عاصمة ثلاثية وحجمها رباعي
كتبت هذا الموضوع قبل سنة تقريباً ونشرته في صحيفة الخرطوم ضمن سلسلة مقالات بعنوان واحد هو: (لا شىء يعدل الوطن). توقفت هذه المقالات قبل ستة اشهر تقريباً في الحلقة الثالثة والثلاثين . نشرت هنا حلقة من قبل وهذا الموضوع كان في الحلقة الثامنة علماً بان كل حلقة تحمل موضوعاً قائماً بذاته. انشر هذه الحلقة للتفاكر حولها ونحن مقبلون على الديمقراطية وإن طال السفر. لا شيء يعدل الوطن عاصمة ثلاثية وحجمها رباعي بشرى الفاضل [email protected] تمددت الخرطوم خلال العقدين الأخيرين بأكثر مما فعلت خلال قرن وأصبحت عاصمة غائمة فلا تعرف لها حدوداً . هل يمكن لأحد أن يعرف حدود العاصمة الجنوبية من ناحية الجزيرة في جناحي النيل الأبيض والأزرق؟ أم هل يمكننا معرفة حدودها الشمالية لما بعد جبال كرري في أم درمان أو ما بعد الجيلي ؟ أما إذا نظرنا إلى تخومها الغربيةوالشرقية حيث ضواحي أم درمان وضواحي الخرطوم بحري تيقنا أن الخرطوم لم تعد خرطوماً للفيل بل كرشاً له . وليس صحيحاً نسبة اسم العاصمة لخرطوم الفيل من أساسه . زحف الريف من السودان كله على عاصمة البلاد حتى أصبح ينطبق عليها مقطع الشاعر توفيق صالح جبريل الشهير فلا هي قرية بداوتها تبدو ولا هي بندر . يقول أحد المفكرين الألمان إن الريف يزحف على المدن مرة كل قرن .وقد طال عهدي بقراءة ذلك النص لكن في حالة بلدنا فلا بدأن الزحف يتم مرة في كل عقد أو لعلها مرة في كل عهد فيغير القادمون الجدد المعالم والعادات السلوكية التي تكونت . وليس الهدف من هذا المقال ذم الريف فالكاتب من أبنائه ومشكل الأقاليم السودانية قاطبة كبيرة وشائكة وتمسك برقاب بعضها البعض لكن حسبنا أن نبحث في ظاهرة سودانية إسمها العاصمة المثلثة . كثيرة هي الدراسات والتأملات في حال عاصمة بلادنا وكثيرة هي السياسات التي يغلب على معظمها التخبط. وعن الأراضي السكنبة بالعاصمة القومية نجد العجب ولا نري فتح هذا الملف لكن يكفي أن نشير على أن السيد محمد إبراهيم نقد كان قد ذكر في الجمعية التأسيسية في منتصف الثمانينات أن سعر المتر المربع في قلب الخرطوم أغلى من سعره في باقي دول العالم وينافس سعر الأراضي السكنية في قلب طوكيو. وقال السيد الصادق المهدي عندما كان رئيساً للوزراء مشيراً إلى المشاكل البيئية في الخرطوم ( أصبحت العاصمة كوشة كبيرة) . وتعجب الدكتور ابراهيم دقش في عاموده بهذه الصحيفة قبل أيام من التكلفة الباهظة لإنشاء موقف بصات في الخرطوم قرب دار الرياضة (850 مليوناً). أسوق هذه الأقوال الثلاثة للتدليل على أن عشوائية العاصمة القومية تأكل بل تتغدى وتتعشى من منجزات التخطيط مهما فعل القائمون عليها . فالخرطوم مدينة في حالة حركة مستمرة وينفعل بحركتها السودان كله . عندما كنا صغاراً بالنسبة لجيلنا كان هناك نص يقول ( الخرطوم عاصمة السودان وهي تقع بين النيلين) كان ذلك في المطالعة فهل يا ترى تقع العاصمة حالياً بين النيلين فقط أم أنها تكبر وتتضخم ككرة الثلج حيث يتم فيها تجريف الأراضي وتدمير الرقعة الزراعية وإضافة طبقة جديدة للغلاف الجوي هي طبقة غبار الخرطوم العالق (غخرع). وهي طبقة جوية على علاقة غير حميمة مع دافع الضرائب ووزارة الصحة وأكثر من يكرهها فهم الشعراء . هل فكر أحدهم في تجميع ملايين المقاطع التي كتبت خلال عقدين عن غخرع؟ ولا تنزل هذا الطبقة إلا عندما يهطل المطر ويغسلها وعنها ينظر الخرطوميون إلى سحنات بعضهم البعض وإلى الأماكن وقد تغير لونها في عجب. ويجيء الخريف بأوصابه لعاصمة السودان التي لا تقع بين النيلين. قال محدثي المجري يسألني - هول لوكس؟ ومعناها باللغة المجرية من أين أنت؟ فقلت له سودان بون . أي من السودان . ثم عرفني على عاصمة بلاده بودابست التي تتكون من مدينتين توأمين هما بودا وبشت (بالشين). كنا نشق مدينة بشت الحديثة ذات العمارات الشاهقة فقال لي الشعب المجري كله تعداده سبعة ملايين نسمة وقد جئنا قبل ما يزيد عن الألف عام من أواسط آسيا وقبل قرن من الآن أنشأنا مترو الأنفاق في الذكرى الألفية لقدومنا من آسيا. كان يحدثني بحب عن بودا وبشت وعندما وصلنا إلى شق بودا أدركت أنها المدينة القديمة وكان بفصل بينهما نهر الدانوب الأزرق ومن هناك رأيت نصف بودابشت الآخر كانه تحتنا . أقترب محدثي وقال -نعم مدينة بودابست هي الثانية عالمياً بعد ريو دي جانيرو البرازيلية من حيث الموقع . قفزت إلى ذهني أماكن كثيرة في بلدى وكدت أن أقول له إن أنقسام المدينة لشقين بحيث يبدو الواحد فوق الآخر موجود عندنا تعال وزر مدينة الفاشر . ثم تذكرت ترابها وخلوها من الخدمات وما يقع عليها من نسيان وإهمال فسكت. وكدت أن أقول له ألم تر مقرن النيلين؟ لكنني لم أقل فأنا على يقين من أن خير ما في بلادي هم فقط أناسها على قعود معظمهم عن المعالي وفشل حكامهم. هل يمكننا بجرة قلم حل مشاكل العاصمة القومية؟ أنا أقول نعم ففي مقبل الديمقراطية التي هي آتية لا محالة مع ما في ذلك من ريب أدعو لأن يفكر السياسيون الذين سيفوزون بالسلطة في نقل العاصمة القومية مثل ما فعل البرازيليون من ريو إلي برازيليا ومثلما فعل النيجيريون من لوغوس ألى ابوجا . فلننقل العاصمة إلى منطقة يقول بها الجغرافيون وعلماء البيئة والدارسون وهناك على نار هادئة يجيء المهندسون فيقيمون المجاري قبل الكباري والخضرة قبل الصخرة والطير الخداري قبل ودعماري . فما الذي سيحل حينها بالخرطوم ؟ ستنخفض أسعار الاراضي إذ يبتعد عنها الطفيليون وسماسرة الاراضي - نحن قلنا في زمن الديمقراطية المقبلة - وستصبح الخرطوم لأهلها أما باقي السودان فيتنافسون في العاصمة (سودانيا) الجديدة -أنطقها على غرار برازيليا- وستصبح الخرطوم هي العاصمة الثقافية مثلما حدث لمدينة سانت بطرسبورج بعد أن استعادت منها موسكوصفة العاصمية .أقول العاصمة الثقافية لبني سودان وليست عاصمة للثقافة العربية.

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]