بتروفوبيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 07:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-31-2009, 12:53 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بتروفوبيا


    غلافة رواية بتروفوبيا
    PetroPhobia Cover

    NOW Available at Beirut bookstores and soon at other ones
    Market price = $ 07.00
    Online price = $ 05.95

    متوفر الآن في المكتبات اللبنانية، وقريباً في المكتبات العربية
    سعر الشراء في الأسواق = 7 دولار
    سعر الشراء عبر الإنترنت = 5.95 دولار

    اشتر نسختك الآن Buy it Now
                  

10-31-2009, 01:07 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    مقدمة لابد منها

    ولكن!
    إن لم تكن الإرادة الإلهية هي التي رمت بالمصادفات المتسلسلة في طريقي، فما عساها أن تكون؟ لست أجرؤ على القول بأنه كان دافع الفضول والتلصص فقط، فالأمر يبدو بالنسبة إليّ أكبر من ذلك بكثير. حتى أكثر الروايات إدهاشاً وخيالية لا يُمكنها ابتكار مصادفات جرئية كتلك.

    ربما لم تكن مصادفات بقدر ما كانت حتميات لم تكن في الحسبان. هل تسير الحياة وفق قانونها الخاص بمنأى عما نريده وما نسعى إليه؟ هل نتماهى مع قوانين الكون دون أن ندرك ذلك، أم نحن في صراع معها؟ هل كان هذا الصراع ضرورياً؟ ربما! وربما كنّا نحن جزءاً من لعبة تخلو من النهايات المنطقية والمبررة. لا أدري! ولكني أشعر بالكون مكعب نرد كبير.

    أقف الآن مشدودة إلى تاريخي، أحاول إعادة قراءته وتفسيره، وكأنه تاريخ شخص أتذكر اسمه بصعوبة. شخص التقيته مصادفة في عيد الفصح قبل عامين، ارتطمنا بالأكتاف وابتسم في وجهي معتذراً، وأعجبني بياض أسنانه أو رائحة عطره أو تسريحة شعره.

    إنه لمن المدهش حقاً أن يكتشف الإنسان أنه لا يعرف نفسه، وأنه لا يعرف حتى أقرب الناس إليه؛ في حين أنه لم يصادقهم إلاّ لظنّه أنه يعرفهم جيداً، ويفهم ما يُثيرهم وما يُقلقهم وما يُفرحهم وما يفكرون به. "لا أحد يعرف أحد" هذه هي النتيجة الأولى التي خرجت بها أول الأمر.
                  

10-31-2009, 01:10 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    الآن تتفحت الأشياء أمامي لأبصرها بعين أخرى، كأنني كنت لا أرى من قبل، أو كأنني كنت أبصر الأشياء بالمقلوب! تُدهشنا الحقيقة عندما نبحث عنها، ثم نكتشف أنها هي من تبحث عنا، وهي من تجدنا دائماً. نفهم أن الكون يسير وفق خطة متقنة، دون أن تكترث بعشوائيتنا وتخبّطنا، وكل تصوّراتنا البلهاء. لأنك حين تعتاد الضجيج؛ يُؤرقك الهدوء!

    أفهم الآن سر بعض ما خفيّ عني، وأتقن حرفة التصنّت على الحواس. أعرف أنه لن يُفيد كثيراً، ولكن ذلك خير من القول بعبثية الحياة وهيلمان الحظ. كل الأشياء –في هذه الدنيا- متزنة وفي مكانها الصحيح، حتى تلك الفواجع والمضرّات، والمصادفات مرتبة أبجدياً ومُخطط لها من قبل!

    للكون سرّه الخاص، والأشياء تفصح عن قداستها، وتزخر بالتلميحات وكلمات السر المخبأة بغير إحكام في كل ما نراه؛ ولكننا لا نرى ولا نفهم. ربما أضرّتنا إنسانيتنا، ولم نستطع أن نكون كما يُريد الكون لنا أن نكون. أن نرى في كل هفوة إشارة للملكوت الخاص.

    آه! كم أننا أغبياء حين ندعي الفطنة والمعرفة! نحن لا نعرف شيئاً عن ذواتنا، ولا نعرف عن الحياة إلاّ ما نريد أن نوهم أنفسنا بأننا نعرفه. نتشاجر مع الحقيقة كأنها عدو أبدي، وشيطان يحمل جميع التناقضات. كم أننا ساذجون حين نسأل دائماً عن الحياة، وعن سرّها؛ كأننا لم نخلق إلاّ لنحلّ الألغاز! الآن فقط أعرف أن الحياة سهلة ومعقّدة كسحّاب بنطال.
                  

10-31-2009, 01:11 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    يقول لنا العارفون: "إن الإنسان كلما كبر تكشفت لديه الأشياء بصورة جلية، وكلما تعلّم شيئاً جديداً كلما اقترب أكثر من الحقيقة. كل يوم ينضج الإنسان وتنضج أفكاره ورؤيته للكون ولمن حوله. وتلك هي فلسفة الكينونات العليا، وسر ولعنا بالبحث والتساؤلات اللانهائية." وأنا أقول: "إنه كلما كبر الإنسان كلما ابتعد عن الحقيقة، وكلما تعلّم شيئاً جديداُ كلما قلّ رصيده المعرفي. وكلما نضج كلما كان أكثر بلاهة وسذاجة!"

    أقول الآن: "إنه إذا تمكن الإنسان من إمساك الحقيقة من قرونها الغليظة فسوف يُصبح كائناً خالداً." ربما لم تكن المعرفة الحقة وهماً، بقدر ما أنّ الجهالة الكاملة قانون له سطوته. نحن نعرف بقدر ما أكله الأبوان من ثمرة المعرفة الأولى، ونفتقد الخلود بقدر ما كانا قريبان منه سابقاً. ياللإنسان! أمنذ ذلك الوقت وهو يبحث عن المعرفة والخلود ولم ييئس بعد؟

    لست بصدد التأريخ لحياتي؛ فهي بلا قيمة، ولكن اكتشاف نفسي كان مفاجأة أكبر من قدرتي على الإندهاش. ضحكتُ كثيراً من قبل على كل ما كان يدور حولي من متناقضات، كنتُ أظن أنها فوضى مفضية إلى فوضى أكبر، وكنتُ أشعر بالأسى حيال نفسي والآخرين لأننا ندور في حلقة مفرغة، داخل متاهة نخلقها بأنفسنا؛ أعرف الآن أننا لا نخلق الفوضى، وأن الفوضى ليست سوى نسق كوني فائق النظامية، وأنها تشدنا إليها بحنو لا نستشعره.

    كنتُ أظنني ولدت في الزمن الخطأ، وأن كل من حولي ليسوا سوى مهرجين جهلة، وكائنات بيولوجية لا تتقن غير حرفة الجنس والتغوّط. تدثرت بالفلسفة من جهل هذا العالم، وتساءلت: "ما هو واجب الإنسان المقدس؟ معرفة نفسه أم معرفة الكون الذي يعيش فيه؟" الآن أعرف أن واجبه الأكثر قداسة هو ألا يعرف، وأن الجهل بداية العلم ومنتهاه.
                  

10-31-2009, 01:12 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    ساعدني ذلك كثيراً في التخفيف من شعوري بالسخط تجاه نفسي، والإحساس بالاعتدال والتوازن. إنه شعور قد لا يستشعره إلاّ ممتطو الحبال والسائرون عليها في عروض السيرك المثيرة، الذين يحتالون على قواقع الأذن الوسطى، ويحاولون محاكاة أضدادهم. الإنسان يهوى ألا يكون نفسه، يعشق أن يتحدى ذاته وقدراته؛ ليس لأنه كائن راق ومتميّز، ولكن لأنه يعلم –فطرياً- أنه يُشبه هذا الكون بطريقة ما، فيحاول أن يتسق مع ما يُحس.

    نسعد كثيراً بمنجازات الإنسان العلمية، واختراعاته المذهلة، ولكننا سوف نصاب بالإحباط عندما نعلم أن دافع الإنسان للعلم والمعرفة، هو إحساسه بالغيرة من بقية الكائنات! يحاول الإنسان أن يُقلّد الطيور والأسماك والضفادع ويستلهم ابتكاراته الكبرى من أتفه الحشرات. يدعي أنه يسنّ القوانين والشرائع، وفي الواقع هو يستوحيها من الطبيعة. الكائنات تشعر بالراحة لأنها متسقة مع الطبيعة ومتناغمة معها، ومأساة الإنسان الوحيدة أنه يُصارعها ويتحداها ويوهم نفسه بالانتصار عليها.

    ماذا أضاف الإنسان لهذا العالم؟ أنا أقول: "لم يضف شيئاً على الإطلاق." هو إما يكتشف أشياء موجودة، أو يدعي اختراع قوانين تعمل بمفردها حتى دون علمه بها، أو يخترع أشياء يستوحي فكرتها من هذا العالم المدهش من حوله. نحن خديعة كبرى؛ إذ أننا نحن من يسن القوانين ويلتزم بها، ثم نكتشف مدى فجاجة القوانين، فننسفها ونسن قوانين غيرها.

    الأشياء جميعها ليست ذات قيمة، أو أنها جميعها ذات قيمة، ولكن الإنسان هو من يوهم نفسه بتقييم وتثمين الأشياء حسب قوانين خرقاء! هو من افترض نفاسة الذهب على الفحم، وهو من قدّر اعتلاء الروح على الجسد، وهو نفسه الذي صنع الورق وثمّنه وأسماه عُملة.
                  

10-31-2009, 01:13 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    الإنسان هو الوحيد الذي يُصدّق أن بعض الكائنات تتغوّط جواهر؛ ولذا نعتبر اللؤلؤ نفيساّ وذى قيمة، ونعتبر أن عرق الحوت عطر! كلنا واهمون، وكلنا يُحب أن يعيش داخل هذا الوهم ويُصدّقه.

    كلما تكشّفت الأسرار أمامنا، كلما اكتشفنا مدى الضآلة. وكلما أحسسنا باقتربنا من الحقيقة، كلما اكتشفنا مدى وهمنا الذي نغرق فيه، ورغم كل ما ندعيه من معرفة وحكمة؛ إلاّ أنّ الوهم يظل هو الحقيقة الوحيدة الكاملة والمطلقة.

    أدهشتني التفاصيل أوّل الأمر، ثم أدهشتني الكليّات! لم أكن أعلم أن هذا الشيء أعمق مما كنتُ أتصوّر. اكتشفت آخر الأمر أننا لا نعرف إلاّ قشور الأشياء، بينما تحتفظ الأشياء بأسرارها طازجة ومغرية وأصيلة. فقط عندما تتوّحد الأشياء نعلم مدى بلاهتنا وغبائنا.

    بينما كان روبن سينجر يحتضر، كنتُ أقول في نفسي: "ها هو يموت الآن بعد أن حقق كل أمنياته!" كنت كالبلهاء أبتسم في وجهه محاولة أن أنقل إليه عدوى الابتسام، ولكنه كان أحذق مني، حتى وهو على فراش الموت! كانت الحمى تعقد لسانه، ولكن عينيه قالتا لي الكثير.
                  

10-31-2009, 01:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    كنتُ أعلم أنني سأحزن عليه، كما حزنت على أصدقاء ارتحلوا من قبل. وبعد بضعة أيام سأعود إلى الحانة التي في آخر الشارع، أحتسي الشمبانيا مع من تبقى من رفاق على قيد الحياة، نتبادل الضحكات، والفكاهات البذئية، ونتراشق بقشور البندق والفشار كالأطفال، ونردد كلمات الأغاني الصاخبة التي بلا معنى. ثم ننتظر أن نشيّع رفيقاً آخر من جديد.

    الآن فقط، أعرف أنني كنت ساذجة وحمقاء. الآن فقط، أعرف أن كل ما كنتُ أراه لم أكن أبصره. إنّ الأمر أشبه بمن يقبض بزمام فرس تجرّ ورائها عربة فارهة، يسير بهما ميلاً دون أن يُفكر أن بإمكانه أن يقود الفرس وهو راكب على العربة، ثم يشتكي من وعورة الطريق!

    بعض ما جرى هنا، عشته وتدخلت في تفاصيله المؤلمة والمشوقة، وتلك المملة والسخيفة، ولكن لم يدر في خلدي -وأنا أبحث عن مجدي في الكتابة- أنّ ما أعرفه وما أعايشه سيكون روايتي الأولى والأخيرة. عندها عرفت لماذا كانت "مائة عام من العزلة" أجمل ما كتب ماركيز، ولماذا كانت "شيفرة دافنشي" أروع ما قرأت لدان براون، ولماذا أعتبر الكثيرون "جذور" أليكس هايلي ملحمة إنسانية؛ لأنها جميعاً كانت تتسم بالصدق.

    ولكن!
    ماذا عن أخلاقية الكتابة حول هذه القصة؟ هل أشتري مجدي المتوقّع بخيانة مؤكدة؟ كيف سأتخلّص من لعنات الضمير المتلاحقة التي سوف لن ترحمني ليلاً، فتظل تطاردني كأشباح موتى ناقمة، حتى أستسلم لرغباتها المجنونة، وينتهي بي الأمر ملقاة من هاوية صخرية سحيقة، أو معلّقة على جذع شجرة بلّوط عتيدة، تُؤرجحني الريح كورقة قنّب هزيلة وذابلة؟
                  

10-31-2009, 01:33 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    تابع: مقدمة لابد منها

    منذ أسابيع وأنا غارقة في فضولي، ومنهمكة في ترتيب الرسائل والصور والأرواق المطبوعة التي وجدتها داخل صندوق بائس في خزانة الملابس، ولا أدري كيف انتهى بي هذا الفضول الساذج إلى رغبة في الكتابة فيما بعد؟ بل وكيف تحوّلت تلك الأوراق والصور والرسائل إلى قصة متكاملة يُمكن لها أن تعيش كما أراد لها أبطالها؟ لا أعلم! ولكن ما أثق به: أنّ هذه المصادفة لم تكن من أجلي ولاشك.

    أتساءل عن جدوى نشر هذه القصة الآن، وأنا أبدو كإحدى عرائس القماش المربوطة بخيط رفيع إلى يد ماهرة الحركة. دمية تلعب دورها في فصول قصة لا تعلم عنها الكثير. دمية ترقد بسلام في صندوق الدمى بعد أن يُسدل الستار، دون أن تعلم أن ثمة حكاية عظيمة، وراء هذا الستار المخملي الأحمر. يالضآلة الذات، وتفاهة الملذات!

    إنّ من واجبي على نفسي كي لا تسبّني أيها القارئ الكريم، وحتى لا تنهال عليّ باللعنات، أنّ أوضحّ جزءاً من الحقيقة؛ فكل ما ستقرأه هنا لم أكن أعرفه قبلك إلاّ بعدة أسابيع فقط، رغم أنّي عشتُ في أولها منذ سنوات. إنها قصة يحق لك أن تقرأها كيفما تشاء، وأن تشعر بها أو ألا تفعل، وأن تعجبك أو أن ترمي بها في مكبّ النفايات، فقد جمّعت فصولها من سلّة المهملات على أيّة حال!

    كارولين باركر
    روائية خائنة
                  

10-31-2009, 01:20 PM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    شكراً يا هشام، إن شاء سابتاع هذه الرواية ومعها روايتك الأخرى السيدة الأولى
    وإلى الأمام سر
                  

10-31-2009, 01:49 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: النذير حجازي)

    الحبيب: النذير حجازي

    أشكرك على الاهتمام وأتمنى أن تنال الرواية ولو قسطاً من إعجابك
    وللفائدة فإن رواية السيّدة الأولى ورواية أرض الميّت متوفرتان على
    موقع النيل والفرات


    غلاف رواية السيّدة الأولى
    The First Lady Cover

    متوفر في الأسواق اللبنانية وبعض الأسواق العربية
    سعر الشراء في الأسواق = 4.50 دولار
    سعر الشراء عبر الإنترنت = 4.28 دولار

    لشراء نسختك اضغط هنا



    غلاف رواية أرض الميّت
    Land of The Dead Cover

    سعر الشراء في الأسواق = 10.20 دولار
    سعر الشراء عبر الإنترنت = 10.20 دولار

    لشراء نسختك اصغط هنا

    لكَ خالص الود، ومتابعة شيّقة
                  

10-31-2009, 02:33 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفصـــل الأول

    ( من روبن سينجر إلى إيميلي سميث )
    الأربعاء: 22 يوليو/تموز 2000

    عزيزتي إيميلي ...
    عندما تجدين هذه الرسالة التي وضعتها لك فوق جهاز تسخين الماء -أول شيء تستخدمينه صباحاً لتحضير القهوة- سأكون قد وصلت إلى مطار لوس أنجلوس "لاكس". لقد قررت السفر بعدما سئمت سخريات الأصدقاء من حولي ونعتهم لي بالفاشل، وسئمت كوني شخصاً عابراً في هذه الحياة.

    كثيراً ما أشعر بنفسي كاللحمية الزائدة في جسم هذا الكون المتعاظم، والمتحرّك بعفوية القوانين الطبيعية الدقيقة، زائدٌ بحيث لا يتغيّر الكون بوجودي، ولا يتأثر بغيابي. ربما كنتُ نقطة ماء مالحة في فيضان نهر المسيسبي العذب، أو حرباء متخفية في غابة تعج بالكائنات التي تواجه مصيرها بشجاعة. لا يهم، ولكنني شيء لا يُذكر!

    أعلم أنّك الوحيدة التي لا ترى فيّ ما يراه الآخرون، أو ترى فيّ ما لا يرونه، ولكنني سئمت فعلاً، ولم يعد بمقدوري تحمّل المزيد. فكّرت كثيراً في وضع حلّ جذري لمعاناتي النفسية التي لطالما حرصت على أن أبقيكِ خارج إطارها المؤلم.

    كنتُ كل يوم أكره نفسي أكثر؛ هل تعرفين هذا الشعور؟ أن يكره الإنسان نفسه؟ إنه شعور مؤلم وجارح جداً، يُشبه تماماً أن يطعن الإنسان نفسه بمدية حادة يصنعها بنفسه لهذا الغرض. أو كمن ينام بملء إرادته بين أحضان وحش قد يفترسه في أية لحظة. يُصبح الجلد –عندها- خرقة بالية كتلك التي يتدثر بها المتسولون في الشوارع.
                  

10-31-2009, 02:35 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    فكّرت في الانتحار، ولكنني خشيت الألم الذي سوف يسببه لك ذلك؛ وما أكثر الذين قرروا التخلّص من حياتهم فجأة دون أن يضعوا الآخرين في حسبانهم. ولكي أكون صادقاً معك: فإنني خشيت الموت نفسه. تخيّلته وحشاً بشعاً، بأنياب طويلة وقاسية يفترس –دون رحمة- قطعة شكولاته كانت يجب أن تكون في فم طفل جميل ووادع!

    ربما لم تكن حياتي حياةً لي فقط، وربما كنت محباً للحياة، ولكنني لم أعرف كيف أستمتع بها. وكيف يُمكنني التمتّع بما لا أملكه؟ هكذا أعتبر نفسي غريباً في الديار التي من المفترض بها أن تكون وطني! نعم أنتمي لها، ولكنني لا أستشعرها، وكنتُ أتساءل دائماً: "هل النجاح والفشل هما اللذان يُحددان الانتماء أو الإحساس به؟"

    تذكرين روبرت وول الذي وجدته عائلته في مغطس الحمّام، وهو غارق في دمائه بعد أن قطّع أوردة ساعده الأيسر؟ كل الذين عرفوه حزنوا عليه كثيراً؛ فقد كان طيّباً وخدوماً، ورغم ذلك كان البعض يتهامسون سراً في جنازته ويؤكدون شذوذه الجنسي، وقال البعض الآخر: "إنه أصيب بالإيدز الذي نقلته إليه فتاة من سان فرانسيسكو عاشرها بعد أن رآها في صالة للرقص العاري"؛ وتعجبّت كثيراً لهذا التناقض. هل تعلمين أننا أُناس مختلفون عند الآخرين؟

    نحن على الرغم من كل عفويتنا، وبساطتنا، وما نعرفه عن أنفسنا، وما نتعامل به مع الآخرين، وما نعرفه، وما نجهله مما يُشكلنا ويخلق ذواتنا الخاصة، فإننا -في نظر الآخرين- أناس آخرون غير هذه الذوات التي نعرفها تماماً.
                  

10-31-2009, 02:38 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    ذلك الرجل أديسون ميلر -الذي طالما اعتبرته كريماً- وجدتُ صديقاً يصفه لي بالشُح والبخل، وفريدا فوينتوس السيدة المكسيكية التي تسكن في نهاية الشارع، كنتُ أراها دائماً تُطعم القطط الجائعة، وتقيم لهم كل أسبوع وليمة فاخرة من الساردين والماكريل؛ لم أصدق عندما قبضت عليها الشرطة، لأنها قتلت زوجها بضربة فأس على مؤخرة رأسه!

    لم يسأل أحد عن سبب انتحار وول؛ ربما تساءلت أمّه، ولكنه لم يكن سؤالاً محرّضاً على الإجابة بقدر ما كان سؤال إشفاق لا أكثر؛ فعرفتُ أن انتحاري قد لا يعني أحداً. أنا أحب الحياة، ولكنني لا أحب حياتي بالتحديد؛ وهاأنذا أسعى إلى تغييرها.

    لقد تخيّلت نفسي وأنا مكانه، غارقاً في بحر دمائي في مغطس الحمّام، أو متدلياً من غصن شجرة، أو طافياً على سطح نهر، والناس من حولي يبكون بدموع التماسيح، ويطلقون عليّ الشائعات؛ قلت في نفسي:"إذا كان وول –الفتى الطيّب- لم يسلم من الشائعات بعد موته، فماذا سيقول الناس عنّي؟"

    غمّتني –كذلك- تلك الخيالات التي عبرت ذهني للحظات، وجعلتني أتراجع عن فكرة الانتحار، ورأيت أنّ قرار السفر أنسب بكثير، وأخفّ وطأة. سوف تحزنين بقدر حزني الذي فاجأني عندما خطرت لي الفكرة لأول مرّة، ولكن لم يكن ثمّة حلّ آخر أكثر إيجابية.
                  

10-31-2009, 02:40 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    أجل! تماماً: هذا يعني أنني فكّرت في هذا الأمر من قبل، والواقع أنني كنت قبل سنوات منشغلاً بالبحث عن حلول لهذا الوضع، غير أني لم أشأ أن أطلعكِ عليه لأنني كنتُ أعلم رأيك مسبقاً، وحاولت أن أقنع نفسي كثيراً بأن الأمر قد يُحل بمعجزة قبل أن أنجح في السفر.

    تذكرين عندما قبلت العمل مراسلاً في إحدى المصارف مقابل ثمانية وثلاثين دولاراً؟ كانت بالكاد تكفي لسداد ديوني المتراكمة، أو قضاء سهرة لطيفة معك في ملهى هايد الليلي.

    سئمت كوني متطفّلاً عليك إيميلي، لقد قالها أحدهم في وجهي صراحة عندما تعاركنا ذات يوم ونحن ثملان: "ما أنت إلاّ متطفل على النساء!". أتعلمين إلى أيّ حدّ قد يكون ذلك مؤلماً بالنسبة إليّ؟

    عندها هاتفني شخص ما، مما وراء الإدراك قائلاً: "أعلى هذه الحال تريد أن يجدك يسوع عندما يأتي؛ عاطلاً ومتطفلاً على النساء؟!" فتعاظم إحساسي بالضآلة. أعرف أنّك لا تفكرين بهذه الطريقة، ولكن لن تستطيعي أن تشعري بما يختلج داخلي وأنا أرى تلك النظرات الساخرة في أعينهم كلما هممنا بالدخول إلى شقتك؛ كنت أحس بنظراتهم حتى دون أن أتوجّه بنظري إليهم.



    +

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-31-2009, 02:41 PM)
    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-31-2009, 02:41 PM)

                  

10-31-2009, 02:43 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    هل تعلمين إلى أيّ مدىً قد يبدو الأمر محرجاً وأنا أكاد أسكن معك بشكل دائم، دون أن أدفع عنك فواتير الكهرباء والهاتف أو حتى دون أن أساهم في دفع نفقات المعيشة؛ ولو من باب المجاملة الكاذبة؟ كيف لا أعتبر نفسي عبئاً عليك في كلّ مرّة أراك تتشاجرين فيها مع عامل الصيانة بسبب تعطّل فتحات التهوية مرتين في الأسبوع على الأقل؟

    كيف لا أعتبر نفسي متطفلاً وأنا أراك تعودين يومياً من عملك لتذهبي مجدداً للتسوّق وشراء مستلزمات البيت، إضافة إلى مستلزماتي الخاصة: السجائر، والشراب، ومعجون وفرشاة الأسنان، وحتى الملابس الداخلية؟ ثم لا تنسين أن تضعي لي نقوداً تحت وسادتي قبل أن تغادري إلى عملك صباحاً.

    لقد سئمت من حياتي هذه إيميلي؛ قد يبدو الأمر اعتيادياً لصديقين حميمين يملكان الرغبة الجادة في أن يعيشا سوياً، ولكن الأمر –فعلياً- ليس كذلك. إن ما نؤمن به وما نعتقده ليس بالضرورة هو الصحيح، وليس كل صحيح قابل للتحقق والتطبيق.

    في جانب ما من وعينا المغيّب تسكن تلك الكلمات الجارحة إيميلي. هل تذكرين عندما تشاجرنا تلك الليلة؛ لأنك شاركتِ في حفلة التخرّج، عندما تطوعتِ للجلوس على كرسي التقبيل، وتدافع الجميع لتقبيلك مقابل دولار واحد، ورشّة من قنينة الشمبانيا؟ ذلك اليوم عندما انتقدتُ تصرّفك، واعتبرته مساساً بكرامتي، صرختِ في وجهي وأنت تنعتينني بالعالة؛ أعلم تماماً أنكِ ستدافعين عن نفسك، وتقولين: إنكِ كنتِ ثملة ولا تعنين ما قلتِه، وأنا أيضاً ربما لا أعني ما أقوله الآن؛ غير أني لستُ ثملاً إيميلي!
                  

10-31-2009, 02:46 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    كثيراً ما كنت أتسكّع في طرقات المدينة المهولة والمخيفة مساءً كي أوفّر حصتي من العشاء. إنه تفكير مجنون، أعلم ذلك، وأذكر أنك كنت تلومينني على عشائي في الخارج، وتركي إياكِ تتناولين العشاء بمفردك؛ لقد كانت كذبة تلك التي كنت أوهمك بها؛ كنت فقط أريد التخلّص من ذلك الإحساس القاتل بالطفيلية في كل مرّة أتهرب فيها من وجبة العشاء مساءً.

    كم تمنيت أن أكون ذلك الشخص الذي تفخرين به أمام صديقاتك وزملائك في العمل؛ أولئك الذين كانوا يأتون لزيارتك بين الحين والآخر، أن أكون شخصاً مرموقاً ومحترماً أمام الجميع. إنه شعور جميل ذلك الذي لم أشعره قط: أن تكون شاباً تفتخر به صديقته أمام الجميع، ويحسدها عليه صديقاتها.

    الآن أتذكر ذلك اليوم الذي كنتِ تتحدثين فيه عن إحدى زميلاتك في العمل وعن صديقها الذي تسكن معه في ذات الشقة: كيف أنّهما يقضيان أعياد الميلاد المجيدة في باريس كل عام. تحدثتِ عن إعجابها المفرط بكرمه ورجولته وفخرها به؛ تمنيت عندها للحظات لو كنت مثله بالنسبة إليك.

    هذه الأشياء تزعج الرجال كثيراً. كل رجل يريد أن يشعر أمام فتاته بأنه الأكثر كمالاً في كل شيء، حتى وإن كان ذلك مخالفاً للحقيقة؛ يكفيه فقط أن يشعر بذلك، ولا أسوأ لدينا من الإحساس بالعوز.
                  

10-31-2009, 02:50 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    توصلت أخيراً إلى نتيجة مرضية: إنّ الرجولة أكثر صعوبة من ركوب الأمواج للهواة المبتدئين! هو أمر سخيف بل هو أكثر سخافة من مراقبة ليلة حميمة بين زوجين من شقٍ في الجدار، ورغم ذلك لم أتمنَّ أن أكون أنثى؛ ليس لشيء ولكنني فقط أحسست بأنني سأكون أنثى فاشلة كذلك.

    سأخبرك بشيء آخر قد يصدمكِ أيضاً: هل تعلمين أنني كنت خجلاً من ذلك الوشم الذي وشمته على ذراعي وأسفل ظهري؟ كان ذلك في فترة ما من مراهقتي، عندما كان الوشم يعبّر عن إحدى مغازي الرجولة والفحولة وسبيلاً للتميّز؛ لذا فإنني اخترت وشم التنين الخرافي المهول. تقول الأسطورة إنه كان رمزاً للفحولة والخصوبة في الثقافات الصينية القديمة.

    أشعر –كذلك- بالخجل حيال الأقراط التي وضعتها في أذني عندما قدمت إلى لوس أنجلوس أول مرّة. نعم! إنني أشعر بالخجل حيالها. لطالما أعجبك ذلك، ولكنني لا أشعر بالارتياح إليها الآن، وكثيراً ما أشعر بالخجل لهذه الأشياء التي تدلّ على حقبة صبيانية خلت، ورغم ذلك فإنني لم أحاول نزع الوشم قط، كما أنني لم أنزع الأقراط عن أذني بعد.

    وفي هذا الصدد: فإن إحدى الأشياء الكثيرة -التي تجعلني معجباً بك- أنك لم تشوّهي جسدك الجميل بمثل هذه التفاهات، لا الأقراط التي في اللسان، ولا تلك التي في السرّة، ولا أوشام في أيّ مكان، ولا حتى تتفننين في حلاقة شعر العانة؛ كل شيء فيك طبيعي وجميل.
                  

10-31-2009, 02:52 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    هل نحن فعلاً أحرار فيما يخص جسدنا إيميلي؟ هذه نقطة شائكة بالفعل، ربما الآن فقط خطر لي هذا السؤال. جسدي هو هويتي، ونافذة تطل على الآخرين، لنا أن نتصور أيّ هيئة يجب أن تكون عليه هذه النافذة، وما الذي قد توحي به. دعينا من هذا الآن فهو أمر قد نناقشه في فرصة أخرى.

    عندما كنت أتسكّع في شوارع لوس أنجلوس -شوارعها السرّية طبعاً، وليست تلك المأهولة بالأقدام الواثقة والمترفة- كنت أشعر أنني كيس نايلون فارغ تحرّكه الرياح عبر الطرقات، وفوق فتحات المجاري، وغرف التفتيش المنتشرة كبقع جدري على ظهر فتىً أوربي. أرى ناطحات السحاب الشاهقة فأحس بضآلتي أكثر.

    أشعر بأني أكاد أختفي من هذا العالم المليء بالحركة، وكأنني لست جزءاً أصيلاً منه. أرى السيارات الفارهة، والسيدات اللواتي يقدن البوميرينين بسلسلة وطوق مذهّبين؛ فأتمنى أن لو كنت مكانه. نعم! لا ضير أن أكون كلباً في يد سيدة ثرية؛ فالكلاب تحيا حياة مريحة.

    هل تعلمين كم يبلغ سعر هذا البوميرينين؟ إنه -في أسوأ الأحوال- يتجاوز الخمسة عشر ألف دولار؛ هل تصدقين ذلك؟ لك أن تتخيلي ما قد يفعله مبلغ كهذا لأمثالنا. كنت –وما أزال أتساءل-: "كم يدفع هؤلاء السفهاء لإطعام هذه الكلاب سنوياً؟ وهل سيأتي ذلك اليوم الذي يُطالب فيه هؤلاء الدولة بأن تتكفّل بهم، كما تتكفّل بأطفالهم؟" أمريكا بلد لا تحترم غير النساء والكلاب عزيزتي!
                  

10-31-2009, 02:54 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    العجيب أنّه في الشارع الموازي للشارع الذي تسير فيه تلك المرأة برفقة كلبها المدلل، كان أحدهم يتدلى داخل حاوية النفايات -كالقطط الضالة- بحثاً عن رغيف فرنسي متعفّن، أو بقايا تفاحة، أو بيتزا مأكولة، أو علبة سردين عجز الآخرون عن فتحها، أو رموها لأنها منتهية الصلاحية، وآخر وضع بعض الكراتين المستخدمة وفتحها ونام عليها، وتغطى بكومة من الأكياس والغرائر الرثة والبالية.

    لا أريد أن أتكلّم عن المفارقات العجيبة في هذه البلاد؛ فمفارقاتي أنا وحدي تكفي وتزيد، كما أنني لست شيوعياً؛ تعلمين أنني لا أهتم بمثل هذه الأمور، بل وأتجنّبها تماماً، كما أنني لا أحب السياسة والساسة بشكل عام. لا يُمكنك أن تتصوّري رأسمالية بلا استغلال للملكية العامة، أو اشتراكية بلا انتهاك للملكية الخاصة.

    هل تستغربين من أمنياتي المتناقضة كأحلام المراهقين: أعني كيف لا أتمنى أن أكون أنثى في حين أتمنى أن أكون كلباً؟ الكلاب تعيش في البيوت وكأنها فرد أصيل من العائلة، لا أحد يطالبها بالعمل والكسب أو حتى تسديد نفقات المعيشة، تعيش لتأكل وتشرب وتنام، وكل ما عليها فعله هو أن تنبح ليلاً في وجوه الغرباء، أو الركض لالتقاط الكرات. إنه لمن المحزن أن يحسد إنسان كلباً على معيشته، مفارقة؛ أليست كذلك؟

    يوفّر البعض لحيواناته الأليفة كل ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليه، حتى أنّ بعضهم يحرص على فحصها طبياً، ومراجعة الطبيب البيطري كل ثلاثة أشهر. هل تذكرين ماذا حلّ بي عندما أصبت بحمى الأنفلونزا ذلك اليوم؟
                  

10-31-2009, 02:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    كنّا -أنا و مايكل براون- نضع ماء الصنبور في الثلاجة لساعة ونصف الساعة ثم نسكبه في أوعية بلاستيكية صغيرة نستخدمها ككمّادات، فقط لأننا كنّا عاجزين عن الحصول على ثمن المضادات الحيّوية، أو ثمن مكعّبات الثلج. لم أكن وقتها قد انتقلت للعيش معك بعد، وكنتُ أقيم مع صديقنا مايكل براون البوهيمي البائس.

    أذكر أن ذلك كان في شتاء عام 1993، ولعلك تتذكرين ذلك الشاب ذا الشعر الأحمر المدعو فرانك ج. فاكتو الذي أصيب بتلف في بنكرياسه؛ فلم تقبل المستشفيات علاجه، بحجة أن اسمه مسجّل في قائمة المتهرّبين من الضرائب، رغم أنه كان ما يزال يبحث عن عمل؛ ومات –على ما أذكر- بعد ذلك بأسبوع واحد.

    عزيزتي، أنتِ أجمل الأشياء في حياتي لولا إحساسي المتعاظم بالدونية. أنتِ الوحيدة التي كنت أشعر إلى جوارها بإنسانيتي، لولا تلك اللحظات التي أصاب فيها بالحرج والخجل أمامك. ما أبشع أن يحس أحدنا بمثل ذلك أمام من يُحب! تعرفين عني كل شيء حتى تلك النكسات العظمى في حياتي.

    ما لا تعرفينه أنني كنت أتردد في الفترة السابقة على طبيب نفسي جراء ما عانيته في الآونة الأخيرة. أخبرني الطبيب أن ما أعانيه ليس مردّه فشلي الأكاديمي أو المهني فقط، بل أوعز ذلك لأشياء أسرية قديمة؛ هذا أمر آخر.
                  

10-31-2009, 02:58 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    لا أخفيك –عزيزتي- أنني صعقت عندما سمعت ذلك، ولكنه كان على حق. هل تعلمين كيف تمكنت من زيارة الطبيب؟ وفّرت مما كنت تضعينه لي من نقود تحت الوسادة كل صباح؛ واستغرق ذلك ستة أشهر.

    لم تكن أسرتي أسرة مثالية، ولم تكن علاقتي بها علاقة طبيعية قط. لم يحدث أن أخبرتك شيئاً عنهم من قبل. من الأفضل ألا تعرفي شيئاً عن هذا الأمر؛ فهو أمر مزعج وعديم الجدوى؛ المهم أنه وصف لي كتاباً لـ"أنطوان دو سانت" وأوصاني بقراءته، ونصحني بروايات لكاتب كولمبي يدعى "ماركيز"، قال: إنّه مفيد لحالات الاكتئاب.

    سخرت منه في بادئ الأمر؛ إذ أني –كما تعرفين– لست مهتماً بقراءة الروايات وما يتعلق بالأدب. ولكنه أصرّ على أنّ علاجي يكمن في القراءة؛ وأضاف أنّ طريقة البيبليوثيرابي مفيدة جداً في حالتي.

    ربما لاحظتِ اهتمامي بشراء الروايات في الأيام الأخيرة. يبدو أن البيبليوثيرابي لم يُجدِ معي نفعاً. على أية حال؛ ستجدينها في صندوق صغير داخل خزانة الملابس، ولو أنني أعلم أنّك –مثلي- لا تحبين قراءة تلك السخافات. يمكنك منحها لصديقتنا كارولين باركر؛ فهي تحب الروايات، أو يُمكنك بيعها إن أردت ذلك.
                  

10-31-2009, 03:01 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    لقد بحثت عن عمل لفترة طويلة، وأنتِ تعلمين أنني لم أكن متقاعساً في ذلك؛ فقد عملت في محطات البنزين، وجالب أوراق في النوادي الليلية، ومراسلاً في المصارف، وبيّاع تذاكر في مواقف السيارات العمومية، وموصّل طلبات في مطاعم الوجبات السريعة، وحارس مستودعات ليلي، ومطلق شائعات في البورصة، وسمسار خردوات؛ كما أنني أمضيت وقتاً مقدراً من عمري متسكّعاً في الشوارع! لم أعد قادراً على الاستمرار في حياة عبثية بلا هدف أو معنى إلى الأبد؛ فكان لابد لي من إيجاد حلّ جذري وسريع.

    تفجّرت فكرة السفر لديّ أول الأمر عندما أشار عليّ الحكيم مايكل براون -صديقنا المشترك- بذلك، وإمكانية أن يوفّر لي فيزا لدخول تلك البلاد. لم آخذ كلامه على محمل الجد في البداية، ولكن تخمّرت الفكرة لديّ تماماً عندما بدأ يحدثني عن تلك البلاد، والثروة التي يمكن أن أحصل عليها.

    ثمة أشياء كثيرة دعتني إلى أن أعيد التفكير في كلامه أكثر من كوني راغباً في الثراء؛ ربما عجزي عن مواصلة الحياة في مطحنة بشرية كبلادنا هذه، أو ربما لأنني لم أكن أريد سماع لقب "فاشل" مجدداً، أريد أن أكون في مكان لا يعرفني فيه أحد.

    عندما يخفق أحدنا في العد إلى الألف فإنه يضطر إلى إعادة العد من الرقم صفر مجدداً؛ وهذا ما نويت أن أفعله. تأخر قراري هذا لأني كنت أفكر فيما سوف تقولينه عنّي، وما سوف يخبرك به الآخرون؛ سيقولون: "إنه ضجر من معاشرتك كل ليلة، وإنه ربما كان على سرير امرأة أخرى غيرك الآن."
                  

10-31-2009, 03:06 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    سيقولون: "إنه ملّ معاقرة الأحاديث التافهة مع فتاة ثرثارة، وفضّل أن يرافق إحدى راقصات الإستربتيز؛ هنّ أكثر ثراءً وجاذبية على أيّة حال" كل هذا وأكثر أتوقع أن يُقال لك عني أو أن يدور في خلدك، ولكن إياك أن تصغي إليهم إيميلي. قولي لهم إنني سافرت في رحلة استشفائية؛ فهكذا أعتبرها.

    ذلك اليوم الذي أخبرتك فيه بأنني سأتغيّب عن المنزل لأيام، ذهبت إلى مونتانا حيث مزرعة الأسرة الوضيعة التي تبعد ميلاً عن بحيرة فورت بيك، ولا تتجاوز مساحاتها الفدانين. عرضتها للبيع بكل ما تحتويه: جرارين متهالكين من طراز ماسي فورجسن، وآلة لتشذيب الحشائش، وإسطبل خيول خاو إلاّ من الفئران والظرابين، وطلمبة بدائية لضخ المياه وأربعة خنازير هزيلة.

    لم تكن الأسرة راضية عن بيع المزرعة، ولكن أحداً لم يستطع إقناعي بأهميتها المادية لنا؛ إذ لم تكن تُفيد في شيء، كانت مجرّد إرث أسري قديم، والبرهان الوحيد على برجوازية قديمة بائدة، وحوزتنا أراض وممتلكات؛ فبعتها على الفور، ووفرت ثمنها لشراء التذاكر وبعض المستلزمات الضرورية للسفر، وتركت ما تبقى للعائلة، بينما أصرّوا على الاحتفاظ بالخنازير. لم يكن أمامي إلاّ أن أفعل ذلك عزيزتي؛ وإلاّ فكيف كان لي أن أقرر السفر دون أن أمتلك ثمن الفيزا والتذاكر وبعض النثريات؟

    أسرتي الآن تعلم أنني سافرت خارج البلاد، ولكنها لا تعلم إلى أيّ البلاد سوف تكون وجهتي. وقفت فينيسيا -أختي الكبرى- لتحول بيني وبين ذلك، ولكنني لم أستمع إلى كلامها الذي كان يصب في خانة النصح الأسري الممل. كانت تتكلّم عن وحدة العائلة، والتكافل، وضرورة التواصل، وبعض القيم الآسنة والمندثرة أصلاً من قاموس الأسرة التي كان يعولها أب نزلق متسلّط، شديد الرعونة، وحُكم عليها بالفناء برحيله الغامض.

    الكلام عن أسرتي –كما أخبرتك- يطول شرحه؛ فثمة عداءات قديمة لم أخبرك بها، وربما سأفعل ذات يوم؛ ولكن لكِ أن تعلمي أنه لا يوجد فرد من أفراد هذه الأسرة يدفعني حرصي عليه إلى أن أعدل عن قرار السفر؛ كنتُ فقط أفكر فيكِ عندما قررت ذلك.
                  

10-31-2009, 03:14 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    أمر آخر يتقافز في ذهني الآن كخفاش أعمى، ولا أدري هل ينبغي لي أن أفشيه أم أحتفظ به وأكتفي بذلك؟ تكرهين مثل هذه الأمور أليس كذلك؟ أعرف أنّك لا تحبين المفاجآت، ولا تحبين الأحاديث المبتورة أو المجزأة؛ لذا سأخبرك:

    في إحدى ليالي الشتاء، عندما أخبرتك برغبتي في البقاء خارج المنزل لفترة طويلة، ظللت أتسكّع –كالعادة- في الشوارع والطرقات. جلست على إحدى الأرائك الخشبية في منتزه جريفيث. كان المنتزه يعج بالناس والأطفال والمهرجين وبائعي البالونات والفشار وموظفي الأمن، وكنت كشبح هامد وسط كل ذلك، كأنّ أحداً لم يكن يراني.

    كنت أراقب الناس من حولي وهم يهرولون أو عائدين من ملعب التنس، وأراقب المارين على دراجاتهم الهوائية أو الصبية وهم يمتطون ألواحهم الخشبية، والفتيات المتزلجات على الرولر سكيت، والأمهات الراكضات وراء أطفالهن المشاغبين مفرطي النشاط، وبعض الزنوج البؤساء بملابس وإكسسوارات غريبة، وهم يحملون جهاز تسجيل تنطلق منه إحدى أغنيات بوب مارلي الإيقاعية، ورجال ونساء جالسون على الأرائك الخشبية منهمكين في القراءة.

    قلت في نفسي: "هؤلاء لا يشتكون من أيّ همّ"، شعرت بالوحدة والضجر، ورأيت أغصان الأكاسيا تمتد كأذرع قاتل مأجور لتخنقني، ولكنني لم أرغب في النهوض من مكاني. فكرّت كثيراً أين يمكنني أن أذهب. لم أكن أنوي العودة تلك الليلة، ولكنني لم أجد مكاناً آخراً ألجأ إليه.
                  

10-31-2009, 03:16 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    كان مايكل براون يواعد فتاة سوداء في شقته، ولم يستطع أن يستقبلني تلك الليلة، فقررت العودة إليك مرة أخرى. لم أعرف الشخص بالتحديد، ولكنه كان يرتدي معطفاً أبيض اللون، مطرّز عليه رسمة تنين كتلك التي تظهر في بعض أفلام جاكي شان، عرفت أنّك تواعدين شخصاً آخر؛ فقفلت عائداً. نمت في حديقة منزل مايكل براون الخلفية. لن تتصوري كيف كان البرد قارساً تلك الليلة.

    انتابني شعور بأن الضيق والغضب كانا يساعدان على احتباس البرودة داخل عظامي؛ مما جعل أسناني تصطك لاإرادياً ودون توقف كآلة ناسخة. أيقنت منذ تلك اللحظة أنّني رجل تافه، ولا أستحق أن أكون صديقك أبداً. لا أحنق عليك الآن، فأنت حرة فيما تفعلينه.

    كان مايكل يحكي لي قصصاً كثيرة عن أولئك الذين ذهبوا للعمل في بلاد العرب "خليج البترول" كما كان يسمّيه، وتذكرت على الفور تلك القصص والأساطير التي كنّا نقرأها صغاراً عن: كنوز الشرق، وبحور الأحجار الكريمة التي غرق فيها الرحالة والمستكشفون القدامى.

    لا ألقي عليك اللوم أبداً، فلطالما كنتِ كريمة معي؛ فقط أحاول أن أفرّغ حمولتي قبل السفر، فلا أريد أن أسافر وأنا ما أزال أحمل في قلبي نكاتاً سوداء على أحد.

    صلّي من أجلي، ومن أجل أن أُوفق فيما أنا ذاهب إليه؛ رغم أنني لا أتوقع أن يفارق الحظ العاثر طريقي حتى في بلاد الشرق، لقد ترددت كثيراً؛ لأنني أعلم أنّ تلك البلاد ليست آمنة أبداً، لاسيما بعد حرب الخليج الثانية، كما أنني أعلم مدى بغضك لهؤلاء العرب، وذكرياتك المأساوية معها، ولكن لن يكون بقائي أوفر حظاً من موتي برصاص غادر أو قنبلة موقوتة أو لغم أرضي.
                  

10-31-2009, 03:21 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    لا أنكر أنني خائف إلى الحد الذي لا يمكنني وصفه، ولكن أعرف أنّ الموت سيكون خيراً لي من حياة كالتي أعيشها هذه. وخير لي أن أموت على أن أنتحر. لقد تمكنت –بفضل مايكل براون- من إيجاد فيزا أكون بموجبها تحت كفالة أحدهم. لن أعمل لديه، بالطبع؛ فهو يتاجر بهذه التأشيرات، ويتخذها مصدراً للرزق، ولكنني سوف أبحث عن عمل بمجرّد وصولي هناك، وربما ساعدني هذا الشخص على ذلك.

    لقد قررت السفر، وعندما تجدين هذه الرسالة صباحاً سأكون في مطار لوس أنجلوس متجهاً إلى فرانكفورت لنمضي فيها ليلة كاملة، ومن ثم نتوجه إلى بلاد الشرق "بلاد علاء الدين والسندباد العربي."

    لا أصدق أنني سأفعل ذلك، ولكن اعتبريها مغامرة من ذلك النوع المجنون. لابد أنني سأحكي لأحفادي الكثير عن هذه الرحلة التاريخية المشوّقة، وسأحرص على أن أوثق هذه الرحلة بالصور؛ لذا فقد أخذت معي كاميرا تصوير رقمية من طراز أولمبيك.
                  

10-31-2009, 03:26 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الأولى

    بالتأكيد سوف أتصل عليك هاتفياً بمجرّد وصولي، وربما نلتقي ذات يوم على الماسنجر، وعندها يمكنك رؤيتي وأنا أتحدث بلكنة مختلفة عن المعتاد، وسأريك أين أسكن وكيف أعيش. لا تحاولي أن تبعثي لي رسائل عبر بريدي الإلكتروني فهو غير مفعّل الآن. ربما أضطر لفتح حساب جديد، وعندما أفعل سوف أزوّدك به.

    قبلاتي إليك عزيزتي وأمنياتي لك بحياة سعيدة خالية من المضجرات. لا تنسي أن تصلّي من أجلي رجاءً.

    ملاحظة:
    لأنني أعلم كم سأفتقدكِ، فقد أخذت صورتك التي تمتطين فيها دراجتك الهوائية عند نهر سانتا كلار في صيف 1990، أرجو ألا تغضبي لذلك، فقط أحسست أنني سأحتاج إليها معي.


    مخلصك إلى الأبد
    روبن سينجر
                  

10-31-2009, 03:32 PM

Rashid Elhag
<aRashid Elhag
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 5180

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)



    الأخ صاحب البوست: هداك الله وهدانا لما يحبه ويرضاه...
                  

10-31-2009, 03:38 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: Rashid Elhag)

    Quote: الأخ صاحب البوست: هداك الله وهدانا لما يحبه ويرضاه...
    ؟؟؟؟؟؟
    الأخ: رشيد الحاج

    الكلام ده جميل في محلو، أرجو تمسح المداخلة

    تحياتي




    +

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-31-2009, 03:39 PM)

                  

10-31-2009, 02:34 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20359

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الاخ هشام آدم ..

    ياخى الواحد سعيد جدا بيك وليك ..
    حتما سأسعى لاقتناءها

    محمد
                  

10-31-2009, 03:36 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: محمد حيدر المشرف)

    Quote: ياخى الواحد سعيد جدا بيك وليك ..
    حتما سأسعى لاقتناءها
    العزيز: محمد المشرّف
    ياخ ده من ذوقك ولأنك زول أصيل
    ويفرح أيامك ولحظاتك كلها

    تحياتي ليك
                  

10-31-2009, 03:41 PM

Rashid Elhag
<aRashid Elhag
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 5180

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    أمشي أمسح كلامك الفطير الكتبتو في بوستي أولآ
                  

10-31-2009, 04:50 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: Rashid Elhag)

    الفصـــل الأول

    ( من روبن سينجر إلى إيميلي سميث )
    الخميس: 23 يوليو/تموز 2000

    عزيزتي إيميلي!
    أكتب إليك الآن من مطار فرانكفورت (مدينة الخرسانة والنخيل)، كما يسميّها أهلُها. تصادف وصولي هنا احتفالات "صوت فرانكفورت" الذي يستمر لاثنتي عشرة ساعة فقط في مثل هذا الوقت من العام. الناس هنا طيّبون للغاية على عكس ما توقعت. لقد صادفت العديد من الألمانيين الذين زاروا بلادنا مؤخراً، وعرفت أنهم يعرفون عنّا أكثر مما نعرف عنهم نحن. إنهم شعب في غاية الترحاب والكرم.

    عرفت ذلك من خلال الترحيب والحفاوة التي عاملوني بها هنا؛ أخبروني أن فرانكفورت تسمى في بعض الأحيان بـ"مانهاتن" تيمناً بمانهاتن التي عندنا في نيويورك؛ لأنها تحفّ نهر الماين الوادع كعروس جميلة نائمة على سريرها بكل تعرّجات جسمها اللادن.

    كما أنني تعلّمت بعض الجمل الألمانية القصيرة التي ترددت على مسامعي ككلمات الترحيب مثل: Willkommen zu Frankfurt am Main التي تعني: "مرحباً بك في فرانكفورت" و: wie geht es dir التي تعني: "كيف حالك؟" و: Guten Morgen وهي التحية الصباحية التي تعني: "صباح الخير."

    إنها لغة صعبة وثقيلة على اللسان، ولكن تعلّم الأشياء الجديدة أمر مثير بالفعل. أحسست بالسعادة وأنا أساير هؤلاء الألمان في طريقة نطقهم للكلمات، وبدا لي الأمر في منتهى الصعوبة في البداية، ولكن وبالتعوّد وكثرة المران أصبح الأمر اعتيادياً؟ أعلم أنه سيكون أمراً وقتياً، وربما أنسى هذه الكلمات بعد حين، ولكن التجربة نفسها ممتعة.
                  

10-31-2009, 04:52 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    الطقس بارد جداً هنا، ورغم ذلك فإن الشوارع لا تكفّ عن لفظ الأقدام العابرة عليها. الأرصفة تعجّ بالحركة والأصوات، وكأنهم اعتادوا على هذا الطقس. لا أحد يمشي على مهل، كلهم مسرعون؛ الأمر الذي جعلني أتساءل: "إلى أين يذهب كل هؤلاء في مثل هذا الجو؟"

    ثمّة شعور غريب يخالجني وأنا ألتفت من حولي لأرى أيادي المكنكة الجبّارة تطال كل ناحية من هذه المدينة. إنهم أناس عمليون للغاية، ورغم تجهّم وجوههم التي توحي بالجلافة، إلاّ أنهم شعب في غاية اللطف.

    الأمر المدهش كذلك، أنني اكتشفت شيئاً جديداً؛ فهم أنيقون جداً، حتى أطفالهم! وعلى ذكر الأطفال فلقد رأيت مشهداً مثيراً للضحك في الصالة الرئيسة للمطار، إذ كانت ثمّة طفلة تلعب على السلالم الكهربائية المتحرّكة صعوداً ونزولاً، عندما أشارت إليها أمّها بالنزول؛ لأن موعد إقلاع رحلتهما قد أزف.

    كانت الفتاة عندها تسير في السلّم الذي يتجه إلى الأعلى، ولكنها بإذعان الأطفال البريء حاولت النزول من ذات السلّم، فبدت وكأنها لا تتحرك من مكانها، كلّما نزلت درجة، كلّما صعد بها السلّم الكهربائية درجة أخرى. كان السلّم يأخذها إلى الأعلى وهي ما تزال مصرّة على النزول، وعندما لاحظتْ أنها لا تصل إلى الأسفل، أخذت تبكي!

    كان منظرها مضحكاً، وهي تبكي بكل براءات الأطفال التي عرفتها، ورأيتها وقرأت عنها. ظلّت كذلك؛ إلى أن مدّ رجل في الطرف الآخر من السلّم يده إليها وحملها إلى حيث السلم المتجه إلى الأسفل.
                  

10-31-2009, 04:53 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    تعرفت على بعض الألمانيين، ولم يكونوا كما تخيّلتهم قط. أخذوني في جولة سريعة في المدينة. خرجنا من مبنى الركاب رقم (1) إلى محطة القطار الإقليمي الذي يربط أحياء المدينة بالمطار، ولم أنس أن ألتقط بعض الصور الفوتوغرافية لبعض الأماكن التي زرتها بالتأكيد: كنيسة القدّيس بولس، مبنى بنك كوميرز الشاهق والأكثر شهرة في المدينة، مباني الرومر التقليدية التي كانت تستخدم كمقر للمجلس البلدي المحلي بحسب إفادتهم، برج إيشنهايم، والأوبرا القديمة.

    في طريقنا مررنا بمنزل تقليدي، فسارع الجميع برفع قبعاتهم في احترام متكلّف عرفت فيما بعد أنه منزل الفيلسوف غوته. وتعجبت كيف أن هؤلاء الألمان يوقرون فلاسفتهم إلى هذا الحد.

    هذه المدينة -يا عزيزتي- ككرش حوت نهم؛ مدينة تلتهم مبانيها وسكانها وحضارتها وتاريخها حتى! كل الأشياء موجودة في مكانها، يعملون على ترميم ما تقادم منها. ويهتمون بالمتاحف إلى حدّ بعيد؛ فقد أروني متحف سينكنبرغ للتاريخ الطبيعي، ومتحف شتيدل، وقطعة التورتة؛ أقصد متحف الفن الحديث قرب الكاتدرائية.

    يسمّونه بقطعة التورتة؛ لأنه على شكل قطعة التورتة فعلاً. كما أروني المتحف اليهودي في قصر روتشيلد، قلت لأحدهم باستغراب: "لم أتوقع أن يكون لليهود متحف أو أيّ أثر هنا في ألمانيا!" فالتفت إليّ مبتسماً وهو يقول: "لو كان هتلر حيّاً لكنتَ أصبحت من أعز أصدقائه، ولكن نحمد الرب أنه قد قضى نحبه لتتنفس ألمانيا الصعداء".

    كل تلك المتاحف تقع مجتمعة في منطقة واحدة تدعى (رصيف المتاحف). كما مررنا بشارع غاية في الجمال، تنتشر المطاعم والمحال التجارية على جانبيه، ولدى سؤالي أخبروني بأنه يدعى شارع الزايل.
                  

10-31-2009, 04:54 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    إنها مدينة جميلة إيميلي. كم وددت أن تكوني برفقتي ونحن نتجول في شوارع فرانكفورت الجميلة والهادئة رغم اعتلاء مبانيها الزجاجية والأسمنتية لتذكرني في بعض اللحظات بتلك التي تنتصب في لوس أنجلوس بعنجهية غريبة.

    اللون البني بجميع تدرّجاته يطغى على المدينة؛ فهو لون الأبنية والمنازل والكنائس ومعظم المتاحف؛ ذكرتني بتلك المباني التي من العصور الوسطى. تعطيكِ هذه المدينة -للوهلة الأولى- يقيناً بأنها مصنوعة من المكعبات الصغيرة التي يلعب بها الأطفال؛ فالمباني منسقة في أشكال هندسية حادة جداً.

    أعطتني تلك المدينة انطباعاً أولياً بأنها تشبه الألمانيين الذين نعرفهم: أناس أجلاف، حادو الطباع، مكفهرون دائماً، لا يعرفون الضحك أو المزاح. لا أدري من أين تأتينا هذه التصنيفات غير الدقيقة عن شعوب العالم؟ ربما لن تصدقي ما أقوله عن الألمانيين، ولكن كوني على يقين من أن فكرتكِ عنهم ليست دقيقة أبداً.

    لقد أخبرنا موظفو المطار بأن الرحلة التالية ستكون صباح الغد، ولم يكن بإمكاني المكوث داخل المطار كل تلك المدّة. رافقني منذ البداية شاب ألماني يدعى بوشيدو، أخذني -بعد جولتنا في المدينة- إلى ضاحية زاكسنهاوزن؛ حيث يقيم هو وأسرته الصغيرة. أخبرني بأنه سميّ بهذا الاسم على اسم مغن مشهور لديهم. تخيّلي أنهم يعرفون أغاني الراب أيضاً! ألم أقل لكِ إنك لن تصدقي ما رأيته وتعلّمته في هذه البلاد؟
                  

10-31-2009, 04:56 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    قبل أنّ نذهب إلى هناك، سألني ما إذا كنت جائعاً. ولا أخفيك فقد كنت أتضوّر جوعاً، ولم ترق لي تلك الأطعمة التي يقدمونها على متن الرحلات الجويّة؛ تذكرني كثيراً بالوجبات الصحيّة التي تقدمها المستشفيات للمرضى. عندها أخذني إلى مطعم على نهر الماين، مقابل حديقة تدعى نيتزا التي تلفظ أسوارها أغصان أشجار السرو والصنوبر والموز.

    الألمانيون ليسوا متعصبيّن للغتهم كالفرنسيين، بل -على العكس- قد تجدين مائة لسان في فرانكفورت وحدها، وهم -على عكس الفرنسيين- يحبون التحدّث إلى الآخرين بلغاتهم، كما أنهم يحبون التعرّف على الثقافات الأخرى، ويقبلون عليها بنهم غير مسبوق.

    عندها لم أستغرب كيف عرفوا كل تلك المعلومات عنّا وعن بلادنا. لقد راودتني أفكار غريبة جداً وأنا أتمشى في شوارع المدينة، وأرى سكانها وزوّارها وحيواناتها الأليفة؛ خيّل إليّ أن القطط والكلاب في الشوارع ألمانية، وعندها قلت لنفسي: "هل تختلف قطط ألمانيا عن قططنا كثيراً؟"

    ربما كانت الحيوانات تعرف لغة البلاد التي تعيش فيها بطريقة ما، حتى أنها تستقي طبائعها من طباع سكانها؛ أليس كذلك؟ هكذا خيّل إليّ. أعرف أنها ربما كانت فكرة مجنونة، ولكن الأمر يستحق البحث والاستقصاء.
                  

10-31-2009, 04:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    مساءً، وقبيل غروب الشمس، طلب مني بوشيدو مراقبة مكعبات الأشعة المنعكسة على الماين آتية من مبنى السوق الكبير الذي على شكل تكعيبي تماماً. لقد هالني المنظر، وأحسست أن ذلك نوع من السحر المتقن. وهكذا فإن المباني التي على نهر الماين تمتاز بخصوصية معمارية غاية في الروعة. معظم تلك المباني تتخذ أسلوب الباوهاوس المستوحاة من فكرة (الحياة على النهر).

    إن ذكرياتي المصوّرة عن هذه المدينة الآسرة ليست دقيقة تماماً، أو هكذا أظنها؛ ربما لأنها المدينة الأجنبية الوحيدة التي أزورها. كما أنني لم أتوقع أن أجد معماراً راقياً في فرانكفورت إلى هذه الدرجة.

    فكرتي عن ألمانيا عموماً كانت فكرة بدائية مرتبطة بالحرب العالمية الثانية، وقصص أدولف هتلر التي نعرفها كما يعرفها الجميع. لم أجد له تمثالاً واحداً في الميادين العامة كما كنت أتوقع، وعندما سألت عن ذلك أخبروني وفي وجوههم ابتسامة عريضة: "لن تجد له إلاّ تمثالاً واحداً من الشمع بالحجم الطبيعي في متحف برلين."

    تعجبّت كيف لا يحتفي الألمان بقادتهم، ولكنني في الوقت ذاته استحسنت فكرتهم كثيراً؛ فما من بلد إلاّ ويمجّد رموز دكتاتوريته وأكثر شخصياته دموية على مرّ التاريخ: كراسوس وبومبيوس الكبير في روما القديمة، وموسوليني في إيطاليا، وماكسمليان رويسبير ونابليون بونابرت في فرنسا، وفيدل كاسترو في كوبا. ما من شعب يحتفي بدكتاتوريّه إلاّ وكان عاراً على تاريخ البشرية.
                  

10-31-2009, 04:58 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    ثمّة أمر غريب في هذه المدينة أيضاً؛ فنادراً ما ترين زنجياً في الأرجاء، حتى الذين قد ترينهم مصادفة لا يكادون يشبهون زنوج أمريكا في شيء. تعرفين ماذا يرتدي الزنوج عندنا، وكيف هي مشيتهم، وكأنهم كناغر مصابة في سيقانها.

    الزنوج هنا أثرياء ونظيفون؛ فلا تجدين تلك الزمرة التي تقود درجات نارية مخيفة الصوت، أو أولئك الذين يعلّقون الإكسسوارات والسلاسل الثقيلة على رقابهم، ومن ثمّ فجدران الشوارع نظيفة، لا تجدين عليها تلك التعليقات السخيفة، والألفاظ النابئة.

    يبدو أنني لن أسامح لينكون على ما فعله بأمريكا عندما سمح لأولئك العبيد أن يصبحوا مواطنين أمريكيين. كان يجدر به أن يأمر بعودتهم من حيث جُلبوا: إلى أدغال أفريقيا ومجاهلها حيث ينتمون. أسوأ الزنوج؛ زنوج أمريكا للأسف!

    أمضيت مع بوشيدو وأسرته أوقاتاً سعيدة للغاية. الأسرة مكوّنة من أربعة أفراد: دروسل، وزوجته أنجليكيا، وابنهما بوك، ثم يأتي بوشيدو أخيراً كأصغر الأبناء. وهذا البوشيدو الذي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً شديد الدماثة والظُرف، سمح لي بالمبيت في غرفته التي علّق على بابها -من الداخل- صورة كبيرة للمغنية مادونا، وأسفل الصورة توقيع يبدو أنه توقيعها. لم يداهمني الفضول هذه المرّة لأسأله من أين حصل على الصورة، أو ما إذا كان التوقيع توقع مادونا بالفعل. فقط اكتفيت بحسده افتراضياً.
                  

10-31-2009, 05:00 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    لاحظت أن الألمان -بشكل عام- شديدو الاعتزاز بشواربهم، أقول ذلك لأنني لم أصادف ألمانياً أمرداً فوق العشرين أو مهذب الشارب؛ يحبونه كثاً غزيراً. ونساؤهم أقل جمالاً.

    دروسل رغم طيبته المفرطة، إلاّ أن منظره لا يوحي بذلك أبداً. له عرجة مخيفة كعرجة القراصنة، ونظرات غامضة. عندما استقبلنا للمرة الأولى كان يرتدي معطفاً طويلاً وقبعة صوفية داكنة اللون. ذكرني مظهره برجالات الماسونية الفرنسية القديمة شديدي الحذر. كان لا يجيد الإنكليزية؛ لذا فإنني لم أتحدث إليه كثيراً، بينما أظهر بوشيدو مهارة ملحوظة في التحدث بالإنكليزية.

    عرفت منه بعد ذلك أنه يدرس في إحدى الجامعات الأمريكية؛ لا أدري لم حسدته على ذلك. قلت لنفسي كيف يعقل أن ألمانياً يأتي من دياره للدراسة في جامعاتنا دون أن أتمكن من فعل الشيء ذاته.

    هل تعلمين أن هنالك من قد يدفع كل ما يملكه من أجل الدراسة في أمريكا؟ بينما شاب مثلي قد يتهاون في ذلك بكل سهولة! لم أتحدث معه عن دراسته غير أني عرفت منه أنه يدرس شيئاً متعلقاً بالجيولوجيا.
                  

11-01-2009, 09:10 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    تتناوشني أحاسيس غريبة جداً وأنا في انتظار الإعلان عن موعد الرحلة التالية. ثمّة رهبة وخوف شديدان لا أجد لهما تفسيراً، وكثيراً ما أتمنى أن يعلن قائد الطائرة –عبر مكبّرات الصوت- اعتذاره عن قيام الرحلة. مضى الوقت سريعاً رغم كل الأحداث والمشاهد التي مرّت بي في هذه المدينة الوادعة.

    هل تصدقين لو قلت لك إنني أشتهيك الآن؟ أليست فكرة مجنونة؛ لاسيما في هذا التوقيت بالذات؟ إنها رغبة مجنونة بالفعل، ولكن ولّدتها لدي فتاة تشبهك كثيراً، رأيتها في المطار هنا، ربما لا تحمل ملامح وجهك، ولكنها تشبهك في مشيتها المثيرة، ولباسها القرمزي الذي ذكرني بلباسك الذي ترتدينه غالباً عندما تغادرين إلى العمل صباحاً.

    أذكر ذلك اليوم الذي استيقظتُ فيه لأجدك تستحمين، فداهمتكِ بالداخل ومارسنا الحب للحظات. أذكر أنك نعتني بالمجنون يومها. ولكنك كنتِ مستمتعة بما جرى؛ أليس كذلك؟

    كنا أنا وبوشيدو مساءً نقف في شرفة غرفته المطلّة على شقة نافذتها مفتوحة، حدّقت داخلها، وتعجّبت من ذلك الأثاث الراقي الموجود فيها. لمح في عيني فضولاً فسّره بشكل خاطئ. ثم قال: "آه، إنها شقّة السيّدة تخاندا؛ سيدة ثلاثينية جميلة."
                  

11-01-2009, 09:25 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    عرفت منه أنها فنانة تشكيلية، تعمل في إحدى المعارض الفنية في المدينة. قال: "إنها بارعة فقط في رسم الرجال العراة، ولوحاتها تدرّس لشرح الخصائص التشريحية لجسم الإنسان في بعض المعاهد الفنية. كانت متزوّجة من رجل أعمال ثري، ولكنه توفي قبل عامين، ولا أحد يعلم من أين لها تلك الدقة في رسم تفاصيل الأجساد العارية، رغم أن زوجها كان بديناً."

    ضحكت عندها وقلت سراً: "هذه الدنيا مليئة بالأعاجيب!" لم ينس بوشيدو تقديم نبيذ التفاح وشراب السوشي اللذين تشتهر بهما فرانكفورت، ولا أنكر أنني استمتعت بمذاقهما إلى درجة كبيرة.

    طائرتنا سوف تقلع بعد ساعة تقريباً، وأنا الآن في المطار، وتحديداً في الصالة المخصصة لانتظار الركاب. أترك فرانكفورت وأنا أتساءل: هل سيكتب لي العودة إلى هذا المدينة الجميلة يوماً ما؟ أعني: هل بإمكاني زيارتها معك في ظروف أفضل من هذه؟ لا أخفيك فقد تمنيتك معي في كل لحظة سعيدة قضيتها هنا، وأتمنى أن نأتي إلى هنا، ونقيم أسبوعاً أو أسبوعين. سوف تعجبك المدينة دون شك.

    كل من سألني عن وجهتي، تعجّب عندما عرف أنني ذاهب إلى الخليج. ظنوا أنني جندي أو ما شابه. وعندما تحققوا من كوني لست جندياً صدقوا أنني مجنون أو مجرّد أمريكي متهور لا يعرف أين تقوده رغباته المجنونة.
                  

11-01-2009, 09:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    هؤلاء يظنون عنّا أننا شعب بلا هدف أو أنّ أهدافنا عديمة الجدوى ومثار سخرية. لم أغضب؛ لأن ذلك كان بعيداً عن الحقيقة، وأحسست للمرة الأولى بشيء من التميّز. لم يبارحني هذا الشعور منذ أن وصلت إلى مطار فرانكفورت ولم أعرف سبباً لذلك.

    لا أدري إيميلي، ولكن مشاعري متضاربة إزاء رحلتي إلى البلاد العربية هذه. وثمة صورة تخيّلية لا تبرح سينما ذاكرتي أبداً. أتخيّل العرب كأولئك الذين رأيتهم في فيلم (لورنس العرب)؛ ذلك الجاسوس البريطاني الذي وضع إسقاط الدولة العثمانية نصب عينيه، وعمل بكل جهده على الإيقاع بين العرب والأتراك. تلك الصورة الذهنية الكاريكاتورية للعرب لم تفارقني قط. وما زلت أتذكر منظر الصحراء في ذلك الفيلم فأحس بالعطش الشديد.

    مما يدعو للحيّرة فعلاً أنني كنت أتساءل قبل سنوات، وقبل أن يطرق السفر باب تفكيري حتى: لماذا لم يفكروا -في ديزني- في خلق شخصيات كرتونية مستوحاة من هؤلاء القوم. فتلك الملابس المضحكة والملامح البدائية كانت لتكون طفرة في عالم الرسوم المتحركة.

    تخيّلت أنها قد تنافس شخصيات ديزني المشهورة: ميكي ماوس ودونالد دك والعم سكروتش وهكتور باربوسا وأنستيشيا وكوازيمودو، وهذه الشخصيات المشهورة؛ تعرفينها بالطبع. هذا يفشي لك هوسي غير المحدود بأفلام الكرتون؛ أليس كذلك؟ كان أصدقائي يضحكون مني عندما يجدونني مستلقياً على بطني وأنا أتابع أحد أفلام عالم ديزني المثير. هذا ليس وقت الحديث عن أفلام الكرتون على أيّ حال.
                  

11-02-2009, 07:25 AM

naeem ali
<anaeem ali
تاريخ التسجيل: 04-16-2008
مجموع المشاركات: 6577

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    بعد اذنك يا صديق
    قمت بطباعتها لاتمكن من قراءتها جيدا
    مع عظيم شكري
                  

11-02-2009, 07:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: naeem ali)

    العزيز: نعيم علي
    صباحاتك بيضا

    شكراً ليك على المتابعة، وأكيد بنواصل السرد
    لتكملة قصة روبن سينجر ورحلتو إلى أرض النفط
    ورسايلو لصديقتو إيميلي سميث فخليك قريب

    تحياتي ليك
                  

11-02-2009, 08:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    كان الحكيم مايكل قد أخبرني أنّ الحياة في بلاد العرب صارت مختلفة. وأراني صوراً بعثها إليه أحد أصدقائه ممن يعملون هناك. ولكنه لم يستطع محو الصورة الأخرى التي أعرفها عن العرب. فكثيراً ما يُخيّل إليّ أنهم شياطين في ملابس آدمية، أو مصاصو دماء متخفون في هيئات بشرية، تماماً كأسطورة دراكولا الشهيرة التي لا تظهر على حقيقتها إلاّ في وقت محدد من الشهر.

    أشعر بخوف شديد وأنا مقدم على هذه الخطوة، ولا أدري لِم ينتابني شعور يقيني بأنّ هذه الرحلة سوف تشكل منعطفاً خطيراً في حياتي. ربما لن تكون كذلك فعلاً، بل هذا ما أتمناه. ثمة كرات مطاطية كثيرة تتقافز في دماغي ولا تهدأ أبداً.

    في كثير من الأحيان أحدّث نفسي بالعودة والمحاولة مجدداً في دياري، ولكنني كلما تذكرت تلك النظرات الشيطانية الماكرة، وتلك النعوت الجارحة أتراجع عن هذا القرار، وأصر على المضي قدماً فيما أنا مقدم عليه.

    الحياة خارج أمريكا تبدو لي مستحيلة. هل هذا شعور وطني أم أنه مجرّد خوف؟ لا أدري. ولكنني أعلم تماماً أنني سوف أجد صعوبة بالغة في التأقلم مع الحياة الجديدة التي أنا مقدم عليها، وأنني سأمضي وقتاً طويلاً قبل أن أنسى أو أتناسى أمر الحياة في أمريكا والعودة إليها. ترى هل سأعود إليها قريباً؟ وكيف سيكون حالي عندما أعود؟ أعني: هل سأعود خاوي الوفاض أم أنني سأعود وقد تغيّرتُ كلياً؟
                  

11-02-2009, 08:34 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثانية

    على العموم: سوف أواصل الكتابة إليك من هناك، وسوف أتصل بك هاتفياً بمجرّد وصولي على الفور، وحتماً سأزوّدك بعنواني البريدي عندما أستقر في عمل جيّد وملائم.

    كم أشتاق إلى رؤيتك الآن عزيزتي إيميلي! ترى كيف استقبلتِ خبر سفري المفاجئ هذا؟ هل أنتِ غاضبة مني. أرجوك سامحيني، فأنا لم يكن لديّ خيار آخر. ومن يدري ربما لن تروق لي الحياة هناك، فأعود مباشرة. رجاءً بلّغي تحياتي إلى جميع الأصدقاء.

    قبلاتي الحارة لك عزيزتي.


    مخلصك إلى الأبد
    روبن سينجر
                  

11-02-2009, 09:00 AM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الأستاذ هشام
    متابع ,وأتمنى أن تصادف روايتك النجاح.أعترف بأن لك طاقة هائلة أرجو ألا تتبدد في مجرى لا يفيدها إبداعياً.لدي هنا محاذير فأنا
    لا أعرف كيف ستوفق في إقناعنا بما يدور في أذهان أشخاص من المركزية الاوربية وكيف يستطيع الراوي المتخيل المنطلق من أخيلتك أنت ككاتب سوداني تقمص هذه الشخصيات الأوروبية.وتجدني أتساءل دائماً لم؟ ألا تجد صعوبة في الأمر سيما حين تكون الراوية امرأةعلى ما في ذلك من تعقيدات إضافية؟.
    عليّ أن بعد أن أكمل قراءة الرواية أن اكتب لك رأيي بالتفصيل كما فعلت عن رواية لك سابقة. وأظنك اطلعت على وجهة نظري في مقالة لي نشرتها بالرأي العام حول روايتك اسبانية الsetting
                  

11-02-2009, 09:41 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: Bushra Elfadil)

    الأستاذ: بشرى الفاضل
    تحيّة طيّبة

    عندما قرأتُ اسمك الكريم عرفتُ على الفور أنك سوف تُثير هذه النقطة بالتحديد، ليس فطنةً مني، ولكن لأنني أعرف رأيك في الروايات التي من هذا النوع (الكتابة من الآخر) وليس عنه. بدءاً؛ دعني أعبّر لك عن مدى سعادتي وفخري بتواجدك هنا وبمتابعتك لهذه الرواية، وهو بالتأكيد شرف كبير لي أن يحظى هذا النص بقدر من وقتك الذي أعرف ضيقه، وأعلم تماماً المعوقات التي تحول دون إكثارك من الدخول أو حتى الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، فهذا مما أغبط عليه نصّي قبل نفسي.

    الكتابة من الآخر –كما أراها أستاذي الفاضل- تمتاز بنوع من التحدي، ذلك الذي أعشقه في فن الكتابة، وهو نوع مختلف عن التحدي الاعتيادي الذي يُمارسه أيّ كاتب آخر يكتب عن نفسه أو عن الآخر، وهي تتطلب قدراً من الجُهد الذي يُشعرني بالإنجازية التي لا تتوفر بمجرّد شحذ رصيد التراكمات المعرفية، أو استنهاض مَلكة التخيّل، أو حتى معايشة الواقع؛ بل تأتي من خلال اختبار قدرتنا على فهم وهضم وتلبّس تواريخ وثقافات لا تخصنا وخلق ما يُشبه هوية احتياطية أو نسخة Backup لهوية الآخر، ومن ثمّة قياس مدى تباعد أو تقارب هذه النسخة عن الأصل. الأمر بهذا الشكل يولّد لدي –إضافة إلى متعة التحديّ- متعة أخرى متمثلة في اختبار القدرة على التقمّص.

    أما عن "لماذا" هذه، فهذا أمر لا أستطيع أن أفسّره على الإطلاق، فربما هي قناعة شخصية بأن الكتابة لا يجب أن تكون منحصرة عن الذات أو "الأنا" الاجتماعية، وربما هي الخوف من عدم القدرة على تمثيل الواقع والثقافة كما ينبغي؛ وبذلك أنزع إلى السباحة في واقع ثقافي متخيّل لا أُحاسب عليه، أو ربما هو شيء آخر غامض، ولكنني واثق من أنّ ذلك عصيّ على التفسير القطعي.

    عموماً؛ أتمنى أن تنجح هذه الرواية في إعطاء تفسيرات لمثل هذه الأسئلة التي لا أطرحها على نفسي ولا أُعيرها اهتماماً. فالكتابة بالنسبة إليّ هي فن الإمتاع سواء أكتبتُ عن الآخر أو منه. وأتمنى أن تنال الرواية ولو قسطاً من إعجابك أستاذي الفاضل.

    دمتَ بكل خير
                  

11-02-2009, 10:36 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    ( من روبن سينجر إلى إيميلي سميث )
    الأحد: 13 سبتمبر/أيلول 2000

    عزيزتي إيميلي!
    هذا أنا روبن سينجر، وهذا هو بريدي الإلكتروني الجديد. قبل كل شيء أحب أن أعتذر عن التأخر في الكتابة إليك. لقد مضى شهران على آخر مكالمة هاتفية إن لم تخني الذاكرة، ولكنني كنت منشغلاً -الفترة السابقة- بأمر استقراري وترتيب السّكنى والإقامة.

    لقد وصلت إلى خليج البترول أخيراً. كان ذلك في يوليو/تموز الماضي. لا أعرف من أين أبدأ بالتحديد، فكل شيء صادفني هنا كان جديراً بالسرد والتدوين، ولم تكفّ كاميرتي الديجيتال عن التقاط الصور؛ فمن المطار وحتى شوارع العاصمة والفندق الذي نزلت فيه مشاهد تستحق التوثيق.

    كنت أفضّل أن تكوني برفقتي لتري وتشاهدي ما رأيتهُ بأم عينيكِ؛ خوفَ ألا أنجح في نقل مشاهداتي كما هي. لقد هالني ما رأيته في مطار العاصمة هنا، وظننت للحظة أن الطائرة قد أقفلت عائدة، أو أنني قد ركبت الطائرة غير الصحيحة. ولكن شكوكي تبددت كلياً عندما وجدت اللوحة الترحيبية في صالة الاستقبال الرئيسية في المطار.

    راودني شعور غريب وأنا أقف في طابور الجوازات، كنت أحدّق إلى كل ما حولي من ناس وأشياء وأتخيّل أن الجميع يحدّقون إليّ كذلك، لذا فقد أخذت أتظاهر بإعداد جواز سفري وبعض الأوراق الخاصة. ورددتُ سراً: "يجب أن تتذكر أنك أفضل رجل في هذا العالم، فأنت أمريكي!"

    كانت كل الأشياء غريبة بالنسبة إليّ حتى تلك الأشياء المعتادة وتساءلت: "هل أشكو من رهاب الأماكن الغريبة، أم أنّ هذا رهاب البلاد العربية؟!" ربما تعاظم شعوري بالفخر وأنا أحمل جواز سفري الأمريكي لبعض الوقت، رغم أنني في أحيان كثيرة كنت أتردد في إظهاره لغير مسئول الجوازات ذي الشكل الغريب القابع خلف كشكه. قلت: "هل يعقل أن يوجد مكان كهذا في الصحراء؟" نظرت من إحدى الواجهات الزجاجية المطلّة على الجانب الخارجي للمطار، فرأيت صحراء ممتدة، فشعرت بالغثيان.
                  

11-02-2009, 11:04 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    فكرّت أنهم قد ينقلوننا على ظهور الجمال إلى وسط المدينة، وبدت لي هذه الفكرة مقبولة إلى حدّ ما؛ فقد تذكرت تلك الصور الفوتوغرافية التي أراني إياها الحكيم مايكل لأصدقاء زاروا مصر من قبل. كانوا يمتطون جمالاً عربية مرتدين أزياء مضحكة، وأوشحة غريبة على رؤوسهم. كان ذلك أمام الأهرامات على ما أذكر. ثم بدت الفكرة مستبعدة وسخيفة. فنحن الآن على أعتاب القرن العشرين ولا يعقل أن تكون الجمال وسيلة نقل مستخدمة في عصر سيارات الدفع الرباعي والصواريخ.

    أولى المشاهد المستفزة والمضحكة التي واجهتني، عندما فرّقوا بين الركاب في صف الجوازات، كان ثمة شباكان مخصصان لحاملي جوازات دول الخليج، بينما تزاحم البقية –بمن فيهم أنا- على بقية الشبابيك المخصصة لحاملي الجوازات الأخرى. قلت في سرّي: "هؤلاء أكثر جلافة من الألمان!" في مطار فرانكفورت لم يكونوا يفرّقون بين شخص وآخر، بينما كان هنالك شباك واحد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة.

    ما إن خرجت إلى الشارع ورأيت الأسفلت، والمظلات السيراميكية العملاقة، وسيارات الأجرة؛ حتى حمدت الرب سراً، وتوجهت فوراً إلى أقرب فندق. كان عليّ الاتصال بالكفيل للتنسيق معه حول بعض الأمور الهامة، ومن ثم الاتصال بسفارتنا هنا.

    تلقيت من السفارة إفادات وافية عما يتوجب عليّ فعله، كما أنّهم زوّدوني بأرقام هواتف يمكنني الاتصال بها عند الحاجة، إضافة إلى خريطة مصغرة للمدينة التي أقيم فيها: أهم شوارعها، ومعالمها الرئيسية، وأهم من كل ذلك أنها كانت تحتوي على بوصلة اتجاهات.

    بعض الذين تحدثت إليهم في السفارة كانوا من العرب، ويبدو أنّهم قدّروا الارتباك الذي كنت أعاني منه. قال لي أحدهم: "يبدو أنها المرة الأولى التي تزور فيها بلداً عربياً! لا عليك؛ سوف ينجلي هذا الشعور تدريجياً، ولا ينبغي لك أن تقلق أبداً؛ فنحن هنا من أجل أن نشعرك بأنك لست وحيداً في هذه البلاد."
                  

11-02-2009, 12:05 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    لقد تعبت كثيراً في البداية؛ لاسيما في التعامل بالعملة المحلية؛ فقد كنت بالكاد أحفظ شكل الفئات الورقية، ولكنني تحسّنت الآن كثيراً. في الأسبوع الأول لي في هذه المدينة، كنت نادراً ما أخرج من غرفتي إلى بهو الفندق ناهيك عن الشارع.

    وسواء كان ذلك أمراً اعتيادياً أم لم يكن كذلك فإنني كنت أخشى النزول والاختلاط بالآخرين. ورغم فضولي المُلح لاستكشاف المدينة وشوارعها ومبانيها وأسواقها، إلاّ أنّ ذلك الفضول ظلّ حبيس رهابي البدائي حتى اكتسبت بعض الثقة بعد حين.

    هاجسي الأوحد الآن أن أبحث عن عمل، ولكنني خالي الذهن تماماً مما قد يمكن أن أفعله هنا؛ فأنا لم أعمل في تنقيب البترول من قبل، كما أنني لا أجيد لغة هؤلاء القوم.

    أفكر كثيراً في هذا الأمر؛ فما الذي يمكنني أن أفعله هنا؟ وهل يمكنني فعلاً التأقلم مع هذه البلاد وأهلها، وعاداتهم وتقاليدهم الغريبة؟ إنها ليست نزهة سياحية، وربما يطول بي المقام هنا لسنوات؛ فهل أنا قادر فعلاً على ذلك؟

    هنا كل شيء غريب ومثير للانتباه؛ فعندما أجد جماعة من العرب وهم جالسون في بهو الفندق، يتحدثون بلغتهم الغريبة أقول في سرّي: "إنهم يتكلمون كما يتكلّم قطيع الدجاج الرومي!" وأسأل نفسي: "هل سيأتي اليوم الذي سأفهم فيه ما يُقولونه فعلاً؟"



    +

    (عدل بواسطة هشام آدم on 11-02-2009, 12:22 PM)
    (عدل بواسطة هشام آدم on 11-02-2009, 12:23 PM)

                  

11-02-2009, 12:16 PM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    عزيزي هشام
    أنت محق حين تبحث عن تحقيق كتابة عن الآخر بما يشكل لك تحدياً نبذاً لطلاب السهل. والكتابة عن الآخر يا عزيزي لا غبار عليها بل إن الكاتب لا ينجز عملاً طيباً إن قصر كتابته على أناه في خاصة نفسه؛أي على أناه الوجودية المتعينة؛ فارتد بذلك من حالة الشخصية الروائية أو القصصية سواء أكانت هي الراوي أو هي شخصية أخرى في العمل إلى حالة الكاتب -خارج النص- .
    حاول قديماً الشاعر بوشكين أن يكتب عن هذا النوع من الواقعية حين قال إنه منذ ذلك الحين الذي عينه فصاعداً لن يكتب شعراً لا يعبر عن ذاته (أناه الوجودية المتعينة).
    أنت بالطبع حين تكتب عن الآخر فهذا مطلوب وضروري.عن ذلك تتم غالبية الكتابة، مذ خبرها الكتاب المبدعون، لكن أي آخر؟ لابد أن يكون هذا الآخر من نفس البيئة التي نشأت فيها وخبرتها أكثر من غيرها.هذا لا يصادر التخييل في مجالات جديدة على القاريء.الأدب العالمي ذاخر بالاخيلة المجنحة.
    لدي رواية اسمها (سيمفونية الجراد) لم أنشرها بعدنشر بعض فصولها هنا، كل شخوصها من الجراد.هذه منطقة يمكن فيها التخييل بحيث لا يحاسبني أحد بالقدر الذي تتم فيه محاسبتك يا هشام ومن قبلك كتاب سودانيين آخرين حين يتم تقمص راو أوروبي أو أمريكي .هذا الأمر يبدو لي مستحيلاً إلا إن كنت تصدرعن مركزية تلك الثقافة بمعنى أن تعيش فيها وتمتصها امتصاصاً.ذلك أمر متاح لكتاب من أمثال السوداني جمال محجوب بل إن المركزية الأوربية التي يصدر عنها ذلك الكاتب النابه لا تخول له أن يتقمص شخصيات سودانية وأجواء سودانية بالقدر نفسه من الإتقان وانظر إليه حين يتحدث في ظروف setting سوداني فعلى الرغم من سودانويته من ناحية الجنسية فإن جمال محجوب كاتب بريطاني قح فيما ارى فما تقول؟ .
    لك المودة
                  

11-02-2009, 01:08 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: Bushra Elfadil)

    الأستاذ القدير: بشرى الفاضل
    تحيّة مُجدداً

    نسيتُ –في تعقيبي السابق على مداخلتك- أن أشيرَ إلى عدم تشرّفي بقراءة مقالك المُشار إليه في جريدة الرأي العام، ولكن أسترجع الآن بعض ما جاء في مداخلتك المفيدة والعميقة التي تفضلّت بها في جلسة مناقشة رواية "أرتكاتا" بمدينة جدة العام المنصرم، وبحثتُ في أرشيف الجريدة الإلكترونية فلم أجد ما يتعلق بهذا الأمر، وهذه مشكلة أخرى أستاذي الفاضل، فغالبية المطبوعات السودانية لا تهتم كثيراً بمتابعة أرشيفها وتحديثه، كما أنك قد تجد اختلافات كُبرى بين الHardcopy و الeCopy بشكل ملحوظ ومُحبط للغاية، ونادرة هي الصُحف السودانية التي تهتم بحفظ أرشيفها في ملفات بصيغة PDF أو حتى توفير هذه الخاصية على مواقعها الإلكترونية.

    بخصوص تعقيبك الأخير؛ فإنني أفرّق كثيراً بين الكتابة "عن" الآخر، والكتابة "من" الآخر؛ وكما يبدو فإن الكتابة "عن الآخر، لا نكاد نختلف حولها إلا في أمور تكنيكية طفيفة ومتعيّنة بالحالة الأدبية نفسها الخاصة بالكاتب، أما فيما يخص الكتابة "من" الآخر، فهي كتابة مثيرة ومختلفة عن وصيفتها. حاولتُ أن أجد مقاربة بين الكتابة "من" الآخر والمثال الذي تفضلتَ به (رواية سيمفونية الجراد) وقد تشرّفت بالاطلاع على أجزائها المنشورة في موقع سوداني آخر، فلم أتمكن من خلق هذه المقاربة، لأن العمل الأدبي من هذا النوع يُشبه بالنسبة إليّ –إلى حدّ كبير- حفل تنكرية، يرتدي فيها الحضور أقنعة مختلفة الأشكال، كل قناع من هذه الأقنعة تُعبّر عن جانب ما يحمله شكل القناع، ولكن سلوك الشخص المرتدي لهذا القناع يظل سلوكاً آدمياً يُمثل موقفه الشخصي والفكري.

    هذا النوع من الخيال –بالتأكيد- هو خيال بنائي خصب جداً، يحاول الاستفادة من معطيات النموذج المُتخيّل ولاشك، ولكنه في نهاية الأمر يدور في فلك الواقع الآدمي سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. هذا النوع من الكتابة –كما أراه- يُوفر للقارئ (وليس للكاتب) متعتين مزدوجتين، فهو يقرأ النص متنعماً بالمتعة التي يوفرها له النص في بنائيته: من لغة وحبكة وسرد قصصي وتتابع أحداث وصور بلاغية، وفي الوقت ذاته فإنه يستمتع بمحاولاته فك شيفرة النص المخبأة في كل شخصية، وفي كل حدث، بيد أنني أشك أن هذه المتعة بهذا الشكل متوفرة لدى الكاتب؛ إذ ينشغل الكاتب أثناء كتابته لنص من هذا الطراز في عمليات التجريد والتشفير وخلق الإيحاءات المناسبة لكل شخصية ولكل حدث.

    إن نماذج مثل كتابات جمال محجوب وليلى أو العلا وغيرهما قد لا يُمكننا فصلها عن كتابات سودانيي المهجر (إن جاز هذا التعبير)، وفي ذلك فإنني لا أجد أيّ مُبرر لتمييز المركزية الغربية أو الأوروبية، لأنه لا توجد مفصلة مُحددة تجعلنا نميّز هذا النطاق عن غيره تمييزاً جغرافياً أو حتى ثقافياً؛ الثقافات البشرية تتقاطع فيما بينها، ويظل القاسم المشترك بين هذه الثقافات هو "إنسانية الإنسان" نفسه، ومن هذه الناحية فأنا لا أرى أيّ اختلاف بين كتابات جمال محجوب وكتابات أمير تاج السر أو حتى كتابات محسن خالد فكلهم كتاب مهجر على السواء.

    ومن ناحية أخرى؛ قد يقودنا هذا الحديث إلى بواطن مفهوم الهوية والانتماء وإمكانية أو استحالة نضوبها أو ذوبانها في أنا الآخر الثقافي أو حتى الجغرافي، هذا أمر يصعب عليّ التكهن به. الكتابة عن الأنا أو الأنا الاجتماعية أعتبره قراراً بالانتحار البطيء للكاتب أو في أقل التقديرات حرماناً منه لمَلكاته الإبداعية من السباحة في عوالم قد يندم كثيراً إن لم يحاول اكتشافها ولو بدافع الفضول.

    تتمثل أمامي الآن نماذج نجحت في الوصول إلى العالمية من خلال توغلها في المحلية من أمثال الطيّب صالح ونجيب محفوظ وحتى من أمثال ماركيز ولوكليزيو وغيرهم من الكتاب الذين أعادوا تدوير القضايا المحلية وقدّموها في قالب كوني مُتقبّل لدى الآخر، ولكن الأمر يتطلب –عندها- مقداراً كافياً من المعرفة بخبايا الثقافة المحلية وهو الأمر الذي لا أمتلكه ولا أدعيه، ومن هذه الناحية فقد تشابه كتاباتي كتابات جمال محجوب، وهذه مُشكلة أخرى تُرهقني كثيراً.

    تحياتي لك أستاذي القدير
                  

11-02-2009, 02:25 PM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    عزيزي هشام
    أرجو ألا تظن أنني صمت عن روايتك بعد لقاء جدة ذاك، وقد أهديتني أنت الكتاب مشكوراً قبل اللقاء. قبل أكثر من عام كتبت عنها في بابي الراتب وقتها تضاريس بالرأي العام وقد نشرت من ذلك الباب قرابة 140 حلقة قبل أن يتوقف وعلى أن ابحث عن الحلقة المذكورة في حاسوبي فأنا احتفظ بمواد تضاريس وساوافيك بها على بريدك أو إن شئت نشرتها لك هنا ضمن هذا البوست.
    أنا من المؤمنين بأن الجوهر الإنساني هو كليةنشاط الإنسان في مجتمعه من صناعة وفكر وفن إلى آخر القائمة المعقدة. وجوهر الإنسان الأوروبي يوجد خارج هذا الكائن المحير. مثله مثل جوهر الإنسان في السودان وفي كل مكان .وهذا الجوهر ليس مثل قطعة الغيار اليونيفرسال للسيارات مثلاً التي يمكن أن تعمل مع أي سيارة.جماع سايكلوجية مواطن المركزية الأوروبية ؛(جماع نشاطه الإنساني ) فيه اختلافات جمة عن نظير ذلك لدى بني سودان.ومن هنا فمن المستحيل لو لم تكن صادراً عن تلك المركزية أن تكتب عنها بالدقة التي تقنعنا بها حتى لو كانت عبقريتك أكبر من عبقريات الأنبياء.
    ذلك الإقناع مستحيل فأنا اقرا التعبير اللغوي عن مشاعر إحدى الشخصيات النسائية المبثوثة هنا في روايتك فأحس بأن التي تحدثني إمرأة من (عندنا)؛ بل يأتيني أداؤها مشوشاً فيه اختلاط من عدم دقة تقمص الجندرة
    فيما يتعلق بسيمفونية الجراد فالرواية ليس فيها رمز يا سيدي وما سعيت إليه بل رسمت خلالها صورة موازية باراليل لعالم البشر وهذا التوازي أراحني فلا أرمز لإنسان ولا أتحدث عن إنسان بعينه أثناء العمل لكن الصورة الكلية تحكي عن الإنسان طبعاً فالجراد لا يفكر بمثل هذا التعقيد.
    أنت لا تكتب مثل جمال محجوب يا هشام. جمال ابن تلك المجتمعات ويصدر عنها .أنت تسعى لأن تكشف مغاليقها وسؤالي في المداخلة الأولى كان (لم؟)
    فالذي تبحث عنه تركته في السودان ولعلك تركته بنوب.

    (عدل بواسطة Bushra Elfadil on 11-02-2009, 03:17 PM)

                  

11-02-2009, 02:27 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    الناس هنا فضوليون أيضاً؛ فهم يتعجبون عند رؤيتهم لي. لا أدري ما الذي يثير فضولهم تجاههي، خمّنت أن يكون مظهري سبباً لذلك؛ فلقد لاحظتُ أنني الرجل الوحيد الذي يضع أقراطاً على أذنه، أو ربما كان لوني هو السبب، أو ربما هم لا يصدقون وجود أمريكي بينهم، أو ربما لم تكن تلك إلاّ مجرّد تخيّلات مريضة لا أساس لها من الصحّة، ثم إنني لم أكن أخلو من الفضول تجاه الآخرين بنفس المقدار.

    كنت أنزل لتناول الغداء في مطعم الفندق، ثم آخذ كمبيوتري المحمول، وجهاز الهاي فن، أضعه على أذني وأنا أستمع باستمتاع إلى أغنيات مايكل بولتون. أمضي الساعات وأنا أتصفح الإنترنت، وأبحث عن أي شيء يخص هذه البلاد. لا أنكر أن بقائي هنا كان بالنسبة إليّ هاجساً لن أتمكن من التخلّص منه بهذه السهولة.

    قبل يومين تقريباً نزلت إلى بهو الفندق لأحتسي فنجاناً من القهوة (القهوة تذكرني بك بطريقة ما) ظللت أحدّق إلى صور الرؤساء المعلّقة على الجدران، وأتأمل في وجوه المارين.

    كدت أضحك عندما وجدت بعضاً ممن حسبتهم انقرضوا منذ فيلم (لورانس العرب): يرتدون جلابيب بيضاء طويلة، وفي ذات الوقت يرتدون أحذية إيطالية وجوارب سويسرية! كما أنهم يضعون أوشحة ويثبتونها فوق رؤوسهم بما يُشبه السيور السوداء، قلت في نفسي: "لِم تهتم بمتابعة الآخرين؟ فكّر في نفسك وفي لحظاتك الخاصة"، ولكن الحق أقول إنني لم أكن لأمنع نفسي من المشاهدة ومتابعة كل ما يمر أمام عيني؛ قلت: "ربما تكون تلك أقرب الطرق لمعرفة المزيد عن هؤلاء البدو."
                  

11-02-2009, 10:53 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    على سبيل التحية والمتابعة.
                  

11-03-2009, 07:26 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: عبد الحميد البرنس)

    الأستاذ القدير: بشرى الفاضل
    تحيّة طيّبة

    أنتَ أستاذ فاضل وأديب جاد، ولا أتوقع من إنسان مثلك أن يُهمل كهذا أمر، لذا لم أفكر في أنكَ قد أهملتَ النص، قد تُؤخرك مشاغلك الحياتية والأدبية، وأنا أقدّر لك ذلك، في حال تمكنتَ من العثور على المقال الخاص برواية "أرتكاتا" في عامود تضاريس فإنني أرجو شاكراً أن ترفدني به على بريدي الإلكتروني حتى لا نرهق قارئ بتروفوبيا بقراءة ما لا يتعلق بها وهذا هو عنواني الإلكتروني [email protected]

    أرجو ألا تشك للحظة –أستاذي الفاضل- في احترامي لرأيك وتجربتك الإبداعية التي يحاول بني جيلي الاقتداء والاستهداء بها في هذا الزمن الصعب الذي نعاني فيه من رهق الاغتراب والبحث عن الهوية وسؤالات الذات والوجود إضافة إلى السعي وراء لقمة العيش وتحمّل المسئوليات الأسرية، هذا الأمر أرجو ألا يغيب عنك أبداً، وقد لا تعلم مدى سعادتي وأنا أحاور رجلاً أُقيمه مقام الأستاذ.

    ما أؤمن به أن الإنسان يُولد إنساناً اجتماعياً متكاملاً حتى وإن وُلد في بقعة نائية من هذا العالم غير مأهولة بالسُكان، ما يفعله المجتمع (الآخر) هو في الحقيقة خصم من رصيد اجتماعيته، وتشذيب للبلاب إنسانيته الفطرية، وحجر على حرياته التي تولد بلا أُطر ولا يُفترض بها أن تكون كذلك.

    الإنسان داخل أيّ مجتمع هو نموذج مُصغّر من نفسه، وهو في تفاعله الاجتماعي مع الآخر قد لا يستهلك نصف إنسانيته الفعلية؛ إذ يتصرف وفق ما يقبله المجتمع، ويلبس وفق ذلك، ويتفاعل وفق ذلك، وبالكاد تتاح له فرصة أن يكون هو نفسه في لحظات عابرة من تاريخه اليومي، وبالتالي فإنه يكون انعكاساً للإنسان المثالي المتصوّر لمجتمعه Ideal Model صراع الإنسان في تفاعله مع الآخر هو صراع بين فردانيته واجتماعيته، صراع بين الفرد في نفسه والفرد داخل الجماعة، ولهذا فإنه يصعب على الكثيرين الذوبان كُلياً في المجتمعات التي لا ينتمون إليها إما ثقافياً أو سايكولوجياً، قد يُفلحون في التكيّف مع الآخر، ولكنهم بالضرورة لا يكونون مثله.

    الآخر ليس نمطاً سلوكياً فحسب، لأن النمط السلوكي هو مُحصّلة طبيعية لمنظومة من الأفكار والمعتقدات والعناصر الثقافية والموروثات التي تخص المجتمع المُحدد، هذه العناصر التي تتفاعل وتتكاثف لترسم الصورة المثالية لإنسان ذلك المجتمع، ويظل المغتربون يتصارعون ليتوافقوا مع هذه الصورة بقدر ما يستطيعون ولكن غالباً لا يتمكنون من تحقيق صورتها المُتكاملة، لأن قدراً معتبراً من الأفراد المنتمين لذات المجتمع لا يتمكنون من تحقيق ذلك أيضاً.

    أريد أن أقول أنّ جمال محجوب لا يُمكن أن يتشّرب الذهنية البريطانية حتى وإن جدّ في ذلك، ويجب علينا أن ننتظر آراء البريطانيين حول كتاباته لنعرف ما إذا كان "بريطانياً قحاً" كما نصفه أم لا، لأن هذا الوصف تحديداً لا يحق إلا للبريطانيين أنفسهم أن يطلقوه. ومن ناحية أخرى فإن مصداقية النص التي تتوقعها كقارئ أو ما تطلق عليها بالإقناع فإنه قد لا يكون عيباً في التقمّص بقدر ما يكون عيباً بنائياً في النص نفسه، ولذا فإننا نجد كثيراً من النصوص العربية المنطلقة من ذهنية عربية تفقد قدرتها على إقناعنا ليس لأنها لم تنبع من ذهنية عربية، ولكن لأنها تفتقر إلى عنصر المصداقية المرتبط ببناء النص وعناصره، ولا أدري كيف يُمكن لكَ كسوداني أن تقتنع بأمركانية الأمريكية (إيميلي سميث) دون أن يتوفر فيك شرط الأمركة أنتَ أيضاً؟ علام سوف تنبي قناعتك طالما أنك لم تذهب إلى أمريكا ولم تتشرب عناصر ثقافتهم ولم تنطلق من مركزيتهم؟

    أمر أخير أستاذي القدير، إذا كان لابد لي أن أكون نتاج جماع إنساني للمجتمع الذي أكتب عنه، فإنني سوف لن أكتب عن المجتمع الأوروبي، ولن أكتب عن المجتمع الأفريقي، ولن أكتب عن المجتمع "السوداني" لأنني لستُ نتاجاً لجماعها الإنساني. فأنا لم أعش في السودان سوى خمس سنوات من مجمل ثلاثين سنة متبقية كانت في بلاد المهجر، ولم أستطع الذوبان في الآخر كذلك، فمن أنا إذن؟ وماذا أكتب؟ ولماذا؟

    هذا أمر مرهق تنكأهُ يا أستاذ وليس بي جلد عليه.


    ++

    (عدل بواسطة هشام آدم on 11-03-2009, 07:27 AM)
    (عدل بواسطة هشام آدم on 11-03-2009, 09:21 AM)

                  

11-03-2009, 07:29 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: على سبيل التحية والمتابعة
    الأستاذ العزيز: عبد الحميد البرنس

    أشكرك يا عزيزي على المتابعة
    وأتمنى أن تنال الرواية على
    قسط من إعجابك واستحسانك

    تحياتي
                  

11-03-2009, 08:35 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    عندما فُتحت بوابة الفندق الأوتوماتيكية الحابسة للحرارة والعازلة للرؤية رأيت سيارة من نوع جي.أم.سي سوبربان من الطراز الجديد المعدّل وبمواصفات عالية. فتح باب السيارة ونزل منها شخص متدثر بعباءة سوداء من رأسه إلى أخمص قدمه.

    كان يحاول إخفاء نفسه جيّداً وراء عباءته فتوجستُ خيفة، وقلت في نفسي: ربما كان يخفي قنابل يدوية أو مدفعاً رشاشاً أو حتى يرتدي حزاماً ناسفاً. ساورتني رغبة جامحة في أن أهرع إلى موظف الاستقبال وأخبره بمخاوفي تلك، ولكنني لم أفعل. فيما بعد اكتشفتُ أنها مجرّد امرأة بدوية في زيّها التقليدي.

    عرفت بعدها أنّ النساء هنا يرتدين هذه العباءة. لا أنكر أنني كنت أعلم بذلك من قبل؛ ولكن رؤية الشيء ليس كالسماع عنه! كلّف الأمر بضع دقائق حتى هدأ الأدرينالين في عروقي، وأخذت أمسح العرق المتصبب على وجهي.

    فاقت دهشتي كل حدّ لرؤية النساء بهذه الهيئة الغريبة، وبصعوبة بالغة استعدت ما كنتُ أسمعه عن هذه البلاد؛ ألم نكن قليلي الاهتمام بهذه الشعوب؟ وللوهلة الأولى أشفقت عليهن، وشعرت تجاههن بحزن شديد. قلت: "لا بد أنهن مقهورات؛ وإلا فما الذي يدفع إنساناً إلى إخفاء نفسه بهذه الصورة؟" وأول ما تسلل إليّ من أسئلة كان حول إمكانية إصابتهن بهشاشة العظام!

    هل أبدو لك كأفريقي بدائي؟ هذا ما أشعر به هنا على الدوام، وربما تلاحظين كذلك أنني أصبحت فضولياً. في أمريكا لم أكن فضولياً، وربما نرى أنّ الفضول والتلصص أبشع جريمة قد يرتكبها إنسان حر؛ ولكنّ الأمور جديدة وغريبة عليّ كلياً، ولا أكاد أفهم ما يتوجّب عليّ فعله في أيّ موقف.
                  

11-03-2009, 08:39 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    أكثر التجارب صعوبة: تلك التي جاءت بمحض المصادفة، عندما أوقفني أحدهم بينما كنت في طريقي إلى المصعد. شعرت بأنه سوف يرش وجهي بمادة مخدّرة قبل أن أكتشف أنه يبحث عن شخص يزوّده بقدّاحة، ومن فرط غضبي وحنقي فقد كذبت عليه وأخبرته بأنني لا أدخّن.

    ثمّة أمر آخر قد يُضحكك كثيراً، فلقد أصبحت أمارس العادة السرّية في الآونة الأخيرة، فالجنس هنا كتجارة المخدرات. تساءلت كثيراً: كيف يقضي الرجال أوقات فراغهم؟ ولكنني لم أكن لأهتدي إلى إجابة مناسبة.

    لم يكن أمامي إلاّ أن أتابع مشاهدة الأفلام الجنسية على القنوات الفضائية في غرفتي بالفندق، وحمدت الرب أن تلك الوسيلة كانت متاحة، وفي أحيان كثيرة، كنت أضطر إلى شحذ خيالي واستدعي ما كان يدور بيننا في تلك الأمسيات الجميلة. هل أبدو لك كمراهق؟ أنا نفسي احتقر ما أنا عليه. قمت بوضع صورتك في برواز جميل، أضعها على طاولة قرب سريري، أطيل النظر إلى وجهك الملائكي، وأتحدث إليك طوال الليل. أتساءل: "ما الذي تفعلينه الآن؟ كيف هي حياتك بدوني؟" وكثيراً ما كنت أفقد السيطرة؛ فأجدني أبكي، ثم لا أشعر بنفسي إلاّ وقد استغرقت في النوم.

    الشيء الوحيد الحقيقي والجميل في حياتي هنا هو أنني أشتاقك بشدّة. كل ليلة أمسك صورتك المبروزة، وأحدّق إلى وجهك وأكاد أقبّله. وفي لحظات اليأس الليلية القاتلة أتمنى أن أعود مرّة أخرى إلى شوارع لوس أنجلس الملّونة والمزدحمة، وإلى ناطحات السحاب الشاهقة التي تحجب أشعة الشمس صباحاً وبعد الظهيرة. ولكنني سرعان ما أعدل عن التفكير في هذا الأمر عندما أتذكر كيف كانت حياتي هناك.

    قلت لنفسي إنّ الأمر يستحق المعاناة وكان يجب عليّ أن أتحلى بالصبر والجَلَد. سوف أسعى للحصول على عمل في أسرع وقت ممكن قبل أن ينفد ما معي من نقود. لقد تلقيت وعوداً كثيرة بالمساعدة من قبل أمريكيين تعرّفت عليهم هنا. هم يحكون لي الكثير عن هذه البلاد وعن عاداتها وثقافة أهلها البدو، ولكن الكلام شيء والمعايشة شيء آخر. أشار عليّ بعضهم بترك الفندق والعيش في مجمّع سكني؛ قالوا إنّ الجاليات الأمريكية والكندية وبعض الأوربيين يعيشون هناك، ولكنني ما زلت أفكر في الأمر.
                  

11-03-2009, 11:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    الأمريكيون هنا مختلفون كذلك، لاسيما أولئك الذين أمضوا سنوات طويلة في هذه البلاد. تعرفت على أحدهم يُدعى بوول غاردن، يقول إنه أمضى تسع سنوات كاملة في هذه البلاد، ويبدو أنه سعيد بحياته. هو رجل متزوج ولديه ابنة في غاية الجمال. زوجته كرستين غاردن تعمل منسقة اجتماعات وزيارات في السفارة الأمريكية، وهي تقول إنّ الحياة هنا أفضل منها في أمريكا؛ فالحياة هنا سهلة، والمعيشة معقولة.

    الطقس هنا حار جداً، ولا غرو أن يكون كذلك؛ فهي بلاد صحراوية في الأصل؛ ورغم ذلك فإن الناس يبدون معتادين كثيراً هذه الأجواء الحارة. يذكرني هذا الجو بجو ريف تكساس الحار، ولابد أن هؤلاء البدو يشبهون رعاة البقر في تلك المناطق. يخيّل إليّ أن جلودهم كجلود التماسيح (خشنة وقاسية) ولكن للحق: فإنني لم أصافح أحداً منهم بعد، وربما يدفعني الفضول لأن أفعل، وعندها سأخبرك بما سـأكتشفه.

    يتحدث البعض هنا، عن ربيعية الطقس، وأن هذا الشهر من العام، هو شهر دافئ نسبياً، ولكنني لا أشعر بذلك أبداً، الأمر الأكثر إثارة أننا على أعتاب شهر رمضان الذي يصوم فيه المسلمون، ويبدو أنّ الجميع مبتهجون لذلك، رغم ما يُقال عن إغلاق المطاعم طوال نهار هذا الشهر؛ لا تقلقي سوف أتدبّر أمري خلال هذه الفترة؛ وهي فرصة جيّدة أن أعرف الطقوس الدينية لهؤلاء المسلمين عن كثب. لا أملك أن أقدّم لك تقريراً صادقاً عن هؤلاء العرب: هل هم ودودون؟ أم حثالة فضولية همجية؟ وللحق فإنني لم أر ما يدل على ذلك بعد. لم أُمضِ في هذه البلاد سوى شهرين فقط، وهي ليست كافية لإطلاق أحكام كهذه.

    ما شدّ انتباه -خلال مكوثي هنا- هو البساطة التي يعيش في كنفها هؤلاء القوم (البساطة أو البدائية)؛ فقبل عدّة أيام كنت أشاهد عبر زجاج باب الفندق تجمهراً لبعض المواطنين (قد لا يتجاوز عددهم تسعة أشخاص على أعلى تقدير)؛ بينما كانت سيارتا شرطة تقفان في المكان. عرفت بعدها أنّ الشرطة قد ألقت القبض على سيّارة يقودها مراهق متهوّر، ولم تمض أكثر من عشر دقائق حتى كان الجمهور منفضين عن المكان!!

    في بلادنا قد تشترك سبع سيارات شرطة لإيقاف سائق متهور في الطريق العام، إضافةً إلى طائرة عمودية تراقب من الأعلى، بل وتصوّر هذه المطاردة على أشرطة فيديو يتم عرضها على القنوات التلفزيونية فيما بعد. سألت نفسي عندها: "هل نحن نبالغ في تقديرنا للأمور؟ أم أن هؤلاء العرب بسطاء وساذجون لهذه الدرجة؟" وجودي هنا يجعلني أطرح أسئلة كثيرة عن الفروق بين الشعوب والحضارات. لم كل هذا الاختلاف والبون الشاسع بين كل دولة وأخرى؟ ومن يفرض هذه العادات والتقاليد التي تميّز كل بلد عن الآخر؟
                  

11-03-2009, 11:23 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    قد تجدين دولة لا يفصلها عن دولة أخرى غير خط وهمي، ورغم ذلك فإننا نجد اختلافاً كبيراً بين عادات هؤلاء وعادات هؤلاء. هذا الاختلاف يجعل وجودي هنا ممتعاً نوعاً ما؛ فالمتعة الحقيقية التي أجدها هي في البحث عن هذه الفروق والكشف عنها.

    أحد أكثر المشاهد غرابة هنا ذلك الذي رأيته على الشاطئ (عند زيارتي لإحدى المدن الساحلية): رأيت سيدة تتمشى على الكورنيش برفقة صديقها أو زوجها (لم أعرف). كان الرجل يرتدي سروالاً قصيراً وقميصاً بلا أكمام، بينما كانت السيدة مغطاة بالكامل بعباءتها السوداء. ضحكت في سرّي وتساءلت: "هكذا تستمتع النساء هنا بجو البحر!" كان مشهداً مثيراً للضحك والسخرية بالفعل.

    إيميلي! الدنيا كئيبة بدونك، والأيام تمرّ ثقيلة، وكأنها لا تمر أبداً، وأنا في كل مرّة أشتاق إليك أكثر من ذي قبل. أشعر بالندم في أوقات كثيرة، ولكنني لن أعود قبل أن أكمل هذه المغامرة حتى نهايتها. هل تصدقين أنني أتمنى وجودك معي هنا؟ أجل! أن نخرج معاً في شوارع هذه المدينة المكتظة بالغرائب والأعاجيب، أن نلتهم البوظة ونحن نتأبط ذراعي بعضنا، ونضحك كما كنا نضحك في شوارع لوس أنجلس.

    كما لا أستطيع أن أنفي دوافعي البيولوجية الكامنة وراء هذا الشوق؛ إنها المرّة الأولى التي اختبر فيها شهوتي بهذه الطريقة. لم يكن الجنس هاجساً من قبل، ولكنه هنا رغبة جامحة وعارمة، رغبة تشعرني بأنني ما أزال مراهقاً في طور الاستمناء اليدوي؛ يا للعار!

    لا يعرف مقدار الشيء إلاّ من يفقده، وهنا في هذه البلاد، كل شيء معد خصيصاً للرجال. لا أكاد أرى أنثى بالجوار، إلاّ اللواتي أراهن على شاشة التلفزيون. لقد أصبحت رؤيتهن أمراً عزيزاً يسيل له اللعاب؛ هل تصدقين ذلك؟ ولا أدري كيف يقضي الرجال غير المتزوجين أوقات فراغهم، حيث لا نساء ولا شراب ولا نوادي ليلية ولا أيّ شكل من أشكال الترفيه المعروفة!
                  

11-03-2009, 11:25 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الثالثة

    هنا يذهب المسلمون إلى دور العبادة لتأدية الصلوات. يذهبون خمس مرات في اليوم، إحداهن في الصباح الباكر قبل أن تشرق الشمس. في ديارنا تستيقظ العصافير على خيوط الصباح الأولى، والأذان هنا هو الذي يوقظ العصافير قبل أيّ شيء آخر.

    لم يتسن لي أن أراهم وهم يصلون داخل دور العبادة، ولكنني رأيت أشخاصاً يصلون في العراء: يصطفون في خط واحد خلف قائدهم الذي يسمّونه (إماماً). لا أدري! ولكن منظرهم وهم يؤدون تلك الحركات يُشعرك بشيء غريب: رهبة، خوف أو ربما كان ازدراء؛ لا أدري! ولكنه شعور غريب بالفعل. كنت قد قررت أن أصوّر مجموعة منهم أثناء الصلاة، ولكنني عدلت عن ذلك؛ فقد خشيت أن يمس ذلك شيئاً من قداستهم. لا نعرف كيف يفكر هؤلاء على أيّ حال.

    لن أطيل عليك عزيزتي؛ فقط أحببت أن أخبرك أنني بخير، وأن أزوّدك ببريدي الإلكتروني الجديد الذي أنشأته للتو، وأول رسالة أبعثها كانت إليك. هذا هو بريدي الإلكتروني الجديد، وسوف تجدينني أبعث إليك كل يوم رسالة أزوّدكِ فيها بأخباري، وأخبار عملي هنا. وربما نتمكن من الالتقاء في الماسنجر ذات يوم، بعد أن أعرف التوقيت الزمني بين هنا وأمريكا.

    اعتني بنفسك عزيزتي، فلقد شعرتُ ببعض الأسى في نبرة صوتك آخر مرّة، ولم تقنعني الحجج التي سقتها على أي حال. سأنتظر ردك بفروغ صبر حبيبتي

    ملاحظة:
    أبعث إليك صوراً التقطتها من فرانكفورت، وأخرى من هنا.


    مخلصك إلى الأبد
    روبن سينجر
                  

11-03-2009, 02:03 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    ( من إيميلي سميث إلى روبن سينجر )
    الأحد: 13 سبتمبر/أيلول 2000

    عزيزي روبن!
    كم أنا سعيدة لأنك بخير. أنت لا تعلم مدى الفراغ الذي تركته في حياتي برحيلك، والوحدة التي أحس بها في كل لحظة. ذلك اليوم استيقظت صباحاً، ولم أجدك إلى جواري، ووجدت رسالتك على آلة تسخين الماء (أول ما استخدمه صباحاً)، لم أصدق ما قرأته في أول الأمر. خلتك ستعود كما كنتَ تفعل دائماً، لطالما كنتَ نزقاً ومزاجياً.

    كنت مستبصرةً بكل ما مررتَ به من وعكات نفسية، وما تركه عدم العمل على سلوكك حتى معي. كنتُ متفهّمة تماماً لكل ذلك، ولكن لم يكن بيدي شيء لأفعله. حاولتُ بقدر المستطاع ألا أقوم بشيء يزيد من شعورك بالطفيلية؛ رغم أنني لم أرك كذلك قط. أعرف عنك أنّك شخص مفرط الحساسية، وسريع التأثر، ولكنني لم أعرف أنّ هذا الأمر قد يؤدي بك إلى أن تقرر الرحيل بعيداً عني، بعيداً عن حضن إيميلي الدافئ الذي لطالما احتواك يا عزيزي.

    لستُ غاضبة منك، ولكنني أفتقدك بشدة، أكثر من أيّ وقت مضى. كل يوم أعود إلى المنزل، أتردد كثيراً قبل أن أضع رأس المفتاح وأديره لينفتح الباب على بيت موحش وكئيب كبيوت الأشباح، أو البيوت المهجورة، المسكونة بالأرواح الشريرة.

    كثيراً ما أسمع صوت ضحكاتكَ الرائعة في الأرجاء؛ فيخيّل إليّ أنك ممدّد في الداخل، وأنّك سوف تأتي في أيّة لحظة لتحتضنني من الخلف، وتشدني إليك بقوة، واستشعر الدفء والأمن بين يديك مرّة أخرى. ربما لن تصدقني –روبن- ولكن كل ما أحتاجه إليه هو أنت، ولن تفهمني على الإطلاق عندما أقول إن ما يجذبني إليك هو شعوري بك، وليس كونك عاملاً أو عاطلاً عن العمل.

    أتعلم أني أحسّ بالبرد كل ليلة؟ أجل! وأشعر بأنني وحيدة، وأنّ أوراق الجدران التي تلف البيت تملك أعيناً خفيّة تنظر إليّ بخبث، وتراقب كل ما أفعله. لم أستشعر هذا من قبل. كيف أمكنكَ أن تتركني هكذا روبن؟
                  

11-03-2009, 03:38 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الرابعة

    منذ أن غادرتَ وأنا أنام على الأريكة التي في غرفة الجلوس، أترك جهاز التلفزيون مفتوحاً حتى الصباح لأشعر بالأمن والاستئناس، حتى أنني اشتريتُ قطة شيرازية مؤخراً، وأسميتها "رويلي"، لتحمل اسمينا. وعندما أقدّم لها الطعام أتذكر حديثكَ عن البوميرينين وأضحك. أصبحت القطة تذكرني بك كذلك.

    لا أدري ما يتوجب عليّ قوله لك؛ هل ينبغي أن ألومكَ على ترككَ لي، أم أشجعكَ على ما قررت فعله؟ بوسعي أن أتفهم تلك الضغوط التي حملتك على اتخاذ هذا القرار، ولا شك أنّك كنتَ تعاني كثيراً، وأدركتُ ذلك منذ الأسطر الأولى لرسالتك. أريد أن أقول إنني لم أكن أكترث كثيراً بما كان يقوله الآخرون، وكنتُ على يقين بأن أوضاعكَ سوف تتحسن ذات يوم.

    أتعرف ما هي مشكلتك روبن؟ مشكلتك أن طموحك أكبر بكثير من إحساسك بنفسك. كان بإمكانك أن تكون رساماً عظيماً، أو نحاتاً مرموقاً، ولكنك كنتَ تبحث دائماً في المكان الخطأ. أخبرتك أكثر من مرة أن تركز بحثك في مجالك الذي تحبه، ولا أدري أين اختفى ولعك بالفن والنحت؟!

    أخبرني أبي قديماً أن امرأة مبتورة اليدين كانت تنفخ في وجه صخرة عملاقة تسد الطريق المؤدية إلى مراعي السافانا الشرقية، ولم تفلح يوماً في زحزحتها عن الطريق. كان الناس يسخرون منها ويقولون لها كلاماً محبطاً، غير أنّها لم تزل تنفخ بعزم حتى استطاعت أن تفعلها أخيراً. كان ذلك حدثاً عظيماً في القرية. عندما سألوها عن سرّ عزمها الفولاذي لم تجبهم بشيء على الإطلاق، واكتشفوا بعدها أنها صماء!

    أرأيت؟ لم تكن تسمع سخريات الآخرين، ولا ذلك الكلام المحبط، وربما لو سمعته لما تمكنت من إزاحة الصخرة حتى اليوم. أعرف أنّ كلامي قد يبدو سخيفاً بالنسبة إليك؛ ولكنني فقط أريد أن أقول إن الناس مُحبِطون، والآخرون دائماً سرّ الشقاء.
                  

11-03-2009, 03:46 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفصل الأول

    تابع: الرسالة الرابعة

    لا أحد يعرفك كما أعرفك أنا روبن؛ لذا فقد فاجأني قرارك هذا، ولم أستطع أن أتأقلم مع هذا الوضع الجديد حتى الآن. كنتُ أظنك تحبني كما أحبك، ولكنني اكتشفت أنني أحبك أكثر؛ فأنا أحبك كما أنت، وأنت تربط مشاعرك تجاهي بأشياء أخرى، لا قيمة لها عندي، لست رومانسية خرقاء، ولكنني أعني ما أقول.

    أتدري منتهى ما تبغيه أيّة امرأة في هذا العالم؟ إنها لا تحتاج إلى المال لتشتري به ما تريد، ولا تحتاج إلى العمل لتشعر بذاتها وكينوتها، ولا تحتاج إلى الشهرة والحفلات الصاخبة لتعبّر عن نضوجها الاجتماعي، ولا تحتاج إلى الجنس لتشعر بأنوثتها؛ إنما تحتاج إلى أن تشعر بالأمان في يد رجل تثق بأنه يحبها فعلاً. الأمر كرقصة الهاسل تماماً، فإذا لم تستشعر الراقصة الأمان مع شريكها فلن تؤدي الرقصة بشكل جيّد؛ ستخاف أن تتأذى إن لم يمسك بها في الوقت المناسب. عليها أن تثق به وبقدرته وبراعته. وعندما يحدث ذلك يؤدي الراقصان أروع رقصة لهما على الإطلاق.

    المرأة تحتاج إلى أن تستشعر بهذا الأمان من شريكها، وأن تستشعر منه الاهتمام؛ أن يكون فقط إلى جانبها. تريده مستمعاً إلى همومها لا متطوعاً لحلّها. المرأة منّا تريد فقط شخصاً يجيد الاستماع والتشجيع؛ حتى إزاء تلك المشكلات التافهة والحقيرة. وأنت روبن كنتَ ذلك الرجل بحق.

    لا يهمني من تكون، ولا يهمني كونك ثرياً أو فقيراً معدماً، لا يهمني إن كنتَ تقضي أعياد الميلاد المجيدة في باريس، أو تقضيها متسكعاً في أكثر شوارع لوس أنجلوس وضاعة، ولا يهم إن كنتَ تسكن معي أو كنتُ أسكن معك. المهم عندي أن نكون معاً، أن أحسّك إلى جواري دائماً. أحاول أن أقاوم شوقي إليك، وأن أوهم نفسي بضرورة ابتعادك عني، ولكنني أبدو كمن تحاول شواء قطعة من الزبدة!

    المال أحد الوسائل التي يُمكن أن نعبّر به عن الحب، ولكنه لا يصنع الحب. جيّد أن نمتلك المال، أن نشتري وردة جميلة في عيد الحب، أن نسافر معاً لقضاء الكرسماس في باريس، وأن تُهديني قلادة جميلة، وأهديك ساعة رولكس ذهبية. ولكن خير من كل ذلك أن تقبّلني بصدق، وأن أرى في عينيك الحب الذي أريده.
                  

11-03-2009, 05:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الرابعة

    سأخبرك بشيء وأريدك ألا تضحك: في أيام كثيرة أقضي الليل مرتدية ثيابك التي تركتها هنا في خزانة الملابس؛ بهذه الطريقة فقط أشعر بك وكأنك تحتضنني بقوة، وتسحبني إلى صدرك كما كنتَ تفعل دائماً، وأشمّ رائحتك في كل وضعية أكون فيها. أعلم أن هذا يبدو جنونياً، ولكنني أقوم بذلك فعلاً. يدور في ذهني سؤال الآن: "ماذا أخذت معك إن كانت جلّ ثيابك التي تحب ارتداءها مازالت هنا؟"

    الحياة -يا روبن- ليست طويلة كفاية حتى نهدر فيها أيامنا في الفراق والأشواق وانتظار المجهول. لا أريدك أن تعود؛ فأنا أحترم قراراتك الخاصة، ولكنني أريدك ألا تتوانى لحظة واحدة في العودة إذا لم تشعر بالارتياح في تلك البلاد.

    أوه! نسيت أن أسألك عن سرّ اختيارك لبلاد العرب؛ لِم لَم تذهب كما يفعل الجميع إلى المكسيك أو البرازيل أو حتى إيطاليا؟ لِم اخترت أبعد الديار لتسكنها، ولتجعل قلبي مشدوداً بحبل رقيق إلى حيث أنتَ دائماً؟ لا أدري ولكنني أشعر بأنك لن تكون بخير هناك.

    هنالك الكثير لأخبرك به، فمنذ رحلت حدثت أمور كثيرة، ولكنني فقط أحببت ألا يزاحمني فيك شيء آخر في أول رسالة تستلمها منّي. أريدك أن تعرف أنني أحبك، وأنني سأظل محبة لك، ولا يرتبط ذلك لديّ بقرار عودتك من عدمه. المرأة تحب دائماً دون أن تنتظر المقابل، وهذا ما لم تفهمه يا عزيزي.

    لقد أدهشني نزوعك للفضولية؛ فأنت لم تكن كذلك، كما أنك كنت تقول لي دائماً: "الحرية تولد مع الإنسان كأحد أعضائه"؛ لذا فلم تكن تكترث لما يرتدي هذا، أو ما يفعله ذلك. أراك الآن أصبحت شديد الملاحظة لأشياء ربما كنت تعدها تافهة هنا. هل بلاد العرب غريبة ومثيرة إلى هذا الحد؟

    سوف تضحك، ولكنني اشتريت كتباً تتكلم عن تلك الديار، وأنا –كالخرقاء- أبحث عنك في كل الصور التي أجدها. أقول: "ربما مرّ روبن من هذا الشارع، أو جلس على هذه الأريكة الصخرية في إحدى هذه المنتزهات، أو ربما اشترى بوظة مثلّجة من هذه المحلات، أو، أو، أو، أو ... هل أبدو لك سخيفة وبلهاء؟ أتمنى أن تراني فتاة محبّة؛ بل ومجنونة بك.
                  

11-03-2009, 06:02 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفصل الأول

    تابع: الرسالة الرابعة

    حدثني عن تلك الديار، وعن أهلها، ومشاهداتك وانطباعاتك، وإياك أن تظنّ أنني أشعر بالملل حيال ذلك، بل على العكس تماماً؛ بهذه الطريقة أشعر أنني أعيش معك كل لحظاتك التي تقضيها هناك، وأستشعر كل ما تقوله.

    عندما أخبرتني عن الرجل الذي استوقفك عند المصعد، شعرت بالخوف والقلق، حتى أخبرتني أنه كان فقط يريد استعارة قدّاحة؛ فضحكت كثيراً. ذكرني ذلك بصديقتنا كارولين باركر المصابة بفوبيا تجاه الغرباء. تعرف أنها ترتبك كثيراً عندما تداهمني بسؤال ما، حتى وإن كان سؤالاً عن الوقت. كان يتوجّب علينا أن نمهّد لها قبل أن نسألها عن أيّ شيء!

    لي طقوس خاصة جداً أتبعها في قراءة رسائلك الإلكترونية: فعندما أعود من العمل، وأنتهي من إجراء المكالمات الهاتفية الضرورية (غالبيتها تكون ردوداً على الرسائل الصوتية الواردة أثناء غيابي) أفتح الثلاجة، وأخرج شرائح الجبن، وأضع الخبز على آلة تحميص الخبز، وأقوم بتحضير فنجان النسكافيه، وصحن من الفشار (تعرف أنني أحب الفشار كثيراً، رغم أنه يؤدي إلى ظهور البثور على وجهي).

    أجلب كل ذلك وأضعه على طاولة قرب الأريكة التي في غرفة الجلوس، ثم أحضر جهاز كمبيوتري المحمول، وأتصفح بريدي الإلكتروني. أفرح -كطفلة وجدت هديتها المفضّلة تحت وسادتها في صبيحة أعياد الميلاد- إذا وجدتُ رسالة جديدة مرسلة من طرفك. أظل أقرأ الرسالة بكل نهم، وأنا أتابع كل كلمة تقولها عنك، وعن أخبارك في تلك الديار، وأظل أصوّر كل المشاهد التي تخبرني عنها وكأنني أشاهدها تحدث أمامي بالفعل. أضحك عندما يستدعي الأمر ذلك، وأخاف، وأقلق، وأبكي عندما يكون الأمر متعلقاً بك وبالغربة التي تعانيها. أحس عندها أنني بحاجة إلى أن أحتضنك إلى صدري بقوّة، فأفعل ذلك بكمبيوتري المحمول أو قطتي أو إحدى وسائد الأريكة المحشوّة بالقطن.

    أنا أيضاً أصبحت أمارس العادة السرّية! تقول لي إحدى صديقاتي (كاثي؛ تعرفها؟!): إنّ الأمر لا يحتاج إلى كل ما أعانيه، وتنصحني بأن أواعد شباباً آخرين. أعلم أنك غيور تجاه ذلك، ولكنني أحببت أن أطمئنك بأنني لم أواعد أحدهم بعد. أشعر بأني محتاجة إليك فقط وليس إلى شخص آخر.
                  

11-04-2009, 06:57 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الرابعة

    قد أخرج في كثير من الليالي مع مجموعة من الأصدقاء المشتركين؛ فنذهب للتزلج على الماء، أو نذهب للشاطئ، أو في رحلة صيد بحرية، أو نمارس الرياضة في إحدى النوادي الرياضية القريبة، ولكنني دائماً ما أحس بالفقد؛ لأنك لست موجوداً بالجوار. أقول ذلك رداً على قولك بأنني كنتُ أواعد شخصاً ما، والحقيقة أنّ ذلك الشخص الذي رأيته يدخل منزلي -مرتدياً معطفاً أبيض اللون، مطرّز عليه رسمة تنين- إنما هو ويليم روبرت صديق ليلي مامفورد، جاء يطلب مني أن أساعده في استعادتها بعدما تشاجرا آخر مرة، وإن كنتَ بقيت لربع ساعة إضافية، لكنتَ رأيته يغادر المنزل.

    في كل مرّة كنت أتساءل: "ترى ماذا يفعل هذا الروبن الآن؟ هل هو مستيقظ أم نائم؟ كم تكون الساعة الآن هناك؟ هل يواعد فتيات أخريات؟" أقسم -يا روبن- أنني إن عرفت بأنك تواعد فتاة غيري، سأفعلها، وأواعد أحد أولئك الشبان الذين يطمعون في أن ألقي عليهم التحيّة فقط.

    أنا بخير، ولا شيء جديد على الإطلاق قد تغيّر في حياتي (العملية منها أو الخاصة). كل الأمور كما تركتها قبل سفرك، حتى أنني ما أزال أتشاجر مع عمّال الصيانة بسبب فتحات التهوية. هل تصدق أنها ما زالت تعكّر عليّ مزاجي؟ حتى أنني أفكّر بشكل جدّي أن أرحل إلى منزل آخر؛ لاسيما وأنه يذكرني بك وبقصصنا ومواقفنا معاً. ولكنك تعلم ارتفاع أسعار العقار؛ لذا فإنني أترك الأمر الآن إلى وقت لاحق، حين تحين الفرصة المناسبة لذلك.

    بالمناسبة: لقد تزوّجت ليلي مامفورد ورحلت مع زوجها إلى كاليفورنيا. كان حفل عرسها رائعاً بالفعل. ورغم أنها انتهت باكراً، إلاّ أن الجميع كان مسروراً بتلك الزيجة. أتدري من تزوجت؟ لقد تزوّجت من ديفيد سكوت!تعلم أنها كانت تعشق ويليم روبرت، ولكن لا أحد يعلم لم تخلّت عنه على وجه التحديد. كنتُ أعلم أنهما أصبحا كثيري التشاجر في الفترة الأخيرة، ولكنني لم أصدق أن تكون تلك المشاجرات الطفولية سبباً وجيهاً يدعو للانفصال. ما يهم في الأمر أنني كنت قد جئت متأخرة، وفوجئت بالكثيرين يسألونني عنك. قلت في نفسي: "هل يسألون الآن فقط؟ يا لهم من أصدقاء!"

    سوف أقوم بمسح الصور -التي التقطتها في حفل الزفاف- ضوئياً، وأبعثها إليك في أقرب فرصة. لا أشك أنها سوف تثير شجونك كثيراً روبن، ولكن أرجو أن تساعدك في التواصل، والشعور بأنك لست بعيداً إلى ذلك الحد. أرجو أن يوفقك الرب في إيجاد عمل مناسب؛ وبالطبع سأكون سعيدة إن حدث ذلك. وأن يكون دائماً إلى جوارك. كن بخير فهذا أقل ما تستحقه عزيزي. مع أمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.

    ملاحظة:
    لقد وصلتني الصور المرفقة بالرسالة الإلكترونية. بعض اللقطات لك وأنت في فرانكفورت، وبعضها الآخر في خليج البترول، لقد بدوت أبدن من ذي قبل يا عزيزي، وتبدو بصحة جيّدة.

    أحبك .

    مخلصتك دوماً
    إيميلي سميث
                  

11-04-2009, 08:50 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    ( من روبن سينجر إلى إيميلي سميث )
    الثلاثاء: 15 سبتمبر/أيلول 2000

    عزيزتي إيميلي!
    من هذه البلاد حيث تعود تواريخ الرسالات السماوية القديمة والأساطير، أهديك أجمل التحايا، وأتمنى أن تكوني الآن –ودائماً- بأفضل حال.

    أنا جيّد، وصحتي جيّدة، وكل شيء على ما يرام عزيزتي؛ فقط ينقصني أن أجلس إليكِ، وأن نتحدث معاً كما كنّا دائماً. كيف هم أصدقاؤنا إيميلي؟ إني أفتقدهم كثيراً. كيف هو مايكل براون، أما زال يُدخّن الماريجوانا ويهذي؟ وكارولين، أما زالت تبحث عن قصة مناسبة لتجعل منها رواية تخلّد اسمها؟ كيف هي كاثي وكريستوفر كينج؟ أما زال في شرهه في تناول الكحول؟ وكيف هو ويليم روبرت وولكر رودريجرس والجميع؟ إني أشتاق إليهم كثيراً. لقد أشعلتِ -برسالتك الأخيرة- ناراً حميمة. ناراً أعدت إلى قلبي سلامها ودفئها.

    هنا أصبحتُ أكثر خمولاً، أكاد لا أمارس الرياضة كما في سابق عهدي، ربما أمارس رياضة الهرولة على فترات متباعدة جداً. وبدأت أشعر بأنني أفقد لياقتي شيئاً فشيئاً. هل تدرين؛ لديّ إحساس متعاظم بالشيخوخة! وكأنني أعيش على سطح كوكب آخر.

    الغربة شيء لا يمكن وصفه أبداً. عندما نقول (غربة)، فإننا نتحدث عن شيء غاية في المرارة. هل بوسع أحد وصف شعوره بالألم، والخوف بعيداً عن التعريفات الفسيولوجية العقيمة؟

    ومهما يكن الوصف؛ فإنه لن يزيد على كونه وصفاً جزئياً لأمر كليّ. نعلم جيداً –يا حبيبتي- أنّ رغبة الإنسان في الكلام ومن ثمّ اختراع اللغة نجمت في أساسها عن رغبته في وصف ما يشعر به؛ ولكن: هل نجح فعلاً؟ أنا لا أعتقد ذلك. نرى ونسمع عن شعراء وفنانين تشكيليين، وموسيقيين استعاضوا عن اللغة بفنهم. إنه لغتهم الخاصة، عندما عجزت اللغات الأم عن الوصف. نحن ما نزال قاصرين عن الوصف.
                  

11-04-2009, 10:27 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    الغربة: كإحساس غريب خجول بالتعري أمام النساء في ليلة شديدة البرودة، هو افتقار المراهق إلى الجنس، وافتقار المتديّن إلى الشعور بالغفران، وافتقار اللون إلى ضوء يُعبّر عنه. نعبُر نحن من خلال ذلك الشعور إلى منطقة أخرى من أنفسنا، ونبدأ في اكتشافها، وكأننا نتحدث عن أشخاص آخرين لا نعرفهم؛ ولا نحبهم أحياناً! هل تصدقين ذلك؟

    الغربة خليط من المشاعر المتضاربة والمتجانسة: وحدة، خوف، حنين، ولا تدرين أيّ هذه المشاعر أكثف حضوراً! ربما أقول ذلك لأن الحاسة الأخيرة المتبقية ليّ هي حاسة الشوق إليك. الغربة هي أن تشعر بالوحدة، وألا تستشعر السعادة فيما تفعله، وما تراه. الغربة أن تشتاق إلى شخص ولا تملك إلاّ أن تظل مشتاقاً إليه إلى الأبد، أن يعتصرك الشوق حتى لكأنه سيقتلك.

    أبتسم الآن وأنا أتصوّرك تغمغمين سراً: "لقد أصبح روبن رومانسياً!" ولكنني أؤكد لكِ أنني لا أسعى إلى أن أكون كذلك. أجمل الحالات الرومانسية تلك التي تأتي عفوية دون تكلّف؛ أليس كذلك؟

    لطالما شعرت بالسخرية إزاء أولئك الذين يغدقون على زوجاتهم وصديقاتهم الورود والكلمات المعسولة، وأولئك الذين يرتدون قبعاتهم وأقمصتهم الحمراء في الرابع عشر من فبراير/شباط من كل عام، حاملين باقات الورود الحمراء وهم يرددون بعض قصائد جون كيتس الرومانسية، أو يغنّون أغاني الحب التي كثيراً ما كانت تُشعرني بالنعاس؛ ولكنني الآن نادم على كل لحظة أضعتها من غير أن أحتفل بها معك في عيد تعارفنا الأول.

    هل تذكرين ذلك اليوم؟ لابد أنّك تذكرينه، ولكنني واثق بأنك لا تذكرينه بالتفاصيل التي أذكرها أنا. فلقد كنتِ ترتدين بنطال جينز من ماركة إدوين. كان ذلك في حفل ميلاد ليلي مامفورد السابع عشر، كانت قد بدأت تعد الأيام والدقائق منتظرة أن تحين اللحظة التي تبلغ فيها الثامنة عشر.
                  

11-04-2009, 10:30 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفصل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    كنتِ أجمل الحاضرات في نظري، وأنت تقفين وبيدك كاميرا التصوير وتوثيقين للاحتفال. قلت في نفسي عندها: "إنها فتاة أحلامك يا روبن"، ودرتُ حولك، دون أن تشعري بذلك، وبدأت أراقبك في كل حركاتك وسكناتك.

    عندما جاءت لحظة تقطيع التورتة، تجاسرت وقسمت لك حصتك بيدي. لا أدري ما كنتِ تظنين بي تلك اللحظة، ولكنني لم أشعر في نظراتك بارتياح. ربما كنتِ تقولين في سرّك: "ما هذا الشاب الذي كقطعة الجلاتين!"

    كانت تلك أول مرة أراكِ فيها، وأنا أؤرخ لعلاقتي بك منذ تلك اللحظة، ولكن علاقتنا الحقيقية بدأت بعد ذلك بأسبوعين أو أكثر، عندما سقطت بعد نزولك من الأفعوانية الفولاذية في مدينة الملاهي، وحملتك إلى دورة المياه.

    كان عليّ أن أغسل لك وجهك الجميل بيدي، وألا أتركك حتى تستردي عافيتك. عندها قلت لك: "لا يحق لفتاة جميلة مثلك أن تركب الأفعوانية؛ إنه قطار مجنون". عندها رميتني بنظرات غريبة لم أستطع تفسيرها على وجه الدقة، ولكنها كانت المرة الوحيدة التي تقاطعت فيه نظراتنا من مكان قريب.

    ما زلت أسكن الفندق، ولكنني وجدت عملاً أخيراً. اتصل بي أحدهم قبل بضعة أيام، وأخبرني بأنه ينبغي لي إعداد سيرة ذاتية لتقديمها إلى شركة تعمل في مجال تقنية المعلومات. فأرسلت له السيرة الذاتية في نفس اليوم.
                  

11-04-2009, 02:14 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    لقد تعجّب عندما عرف أنني كتبت في خانة المهارات الخاصة: إجادة التعامل بلغة الجافا؛ وكأنني ادعيت معرفتي بعلم الاحترار العالمي أو الكيمياء الحيوية. قال لي في رسالته الإلكترونية التالية: إنّ فرص العمل وافرة جداً بالنسبة إليّ مادام لدي معرفة بلغة الجافا؛ تخيّلي!

    ما كنتُ أدري بأن لغة الجافا مهمة إلى هذا الحد، وفي الوقت الذي تعلمنا فيه هذه اللغة في المدارس، فإنها هنا تدّرس في معاهد متخصصة. ويقال إنه لا يوجد الكثير من أبناء هذه الديار يتقنون لغة الجافا أو التعامل مع الكمبيوتر بشكل عام؛ هذا أشعرني ببعض الارتياح. ربما يعود في الفضل في ذلك إلى صديقنا مايكل براون.

    قبل يومين فقط اتصل بي، وطلب مني أن نلتقي في الشركة التي سوف أعمل بها. قال إنه يجب عليّ الحضور لمعاينة شخصية. عرفت -فيما بعد- أن ذلك ما كان إلاّ مجرّد إجراء شكلي ليس إلاّ. في ذات اليوم قمت بتوقيع العقد مع الشركة، وأخبروني بأنني سوف أعمل مديراً لقسم نظم المعلومات.

    همس لي ذلك الصديق بأنني سوف أترقى في هذه الشركة بسرعة، وأنّ مجال الكمبيوتر في هذه البلاد مجال غني جداً، وأنّ أيّ شركة تتمنى توظيفي لديها. أما المفاجأة الحقيقية فهو الراتب الذي سوف أتقاضاه؛ أتعلمين كم يبلغ راتبي الشهري؟ نعم! (الرواتب هنا تصرف بصورة شهرية وليست أسبوعية) سوف أتقاضى ما يُعادل (3.800) دولار أمريكي؛ هل تصدقين ذلك؟

    في البدء ينبغي لي أن أدفع قيمة الفيزا لكفيلي، وسوف يتيح لي هذا الراتب –فيما بعد- شراء سيارة بدلاً من التنقل بواسطة سيارات الأجرة؛ وعندها سوف أتمكن من معرفة المدينة بصورة أفضل. والحق أقول: إنني لم أكن أتوقع هذا العرض المالي قط، فهو مغر جداً، ولا أظن أنني كنت لأجد أفضل منه. بالتأكيد سوف تكون هنالك حوافز وبدلات إضافية على الراتب؛ ما معناه أنني سوف أصبح في وضع مالي جيّد في غضون أشهر قليلة.
                  

11-04-2009, 02:27 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    مدير شركتنا رجل ودود جداً يُدعى عبد الله الجاسر، وهو يُجيد اللغة الإنكليزية بشكل ممتاز، حاصل على درجة ماجستير في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الأمريكية، ما يُفسر إجادته للإنكليزية بهذا الشكل. مرة أخرى تذكرت بوشيدو وانتابني نفس الشعور بالتقصير.

    خيّرني بين بقائي في الفندق أو السكن في إحدى المجمّعات السكنية الخاصة بالأمريكيين، ولكن طرأت في ذهني فكرة مجنونة بالفعل؛ قلت له إنني أفضل أن أجد شقة في عمارة سكنية قريبة من مقر العمل، فابتسم وهو يقول: "سيّد روبن، هنا لا يمكنك أن تقيم في عمارة سكنية وأنت أعزب؛ فالعمائر السكنية في معظمها مخصصة للمتزوجين."

    في بادئ الأمر لم أفهم مغزى كلامه، ولكنني عرفت منه أنه يُمنع على العزاب السكن جوار العائلات. هذه إحدى القوانين التي صعقت لها كثيراً. ورغم كلماته الواضحة، إلاّ أنه تأكد لي ذلك، عندما حاولت أن أبحث عن شقة في عمارة سكنية يقطنها متزوجون بعائلاتهم وأطفالهم. فرفض صاحب العقار أن يؤجر لي الشقة بعدما عرف أنني أعزب. حاولت أن أشرح له أنني رجل منطو على ذاته، ولن أتسبب في ازعاج أحد، إلاّ أنه كرر عليّ ما قاله عبد الله الجاسر؛ فضحكت في سرّي لهذا القانون الغريب، وانصرفت.

    ما زلت أسكن في الفندق على كل حال، وربما أنتقل للعيش في إحدى المجمعات السكنية. يبدو أن الحياة هناك أجمل؛ هكذا أخبرني بوول غاردن. قال إن الحياة داخل المجمّعات السكنية مختلفة تماماً عن الحياة خارجها؛ حيث السينما وحمّامات السباحة، وصالات الديسكو، إضافة إلى الشراب الذي لا يتوفر خارج هذه المجمّعات.

    كما أنّ النساء داخل هذه المجمّعات لا يرتدين تلك العباءات السوداء الموحية بالكآبة. لقد أمضيت معه يوماً كاملاً في يوم إجازته، وكان يوماً رائعاً وجميلاً، غير أنني أردت فقط أن أعيش حياة العرب كما يعيشونها، أن أتخلص من أمريكيتي ولو شكلياً. ولكن يبدو أن هذا صعب حالياً.
                  

11-04-2009, 02:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    لديّ شعور قوي بأن قراري الذي اتخذته كان صائباً؛ فهاهي ملامح التغيّر بادية على مجمل حياتي القادمة ما يُعطيني دافعاً قوياً لاستثمار هذه الفرصة على الشكل الأكثر مناسبة.

    لا أصدق في كثير من الأحيان أنني نجحت أخيراً في الحصول على وظيفة مرموقة. لكِ أن تتخيّلي روبن سينجر مديراً لقسم ما؛ يالها من روعة! أن يكون الشخص مديراً؛ إنه لأمر رائع بالفعل.

    لقد تجاوز ذلك كل توقعاتي التي كنتُ أنشدها حتى في أكثر أحلامي روعة وخيالية. هل تعلمين أن الموظفين الذين سأكون مسؤولاً عنهم يزيد عددهم عن العشرين موظفاً؟ من بينهم بالطبع أبناء هذه البلاد؛ إن هذا ليدعوا للفخر فعلاً.

    بالمناسبة: الشركة التي سوف أعمل بها تُدعى (الشركة العربية المتحدة لتقنية وتحليل المعلومات). وذلك اليوم الذي وقّعتُ فيه عقد عملي مع الشركة دعاني عبد الله الجاسر إلى تناول الشاي في منزله.

    يسكن في فيلا فخمة جداً، وإن أردتُ أن أصفها لك فلن أستطيع لأنني لم أر مثلها من قبل. الفيلا مكوّنة من ثلاثة أجزاء: المبنى الرئيسي حيث صالات الجلوس التي تحتوي على شاشة تلفزيون بلازما عملاقة 42 بوصة، مع مكبرات صوت خارجية على نظام المسرح المنزلي، وقاعة للاحتفالات مجهّزة بكاميرات وأضواء ومسرح متطوّر، وقاعة أخرى للاجتماعات الخاصة مجهّزة بكل ما يمكن أن تحتاج إليه تلك الاجتماعات من أجهزة عرض وأنظمة تعليق فائق التطوّر، بالإضافة إلى فناء واسع جداً يحتوي على مواقف للسيارات، ربما بإمكانها أن تحتمل أكثر من 15 سيارة في وقت واحد.
                  

11-04-2009, 03:59 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    المبنى الآخر يحتوي على بركة سباحة كبيرة جداً للبالغين مجهّزة على أحدث طراز، إضافة إلى بركة سباحة أخرى للأطفال، وجميعها تعمل بنظام تقني متطور جداً؛ حيث تضاء مصابيح مقاومة للماء ليلاً من داخل كل بركة؛ لتعطي أرضية البركة وسطح الماء منظراً مدهشاً لا يمكن تخيّله أو وصفه.

    كما يوجد بالفناء ميدان لكرة السلة الأرضية، وصالة رياضية مزوّدة بأجهزة حديثة جداً. وعلى الزاوية الشمالية للمبنى توجد خيمة بمساحة تصل إلى 77م2؛ وهي تماماً كالخيام التي نراها ونسمع عنها في القصص العربية القديمة، ولكنها من الداخل مجهّزة بتقنيات وآليات حديثة، حيث يوجد بها نظام تنقية هواء متطوّر، وجهاز تكييف الهواء المائي.

    لقد أعجبتني جداً تلك الخيمة البدوية؛ فهي لا تحتوي على كراسي للجلوس، تخيّلي! ولكنها محاطة –بالكامل- بمجالس عربية تفصل بين كل ثلاثة منها بمتكأ مثالي جداً للاسترخاء. واللون الغالب في تلك الخيام هو اللون الأحمر. والأرضية مفروشة بسجاد ناعم ومثير. والسجاد لونه أحمر أيضاً. أما المبنى الرئيس، فهو يحتوي على غرف المعيشة والنوم وغرف الأطفال والمطبخ. ويفصل بين هذه المباني الثلاث بوابات كبيرة داخلية.

    لاحظت أنهم يخلعون أحذيتهم عند دخولهم إلى الخيمة. مشهد الخيام البدوية والجلسة العربية ذكرني على الفور بتلك التي نراها عند اليابانيين؛ فهم –كما تعلمين- لا يستخدمون الكراسي عند جلوسهم، ولكنهم يجلسون على الأرض حفاة الأقدام، وكذلك الأمر تماماً في الجلسات العربية. قدّم لي عبد الله الجاسر شراباً وصفه لي بأنه قهوة عربية، كان مذاقه مراً؛ فشربته على مضض، ولم أرغب في الاستزادة منه.

    عرّفني في البدء إلى زوجته السيّدة عائشة عبد الرحمن، وإلى جيش أبنائه التسعة، عرّفني عليهم؛ ولكنني لم أحفظ من أسمائهم سوى: سارة ومحمد. الأسرة وادعة جداً، وهم بشكل عام مضيافون جداً وكرماء. والغريب أن الأطفال كانوا يتقنون اللغة الإنكليزية. زوجة عبد الله الجاسر، كانت -كولئك النسوة اللواتي أراهن كل يوم في الشوارع والأماكن العامة- متشحة بالسواد، وتُغطي جسدها بكامله بعباءة لا تشف. كان لا يظهر منها سوى عيناها فقط، ولكنهما كانتا جميلتين، ومكتحلتين بكحل أسود قاتم.
                  

11-05-2009, 08:03 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصــــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    كان الأمر عن قرب مختلفاً نوعاً ما، أحسستُ تجاهها بشيء غريب للوهلة الأولى؛ إذ ذكرني منظرها -وهي بتلك الهيئة- براهبات الكنائس. ذلك الشعور جعلني لا أبتدر بمد يدي لمصافحتها، ولكنني انحيت لها، فكانت عيناها المكتحلتين ترمقانني من وراء نقابهما كعينا شبح غارق في الأبدية.

    كان الأبناء -الذين يدرسون في مدارس تتبع النظام الأمريكي في التدريس- يُتقنون اللغة الإنجليزية. هذا الأمر جعلني أشعر بالسعادة والفخر طبعاً. وكان يبدو على السيّدة عائشة أنها حامل في شهرها الرابع أو الخامس تقريباً. تعجّبت من مزاجية عبد الله الجاسر التناسلية، وأصبت بلوثة لأنني اكتشفت حب العرب للأطفال والإنجاب.

    قد تجدين أكثر من ستة أو سبعة أطفال في بيت عربي واحد. وأنا أستغرب من مقدرتهم الغريبة على احتمال كل ذلك! قال لي الجاسر عندما سألته: "كل طفل يأتي؛ يأتي رزقه معه". ولم أفهم سرّ هذه الجملة القدرية، ولكنني أومأت فيما يُشبه الاقتناع.

    عائلة الجاسر عائلة تقليدية جداً، غير أنها -بمعايير أبناء هذه البلاد- يعتبرون عائلة متحررة نوعاً ما، فالسيّدة عائشة عبد الرحمن كانت السيّدة الوحيدة التي أراها تُجالس الغرباء، رغم أنها لم تكن تتحدث قط؛ بل كانت تكتفي ببعض الضحكات المهذبة، والنحنحات المخنوقة من وراء لجامها التقليدي الأسود. ومن تحت عباءتها السوداء القصيرة كانت ترتدي جلباباً طويلاً مزخرفاً بألوان جميلة يغطي مجمل جسدها، وكانت ترتدي جوارب سوداء تغطي أقدامها فلم أر منها إلاّ عينيها الواسعتين كعيني بومة ناعسة!

    كان عبد الله الجاسر في خطابه لأبنائه يتحدث إليهما باللغة الإنكليزية في الغالب، بينما كانت السيّدة عائشة تكتفي ببعض الإيماءات والحركات الآمرة من يديها اللتان لا تحركهما إلاّ نادراً، وكان الجاسر يقوم بترجمة بعض ما يُقال لزوجته، فتشاركنا الحديث بمقاطع لطيفة من الضحك الذي على شاكلة السعال المخنوق.
                  

11-05-2009, 11:19 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بتروفوبيا (Re: هشام آدم)

    الفـصـــل الأول

    تابع: الرسالة الخامسة

    ما أثار انتباهي أنها كانت تعرف بعض الكلمات الإنكليزية، قال لي عبد الله الجاسر إنها تلتقط بعض الكلمات التي تسمعها من أبنائها أو من خلال التلفزيون، ولكنني انتبهت لأمر آخر أدهشني كثيراً؛ فلقد كان الأبناء مطيعين إلى حدّ يجعلك تعتقدين بأن هذه الأسرة أسرة مثالية.

    على الفور تذكرت تلك الحقبة المريرة التي كنتُ أعيشها في كنف والديّ في مونتانا. لا مجال للمقارنة؛ فهم في غاية التهذيب والامتثال: يكفي أن ينظر إليهما والدهما بعينيه فقط لكي يكفا عما يقومان به. تساءلت بيني وبين نفسي: "ترى ما سرّ هذا التهذيب الأسري الصارم؟ وكيف اكتسب الجاسر هيبة هوك سينجر دون أن يكون مثله؟"

    أشعرني الجميع بحميمية في العلاقة، وكأنني أعرفهم منذ فترة طويلة، وكنت أقرأ بعض الابتسامات اللطيفة في عيني السيّدة عائشة من وراء نقابها الحالك؛ بالإضافة إلى نظرات لم أستطع تفسيرها، فكثيراً ما كنتُ ألمح في عينيها نظرات استياء سريعة أو اشمئزاز عابرة؛ ولكنني لم أكلّف نفسي عناء فهم مغزى تلك النظرات؛ طالما أنها كانت من وجه غير مكتمل. لا بأس فهي لم تجلس معنا طويلاً ذلك اليوم.

    لقد أحسست أن هذه العائلة عائلة مثالية جداً، ولكن لم أشأ أن أصدّق انطباعي الأولي هذا إلى أن تتكشّف الأمور أمامي؛ لاسيما وأن بعض الأطفال كان يشذ ببعض السلوكيات التي تبدو أنها خارج إطارها التأدبي البيّن.

    بعد احتساء الشاي جلست أنا والسيّد عبد الله الجاسر نتناقش في مواضيع عديدة، كنت أصغي إليه باهتمام بالغ، وكان سر إصغائي ذلك أنني كنتُ أريد أن أعرف كل شيء عن أول عربي تتاح لي الفرصة للجلوس معه.

    سألته عن أشياء كثيرة حول العادات والتقاليد، وتحدثنا عن السياسية لبعض الوقت، وبالتأكيد تعرفين أنني لا أحب الكلام في السياسة، وهذا ما فهمه مني السيّد عبد الله فوراً.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de