن لنا سندٌ من التاريخ حلّ جليساً بيننا نتسامر .
    طبل المعارك يرن في أذاننا عندما نلقاك ، فيك الماضي خط في رسم البطولات مَحياك . رفع أجدادك السيف لمنال البطولة ، وجئت ببطولة قلمك التاريخ إلى قبضة يدك . كنتَ الأول وكنت الآخر ، فالصيف في غيابك زمهريرا ، والليل لا يصبح وأنتَ غيابُ .

    وإنك نجم ووسادة الليل خيمة
    وما ودعنا الحُلم الجميل غيمة

    اللهم أرزقه طيبات ما ادخرت لأحبائك ، فما شهد بيننا شاهد إلا بذكرك احتفى وبصورتك في ذهن المحبة لا تترك مكان إلا وَسَمته . وعطر اللهم قبره وسيرته ومنتهى مآله ، فقد كان من الطيبين والذاكرين إياك والحالمين بالقلوب الراضية بحكمك ، ومشيئتك .

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 07-22-2015, 07:40 PM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 07-23-2015, 11:48 AM)

                  

07-22-2015, 01:20 PM

عبدالحفيظ ابوسن
<aعبدالحفيظ ابوسن
تاريخ التسجيل: 06-24-2013
مجموع المشاركات: 22319

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)

    مكي ابوقرجة المحامي والشاعر والصحفي والاديب
    ومن الاسماء الشهيرة ب كوستي ك شخص و ك اسرة عريقة
    احب كوستي وكتب عنها وتحدث عنها في التلفزيون
    احب كوستي واحبه اهل كوستي فهم منه وهو منهم
    تقبله الله قبولا حسنا وغفر له
    خالص العزاء لاهله واهل كوستي وشقيقه شعيب وكل اهله ب كوستي وام غنيم ريفي كوستي
                  

07-22-2015, 02:26 PM

معاوية الزبير
<aمعاوية الزبير
تاريخ التسجيل: 02-07-2003
مجموع المشاركات: 7893

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالحفيظ ابوسن)

    Quote: فبئرك الغني بالأمواه لا ينضب
    نعم يا شقليني، رحل وفي نفسه أشياء وأشياء من حتى.
    إذا لا نستطيع إلى البئر وصولا، فمن يرعى الفروعا ... يا ترى !
    يا إلهي من هول الهوة التي خلّفها

    البركة فيكم وفي أهله وعشيرته التي كان بينها كوكبا منيرا وكنزا مدخرا في الوقت نفسه
    كم أوجعني رحيله وأعجزني عن الكلام عنه، الرجل المفوّه والعالِم المتواضع

    البركة فيكم يا ابوسن والعزاء لكل كوستي وام غنيم
    والحمد لله على ما قضى
                  

07-22-2015, 02:31 PM

عوض حامد
<aعوض حامد
تاريخ التسجيل: 10-08-2011
مجموع المشاركات: 106

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: معاوية الزبير)

    نعم رحل المستنير عميق المعرفه سليل ابطال المهديه
    خالص العزاء لاهله واهل كوستي وشقيقه شعيب وكل اهله ب كوستي وام غنيم ريفي كوستي

    (عدل بواسطة عوض حامد on 07-23-2015, 07:58 AM)

                  

07-22-2015, 02:37 PM

خالد العبيد
<aخالد العبيد
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 21983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: معاوية الزبير)

    ورحل علم من اعلام المجتمع السوداني
    وداعا ابوقرجة والعزاء لكم يا ابناء كوستي وعموم اهل السودان

    من مسيرة الكاتب مكى أبو قرجة
    صحفى وكاتب سودانى
    من مواليد مدينة كوستى، وتلقى دراسته الأولية والوسطى فى مدارسها
    وتلقى دراسته الأولية والوسطى فى مدارسها ثم المؤتمر الثانوية بأم درمان
    وتخرج فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة - فرع الخرطوم، وعمل صحفيًا وكاتبًا بالسودان والإمارات.
    صدر له عدد من الكتب منها :
    - اليهود فى السودان
    - أصوات فى الثقافة السودانية
    - الأمل والقنوط فى بلاد الأرناؤوط
    - صولة بنى عثمان فى ملاحم الثورة المهدية
                  

07-22-2015, 02:44 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: خالد العبيد)

    ندعـو المولى الكريم أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته
    وأن يلهم أهله وذويه الصبر وحسن العزاء
    إنا لله وإنا إليه راجعون
    خالص التعازي والمواساة لأسرته ولأصدقائه ومحبيه ولك أخي الشقليني..
                  

07-22-2015, 03:09 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: نصر الدين عثمان)

    إنا لله وإنا إليه راجعون



    تغمد الله الفقيد بالرحمة
    وأسكنه الجنة
    ومن على أسرته والأصدقاء بالصبر وحسن العزاء


    تعازينا الحارة للجميع
    جبر الله الكسر
                  

07-22-2015, 05:41 PM

محمد قسم الله محمد
<aمحمد قسم الله محمد
تاريخ التسجيل: 06-13-2011
مجموع المشاركات: 2784

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: بله محمد الفاضل)

    لا حول ولا قوة إلا بالله..
    كان علماً من أعلام البلاد..
    عرفته حين دارت بيننا مساجلات على حلقات في صحيفة السوداني قبل سنوات عن أمدرمان التي يعشقها حد الثمالة..
    لا يجنح للإساءات بل يجبرك على احترامه..
    سوف تفتقده كثيراً ميادين الثقافة والفنون وتأصيل التاريخ والتوثيق..
    رجمه الله رحمة واسعة والبركة في ذريته وعشيرته وعارفي فضله.
                  

07-22-2015, 07:03 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: محمد قسم الله محمد)

    ولا يعرف أصل الأخيار إلا الأخيار ولا يخرج درر المناقب من صخرها
    إلا من له كبدٌ ككبد خناسٍ لصخرها.
    أحسن الله عزاءَكم يا شقلينى ورفع مقام أبو قرجه لمقام الأنبياء والرسل
    ووطّنه فى أعلى الفراديس صديقاً شهيدا وعفى عنه وغفر له ولطف به
    وجعل البركة فى أهله وذويه وأصدقائه ولا حول ولا قوة إلا بالله
    وصادق العزاء يا شقلينى لك ولأسرته وأهله.

    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 07-22-2015, 09:21 PM)

                  

07-22-2015, 07:58 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: munswor almophtah)








    الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ ... وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ

    يَتَنازَعانِ دُموعَ عَينِ مُسَهَّدٍ ... هَذا يَجيءُ بِها وَهَذا يَرجِعُ

    *
                  

07-23-2015, 05:16 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)




    جاء فجأة ، وكان بيننا . سأل عن الجميع فرداً فردا ، مشرقاً كان كما عهدناه . أهداني سفره عن آل عثمان خلال قرنين في معارك الثورة المهدية . السِفر موسوعة تاريخية تتمم الثغرات التي توضحت من السرد التقليدي للتأريخ . وقرأت أول الكتاب ، وانتبهت لسلاسة اللغة وذكاءها الفطري . سافر من أبوظبي للشارقة ، وقبل سفره كتبت مقالي




    صولة بني عثمان في ملاحم الثورة المهدية: للكاتب مكي أبو قرجة..
    (عائلة سودانية ما بين قرنين)



    (1)


    كان السِفر مقالاتٍ متفرقة في الصحافة في زمانٍ مضى. ولن تمنع حواسّك أن تشُدكَ لتقرأ دون أن تعيش البرهة التاريخية كأنك حاضراً كنتَ هناك، تجد الوقائع فيها الشخوص تتوهج في نفوسهم محبة إمامهم وقائدهم، وكيف يتنادون لاستذكار الأدعية والأوراد المهدوية تعزيزاً لسند القضية. أحلامهم تملأ دُنياهم وهم يستسهلون الصعاب، ويسندون بعضهم بعضا، وتأبى الرماح إذا اجتمعنَّ تَكسُرا. هكذا بدأت القصة متواضعة وتضخمت حتى ملأت الدنياً. كانت المظْلَمة في سودان أواخر الثلث الأخير من القرن قد تجاوزت كل الحدود ضرائب باهظة على الماشية والزراعة على بساطتها و ضرائب أخرى على الأفراد والجماعات. وقتها كانت توجد ضريبة " الدقنيّة " وهي مفروضة على الأفراد الذكور بمجرد أن تظهر معالم رجولتهم، يعملون كانوا أم بلا عمل. لذا كانت للثورة المهدية مبرراتها لتنتشر ويتسع لهبها بين الناس، ولكن لتجميع الشعوب السودانية تحت قيم أيديولوجية توحدهم، وانتظامهم في تجمُع جديد، أعلى من سلطة القبيلة كانت هي المحك. لقد تمكن قائدهم "المهدي" من استخراج قدراتهم. وقد أورد البروفيسور محمد عمر بشير في سِفره الإنكليزي ( تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969) عن أن "برمنجهام" كان يرى أن السّر في الانتصارات التي أحرزها المهدي يكمن في قوة شخصيته وقدرته في التأثير على السودانيين رقيقي الإحساس، سريعي الانفعال لكل ما يأتيهم عن طريق الإيحاء والتعزيز، لذلك يرى أنه القائد الذي أوجدته ظروف خاصة لنوع فريد من الشعور الوطني في السودان، ويكمن أيضاً وراء اعتقاده وإيمانه الصادق الذي لا يهتز برسالته التي بعثته بها القوة الالهيّة، وهي عقيدة كانت تفرض تأثيراً لا راد له على الآخرين )

    (2)

    كانت الهجرة إلى الأرياف البعيدة الحصينة، فكرة حربٍ شعبية مُبدعة، قبل أن ينمو هذا المصطلح ويصير له شأن في منتصف القرن العشرين. إن اختلفت أنت حول الوسائل حينذاك أم اتفقت، فالتاريخ هو صنيعة الزمان والمكان، وليس لنا الحق في انتزاع الحدث من مرقده لنُجري عليه مفاهيم وقيم عصرنا، ولكن وفق زمانه كان إبداعاً قيادياً للمهدي، وللشعوب التي نصرت فكرته .

    كشف سِفر الكاتب "مكي أبو قرجة" عن كيفتكون الكتابة عن التاريخ نقلاً للوقائع على الأرض ومن أصحابها الذين ساهموا في أحداثها مُشاركين. يروون الأحداث وأثر عقيدتهم يفوح من تلك الحكايات التاريخية، ومعها إحساسهم المُتجدد أنهم كانوا يحملون لواء المدافعة عن الوطن وفق ما كانوا يرونه حينها .كان إحساس الأفراد والجماعات بلهب الفكرة والتجمُع حولها وافتدائها بالنفس والنفيس هي السيرة التي تحملها ألسنتهم، وقد عانوا الأمرّين من لظى الفُرقة من بعد رحيل زعيم الدولة الناشئة "محمد أحمد المهدي" بعد حوالي ستة أشهر من استرداد الخرطوم . الأرض والفكرة الاستراتيجية وأدوات الحرب، رغم تواضع الثلة التي بدأت المسيرة من أولها، إلا إنها نمت وتمددت بفعل كاريزما المعتقد والقدوة النيّرة التي رأوها في القيادة الزاهدة في عرض الدُنيا.


    بريطانيا عندما كانت عُظمى وفي قوة عنفوانها ومجدها العسكري الإمبراطوري، تأسس أنموذج جديد من "حرب العصابات"، جديد على العصر والتاريخ. بدأ المهدي بالحروب الصغيرة، وفي كل انتصار ترث الدعوة أنصاراً جُدد وعتاد حربي، يتقوّى به أنصار الدعوة. نهضوا قليلي العدد، إلى أن أصبحوا آلاف ترتج من وقع أقدامهم الأرض، وصعدت المشاعر مُحِبة للفكرة، يفتدونها بالمُهج والأرواح. ونهضت البطولة من الأرياف وتمددت بطول الوطن وعرضه، إلى أن استردت الخرطوم في خاتمة المطاف، وسجلوا بالدماء قصة وطن فقير وقف في وجه الإمبراطورية التركية العثمانية


    (3)


    سفر الكاتب "مكي أبو قرجة" في طبعته الثانية، من القطع المتوسط، يحوي (467) صفحة. وهو مسرد في التاريخ كبير الأهمية، لأنه يجمع الوقائع التاريخية بثبتها ومراجعها، مسنودة بروايات من حضروا ومن حضرنّ تلك المعارك، بلغة حية جاذبة. أحيا فيها الكاتب السيرة الحياتية لأبطال غاب عنا بعضهم في قضية التأريخ الذي اختصّ به أصحاب الحُكم ومن بيدهم السلطة، دون أن يعير المؤرخون كبير اهتمام بأبطال كانت لهم جولات وصولات في صناعة ذلك التاريخ، وخلت مؤلفاتهم من الحياة الاجتماعية والثقافية إلا عرضاً .


    تجمعت الأشواق كلها تُزين الفكرة المهدوية وأصحابها، تمُد كل واحدة رأسها، وتستمتِع أنت بدراما مثيرة لوقائع تاريخية تكاد تنطق. وعندما تقرأ السِفر تغوص في بحيرة ماؤها لا برد تحِس ولا حراً تجد. ولكنك تعيش تلك الملاحم التاريخية، تكاد تشتمّ أريجها. نقل الكاتب مشاعر أبطالها وسيرتهم من خلال قرنين. أسهمت شجرة العائلة في صناعة التاريخ الذي هزّ الإمبراطورية التي كانت في قمة مجدها، وشمسها لاهبة على البلدان والبحار، لا تترك دابة في الأرض إلا لسعتها، ومن شواظ نيرانها أذاقت الكثير من الأمم الطعم اللاسع للقهر، وإرغام الشعوب لتنضم قسراً إلى الدائرة الاقتصادية التي شرّعها الاستعمار


    (4)


    كثير من الرواةوالتاريخيين كانوا يعرفون أنه من الصعب أن تكون نقياً حيادي السرد، فتلك مقولة مردودة على أصحابها، ولكن مقاييس ضبط التاريخ ومناهجه حاولت أن تضع المناهج العلمية لتناول الأحداث المروية والنظر إليها بموضوعية يسهّل مهمة اللاحقين في النقد والدراسة والتحقيق، لتميّز السرد من الأغراض المُختبئة. إن تاريخنا ملئ بالفجوات التي تحتاج أسفاراً من روائع الذين يوثقون عن الرواة الحقيقيين، وكاتبنا الأستاذ "مكي أبو قرجة" باحث له أسفار عديدة ومتنوعة، تميّزت بالصبر على كتابتها والتدقيق على الأخبار والسيّر، فقد أورد ضمن السيرة نصه عن مقتل "هكس باشا" وهي القصة التي طعنت الإمبراطورية العُظمى حين ذاك في كبريائها، بأن جيشاً كاملاً تتم إبادته عن بكرة أبيه في وقتٍ وجيز، ويذكر الكاتب "مكي أبوقرجة" أن هنالك روايات متعددة عن مقتل "هكس باشا" ولكنه يرجح رواية أن " عبدالله ود سليمان" هو قاتل "هكس باشا"، ولكن لدينا مصادر وفق محاضرة سابقةفي منتدى السودان الفكري عن معركة "شيكان"، قدم فيها الدكتور "أحمد التجاني ماهل" رواية نقلاً عن الأمير "ود النعمان" الذي رحل عام 1985م وذكر أن قتلة "هكس باشا" كانوا ثلاثة تسابقوا بحرابهم إلى "هكس باشا"، الذي صعد شجرة ضخمة قرب الموقعة .تصدوا له بحرابهم " الأمير ود النعمان" و "ود طِبيق" وقام "ود عَوَجَة " بقطع رأس "هكس باشا" وإحضاره للمهدي.


    روايات تدخل جميعاً بوابة الدراسة والتحقيق وتفتح أبواباً ثرية في تناول التاريخ من خلال الميراث الشفهي. ورواية أخرى أيضاً أوردها "نعوم شقير" في سفره التاريخي الضخم " جغرافية وتاريخ السودان" وذكر فيه أن الجيش الإنجليزي أعدم "الخليفة شريف" وابني المهدي "الفاضل" و "البُشرى" في محكمة عسكرية ميدانية بعد موقعة "الشُّكابة". وهي قضية عُرضة أيضاً للدراسة والتحقيق. وقد ذكرت البروفيسور "فدوة عبد الرحمن علي طه" التي قدمت لطبعة 2007 م لسِفر "نعوم شقير"، أن الكاتب قد استخدم الطرق العلمية المعروفة في توثيق الأحداث التاريخية


    (5)


    يظل التاريخ خامة طيعة للسرد وللدراسة والمقارنة والتحليل والتحقيق، لتغطية كل الثقوب التي تُكمل الرواية التاريخية. إن كنوز الثقافة الشفهية هو مصدرنا الذي يتعين تناوله واستعراض روايات أصحابه وتدوينها، فالبون شاسع بين أهلنا وشفاهيتهم من طرف وبين مصادر المُستعمرين المدونة من طرفٍ آخر، قبل وأثناء الثورة المهدية. فقد اعتاد المستعمرون أن يدونوا الأحداث اليومية التي يمرون عليها في مذكراتهماليومية، وهذا تفوق في حضارة رصد الأحداث، فبمرور الزمان تبقي مخطوطاتهم تسجل الوقائع كما هي في وقتها. وقد أفاد الإنكليز من حكام ومآمير وإداريين وعسكريين لاحقاً وتمكنوا من الكتابة عن معاركهم وعن حيواتهم من الوقائع المدونة في كراساتهم، ربما يضيفون عليها من القصص الدرامية المُثيرة بغرض التسويق، وهو أمر لا أظنه يهرب من العين التاريخية الراصدة، أما نحن فليس لدينا سوى أسفار سدنة التاريخ و التراث الشفهي المفتوح على كل شيء. وستظل المصادر المكتوبة والشفهية تنتظر التحقيق والدراسة المقارنة، وهو بحر لا يقدر على الإبحار فيه إلا المختصون والصابرون على التقصي والبحث


    (6)


    يعود بنا الكتاب إلى الوجه الاجتماعي للحياة وتفاصيل الصراع بين الخليفة عبد الله وبين آل المهدي (الأشراف) وبين سيرة آل عثمان والأمير أبو قرجة، والظلم الذي حاق به. وكيف صار الذين تضامنوا جميعاً نُصرة لدعوة المهدي وتحت قيادتهفي لُحمة واحدة، إلى أن ولي الخليفة عبد الله الحُكم، وشبّت الصراعات ونمت بين شركاء الأمس عقب رحيل قائدهم "محمد أحمد المهدي". ويحكي الكاتب سيرة تلك الأحداث التي يرجع فيها لمصادره الموثقة ولمقابلته الشخصيةللأحياء من الذين شهِدوا الأحداث الجسام، في الزمن الذي تراجعت فيه الدولة ولازت بحمى القبيلة والعشيرة ونهضت بين أهلها الانتماءات القبلية، ولونت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية آنذاك، وكان ما كان .


    يظل السِفر الجليل الذي أعده الكاتب الأستاذ "مكي أبو قرجة" إضافة كبيرة لسلسلة المراجع التاريخية، تستحق الدراسة والتحقيق بجانب مراجع المؤرخين الذي كتبوا عن تاريخنا الوطني، فنحن في حاجة لنحقن التاريخ بتراثنا الشفهي الذي تناقص رواته على مر الزمان .


    (7)


    تم المرور على ذكر الشاعر"محمد أحمد أبوسن- الحاردلو" عرضاً ضمن السيرة، إذ أنه في مجالس الصفوة أيامسلطة الخليفة عبدالله ،كانوا يسمونه "الغناي" كناية عن قوله الشِعر. وقد كان في هيجاء الصراع بين الخليفة عبد الله والأشراف، على الجانب الرخو من معادلة السلطة والقوة .


    ونذكر هنا أن الشاعر "إبراهيم العبادي" - وهو من الذين شهدوا جزءاً من حكم الخليفة عبدالله - في لقاء تلفزيوني مشهود عام 1974، قد أورد طُرفة عما يُسمى في المثل (الفَسَخُو الحاردلو). وهو قول الشاعر "الحاردلو" مستشفعاً في قضية "الخليفة شريف" فيما كانت تسمى حينها بثورة الأشراف، ونقض أبياته الشعرية بأخرى في ذات المجلس،وذلك حين بادر الخليفة عبدالله بشِعره :

    فوق لقَى فوقْ مَحنْ
    في الجايّة ما بِتتْمَحَنّ
    وفرّاج كُربة الهًّم القَبايلو يِزِحَنّ
    لو لسَّ حَسَناتَكْ قِبيل ما صَحَّن
    صبر أيوب بتنقلبو الليالي إن شَحَّن

    فأعرض عنه الخليفة عبدالله في مجلسه، فانقلب الشاعر على نفسه وواجه الخليفة من الجهة المقابلة قائلاً :

    عِجل البُربُر الوَقّف قُرُونُو شَراتي
    نَطح الصومَعة ولامّاتُو جاي يتَاتي
    وِقت الطار مَرقْ رِكب السَديس العَاتي
    والله البِواردَك في مَشَارعَكْ رَاتي


    (8)




    كتب الأستاذ "مكي أبو قرجة" سٍفراً تاريخياً جلس له جلوس الصابرين وبالسنوات. سافر هو عبر المدائن والأرياف ليجمع ويوثق لهذا السِفر العظيم، له منا الشكر الجزيل، أن يسر لنا سِفراً يضاف لأسفار تاريخنا الوطني، لنعيد قراءة الأحداث بصفاء جديد ليطّلِع عليها من بعد مبضع الدراسة والتحقيق .

    *
    عبد الله الشقليني

    *

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 07-23-2015, 05:18 AM)

                  

07-23-2015, 05:38 AM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)

    إنا لله و إنا اليه راجعون

    و رحل زول عزيز أخر ....
    اللهم ياقادر يا حنان يا منان تخلفه بخير دار وخير أهل بين الذين ترضى عنهم
    و تحسن نزلهم في الفردوس بين الصديقين و الأبرار و بجوار نبيك محمد (ص)


    و الدوام لله و البركة فيكم يا شقليني و كل أحبابه و أهله و زملائه
                  

07-23-2015, 05:59 AM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: محمد الجزولي)

    رحم الله الكاتب ذا الرؤى المختلفة مكي أبوقرجة والعزاء لشعب السودان في فقده قبل العزاء لأهله بكوستي وأم غنيمتعرفت عليه \ شخصياً مؤخراً في مارس 2014 وأهداني كتابه اليهود في السودان.العزاء لك يا شقليني أيها الوفي.يرحم الله مكي ابوقرجة.
                  

07-23-2015, 06:18 AM

جلالدونا
<aجلالدونا
تاريخ التسجيل: 04-26-2014
مجموع المشاركات: 9387

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: Bushra Elfadil)

    لا حول و لا قوة الا بالله
    هو الموت قدرنا الذى لا مفر منه
    و اخيار بلدى
    هم دائما راحلون
    لهم الرحمة تتنزل شاّبيبها بامر ربها
    وجنات خلد لهم فيها مقام كريم بأذن ذو العرش المتين
    وحسن الرفقة مع الابرار و المتقين فى عليين برضاء غفور رحيم
    ولكم الصبر وحسن العزاء
    و لا باق الا وجه الله
    الذى لا اله الا هو الحى القيوم
                  

07-23-2015, 11:12 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: جلالدونا)

                  

07-23-2015, 11:40 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: جلالدونا)
                  

07-23-2015, 11:44 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)





    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan34.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الأستاذ / مكي أبوقرجـــــة
                  

07-23-2015, 11:46 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)




    رحل الكاتب والشاعر والصحافي والمؤرخ : الأستاذ / مكي أبوقرجــــة
    إنا لله وإنا إليه راجعون
    *
                  

07-23-2015, 03:39 PM

mekki
<amekki
تاريخ التسجيل: 06-15-2003
مجموع المشاركات: 3433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)


    لا حول ولا قوة الا بالله ،،انا لله وانا اليه راجعون
    الهم اغفر له وارحمه واسكنه مع الشهداء والصديقين
    ****
    سبحان الله،، لقد اتصل بي الأخ اسماعيل ابوقرجة قبل فترة طالبا مني عمل موقع الكتروني للمرحوم مكي ابوقرجة،،وقمت بعمل الموقع ورفعت فيه نظام ويرد برس. قلت اعلموا ليهو في شكل مكونات عشان ياخد راحتو
    بعد وصولي السودان رسلت لابنتة رقية في الواتس طالبا منها لقيا والدها لتدشين الموقع،،فأخبرتني بمرض والدها وسفرهم للقاهرة.
    الموقع ما زال صامتاً،،،ينتظر الكاتب الفذ
    http://abugarga.org/http://abugarga.org/

    ماذا اقول،،،ماذا اقول
    وماذا تقولون وماهي مقترحاتكم؟
    مكي الاحمدي
                  

07-23-2015, 04:58 PM

محمد أحمد الريح

تاريخ التسجيل: 01-22-2008
مجموع المشاركات: 3051

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: mekki)

    ندعـو المولى الكريم أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته
    وأن يلهم أهله وذويه الصبر وحسن العزاء
    إنا لله وإنا إليه راجعون
    خالص التعازي والمواساة لأسرته ولأصدقائه ومحبيه ولك أخي الشقليني..
                  

07-24-2015, 04:10 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: محمد أحمد الريح)



    الأمل والقنوط في بلاد الأرناؤوط / رحلة إلى ألبانيا
    المؤلف مكِّي أبو قَرجة

    الناشر السويدي للنشر والتوزيع
    تاريخ النشر2005

    قطوف

    الوصول إلى تيرانا هبطت بنا الطائرة الصغيرة بركابها القليلين في مطار تيرانا قادمة من اسطمبول. بدا الطقس حارا لأول وهلة في تلك الظهيرة الخريفية من شهر سبتمبر عام 2002م. إلا أن ما استرعى الانتباه حقا وشده كان ذلك المبنى الصغير للمطار. تظنه فيلا تسكنها عائلة متوسطة العدد، لا مطار دولة - أو كان ذلك تقشفا بروليتارياً؟ يحار المرء. ولكن يزول العجب حين تعلم أن هذا المطار كان كافيا جدا لاستيعاب حركة السفر المحظور تماما إلا للقلة القليلة من النخبة الحزبية والزوار الأجانب. وكان هؤلاء الزوار أيضاً تعدهم على أصابع اليد. فألبانيا كانت تعيش عزلة حقيقية بعيدة عن العالم الخارجي في عهد النظام الشمولي الذي تحكم فيه أنور خوجة. خاصمت كل الدول. فقد كانت تبحث عن النقاء السياسي والفكري! يبدو أن طائرات أخرى قد وصلت لتوها بصورة متزامنة فتكاثر الركاب في الصالة لإنهاء إجراءات الوصول. وقفوا في صفوف تزحف ببطء. يفحصون ويدققون ويراجعون فلا يزال الحس الأمني متوفرا. ومن ثم تخرج لتجد سيارات أجرة متهالكة بانتظار القادمين. الطريق من المطار إلى وسط المدينة زراعي طويل. بساتين الحمضيات ممتدة ومزارع الذرة تصوحت أعوادها ومازالت قائمة. ولكن سرعان ماتبدو مبان جديدة مسقوفة بالقرميد الأحمر من طابق واحد وطابقين تتخلل تلك المزارع. كأنها أقيمت على عجل. ملامح اقتصاد السوق ومجتمع الاستهلاك. عمران يبدو وكأنه مستعار من أجواء المدينة الأوروبية البورجوازية القديمة التي نشأت نقيضا للإقطاع في أوائل العصر الصناعي. بعض المداخن تنفث دخانها. ومكاتب ومعارض لشركات أجنبية. لافتات ضخمة وإعلانات شاخصة للكوكاكولا وغيرها من المشروبات الغازية والوجبات السريعة. ملابس الجينز والأحذية الإيطالية. اسكندر بك.. "رمز العزة" وسط المدينة ومركزها السياسي والتجاري لا يزال كما كان منذ سنوات الأربعين بمعماره الإيطالي.. قصر الثقافة أكبر المباني الحديثة شيده الصينيون في سنوات الستين حين نكص السوفييت عن وعدهم بإقامته.. حملوا خرائطه وعادوا إلى موسكو حين لاحت في الأفق بوادر القطيعة بين البلدين. إلا أنه لا يزال يحمل بصمة من النظام الاشتراكي.. رسما كبيرا يعبر عن تضامن العمال والفلاحين والمثقفين والطلاب والنساء، مازالت ألوانه فاقعة لم تمتد إليه يد لتمحوها رغم الحملة التي مازالت مستمرة ضد ذلك النظام. تذهلك كثرة السيارات الصغيرة.. تندفع في كل الاتجاهات.. تبدو لك وكأنها لا تعبأ بإشارات الحركة. لا ترى من بينها سيارات جديدة.. جميعها مستعملة رغم أن السماح بامتلاك سيارة خاصة لم يتحقق إلا في عام 1991م بعد انهيار نظام خوجة. التمثال الضخم للزعيم القومي التاريخي اسكندر بك.. رمز عزتهم على مر العصور ووحدتهم الوطنية التي ما انفكوا يحاولون تحقيقها.. فارس شاكي السلاح في هيئة فرسان القرون الوسطى أو قادة الحملات الصليبية.. مكتمل العدة.. يعتمر خوذة ويرتدي درعاً ويشهر سيفه.. تستهوي السياح ضخامته فيتسلقون قاعدته ويقفون للتصوير. وتمتد الساحة التي تحمل اسمه أمامه. ميدان واسع شهد أحداثا مهمة عبر التاريخ.. انتصارات وانكسارات.. اندحار قوات محتلة وتقدم أخرى منتصرة.. إعلان قيام أنظمة سياسية وسقوط حكومات.. حشودا وتظاهرات.. ومصادمات مع قوات الأمن وأعمال شغب وخطبا حماسية وقرارات حاسمة.. مهرجانات وليالي سياسية.. مواكب أعياد واحتفالات.. فرقاً موسيقية وأخرى شعبية راقصة. والآن يتسكع فيه المتبطلون وتجار العملة المتربصون بالمارة.. وماسحو الأحذية والجالسون والجالسات لشواء أكواز الذرة.. والصبية المشردون والعابرون المسرعون. مسجد حاجي أدهم ليس بعيداً عن تمثال اسكندر بك يقف مسجد حاجي أدهم بك.. يتحدى السنين، حيث اكتمل بناؤه في أواخر القرن الثامن عشر.. كان مغلقاً منذ عام1967م حين منع النظام إقامة الشعائر الدينية.. إلا أنه لم يتعرض للهدم شأن الكثير من المساجد.. بقي لأنه جزء من التراث.. الآن يرفع منه الآذان بمكبرات الصوت إلى جانب مساجد أخرى بمختلف أنحاء العاصمة في الصلوات الخمس. هناك مساجد تغص بالمصلين إلا أن معظمها لا يخلو من الجماعة. وفي خلال السنوات العشر الماضية نشطت حركة بناء المساجد.. تكاثرت بصورة لا تخطئها العين.. بعضها لا يزال قيد الإنشاء.. ذلك جزء من العون الذي تقدمه الدول العربية. كما سيجيء الحديث عن ذلك حين نلتقي بمسؤولي "المشيخة الإسلامية". والإسلام لا يزال حاراً في دماء الناس.. يملأ وجدانهم إلا أنهم يتخوفون من المد الأوروبي ومحاولات التنصير الواسعة.. يظنون أنه سيأتي زمان فيلتفتون لا يجدون من دينهم إلا الذكريات. المسلمون في البانيا يشكلون حوالي 75 في المئة.. والنسبة آخذة في التناقص.. المهاجرون منهم في اليونان وإيطاليا أكثر. الجميع عرضة للتحول عن دينهم.. حيث الحاجة ومؤسسات معنية بانتظارهم دائما لتلتقفهم. يسود المدينة هدوء تام يلفها الطقس الخريفي المنعش.. ترى الناس يزحمون الشوارع فتخالهم شعباً كثير العدد.. إلا أنهم في الواقع لا يتجاوزون الملايين الأربعة في الداخل والخارج.. تغص بهم المقاهي والمطاعم والحانات المنتشرة كأن ليس لهم نشاط غير ذلك. ولكن يبدو أنهم يودعون الصيف فالشتاء يدق الأبواب. تراهم سعداء متآلفين بروح شرقية لا يخطئها البصر.. يجلسون جماعات يحتسون مشروباتهم في هدوء واستغراق.. وتفوح رائحة الشواء من المطاعم الصغيرة المتناثرة.. تجاورها محال الوجبات السريعة.. تلك ما كانت تعرفها البانيا.. شهدتها أخيراً كلوازم للديمقراطية والانفتاح. النساء.. هناك كلهن سواء المرأة حضورها طاغ وشخصيتها بارزة.. تجدها في كل المرافق والمكاتب والبقالات والمطاعم.. جادة ومتماسكة إلا أن سمتها أوروبي أكثر من أن يكون شرقيا. لا تستطيع أن تميز المسلمة من غيرها.. كلهن سواء.. حتى الفتيات الشابات يدخن ويتعاطين المشروبات بصورة علنية في المطاعم والفنادق. لا ترى تبذلاً ولا إسرافاً ولكن يبدو أن التقاليد الاجتماعية فرضت ذلك.. لم أر محجبات أبدا.. يلبسن البنطلونات الضيقة والبلوزات التي تكشف معظم البطن.. شأن الأوروبيات تماما أو قل هن مثل التركيات.. يقولون أن نظام خوجة حرر المرأة ومنحها مكانة متميزة وظل يدافع عنها، أراد أن يزيح عن كاهلها قيود المجتمع الإقطاعي.. فالثورة الثقافية التي فجرها عام 1967م كان من أهدافها الكبرى تحرير المرأة فكرياً وسياسياً ونفسياً. إلا أن آخرين يرون أن نظام خوجة أذل المرأة وأمعن في استغلالها حين أخرجها للعمل. ظلت تنفق الساعات الطوال في العمل الشاق بالمزارع والمصانع، ثم تعود إلى المنزل لتضطلع بمهامها كزوجة وأم. لم يسمح لها بتحديد النسل ولا الإجهاض لأن خط الحزب العام كان يدعو لزيادة السكان. التقيت بعدد من النساء.. بعضهن ناشطات في العمل العام وأخريات يعملن في مختلف المجالات.. يؤكدن أنهن كن ومازلن يقمن بمسؤوليات ينوء تحت حملها الرجال وربما يعجزون. ويتحدثن عن مشاركتهن التاريخية في حرب التحرير ضد الفاشية حين برزت قائدات عسكريات كن شقائق الرجال. والتاريخ يذكر أنه حتى وقت قريب والتقاليد الإقطاعية تحكم المجتمعات الريفية وعادة الثأر ظاهرة تؤرق الجميع.. كان البيت حين يفقد جميع الرجال تكلف البنت الكبرى لتكون رجل البيت.. فتتخلى عن دورها كأنثى وترتدي ثياب الرجال وتسلك سلوكهم. إلا أنها أيضاً تكون رهينة منذ ميلادها حيث تتم خطوبتها في أيامها الأولى ويقبض أهلها جزءاً من المهر.. فإذا كبرت ورفضت الزواج من ذلك الرجل الذي في أغلب الأحيان تجهل شخصه يتعين على أسرتها أن تعيد المال وتحكم عليها بالعذرية الدائمة وتتحول إلى قائمة الرجال. التفاوت الاجتماعي اتضحت صورته.. كثيرون أثروا عقب الانفتاح الذي اجتاح البلاد.. وآخرون مغتربون عادوا وأنشأوا مؤسسات استثمارية جميعها ذات طبيعة استهلاكية. والصناعة الألبانية تتعثر الآن بعد إغلاق عدد كبير من المصانع الأساسية. البنية التحتية التي ساق الحزب الشيوعي الناس إلى بنائها بالعصا.. على حساب مجتمع الرفاهية والاستهلاك.. توقف امتدادها وتوسعها، بل انهارت تقريباً بعد أن هاجر المهندسون والعمال المهرة وغابت "العين الحمراء" ويتبادل الحزبان الاتهامات حول مسؤولية ما حدث. حزبي.. الدولار يخدعك المظهر العام للناس.. يرتدون ثياباً جديدة تجاري آخر صيحات الموضة وتبدو عليهم سيماء الصحة والسرور. ولكن زعماء المعارضة الديمقراطيين يرفضون أن يكون ذلك دليل إزدهار إقتصادي، يقولون أن تحويلات المغتربين وتزويد عائلاتهم بالملابس والسيارات نصف المستعملة وراء ذلك المظهر الخادع. آدم ريلي استطاع أن يؤسس ستديو حديثاً للتصوير ومعملاً مزوداً بكل المعدات التكنولوجية.. ذلك بعد أن عاد يحمل مدخراته من دول الاغتراب الأوروبية.. كان سعيداً حين التقيت به واستفسرت عن أحواله الآخذة في الازدهار. وحين سألته عن حزبه السياسي أخرج رزمة من الدولارات الأميركية من جيبه وقال ضاحكاً حزبي هو النقود. قابلته مصادفة، للمرة الثانية، في مطار تيرانا عند عودتي وكان هو في طريقه إلى اليابان تصحبه زوجته.. استضافني بفنجان من القهوة وودعني بحرارة وذهب. أما بائع العملة اندريس دوداي الذي بدا سعيداً جداً أيضاً قال إن عمله يحقق له ربحاً مناسباً قد لا يجده في مجال آخر. وذكر أن المغتربين كثيرون ويتدفقون خلال أشهر الصيف التي هي موسم طيب بالنسبة لتجارته. سألناه عن الأحوال في بلاده قال إنها جيدة وكشف عن أنه من مؤيدي الحزب الديمقراطي.. ندد بالشيوعية إلا أنه اعترف بأن أنور خوجه لم يكن فاسداً ولم يحقق مصلحة شخصية. يجلس مولا ريزفولي "ماسح الأحذية" في ميدان اسكندر بك تحت ساعة المسلة المعروفة بوسط العاصمة.. أسمر اللون تظنه غجرياً.. ظللت أتعامل معه يومياً في غدوي ورواحي.. يتميز بروح الفكاهة والمرح رغم سوء الحال الذي ظل يشكو منه دائماً.. كما ظل يشكو من جور الحكومة ومن تغير الظروف. قال إن الأحزاب تثرثر كثيراً ولا تحقق شيئاً ونظام أنور خوجه كان أفضل منهم. "لأنك حين تعمل تأكل ولكنك الآن تعمل كثيراً ولا تجد ما يفي باحتياجاتك". أطفاله ثمانية.. وأخذ يلح عليّ أن أجد له مخرجاً للسفر إلى الخارج. كان الواقفون حولنا يترجمون ما يقوله بقدر ما تسعفهم لغتهم الانجليزية المتعثرة. العمر الضائع للوطن كان ندياً ذلك المساء الذي وصلت فيه إلى تيرانا.. بادي البشاشة.. هطلت أمطار غزيرة هنيهة ثم كفت.. خلفت بركاً صغيرة في فجوات الرصيف. كنت متوجهاً إلى كلية الآداب بجامعة تيرانا. صادفت عابراً حاولت أن أستوثق وجهتي منه فتلقاني بترحاب شجعني على الحديث. كان رجلاً يبدو قد قارب الستين، إلا أنه أفصح عن عمر تجاوز السبعين.. يتوكأ على مظلته المطوية.. يتحدث هامساً بصوت عميق.. يجيد الانجليزية. واستغرقنا الحديث الذي استمرأته فلم يكن شخصاً عادياً. قرر مرافقتي إلى هناك. كان يحمل هموماً إنسانية كبرى. تحدث عن تجربة بلاده السياسية وكأنه يقرأ في كتاب بثقة العارف بخبايا الأمور. لم يكن بعيداً ذلك الرجل عن كل ما مر به وطنه من محن. إلا أن الحذر لازمه في كل خطوة وفي كل كلمة تفوه بها، قال إن الاشتراكية حتمية ولابد للبشرية أن تتقلب في نعيمها يوماً.. وما كان الذي حاق بها سوى سوء التطبيق والجنوح الفكري للقيادة وضعف الانسان أمام رغائبه. لم يكن عضواً في الحزب الشيوعي الحاكم عهد ذاك كما ألمح. بل كشف عن تجربة شخصية مريرة مر بها.. أفرد كفه فبانت أصابعه كأنها متورمة. أراد أن يقول أن الثمن الذي دفعه نظير موقف لم يشأ الحديث عنه إرساله إلى معسكر للعمل الشاق.. لتطويعه فكرياً. لم يكن عنصراً في المعارضة السياسية ولم يكن بعيداً عن موقف سياسي مختلف. كان شخصاً مشاغباً دفع الثمن وتم إقصاؤه. والآن راحوا وتبدلوا وباعوا واشتروا في ضمائرهم وظل هو قابضاً على جمر الحقيقة وقرباناً على مذبحها. وظل الآن يعبر عن قناعات لم تعد سوقها رائجة. بضاعة بارت. زعم أنه يعمل الآن في السفارة الإيطالية بتيرانا. إلا أنه رفض الكشف عن اسمه كما اعتذر عن التصوير. قادني حتى مدخل الكلية ووقف يتحدث لفترة ليست بالقصيرة. كما ظل بانتظاري حتى خرجت عائداً من مهمتي. كان مبنى كلية الآداب قائما كما رأيته قبل أكثر من ثلاثين عاماً إلا الطلاء القرمزي الذي ألقى عليه ظلا داكنا في ذلك المساء.. بالإضافة إلى السور الذي تم تشييده في وقت لاحق لذلك الزمن البعيد. كان يشدني حنين جارف لتلك الأيام التي تلقيت فيها اللغة الألبانية على يد المعلمة دونيكا. كنا عدداً من الطلاب الأجانب قبلنا بجامعة تيرانا التي لم أمكث فيها سوى بضعة أشهر عدت بعدها زاهداً في التعليم حين صدمتني درجة التخلف التي كان يرزح تحت وطأتها البلد. بالإضافة إلى مرض كانت تتورم منه قدماي. إلا أني ما أنفكيت أذكر ذلك البلد وأتابع أخباره. وأحيانا أعود إلى الكتب القليلة التي جئت بها.. أقرأ في أشعار نعيم فراشري وفان نولي وأتزود بشيء من تاريخه الموشى بالدماء وبالدموع. نظرت حولي أتطلع للأماكن التي شهدت وقفاتنا وأحاديثنا فما رأيت كثيراً من التغيير إلا في مبانٍ حديثة أطلت وشوارع جديدة تلجها بعض سيارات مسرعة. طلبت من صديقي المثقف العجوز أن يلتقط لي صورة تذكارية أمام باب الكلية الذي طالما وقفنا قريبا منه للمصورين العابرين الذين كانوا يتقاضون دريهمات معدودة للصور الصغيرة التي يأتون بها في اليوم التالي بالأسود والأبيض. استفسرت مرافقي عن عائلة سمراء وحيدة كانت تقيم قرب الجامعة في كوخ خشبي.. توثقت علاقتنا بها من خلال الصبية الوضيئة ديانوشكا التي كانت تدرس في الإعدادية المجاورة.. والتي تزوجها صديقي في السنوات اللاحقة.. كان شوقي عظيما لأن أراهم إلا أن مرافقي الغامض أبلغني بأن تلك المنازل قد أزيلت وارتحل قاطنوها إلى أماكن أخرى بعد أن تم تعويضهم عن تلك الأكواخ الخشبية.. تكاثفت زخات المطر وبت راغبا في العودة إلى الفندق. أمعن صديقي في كرمه حين استوقف سيارة أجرة وطلب من سائقها توصيلي إلى فندق كاليفورنيا بوسط المدينة.. كان يخشى عليّ من سائقين مشبوهين يستغلون الأجانب يسلبونهم ما يملكون. فالأمور قد تغيرت بعد سنوات الانفلات وأصبحت مثل هذه الحوادث واردة في كل يوم. يحدث كل ذلك بعد الانضباط والخوف الذي كان يتلبس الجميع من قوات الأمن التي كانت تحصى الأنفاس في ذلك الزمن الشمولي الرهيب. الشاعر نعيم فراشري دلفت إلى مكتبة -قرب ميدان اسكندر بك- كان صاحبها الملتحي يتهيأ لإغلاقها بعد أن أقبل الليل.. حاورته قليلاً بالإشارة تارة وبمفردات من العربية والإنجليزية أخرى. لم يكن يعرف سوى لغته الألبانية.. إلا أنه كان مصراً على الحديث. كل الكتب باللغة الألبانية.. لم أجد شيئاً بالإنجليزية. لفت نظري كتاب عن الشاعر نعيم فراشري طبعاً الحروف باللاتينية وهو من شعرائهم الوطنيين البارزين. قرأت كثيراً عن نضاله الوطني ولجوئه إلى مصر وعيشه بالإسكندرية إبان الاحتلال التركي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. لم يبد ارتياحاً لما حاولت أن أقول عن الشاعر بدعوى أنه كان شيعياً وماسونياً. أحسست أنه لا يخلو من تعصب لما يؤمن به. لم تمر لحظات حتى أقبل رجلان، أحدهما أسن من الآخر. حياني الرجل الأول بحرارة، وأخذ يتحدث بإنجليزية ركيكة عن أحوال المسلمين. تغلب عليه العاطفة لا الفكر. لم يلبث الحال أن انضم شاب آخر إلى مجموعة المكتبة هذه فأصبحوا أربعة. وحين علموا أني قادم من بلد مسلم بدا الاهتمام على وجوههم وطلبوا مني الجلوس على كرسي عينوا موضعه، وما كانوا يتحدثون همساً ولكن، بحذر. قالوا إن الشيوعيين عادوا إلى الحكم لأن الساحة السياسية ليس فيها غيرهم.. وأنهم يسيطرون على مفاصل السياسة والاقتصاد.. فما استطاع الآخرون زحزحتهم رغم الزلزال الذي ذهب ببعض سطوتهم وغيب رموزهم التاريخية.. وهامش الحرية الذي ينعم به الألبان الآن بعد سقوط مجموعة الدول الاشتراكية ما هو إلا وهم وسراب خادع.. وليس متاحاً للناس حالياً سوى حرية العبادة. لاحظت أنهم يتعاطفون مع فكرة الجهاد، لكن معرفتهم بالإسلام سطحية وجد ضعيفة.. يدفعهم الحماس والعاطفة، ناولهم صاحب المكتبة مجموعات من الكتب كانت معدة سلفاً. بدا من أحاديثهم أنهم ليسوا مجرد قراء عابرين. المتغيرات على صعيد الإنسان واضحة وبارزة.. تلمسها في السلوك العام.. الناس أكثر إقبالاً على الحياة وباحثين عن سبل جديدة لتغيير حياتهم ولكن لم يدركوها بعد. بدأوا ينطلقون فعلاً وينفكون من الإسار النفسي للنظام الشمولي.. صدقوا الآن أنهم باتوا أحراراً. ولكن على المستوى الاقتصادي والعمراني التغيرات أقل شأناً.. فالتركة ثقيلة والتخلف مريع. صنعته قرون من غياب إرادة الإنسان. الظروف الجغرافية والعزلة الجبلية التي امتدت قروناً.. رفدها الغزو الأجنبي والاحتلال الاستيطاني الطويل بتكريسه هوة عميقة وقفت حائلاً دون الاستفادة من التراكم الحضاري الأوروبي المحيط. الانفتاح الاقتصادي والانفراج السياسي بتجلياته المختلفة لم يجسد مؤشرات لتغيير مرتقب. اقتصاد السوق لم يعبر حتى الآن عن استثمارات كبرى من شأنها أن تقفز بالاقتصاد ليتماهى ولو قليلاً مع الاقتصاد الأوروبي. الأحزاب السياسية، حكومة ومعارضة، بانتظار عضوية الاتحاد الأوروبي.

    *
                  

07-24-2015, 05:10 PM

اميرة السيد

تاريخ التسجيل: 07-09-2010
مجموع المشاركات: 5598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)

    نسأل الله ان يرحمه رحمة واسعة ويسكنه الفردوس الأعلى
    ويلهم ذويه واهله واحبابه الصبر والسلوان

    ...

    وعرفت ان مكي ابوقرجة من اسرة الأمير ابوقرجة الذي كان قائدا واميرا في جيش محمد احمد المهدي..
    ولقد بحث في الكتب التي كتبها المرحوم ووجدت هنا ما كتبه في كتابه صولات في اسرة محمد عثمان ابو قرجة....

    شهدت منطقة الجزيرة عبر تاريخها الموغل في القدم خيلاً ورجلاً وجيوشاً لا تحصى. فقد غزاها الإمبراطور الأثيوبي عيزانا يقاتل "النوبة الحمر". ودخل العرب في أطرافها أفواجاً وتحالف عرب القواسمة والفونج ودمروا دولة علوة. وحشد سلاطين الفونج خلال عشرات السنين جيوشاً فحاربوا العبدلاب والمسبعات والمتمردين على سلطانهم من القبائل حتى شمال السودان والحدود الأثيوبية. واندلعت الحروب القبلية في أنحائها (حرب القيمان) حتى دخل الأتراك السودان. والكثير هو ما جهلناه عن تاريخها. إلا أن هذا الجيش الذي قدم إليها هذه المرة أمره مختلف. كانوا لا يتجاوز عددهم الألفي مقاتل ولكنهم كانوا فرساناً يمتطون صهوات الخيل. تميزوا بالضبط والربط والتصميم. لا جلبة ولا ضوضاء. لا يسمع منهم الناس سوى وقع الحوافر على الأرض. كانوا "خرساً صامتين يتلمظون تلمظ الحيات" كما عبر ابن الأثير في وصفه لزحف الأنصار في موقعة بدر وقد أجمل وصف هؤلاء الأنصار الأواخر قائل مجهول:
    جاءت أنصاراً ما بتتكلم
    وجيت أبوقرجة صالح سلم
    كان صالح ود المك ضابطاً عظيماً في صفوف الجيش التركي. وقد رقاه غردون إلى رتبة اللواء بعد أن خاض معارك عنيفة ضد الثوار الأنصار في الجزيرة. كان عائداً من فازوغلي في مهمة رسمية عندما الفى المنطقة وهي تمور وتضطرب. فقد أفلح مخطط المهدي بإشعال الحرائق حول الخرطوم (رب شرارة أحرقت السهل). وكان يتزعم القبائل التي انخرطت في تلك الدعوة المهدية ونهضت تقاتل من أجل دينها وحريتها الشيخ محمد الطيب البصير. وهو من أبكار الدعوة المهدية. وقد استطاع أن يضيق على صالح ود المك ويحاصره بجيشه في فداسي التي اختارها منطقة دفاعية. فانشأ الاستحكامات وحفر خندقاً. وقوات ود البصير تحيط به. فحاول أن يستخدم الحيلة ويستقطب عدداً من زعماء الجزيرة وأعيانها ليدخلهم معه – ربما كرهائن – إلا أن سعيه باء بالفشل. وكان من بينهم الشيخ العبيد ود بدر الذي عبر بسخريته المفعمة بالحكمة عن الموقف بقوله:-
    أنا ود ريا الما بربط النية
    أنا ترن ترن في القيف حرن
    أنا ما فار بدخل الجحار
    وأنا ما صبر بدخل الققر
    بجيكم ابقرجة
    وبتعلب الهرجة
    كانت الخلافات قد عصفت بجيش ود البصير الذي يتكون من عدد من القبائل حديثة العهد بالدعوة المهدية. وحتى ذلك الحين لم تلتق بالإمام المهدي. وقد فشل ود البصير في ترويضها والحيلولة دون تطور نزاعاتها بتربيتها معنوياً حسب القيم التي طرحتها الدعوة. وفي الوقت نفسه أحسَ صالح ود المك بأن لا أمل له في كسب هذه المعركة وهو محاصر بهذا المستوى العنيف. فالأمور لا تفتأ تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. ولما كان يعلم بأن هناك بحراً من الدماء بينه وبين ود البصير خشي مآلات تسليمه الحامية. فكتب إلى الإمام المهدي يطلب منه مبعوثاً يقوم مقامه في التسليم. ولما كان الإمام المهدي حريصاً على عدم إراقة الدماء وميالاً إلى حقنها فقد قرر ندب الأمير أبوقرجة ليقوم بهذه المهمة. وبعد الفراغ منها يزحف نحو الخرطوم لبدء حصارها بصورة كاملة وجدية.
    كتب الإمام المهدي إلى ود البصير يطلب منه التنحي لأبوقرجة والتنازل عن القيادة العامة في الجزيرة ودمج جيشه في قوات أبوقرجة. وقد جاء في رسالة المهدي أن بعض الأهالي ما زالوا يجهلون حقيقة الدعوى فتباطأوا بالانضمام إليها. وقال إنه لا يفضل استخدام القوة ضدهم لذا بعث بالأمير أبوقرجة ليجادلهم باللتي هي احسن. الأمر الذي ربما يتعذر على ود البصير بسبب ما سبق من وقوع اشتباكات بينه وبينهم( ). لم يتقبل ود البصير هذه الإقالة بصدر رحب وغضب، إلا أن المهدي هدَأ من روعه وذكره بما كان يحدث للصحابة وخاصة تجربة خالد بن الوليد. وقرر المهدي تعيين أبو قرجة أميراً للبرين والبحرين على رأس قوات حصار الخرطوم. استبشر أهل الجزيرة خيراً بدخول أبو قرجة إلى منطقتهم وأطلقوا قولتهم المشهورة "بلاقيهم وبكفيهم".
    وعندما كتب ود البصير للإمام المهدي متهماً أبو قرجة بالتساهل مع اللواء صالح في التسليم ردَ عليه الإمام معلناً ترحيبه بهذا السلوك الذي يؤلف القلوب ويحقن الدماء.
    تسلم أبوقرجة عدة وعتاد الحامية ومن بينها الباخرة "محمد علي" وأرسل ود المك مخفوراً إلى كردفان ليقابل الإمام المهدي.. فالتقى به في الرهد وهو يتهيأ للزحف على الخرطوم. وتضاربت الأقوال بعد ذلك حول مصيره. فقيل أنه حاول أن يكاتب غردون فضبطه الأنصار وضاعفوا عليه القيد والمراقبة. وقد توفاه الله "عليه الرحمة" في القطينة في عام 1890م. ولم ندرك الأسباب التي جعلته يقيم في بلدة الأمير أبوقرجة آخر غرمائه.
    تحرك أبوقرجة لحصار الخرطوم يقود جيشه في وسط منطقة الجزيرة حيث نادى بالجهاد ودعا الرجال للانضمام إليه فهرعوا إليه وفي مقدمتهم عشيرته في القطينة الذين اقبلوا عليه زرافات ووحداناً. لم تكن الدعوة جديدة عليهم فقد بايع الإمام المهدي الكثيرين منهم قبل إعلان الدعوة. وقد لحق به بعضهم فأدركوا معارك كردفان. في ذلك الوقت كان غردون قد أدرك فشل سياسته بإخماد الثورة بصورة سلمية وإرضاء المهدي بتنصيبه سلطاناً على كردفان. كان وعيه حتى ذلك الوقت بطبيعة الثورة ضعيفاً يغذيه بعض المستشارين السذج بأفكار تنطلق من عقول مغلقة تقيدها منطلقات عصبية قبلية ومصالح ذاتية محدودة. فلم يمحضوه نصحاً يمكنه من تفادي تلك القارعة التي أحاطت به وهو غارق في أوهامه. وقد انهارت آخر آماله في تنفيذ خططه عندما وصلته رسالة الإمام المهدي التي حملت رفضه لسلطنة كردفان، وأنه في سبيله للزحف على الخرطوم. وجاء في الرسالة "وإلا فإن حزب الله واصل إليك ومزيل لك عما شاركت به خالقك فاستدعيت ملك عباده وأرضه مع إن الأرض لله يورثها عباده الصالحين." وختمها بقوله "وبعد هذا البيان فإن اهتديت وسلمت واتبعتني حزت شرف الدنيا والآخرة وفزت بأجرك وأجر جميع من اتبعك. وإلا هلكت فكان عليك اثمك وآثام جميع من اتبعك".
    كان الإمام المهدي قد بدأ اتصالاته في وقت سابق بأعيان القبائل القاطنين حول الخرطوم بضرورة القيام لنصرة الدين. وقد ركز في رسائله للشيخ العبيد ود بدر وأبنائه بالوقوف في وجه حكومة الترك. كما كتب لزعماء الشكرية الذين انقسموا بين مؤيد للدعوة ومعارض. وقد تمكن النشطاء الذين هبوا مسرعين من عزل الخرطوم عن المنطقة الجنوبية بقطع أسلاك التلغراف ونزع أعمدتها نهائياً. واتضح الانحياز الكامل لشيوخ القبائل في القرى الواقعة ما بين الخرطوم وسنار إلى الإمام المهدي. وبات الخطر يهدد الخرطوم بانقطاع المواد الغذائية عنها. كان المهدي حريصاً على نشوء بؤر ثورية في أنحاء متفرقة حول الخرطوم. وقد أثمرت رسائله باقتناع الشيخ مصطفى الأمين أم حقين بجزيرة اسلانج بالانضمام إليه كما قام الشيخ أحمد أبو ضفيرة بجمع قبائل الجموعية والفتيحاب وعسكر في ديم أبو سعد، جنوبالخرطوم. أما من الجهة الشرقية فقد استنفر الشيخ المضوي عبد الرحمن المحسي أتباعه فحشد حوله عشرة آلاف مجند وأوكل قيادتها لأحد أبناء الشيخ العبيد. وقاد الشكرية القدوراب أحمد ود عمارة والمغاربة محمد عبد السلام والبطاحين طه عبد الباقي، والحسانية سليمان ود كاسر. واتسع نطاق التأهب للمقاومة وامتد شمالاً فتمكن الأنصار من قطع الاتصال التلغرافي ببربر. وفي الوقت الذي وقعت فيه المنطقة الجنوبية في قبضة الأنصار كانت معسكراتهم قد امتدت من شلال السبلوقة حتى مشارف الخرطوم. كما أخذت تلك المعسكرات في الانتشار شمالاً وجنوباً من بربر منذ أواخر مارس 1884 فشمل نشاطهم كل المنطقة الواقعة ما بين شندي وبربر حتى قطعوا الاتصال التلغرافي بين المدينتين. وأضحت المنطقة شمال بربر تحت سيطرتهم تماماً. ولما حسم الشيخ محمد الخير أمره وهاجر إلى الإمام المهدي عاد منه يقود جيشاً قوامه أربعون ألفاً من الجعليين والرباطاب والبشاريين فسقطت بربر في قبضته وتلاشت آمال غردون في إجراء أي اتصالات تلغرافية مع مصر.
    وقعت أولى معارك حصار الخرطوم قبل وصول الأمير أبوقرجة في الحلفاية في منتصف مارس 1884م بقيادة أبراهيم بن الشيخ العبيد وأخوه العباس والشيخ المضوي عبد الرحمن وألحقوا بعساكر الباشبوزق الشايقية هزيمة منكرة وأسروا منهم مائة وخمسين جندياً وغنموا أسلحة وذخيرة. وحاول غردون استعادة الحلفاية بحملة قادها إبراهيم فوزي فانهزم وعاد مثخناً بجراحه. وحاول غردون مرة أخرى استعادة الحلفاية الإستراتيجية الموقع بإرسال قوة كبيرة منيت بهزيمة أشد نكراً.
    في الوقت الذي استمرت فيه المناوشات بين الفريقين وصل الفوج الأول من جيش الأمير أبوقرجة في مايو 1884م الذي اصطحب معه أربع فرق من جنود كردفان بأسلحتهم النارية بالإضافة إلى حملة الأسلحة التقليدية الذين تزايدت أعدادهم في شواطئ النيل الأبيض.
    حين رأى غردون بنظارته المكبرة جحافل الثوار يقودها الأمير أبوقرجة تتقدم نحو الخرطوم انتابه الغيظ والغضب. كان يتمنى رؤية جيش آخر قادم من الشمال، إلا أن آماله خابت. فتجاهل رسالة أبوقرجة الداعية للتسليم.. والتي جاء فيها:
    "إني حضرت من قبل المهدي أميراً على البرين والبحرين. وقد أخذت فداسي وجئت إلى الخرطوم أنصح اهلها بالتسليم. فإذا سلَموا سلموا وأمنوا على أموالهم وأرواحهم. وإلا فلا بد لي من محاربتهم وأخذ المدينة منهم عنوة والسلام".
    ولكنه في وقت لاحق أفصح غردون عن هذا الغيظ في رسالة للأمير عبد الرحمن النجومي كشفت عن المزيد من جهله وعدم معرفته بطبيعة الثورة المهدية وعن السودان. ظن البلاد كما كانت عليه حينما عمل فيها خلال السبعينات. كانت كسيرة الخاطر مهانة ذليلة تحت حكم الأتراك الذي استمر حتى ذلك الوقت أكثر من خمسين عاماً. لم يدرك ما طرأ عليها بهذه الدعوة الجديدة. فقد انتفضت وألقت ما ران عليها خلال العقود ونهضت تنتزع حقوقها وحريتها بالسيوف. قال في رسالته أنه لا يراسل العبيد وقطاع الطرق السكارى. فات على مستشاريه أن الرجال الذين يحاصرونه من معادن أخرى.. أمثال الشيخ العبيد ود بدر والشيخ المضوي عبد الرحمن والشيخ مصطفى ود الأمين ود أم حقين. وهاهو الأمير أبوقرجة – بإرثه الصوفي السماني – القادم لتوه من بيت الله الحرام لا يستطيع غردون أن يقدح في شخصه المعروف لدى القاصي والداني في معظم أنحاء السودان. غردون كان غير مؤهل ليسب قيادات الثورة المهدية، العبَاد، الزهَاد، رهبان الليل، فرسان النهار. ففي الوقت الذي كان يسب فيه الناس كان غارقاً في دنان البراندي تلاحقه سمعته كقائد لجيش من المرتزقة جندهم التجار الأوربيون لحماية مصالحهم في الصين. ولكن الزمان كان زمان العهد الفيكتوري وعصمة الرجل الأبيض وقداسته وهو ينشر المدنية في أنحاء الأرض! كان الدفاع عن الإمبراطورية البريطانية واجباً على الصحافة والرأي العام. رفعوا غردون إلى مصاف القديسين ولا أحد يستطيع أن يقول غير ذلك، حتى بعد مرور وقت طويل. وحينما لم يعد الصمت ممكناً أمام ذلك المزاج العام العارم أخذت بعض الحقائق تتكشف عن شخصية ذلك البطل الفيكتوري المزيف. وذلك بعد أن ظل لأكثر من ثلاثين عاماً أشهر بطل قومي في بريطانيا. وقد قرأ يومياته التي كتبها في الخرطوم كل من يعرف الإنجليزية تقريباً
                  

07-24-2015, 08:05 PM

مامون المعتصم أحمد
<aمامون المعتصم أحمد
تاريخ التسجيل: 04-29-2010
مجموع المشاركات: 1812

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: اميرة السيد)





    أسـأل الله أن يغفر له و يرحمه و يكرم نزله و أن يدخله

    الجنة و يجعل البركة في ذريته و أهله و ذويه و أن يلهمهم

    جميل الصبر و السلوان ...

    خالص العزاء لأهله و أصدقائه و عارفى فضله ..

    و لك الشكر الأخ عبدالله على التذكير ..











                  

07-25-2015, 08:03 AM

معاوية المدير
<aمعاوية المدير
تاريخ التسجيل: 03-24-2009
مجموع المشاركات: 14411

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: مامون المعتصم أحمد)

    نسأل الله له الرحمة والمغفرة .
    إنا لله وإنا إليه راجعون ...
                  

07-25-2015, 08:16 AM

ANWAR SAYED IBRAHIM
<aANWAR SAYED IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 12-02-2014
مجموع المشاركات: 900

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: معاوية المدير)

    (انّا لله وانّا اليه راجعون )

    نسال المولى العزيز القدير ان يغفر له ويرحمه
    وان يجعل الجنّة مثواه
    وان يلهم اهله وذويه الصبر

    والعزاء موصول للاهل بام غنيم والقطينة وكوستى وبصفة خاصة اصدقاءه بالحلة الجديدة وزملاءه
    وكل من عرفه

    ولا حول ولا قوه الا بالله

    .............
                  

07-25-2015, 10:01 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48777

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: ANWAR SAYED IBRAHIM)

    يا له من فقد جلل
    رحم الله مكي ابقرجة رحمة واسعة وانزله منازل المقربين واحسن في فقده عزاء آل ابقرجة عموما وكل السودانيين. تعازينا الحارة لآل ابقرجة.
    الراحل مكي ابقرجة صاحب مقال مشهور سيحفظه له التاريخ وقلوب محبي الإنسان الذين يأسون لضياع حقوقه.

    سلام يا عزيزي الشقليني وتقبل تعازي الحارة، انت وكل اصدقاء الفقيد


    وما زال يحدجهم بنظرته فيرتعدون
    الأستاذ مكى أبوقرجة

    وما زال يحــــــــدجهم بنظــــرته فيرتعــــــدون

    «لا حجر أثمن من الرغبة في الثأر للبرئ
    لا سماء أسطع من صباح يسقط فيه الخونه
    لا سلام على الارض اذا اغتفرنا للجلادين»
    بول ايلوار...

    بقلم مكى أبوقرجة


    حين جئ به يحيط به حراسه يرسف في قيوده، مغمض العينين يسعى الى المشنقة بخطو ثابت وقامه منتصبه كان هناك حفنة من قضاة نكرات وقفوا لتوهم ليشهدوا تنفيذ حكم الاعدام فيه، اعتلى المنصة.. هدرت الجموع.. تعالى الهدير منبعثا من السجن كأنما كان يصدر من جهات الارض الاربع.. (لن ترتاح يا سفاح).. كشفوا الغطاء عن وجهه فنظر الى الجماهير المحتشده منذ الصباح الباكر ذات اليمين وذات اليسار وابتسم.. ومن ثم القى بنظرة على القضاة الواقفين في صف الى جانب المشنقة فطأطأوا رؤوسهم ونكسوها.. ما احتملوا نظرته تلك وهو راغب عن عالمهم الفاني الى رحاب الخلود.. طأطأوا رؤوسهم وارتجفوا وما رفعوها حتي الان.. ولا يعلم الا الله ماكان يدور بأخلادهم في تلك البرهة النادرة في تاريخ السودان.
    بعد خروجه من المعتقل مباشرة في 19 ديسمبر 1984 اي قبل شهر من اعدامه، اعلن الاستاذ محمود محمد طه موقفه بقوله: (نحن اخرجنا من المعتقلات لمؤامرة، نحن اخرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للاذلال والجوع بصورة محزنة، ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق، وكل ما يحتاج ان يقال اليه في نفسه قلنا له ومايو تعرف هذاالامر عنا ولذا اخرجتنا من المعتقلات لتسوقنا مرة اخرى، ليس لمعتقلات امن الدولة، وانما لمحاكم ناس المكاشفي، لكن نحن لن نصمت)...
    في ذلك الضحى الرمادي الشتائي الاغر القادم من ظلمات القرون الوسطى اقيمت مشنقة خصيصا في قلب العاصمة الخرطوم ليتم تنفيذ حكم الاعدام في واحد من اشرف واعظم المفكرين الاسلاميين المعاصرين..رجل ما عرف منذ نضارة الصبا الاّ بالخلق الكريم والذكر الحسن، يذكره اضرابه طلاب غردون القديمة في الثلاثينات ويقولون ان نسيجه كان مختلفا، وسلوكه كان نموذجا للآخرين.. ما عهدوا فيه نزقا ولا التواء.. وحينما تخرج وعمل مهندسا في مختلف انحاء الوطن، كان قدوة وملهما وقائدا وصديقا للفقراء والمساكين وابناء السبيل والدراويش العابرين.
    كنا نسمع عنه ونراه في طفولتنا بمدينة كوستي.. كان يتردد عليها حيث عمل لفترة من الزمن يخطط مشاريع القطن الواقعة جنوب المدينة.. التي صار يختلف اليها من وقت لآخر..حيث اكترى دارا في حي المرابيع كان مهوى لطلاب الحاجات والمساكين والباحثين عن تجديد ذواتهم بالدين والفكر.. ولا يزال الكثير من اهل المدينة يروون قصصا اغرب من الخيال عن كرمه وانفاقه وايثاره. الامر الذي كان يعبر عن دخيلة تحررت من الذاتي وسمت لمعات الدنيا وزخرفها .
    عاش الرجل عقودا من الزمن منسجما مع ذاته متوحدا.. بعد ان كدح في سبيل ذلك كدحا يقعد عنه الرجال حتى استطاع ان يقهر النفس وينفذ الى حقيقة الاشياء.. كان لا يفتأ يرتقي ويدعو الناس الى لباب الدين واقتفاء اثر الرسول صلى الله عليه وسلم.
    بدأ حياته زعيما سياسيا ثوريا منذ منتصف سنوات الاربعين، كانت الحركة الوطنية في طفولتها، يعوزها الفكر وتنقصها سبل الرشاد.. بدأت بالكيد والتنابذ وفجر كثيرون في ممارساتهم السياسية محاولات الانتصار لذواتهم.. فانبرى محمود يقدم نموذجه ويدعو للجمهورية..والتف حوله عدد من المثقفين.. كثير منهم ادباء وشعراء احبطتهم اساليب الاحزاب وصغارها..نذكر منهم محمد المهدي المجذوب ومنير صالح عبدالقادر، وامين صديق .. كان يملؤهم الحماس فيوزعون المنشورات السياسية ويخطبون في الاندية والتجمعات.. وما لبث الحال ان ادرك الاستاذ محمود اهمية التربية لتقديم النموذج الاكمل للانسان من خلال فهم متقدم للدين وممارسة نسيجها اخلاق النبوة بالاقتداء بها.
    طرح الاستاذ محمود محمد طه فكرا جديدا ما احوج البشرية اليه الآن في ليلها الداجي هذا.. في الايام التي سقط فيها مشروع الارهاب والمزايدات السياسية باسم الدين.
    قبل حوالي اسبوعين تابعت برنامج (مواجهة) الذي يقدمه تلفزيون ابوظبي.. الدكتور عبدالصبور شاهين والدكتور سيد القمني كانا ضيفي الحلقة.. منيت نفسي بلحظات من المتعة الفكرية ولكن آمالي خابت.. فقد كانت المواجهة اشبه بحوار الطرشان.. القضية كبيرة والاثنان يمثلان التيارين المتخاصمين الآن. وعبدالصبور شاهين مواقفه معروفة، خاصة فيما يتعلق بقضية الدكتور نصر حامد ابوزيد وما تمخض عن ذلك بموقف اقرب الى تكفير الرجل والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته حتى اضطر الى الهروب من مصر للالتجاء الى اوروبا.. وسيد القمني يكتب الآن عن الاسلام في اطار ما يعرف بالتيارالعلماني.. تمنيت لو كان لديه علم بفكر الاستاذ محمود محمد طه او لو قرأ (الرسالة الثانية) ولخص حجته بالدعوة للاسلام الذي يتسق مع حاجة وتطورات البشرية وفكرها.. ليس ما كان مطروحا للخارجين من الجاهلية في اول القرن الهجري.. تلك الدعوة التي اذا استطاع المعلمون فهمها وطرحها لهرعت اليها الحضارة الغربية.. التي تذدري المسلمين في هذه الايام.. وما ارادوا بعدها بدلا.
    ما كنت بعيدا عن الجمهوريين.. في ايام تألق الفكرة وعنفوانها وحتى الآن.. فقد كان فيهم اصدقائي الخلصاءوجزء من عائلتنا.. ابناء عم اثيرون لدي.. كنت اختلف معهم واجد في الحوار معهم سعادة ما عليها مزيد.. وكنا نتبادل كثيرا من الاحترام والمودة والمشاعر الطيبة... تأسرني ارواحهم الجياشة وقلوبهم العامرة وسلوكهم الحميم ازاء الآخرين.. مروءتهم ونجدتهم واثر التقوى البادي على سيماهم..وقد حاول نفر منهم ان التحق بالركب والا يفوتني ذلك العرس الجليل.
    كانوا يتحركون كالنحل البري يقدمون الشهد.. شهد المعارف.. يطوفون المدن والقرى والبوادي يحملون الكتيبات التي تتضمن فكرهم ويخوضون مع الناس مساجلات تثري الحياة تعمر الوجدان.
    وقف الفكر الجمهوري ترياقا يدحر فكر المتأسلمين..واقام المنابر والاركان. وارسى تقاليد الحوار الديمقراطي في اوساط الجامعات والاماكن العامة.. وقدم متحدثين محاورين بارعين اتلفوا اعصاب مناوئيهم بالحجة تلو الحجة فكانوا يلجأون الى العنف حين يخسرون النقاش امام الحاضرين الساخرين ويتكشفون جاهلين بقضايا الفكر والدين.
    في بدايات تشكل وعينا واهتمامنا بقضايا وطننا كنا نغشى الندوات والمحاضرات.. يستهوينا النقاش..نحمل زادنا القليل من الفكر. وكنا به جد مزهوين .. نتردد على ندوات الجمهوريين واحيانا ندخل في حوار مع الاستاذ محمود محمد طه فنجد فيه روحا متسامحه وصدرا متسعا.. وكثيرا ما كان يردد قوله (نحن متفقون) مهما شجر الخلاف واستعر.. فقد كان فكره العميق ونظرته الشامله المحيطة يتجاوزان ماهو ثانوي فيرى ما لا نرى حيث تتوحد الرؤى في اتجاه خير الانسانية.. مرة كنا حضور ندوة له بمدينة كوستي واحتشد المهرجون المتفيقهون والمتنطعون يعارضون. كان من بينهم احد المدرسين.. قيل انه حائز الماجستير في اللغة العربية.. وكان ذا صلف وعجب بالنفس كبير..وقف يتحدث لا باسلوب الفضلاء والعلماء وانما بسلوك الباحث عن نصر رخيص امام مؤيديه. فحاول ان يقدح في علم الاستاذ محمود بالقرآن الكريم واراد ان يصحح ما ظنه فكره القاصر خطأ.. وعندما توقف عن حديثه الصاخب ذاك نهض الاستاذ محمود بهدوئه المتسامي يفند آراءه حتى تناول ادعاءاته بشأن اللغة..وتبحر في القول.. ما أراد بذلك ان يفحمه ولكن علمه برفض ما فاته معرفته في مجال تخصصه..فانفعل الحضور وصفقوا طويلا وطأطأ الادعياء رؤوسهم خجلا.
    مرت قبل أيام الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الاستاذ محمود.. سنوات ليست بالقليلة ولكنها لم تمح اثر الصدمة التي اصابت المثقفين بصفة خاصة وعامة الناس في السودان الذين عرفوا قدر تلك الشخصية التي ستبقى خالدة الى جانب شهداء الانسانية الذين سعوا نحو تفكيك عالم اكثر وعيا وعدلا واهتماما بمصير الانسان.. واحتفل كثير من المهتمين في كثير من مدن العالم بهذه الذكرى الاّ في الخرطوم حيث حالت السلطات دون ذلك.. لانه لا يزال يحدجهم بنظرته فيرتعدون.
    ليس لدينا ما نقدمه سوى ان ننشد مع صلاح احمد ابراهيم:
    ما انحنت قاماتنا من حمل أثقال الرزايا
    فلنا في حلك الاحوال مسرى وطرق
    فاذا جاء الردى كشر وجها مكفهرا
    عارضا فينا بسيف دموي ودرق
    ومغيرا بيد تحصدنا:
    لم نبد للموت ارتعادا او فرق
    نترك الدنيا وفي ذاكرة الدنيا لنا ذكرى وذكرى
    من فعال وخلق
    ولنا ارث من الحكمة والحلم وحب الكادحين
    وولاء حينما يكذب اهليه الأمين
    ولنا في خدمة الشعب عرق.
                  

07-25-2015, 10:48 AM

محمد فضل الله المكى
<aمحمد فضل الله المكى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4846

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: Yasir Elsharif)

    .
    اللهم ارحمه واغفر له واجعل الجنة مثواه
    اللهم انزله منزلة الصديقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقا

    المرحوم كانت له حلقة مع حسين خوجلي بقناة ام درمان
    إعيد بثها يوم الخميس 7/23 وهي آخر ظهور له بالتلفرزون
    أتمنى أن يأتينا بها من يستطيع ..

    العزاء لكم استاذنا شقليني ، ولكم أبو سن وود الزبير وعموم
    أهل كوستي الكرام .
    إنا لله وإنا إليه راجعون
                  

07-25-2015, 11:15 AM

نعمات عماد
<aنعمات عماد
تاريخ التسجيل: 03-08-2014
مجموع المشاركات: 11404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: محمد فضل الله المكى)

    اللهم أرحمه و أغفر له و أجعل الفردوس مثواه .
    التعازي لأسرته و أهله و أصدقائه و معارفه
    ألهمكم الله الصبر الحميل أستاذ الشقليني .
                  

07-26-2015, 04:39 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: نعمات عماد)





    الأحباء والفضليات
    تحية طيبة وود كثير ،،
    يشكركم كل أصدقاء الراحل وأهله وأبناء عشيرته في كل مكان على المواساة ،
    والمشاركة الوجدانية التي أحدثت وتُحدث أثراً طيباً للأهل والأصدقاء والأحباب في كل مكان .
    كان واسطة عقد العائلة وقلادتها في زمن صعب . كان صبوراً ، حنيناً وله صلة رحم توفي كل الناس ،
    وأعظمها مباحثه في تاريخ الأسرة وإخراج الدُرر . الحمد لله على خير ما اختار ،
    والحمد لله أن اصطفاه مولاه ، وألهم الجميع الذكرى الطيبة وأن يغسل الأحزان من جذورها ،
    إنه نعم المولى ونعم النصير .



    *
                  

07-26-2015, 04:54 AM

Hamad Hamad
<aHamad Hamad
تاريخ التسجيل: 08-22-2012
مجموع المشاركات: 174

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)

    إنا لله وإنا إليه راجعون
                  

07-28-2015, 05:07 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: Hamad Hamad)

    الشكر لكل من حضر أو هاتف أو كتب في حق الفقيد مكي أبوقرجة
                  

07-28-2015, 05:10 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكي أبوقرجة .. وداعاً (Re: عبدالله الشقليني)

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan36.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de