نكتة يرويها البغداديون في هذه الأيام ليضحكوا وينسوا أشهر حفار للقبور الجماعية في تاريخ العراق الحديث، وهي أن الرئيس المخلوع صدام حسين راح يتجول قبل أيام في شوارع بغداد متنكرا بطريقة لا يعرفه معها أحد، وحين وصل الى شارع الرشيد القريب من ساحة التحرير في وسط العاصمة شعر بجوع، فرأى عند زاويته بائعة لبن أربيل وسندويتشات «تكة» لحم مشوي على الفحم بالشارع، فمضى الى المرأة العجوز وسألها:
* بشام السندويتش يا حرمة
ـ بأربعة آلاف دينار، يحفظك الله سيدي ويرعاك، واللبن أربيل بألف.
* ما أريد لبن.. انطيني سندويتش تكة وبس. ـ الله يحفظك ويرعاك سيدي.. حاضر حاضر.
* يا حرمة. إنت شلون عرفتيني
ـ سيدي الله يحفظك ويرعاك.. ما تعرفني أنا محمد.
* إنت حرمة وتقولين أنا محمد، والله عجب.
ـ أنا محمد.. محمد سعيد الصحاف.
هذه النكتة عن صدام، الذي ثبت الى الآن أنه وحده كان سلاح الدمار الشامل في العراق، وقد أزالوه، توحي بأن الرجل الذي عاش في القصور متسلحا من خارج أسوارها بأجهزة القمع والمخابرات ومتخفيا بأشباه، قد يكون حيا ويتجول متنكرا للفرار بعد الحرب من عدالة العراقيين، وهو ما زال لهم مجهول العنوان، وهم يبحثون عنه ليعتقلوه. لكن الرئيس المخلوع يمكن أن يمعن في التخفي والتنكر أكثر اذا أراد، فيصبح غير معروف بالمرة، كأن يشذب شاربيه ويقص شعره كأصلع، فيصبح واحدا عاديا منهم، ولا يعرفونه حتى ولو مر بأقرب المقرّبين اليه.
يمكنه أيضا أن يطيل لحيته ويصبغها باللون الأسود، أو يستعير لحية على طريقة الممثلين فيضعها لتبدو لحيته، على أن يستبدلها في اليوم التالي بقناع آخر للتنكر. أو أن يتجول بلا أي شعر على الوجه مرتديا عباءة النسوة، ليبدو في الشارع كامرأة عادية تسير مع زوجها، أو وحيدة من دون أن يلحظه أحد.
ويستطيع صدام أن يتنكر كبائع خضار وفاكهة في الشارع، فيرتدي من الثياب ما يرتديه الباعة. ويمكنه اذا أراد اللجوء الى حالة تنكر دائمة، فيعيش في واحة بالبادية كسكانها الأصليين، ممن لم يكونوا على علم بشكله تماما، اذ روى أحدهم من بغداد مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف قبل يومين أن بعض سكان البادية في المناطق الريفية النائية بالعراق لم يكن معظمهم يعرف شكل صدام حسين، لأنهم لا يملكون أجهزة تلفزيون ولا تصل اليهم صحف ولا مجلات، وبالكاد كان الواحد منهم يزور بغداد أو مدينة غيرها في العراق، ثم قال: «نعم.. كانوا يعرفون اسمه وانه حاكم البلاد، لكنهم لا يعرفون سماته، لذلك يمكنه الاقامة بينهم الآن من دون مشكلة، خصوصا أنه يملك أكثر من مليار دولار نقدا» في اشارة منه الى هذا المبلغ الذي نقله ابنه الأصغر، قصي، من خزائن البنك المركزي العراقي قبل يومين من بدء الحملة العسكرية.