.. احفاد النور عثمان ابكر يهدون اتحاد الكتاب السودانيين شعرا ..

Quote: تصاريف .. رحيل الغابة والصحراء بقلم : ابراهيم بخيت .. كان آخر لقائي به في معرض الدوحة الأخير للكتاب. كان كعادته لا يتحرك إلا وبمعيته الشباب والشابات الذين يعرفونه ويقدرون امكاناته ويتطلعون إلى النهل من فيض معارفه. كان ذلك صديقي النور عثمان ابكر الإنسان، المفكر، الشاعر، الناقد، الصابر على الأيام وما تطرحه على الاصدقاء والرفاق الذين سار معهم وساروا معه في دروب الحياة والثقافة السودانية، وكان من بينهم هو صاحب النظرة المستقبلية النافذة. فقد كان (يرحمه الله) النور نورا في مجاهيل الثقافة السودانية. ومن الرواد الذين أرادوا أن تكون الثقافة السودانية ماعونا جامعا لكل أهل السودان دون تحيز لعرق أو لون أو جنس. فقد كان الراحل المقيم النور عثمان ابكر متصالحا مع نفسه وتاريخه وثقافته وكل ما يحيط بحياته بفكر ومنهج شامل ومعاصر. كان ولهاً بالثقافة السودانية وعارفاً بتضاريسها وتجلياتها على الواقع. ولذلك تكونت عنده منذ وقت باكر رؤية شاملة لمفهوم ومحتوى وأصل الثقافة السودانية بعيدا عن تأطيرها في قوالب مدرسية وإرغامها على الانصياع لنظريات سياسية. ويذكر له جيل الستينيات من القرن الماضي أنه أول من رفع راية النداء لمدارسة الشعر والأدب السوداني من خلال الانتماء للبعد الجغرافي فكان ابتكاره لمدرسة (الغابة والصحراء) التي جذبت إلى أرجائها العديد من المثقفين الشباب. فكانت تجربة مميزة جمعته مع رفيقه محمد المكي إبراهيم الشاعر المميز على خريطة الشعر الوطني. اللذان قادا معا سجالاً باكراً حول هوية السودان وانتمائه العربي الافريقي فكان الغابة رمزا والصحراء رمزا تعانقا معا. أشهد بأن النور عثمان ابكر كان نورا في وقت الحاجة ورحل عن دنيانا ونحن أحوج ما نكون لنوره بعد أن اجتاحت جيوش الظلام ما أضاءه من قبل. وهو القائل: (كذاب من يقول في السودان انني الصريح، انني النقي العرق، انني المحض، أجل كذاب. هذا صحو الكلمات المنسية). لم تعد في المآقي ما يزرف ليس من جفاف ولكن مما يوازي فقدنا لقامة من قاماتنا الثقافية والشعرية وفوق هذا وذاك الانسانية. نودعك اليوم أيها الراحل خفيفا وكنا أحوج ما نكون بعد أن رحل قبلك الكثيرون من قبيل الإبداع في بلادي في غربة داخلية وفي المنافي القسرية. وسوف تصحو كلمات ولن تكون منسية.