|
كليلة و دمنة" التاريخ و المضمون
|
يعتبر كتاب " كليلة و دمنة" من المعالم الأدبية الهامة في تراثنا العربي. و لعله يعد أول مؤلف مطبوع في التاريخ الأنساني يعالج موضوع الحكمة في قالب قصصي قوامه شخصيات متنوعة من الحيوانات الأليفة و المتوحشة
كيف أصبح " كليلة و دمنة " جزءا من التراث العربي
أغلب الظن أن كتاب " كليلة و دمنة " قد تم تأليفه في غضون عقود قليلة من احتلال الاسكندر المقدوني للاقليم الواقع في الشمال الغربي لشبه القارة الهندية، أو ما يعرف حاليا بدولة باكستان- في اطار مغامرته الكبري لاخضاع أروبا و اّسيا تحت امرته
ما لبث الاسكندر المقدوني بعد هزيمته للجيش الهندي، أن نصب واحدا من أبرز قادة جيشه حاكما لتلك الناحية من شبه القارة الهندية ثم انطلق و جيشه العرمرم لانجاز مشروعه الأكبر في قارة اسيا. لم يقبل سكان اقليم شمال غربي الهند اّنذاك أن يحكمهم أجنبيا. فثاروا عليه و قتلوه ثم اختاروا سليل احدي ملوكهم المبجلين ففي محله. كان الملك الهندي المختار، و اسمه دبشليم، عادلا و مهتما بشئون رعيته في بداية حكمه. لكنه سرعان ما طغي و تجبر بعد أن توسع سلطانه ليشمل معظم أقاليم شبه القارة الهندية
كان علي رأس طائفة البراهمة الهندية اّنذاك شيخا حكيما و وقورا اسمه بيدبا. لما رأي بيدبا الملك و ما عليه من الظلم للرعية، أخذ علي عاتقه مهمة مناصحته و اعادته لجادة السبيل. دخل بيدبا، كبير البراهمة، علي الملك دبشليم و أمحصه النصح في قالب قوامه الحكمة و لين الجناح. ما أن فرغ بيدبا من مقالته، و قضي مناصحته، أوغر صدر الملك فأغلظ في جوابه استصغارا لشأنه، ثم أمر بحبسه. لم تمض سوي أيام قليلة علي بيدبا و هو في محبسه، حتي أخذ الملك دبشليم يتفكر في مضمون مقالة كبير البراهمة و ما قابله به من جزاء. أدرك الملك دبشليم سوء صنيعه، فأمر باطلاق سراح بيدبا، رأس البراهمة، و مثوله أمامه. اعتذر الملك دبشليم لبيدبا عن تجاوزه حدود الأدب و مقابلته الممعروف بالعدوان. و طلب دبشليم من بيدبا - رأس البراهمة - أن يعيد عليه كلامه كله. فجعل بيدبا ينثر كلامه دررا و الملك مصغ بكل حواسه. استعذب الملك كلام بيدبا و حسن موقعه في قلبه، فما كان منه الا أن عينه مستشاره الأعظم. أخلص الحكيم بيدبا في أداء وظيفته الجديدة و تبدل سلوك الملك دبشليم تجاه رعيته بفضل استنارته بنصائح مستشاره الأعظم دبشليم. و عم الخير و العدل أرجاء المملكة
انصرف هم الملك دبشليم الي النظر في الكتب التي وضعتها فلاسفة الهند لاّبائه و أجداده، فوقع في نفسه أن يكون له أيضا كتاب مشروح ينسب اليه و تذكر فيه أيامه كما ذكر اّباؤه و أجداده من قبله. فلما عزم علي ذلك، علم أنه لا يقوم ذلك الا ببيدبا. دعا الملك دبشليم مستشاره بيدبا و رجاه أن يضع له كتابا بليغا يكون ظاهره سياسة العامة و تأديبها، و باطنه أخلاق الملوك و سياستها للرعية علي طاعة الملك و خدمته و كل ما يدعو لمكارم الأخلاق
اعتكف بيدبا بضعة أيام ألهم خلالها منظوم الكتاب و قالبه. ضم الكتاب أربعة عشر بابا، كل باب منها قائم بنفسه، و في كل باب مسألة و الجواب عنها، و ضمن تلك الأبواب كتابا واحدا سماه كتاب " كليلة و دمنة ". ثم جعل كلامه علي ألسن البهائم و السباع و الطير ليكون ظاهره لهوا للخواص و العوام، و باطنه باطنه رياضة للعقول الخاصه. و ضمنه أيضا ما يحتاج اليه الانسان من سياسة نفسه و أهله و خاصته، و جميمع ما يحتاج اليه من امر دينه و دنياه، و يخصه علي حسن طاعته للملوك و يجنبه ما تكون مجانبته خيرا له. ثم جعله باطنا و ظاهرا كرسم سائر الكتب الني يرسم الحكمة، فصار الحيوان لهوا، و ما ينطق به حكمة و أدبا
تدور القصة الأولي في الكتاب، مثلا، عن وصف الصديق، و كيف يكون الصديقان، و كيف تقطع المودة الثابتة بينهما بحيلة ذي النميمة. و قطبي الرحي في القصة الأولي هما أخوين من بني أوي يقال لأحدهما كليلة و الاّخر دمنة، و هما الشخصيتان اللتان سمي عليهما الكتاب
وجد الكتاب قبولا كبيرا من الملك دبشليم و رعيته، و أعتبرته المملكة كنزا وطنيا، و كان يحفظ في خزانة الدولة و تتوارثه الأجيال تلو الأجيال
حينما اعتلي كسري أنو شروان سدة الحكم في بلاد فارس، ترامت لمسامعه سيرة الكتاب المشهور: " كليلة و دمنة "، فبعث أحد علماء و وجهاء مملكته، و يدعي برزويه - كان يجيد اللغة الهندية علاوة علي لغة موطنه فارس - للهند ليحضر له نسخة من كتاب " كليلة و دمنة و صل برزويه لبلاد الهند و شق طريقه لوزارة الخزانة الهندية - حيث توجد النسخة الأصلية من كتاب " كليلة و دمنة ". سمح وزير الخزانة الهندية اّنئذ لبرزويه بالاطلاع علي الكتاب و ترجمته للغة الفارسية و حمل النسخة المترجمة معه هدية من ملك الهند حينذاك لملك بلاد فارس : كسري أنو شروان. أفلح برزويه في مهمته و عاد بالنسخة المترجمة لمليكه، كسري أنو شروان ببلاد فارس
تم نسخ أعداد كبيرة من النسخة المترجمة للفارسية و تداولها بين العامة في بلاد فارس. لقي كتاب " كليلة و دمنة " رواجا كبيرا في بلاد فارس
بعد أن دالت بلاد فارس للمسلمين، قام أديب مسسلم مشهور ذو أصول فارسية يدعي عبد الله ابن المقفع بالاطلاع علي كتاب " كليلة و دمنة " في نسخته الفارسية و من ثم تحويره للغة العربية. نحن لا ندري ان كان ما قام به ابن المقفع هو ترجمة حرفية لكتاب " كليلة و دمنة " من نسخته الفارسية للغة العربية، أم أنه استلهم القصص المضمنة في الكتاب و أسلوبها الحكمي و وضعها في قالب و أسلوب يوافق اللغة العربية في العصر الذي عاش فيه
( سأواصل الكتابة عن نقدي للكتاب في المرة القادمة، باذن الله)
|
|
|
|
|
|
|
|
|