إن السياسة بمفهومها الواسع هو عبارة عن تطبيقات استراتيجية تمر عبر قنوات عمل ذات طابع تنفيذي، وهذه التطبيقات ما هي إلاّ محاور يتفاوت سقفها الزمني حسب معطيات الواقع من جهة، وآليات التنفيذ المتاحة من جهة أخرى. والصراع باعتباره حركة إنسانية وفكرية شرط أساسي في هذه العملية التطبيقية، إذ أن الصراع - بشكله الديمقراطي المُعافى - هو المحرك الأساسي، والأكثر فاعلية نحو إيجاد صيغ متعددة لمشروعٍ واحد يتفق عليه الجميع. والسياسي المُحنّك هو الذي يستفيد من نتاج وإفرازات هذا الصراع لدعم أجندته، وتحديث آلياته من خلال قراءته الصحيحة للواقع وللاحتياجات، دون الوقوف عند حدود الصراع الضيقة، أو خلق صراعات هامشية لا تخدم المصلحة العامة.
فالسياسة إذاً هي فن إدارة الصراع، وبلورته إلى معطيات سليمة وإيجابية واستنباط الآليات بناءاً على المعطيات والقراءات الحيادية للواقع وللاحتياجات. وعليه فإن السياسة والصراع وجهان لعملة واحدة، ومحوران أساسيان لدفع أي عمل جماعي. وهنا أستثني الحركات الفردية التي لا تهدف إلاّ لتحقيق مكاسب قصيرة المدى، أو تهتم بفئةٍ بعينها دون بقية الفئات، فهي لا تحتاج إلى توفر الصنعة السياسية، ولا إلى قنوات يُعد من خلالها العمل: كالعمل الثقافي، والطوعي، والتوثيقي.
وإذا عرفنا ماهية العمل السياسي نكتشف حتمية أن يمر العمل السياسي عبر قنوات ذات اعتبار وتمثيل حقيقي وسط العينة المراد خدمتها. وهنا يأتي دور المؤسسات في تنسيق وتهذيب هذه المطالبات وإضفاء الصبغة الشرعية والرسمية عليها، لا سيما في ظل مجتمع لا يعترف بما هو غير رسمي. والرسمية هنا لا تعني الاعتمادية أو التثميل النسبي للشرائح، إنما يكتسب الجسم شرعيته من خلال القاعدة الجماهيرية التي يمثلها.
إن قيام كيان نوبي جامع هو مطلب وضرورة تقتضيها متطلبات المرحلة، وعلى جميع الفصائل النوبية الالتفاف حول هذه الضرورة لتحقيق هذا المطلب. لأن قيام هذا الكيان بالشروط الواردة أعلاه سيساهم في خلق تيار قوي نستطيع من خلاله كنوبيين المساعدة في تطوير المنطقة النوبية المهمشة وبالتالي الشروع في استقطاب رؤوس الأموال لتنفيذ المشاريع التنموية وتحقيق الحد الأدنى من البنية التحتية المفقودة حالياً. علينا أن نفهم أن الصراع هو أداة تساعد على ابتكار وخلق آليات جديدة تتمتع بشعبية واسعة لدا جميع الفصائل النوبية، ولا يجب أن تكون هي العقبة الكؤد التي تقف في وجه الهدف الرئيس. كما علينا أن نعلم أن المؤسسية ستييح لنا مستقبلاً تمرير خططنا ومشاريعنا بشكل أكثر نضوجاً ووعياً، بحيث لا يمكن تجاهله.
وقبل كل شيء فإن المؤسسية ستساعد في إذابة القواعد في الكيانات، والعكس بالعكس ما يوفر فرصة مشاركة أوسع ضمن إطار الفلسفة الجماعية للعمل التنموي. ولكن الأهم من كل ذلك هو أن تتصالح الكيانات والقواعد مع أنفسها، وتحدد بوضوح أهدافها ومطالبها، وترسم مسارها الأقصر لتحقيق هذه الأهداف، حتى لا يزيغ الزائغون عن هذا المسار، وتفضي إلى صراعات جانبيبة قد تؤدي تشتيت الجهود، وبالتالي إلى ضياع القضية.
هشام آدم محمد عضو جمعية التراث والثقافة النوبية الدمام
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة