|
Re: الصخب والعنف (Re: نهال كرار)
|
" كل قسم يختلف كل الإختلاف عن الأقسام الأخرى , للإختلاف الشديد بين الإخوة : فبنجي معتوه يسمع ولكن لا ينطق ولا يستطيع إلا الصراخ والعويل . وهو حين يروي الأحداث لا يستطيع أن يرتبها ترتيبا زمنيا . وماحدث قبل عشرين سنة , وما حدث اليوم , كلاهما متساوي الأهمية في سرده, متساوي الوضوح. وكل شيئ يذكره يبدو كأنه يراه لأول مرة , وبكل مافيه من جدة وبراءة . انها حكاية يقصها معتوه .. "
" بنجي هو الإنسان الأول , هو " الهو " في سيكولوجية فرويد , فيه البدائية وفيه البراءة المطلقة وهو لا يفهم ماذا يجري حوله , انه مجموعة أحاسيس فقط , بل أن حواس الشم والسمع واللمس قوية جدا هنا . فهو ( يسمع السطح ) لأن المطر يسقط عليه , ويشم الليل, ويريد لمس النار لأنه يحب نور اللهب , يقول فوكنر " ما أحب بنجي إلا أشياء ثلاثة : المرعى الذي بيع لإرسال كونتن الى هارفرد ودفع نفقات زواج كاندس , وأخته كاندس , ووهج النار " وكلما ناح أو صرخ , أعطاه الولد الزنجي زهرة ليحملها فيسكت .
هذه هي الحركة الأولى من السمفونية : قصيرة النغمات , متقطعة , تدور وتلتف على نفسها , ولكن جوها مفعم بأصوات الطبيعة وروائحها, بخفق المطر وتراقص اللهب وبكاء بنجي , والتجاذب والتناحر بين أفراد عائلة تحوم فوقها أشباح الموت . فإذا جئنا الى الحركة الثانية, تغير الأسلوب , وتغير الجو, وتغيرت صفة الزمن . فالقاص هنا كونتن يوم 2 حزيران 1910. والجمل هنا تبدأ طويلة متداخلة متواصلة , بعكس المقطع السابق , وكونتن , وقد عزم على الإنتحار , يشعر بعبث الزمن, وعبث الساعات التي تدق ثانية ثانية , دون معنى . ولعل فوكنر هنا يفصل قول مكبث : ( ... وكل غد يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوما اثر يوم حتى المقطع الأخير من الزمن المكتوب, وإذا كل آماسينا قد أنارت للحمقى المساكين الطريق الى الموت والتراب ) وأول مايذكر كونتن هو وعيه بآلة الزمن : " عندما سقط ظل عارضة الشباك على الستائر , وكانت الساعة بين السابعة والثامنة , فقد أفقت اذن في الوقت المطلوب ثانية , وأنا أسمع الساعة . كانت تلك ساعة جدي, وعندما أهداني إياها أبي قال : كونتن , اني أعطيك ضريح الآمال والرغبات كلها . وانه لمن المناسب أن تستخدمها حتى الالم لتكسب النهاية المنطقية الحمقاء لإختبارات الإنسان جميعها, وهي التي لن تنسجم وحاجاتك الشخصية أكثر مما انسجمت وحاجات جدك أو أبيه . اني أعطيك إياها لا لكي تذكر الزمن, بل لكي تنساه بين آونة وأخرى, فلا تنفق كل ما لك من نفس محاولا أن تقهر الزمن. لأن ما من معركة ربحها أحد, لا بل مامن معركة حارب فيها أحد. فالميدان لا يكشف للمرء إلا عن حماقته ويأسه , وما النصر إلا وهم من أوهام الفلاسفة والمجانين " ثم يقوم ويكسر عقربي الساعة, ولكنها تستمر في التكتكة : تحصي الزمن ولا تشير إليه , في آن واحد . ويضعها في جيبه . وهذا المقطع , من أوله الى نهايته , يتحرك تحت ظل الساعه فبينما كان الزمن في مقطع بنجي موجودا كله آنيا لا ترتيب فيه, هنا يسمع كونتن دقات ساعات المدينة ربعا ربعا , وتظل ساعته المكسورة العقربين تدقدق في جيبه, وقد بطل كل مافيها من معنى .
(عدل بواسطة نهال كرار on 04-01-2007, 08:05 PM)
|
|
|
|
|
|