|
زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد
|
أختي العزيزة : قبلاتي لك و لكل أفراد الأسرة. أكتب إليك و أنا لا زلت على السرير ،، أداعب أصابع فلذة كبدي ( فواز ) ،، ثم أعود للكتابة مرة أخرى و كأنه يلهمني الكتابة. يشبهني كثيراً ،، هكذا يقولون. أعذريني أختي العزيزة. أعرف أنك غاضبة مني لأسباب كثيرة ،، فأعذريني أولا لأني لم أكتب لك منذ سفري مع زوجي ،، و أظنك تعرفين السبب. و أعذريني لأنني أسْمَعْتك كلاماً جارحاً عند زواجي. أعرف طيبة قلبك و حبك لي و أعرف أن قلبك لا يحمل حقداً على أحد. أختي الحبيبة : تعلمين تماماً أنه عندما أصر الوالد على أن أتزوج من هذا الشاب الذي إختاره هو ،، جن جنوني و قاومت بكل وسيلة متاحة لي ،، تذكرين تماماً الوقائع و الأحداث و لا داعي لذكرها هنا. فأبي أراده ذو وظيفة مرموقة و من أسرة عريقة و أن يكون على خلق. تنطبق عليه كثير من هذه المواصفات ،، و لكنني بكل بساطة لم أحبه ،، لأنه يختلف تماماً عن ما رسمته في مخيلتي. مقاومتي كانت كبيرة و شرسة ،، أليس كذلك ؟ لذا فقد إستعمل أبي ذلك السلاح الذي قطع به كل حبالي التي أتشبث بها ،، و أغلق أمامي كل طريق ،، و سد كل المنافذ ،، حين قال : (على الطلاق تتزوجيه .. و لو ما تزوجتيه لا إنت بنتي و لا أعرفك ). ماذا أقول بعدها ،، متاهة لا قرار لها. وافقته أمي كعادتها و لكن بصمت مطبق ، محتارة بيننا. أختي العزيزة : لقد أسمعتك كلاما جارحاً لأنك وقفت مع أبي ضدي و جاريت أبي في إصراره ،، لذا قلت لك لماذا لا تتزوجيه أنت ،، و أنا أعلم أنك وقتها كنت مخطوبة لآخر ،، أعذريني أختي ،، كلمة جارحة خرجت من قلب مجروح. ثم ماذا ؟؟ هل تريدين أن أخبرك كيف سارت حياتي بعد وصولي إلى مكان عمله هنا بالغربة ؟؟ أعلم أن زوجي كان يعرف رفضي القاطع له ،، فلماذا أَصَرَّ إذن على الإقتران بي؟؟ هل هو مجرد إمتلاك أنثى ؟ يريد فتاة جميلة تلد له الأطفال ؟ اذن لم لا يختار أي أنثى ولودة ودودة و السلام ؟ تساءلت كثيراً عن هذا و تزاحمتْ الأسئلة في رأسي و لكنني لم أجد الإجابة الشافية لأي منها ،، هل هو من النوع الذي لا يعترف برأى الفتاة ؟ هل هو من ذلك الطراز العتيق في لبوس رجل متمدن متعلم ؟ خفت كثيراً من إنتقامه مني بعد الزواج ،، و لكنني فوجئت بمعاملة كريمة لدرجة أنني شككت في أمره ،، فقلت ربما يريدني أن أركن إلى الإطمئنان قبل ذبحي بمعاملة إنتقامية لاحقة تجعلني أهرب أو أنتحر أو يصيبني الجنون في هذه الغربة. و لكنه كان يوماً بعد يوم يزداد رقة و ينساب لسانه بكلام يذيب الحجر ،، طلباتي أوامر ،، لا يغضب مهما فعلت أو قلت ،، يتحاشى إزعاجي فيتسلل إلى الفراش بهدوء يدب كدبيب النمل إن تناومتُ ،، يصمت إن تجاهلت الرد عليه ،، يأتي محملاً بأكل المطاعم إن عرف أنني لم أطبخ بسبب أو دون سبب ،، يهرول بملابسنا للمغسلة ،، أتمارض ،، فيقوم بأعمال البيت دون كلل أو ملل. خفت يا أختي من هذه المعاملة. خوف لا مبرر له أليس كذلك ؟ و لكنني خفت. قلت ربما هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ،، أو التنويم في العسل ثم تبدأ لسعات النحل. فقررت يا أختي أن أختبر تصرفاته ،، أو بالأصح أختبر غيرته. لبينا دعوة عرس ،، و في الحفل تعمدتُ أن أتحدث مطولاً مع شباب لا أعرفهم ،، و أضحك بأعلى صوتي ،، رآني أكثر من مرة ،، و لكنه لم يطرف له جفن و لم يقطب جبيناً. رجعنا للبيت و أنا جاهزة لمعركة حتمية تنتهي بالضرب أو الطلاق و لكنه لم يسألني حتى عن هؤلاء الشباب. إنتابتني فورة غضب ،، قلت له : ألم تلاحظ شيئاً في الحفل ؟ قال بهدوءه القاتل : نعم لاحظت. فغرت فمي من الدهشة ،، إذن رأى كل شيء و لكنه لا يهتم؟ إذن هو في سبيل الإحتفاظ بي لا يبالي ؟ و لكنه فاجأني بهدوء ،، و قال بكل ثقة : رأيتك تحادثين شباباً و أنا واثق أنك لا تعرفينهم و أنا لا أعرفهم ،، كل مافي الأمـر أنني أعـرف أنني أثق بزوجتي و أعرف أنها يهمها كرامتها و شـرفها ،، لذا لن أخاف عليها و لو كانت وسط غابة من الرجال. صـفعني بهذه الكـلمات ،، كنت أريده أن يثور و يركـلني و يسحبني من شعري إلى خارج البيت. و لكن اللئيم ربما عرف مناورتي ،، فجرعني دواءاً من جنس الداء. توالت الأيام أختي العزيزة و أنا أتفنن في تجاهله ،، و هو يزداد في إكرامي بإفراط لا يصدق. أتحدث في الهاتف بالساعات ،، فلا يسألني عن سبب إنشغال الهاتف. أتعطر و أتهندم و أخرج لزيارة جاراتي ،، فيعود للبيت ،، فيدخل إلى المطبخ و يعد طعامه و يأكل ،، و أعود فيسألني إن كنت قد أمضيت وقتاً ممتعاً. فأصاب بخيبة أمل كبيرة. كل ما حدثتك عنه شيء ،، و ما حدث بعد الحمل شيء آخر. عندما أحسست بالحمل و بدأتْ متاعبه ، جن جنونه يومها و إقتادني مترفقاً ولهاناً كأن التي معه تحفة غالية من الكريستال ،، كاد أن يحملني من على الأرض حملاً. و عندما عرف من الطبيب خبر الحمل ،، كاد أن يقبلني أمام الطبيب و الممرضات لولا أن أشحت بوجهي المحمر خجلاً. طوال أشهر الحمل ،، و هو يتغيب عن عمله أكثر من مرة في اليوم ،، و يسألني عن ما تشتهيه نفسي ،، فأكابر و أقول : لا شيء. لا أريد شيئاً. كنت لا أطيق سماع صوته ،، فحبست نفسي في غرفتي لا أخرج إلا لحاجة ضرورية أو إن عضني الجوع ،، و المسـكين يروح و يجيء طوال الليل بين غرفتي و الصالون حيث ينام ،، فقد منعته من الإقتراب مني. يأتي يومياً محملاً بما لذ و طاب ،، أناكفه فأقول لا أريد شيئا ،، و ما أن يخرج حتى ألتهم بسرعة ما تشتهيه نفسي. أعترف أنني كنت رعناء ،، و تصرفت بغباء ،، و لكنه العناد ضد إصرار أبي. يوم الـولادة ،، كان كأم العروس ، يدخل و يخرج ثم يـجلس و يقف ،، منذ إحساسي ببدء الطلق و حتى ذهابنا للمستشفى ،، كان مذعورا يمسح جبيني بيده و يضغط على يدي و يبتسم لي من خلف قلب وَجِل و خائف و يسألني سؤالاً واحدا ً : إنت كويسة ؟؟ طمنيني أرجوك. كنت خائفة ،، تمر من أمام عيني صورة أمي و أبي و إخوتي ،، مرتْ حياتي معه كشريط سينمائي ، وقتها .. طغتْ على روحي سحابة من ندم عظيمة .. ندمتُ يا أختي ،، و الله ندمت ، وددت لو قلت له سامحني ،، وددت أن أطوقه بكلتا يدى و أطلب منه السماح ،، إمتلأتْ عيناى بالدموع حتى حجبته عني ،،،، و لكنني لأول مرة أشعر بأن بجانبي رجل يمكن أن أستند عليه و أن أعتمد عليه. رجل يخاف علي خوفاً حقيقياً يعادل خوف الوالدين. رجل يحيطني بظلال من الطمأنينة دون أن ينتظر حتى إبتسامة مجاملة. لم يجد مني غير الإذلال ،، حتى سـخـر منه كل معـارفنا و جيراننا. عرفت الآن يا أختي أنه كان متشــبثاً بحبه متين الأركان ،، و أصدقك القول ،، أنني ناديته بأســمه لأول مرة منذ زواجنا و أنا أدخل غرفة الولادة ،، فأسرع نحوي و كأنه وجد كنزاً ،، متهلل الوجه تعلوه إبتسامة رضا كبيرة ،، و أحاط يدي بكلتا يديه و لثم جبيني بقبلة أحسست بحرارتها تقتل الألم الذي أحس به و تذيب خوفي و تحيطني بطمأنينة وارفة. و عـندما أفقتُ ،، وجدته يجلس بـجانبي ينظر إلي بحنان ،، و قال : يشبهك كثيراً فواز لم أعترض على الإسم ،، فقد إختار إسما ينطبق على حالته ،، فقد فاز بي ،، فاز بحبي. فواز الآن عمره ثلاثة شهور . ملأ على حياتي. أحادثه الى أن يعود زوجي. أختي العزيزة : هناك أمر يقلقني الآن. أحس إحساساً غريباً بدأ يدب في كياني ،، فأرتعش رعباً. أحس و كأن مشاعره قد فترتْ. لم يعد متلهفاً. شيء ما إنكسر في نفسه و في دواخله. لا يتحدث معي ،، يتحرك بآلية ،، و يرد فقط على أسئلتي. لم يعد ذلك المملوء شغفاً و شوقاً. يا خوفي أختي العزيزة أن أفقد حبه حينما دخل قلبي. هل تُراني واهمة ؟ أم أتراه أدمن تمردي و جموحي و صدودي ؟ أنا خائفة أختي العزيزة ،، أرجوك أكتبي لي
أختك : أم فواز
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: انعام عبد الحفيظ)
|
أختي إنعام
تحياتي
شكرا على المداخلة. و لكن رأيك شنو في هكذا زواج و هكذا بداية نهاية أو نهاية بداية و دة حيقودنا إلى مسألة القسمة و النصيب التي تكون ( زى البطيخة ) إما حمرا أو لاقَّة . بمعنى آخر : البعض يتزوج مرغما ثم تسير سفينة حياته متهادية دون أنواء و عواصف و البعض يتزوج مرغما ثم يحدث ما توقعه الكثيرون و البعض يختار بكامل قواه القلبية و العقلية ثم تفشل التجربة في بواكير أيامها ..
رأيك دام فضلك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: ابو جهينة)
|
استاذي ابو جهينة
كلمة رائع عبرت بها عن السرد الجميل
والحبكة الدرامية الرائعة
وقصدت ايضاً ان مثل هكذا حكايات موجودة في واقعنا المعاصر
لذا لم استغرب القصة بل استمتعت بقراءتها
اما عن رأيي فأقول لك ويا استاذي انا
من انصار ان المرء نعم يسعى لإختيار شريك حياتة
او شريكة حياتة ولكن عندما نجد القدر قد وضعنا امام خياره
فلما نتمرد عليه لما لا نحاول التأقلم مع واقعنا
انا مع المرونة في الاشياء المرونة في التفكير
وفي التصرف وفي الصبر على الأشياء
اقصد انني مع البحث عن اسباب السعادة واكتشافها
وان لا نحكم على الاشياء من ظواهرها
وان نعطي الآخرين فرصة للتعبير عن دواخلهم
وما بها من اشياء جميلة او قبيحة
حتى نستطيع ان نفهمهم الفهم الصحيح
انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: Mohamed E. Seliaman)
|
عزيزي محمد
تحياتي و مودتي
Quote: مررت من هنا متمليا طعم قهوة عربية حباتها مجلوبة من هرر... والعود بأنفاسه سيد المكان والهيل خادمه ------------ |
يا سلام عليك ... أتخمت البوست بهذه النكهة المحببة .. عافاك الله و أبقاك
Quote: هل هذا الرجل ظالم؟ |
هذا الرجل ظَلم ثم ظُلم ثم كان من النادمين و لات حين مناص .. تعرف يا عزيزنا محمد .. أجمل جملة سمعتها هي : الحب ليس إمتلاك أحياناً أؤمن بأن الحب الحقيقي يأتي بعد الزواج الذي يقوم على إحتيار العقل و أحياناً أقول : أنجحه ما يأتي بعد الحب .. ثم أرى نماذج .. و ألغي هذا الإعتقاد و النماذج كثيرة .. فهل نركن إلى القسمة و النصيب ثم نطلق لهما العنان ؟
دمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: abubakr)
|
جهينة
نص جميل محمَل بكل مقومات الكتابة
تصدَق ..
في قصة حقيقية بذات الوصف
لكن للاسف الزوجة ادركت حقيقة حب زوجها لها بعد أن فارق الحياة تحت عجلات سيارة وهوفي طريقه لمكان
عمل آخر ... بعد إنتهاء ساعات دوامه الرسمي في عمله الاصلي
العمل الاضافي هذا جاء تحت إلحاح الزوجة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
عزيزي حيدر
تحياتي
شكرا على المداخلة
Quote: لكن للاسف الزوجة ادركت حقيقة حب زوجها لها بعد أن فارق الحياة تحت عجلات سيارة وهوفي طريقه لمكان عمل آخر ... بعد إنتهاء ساعات دوامه الرسمي في عمله الاصلي العمل الاضافي هذا جاء تحت إلحاح الزوجة |
هي تعلم تماما ... و عندما فقدتْ الأمل في التحرر منه .. آثرتْ أن تمتص دمه حتى آخر درجة. و أسوأ شيء أن يكون الحب على مرمى حجر و أنت تبحث عنه بعيدا عنك
دمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: د.محمد حسن)
|
الأستاذ الأديب أبوجهينة شكراً لهذه المتعة الصباحية بعد أن خلصت من القراءة، لا شعورياً قلت: Daaamn والكلمة اللئيمة دى بقيت أقولها كتير وكثيراً بعبر بيها اللاشعور فيني بالدهشة المصاحبة للجمال أو القبح.. أرجو ان تواصل بأسرع ما يمكن.. عشان (الشحتفة) ما لذيذة _____ بالمناسبة: أنا (ململم) ليك بعض الكتابات فى كمبيوترى وهذا للعلم فقط إعتبرو قلع،! سرقة،! أو أى حاجة تحيات كمية كده يا حبيب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: Yassir Tayfour)
|
عزيزي ياسر طيفور
محبة و مودة و تقدير و سلام كبير لشخصك العزيز
شكرا على المداخلة الحميمة
Quote: لا شعورياً قلت: Daaamn والكلمة اللئيمة دى بقيت أقولها كتير وكثيراً بعبر بيها اللاشعور فيني بالدهشة المصاحبة للجمال أو القبح.. أرجو ان تواصل بأسرع ما يمكن.. عشان (الشحتفة) ما لذيذة |
_____
ذكرْتني قصة جميلة يا ياسر عندنا واحد كان لما تعجبو الحاجة أو الغنية أو أي كلام بيقول : جييييييييييييييج JEEJ لغاية حسع ما بعرف بيقصد بيها شنو. لما تسألو عن معناها .. يبتسم بس. الغريب بعد سنوات طويلة لاقيتو و سألتو : لسع بتقول عند الدهشة جيج ؟ إستغرب و قال لي ما بتذكرإني كنت بقول الكلمة دي. معنى كدة إنو التعبير عن الإعجاب و الدهشة بينبع من حاجة في الدماغ حسب الزمن و الموقف و البيئة. يعني Damn دي يمكن تغيرها بعدين بحاجة تانية
Quote: أنا (ململم) ليك بعض الكتابات فى كمبيوترى وهذا للعلم فقط إعتبرو قلع،! سرقة،! أو أى حاجة |
أنا بعتبرو شرف لي حقا.
دمت أخي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: ابو جهينة)
|
الاستاذ /ابوجهينة انت تكتب من وحي القصة اشبه باديب وشاعر امريكا اللاتينية "ماركينز". ما سطرته دراما رائعة تلمس واقعناالاجتماعي في السودان .
فانت بحق وحقيقة " سيد القصة القصيرة ، وفقك الله وسدد خطاك ،،،
ودمت ودامت ايامك ،،،،،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: زوجة .. مع سبق الإصرار و الترصد (Re: عبدالرحمن حسن موسى)
|
أخي العزيز عبدالرحمن حسن موسى
تحية و مودة و سلام كبير
شكرا على المداخلة الطيبة و على كلماتك
Quote: ما سطرته دراما رائعة تلمس واقعناالاجتماعي في السودان . |
ليت كل الكتاب يسطرون الواقع الإجتماعي .. لأن الوطن الآن متخم بإنتكاسات تحتاج لكل حرف.
دمت عبدالرحمن
| |
|
|
|
|
|
|
|