يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 10:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام هباني(هشام هباني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2010, 07:42 AM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3405


    الموضوع : البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ«الصحافة»: مشروع الدولة الدينية هو زعم باطل مفهوميا
    ___________________________________________________________

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ"الصحافة":

    عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل
    إذا لم ينصلح حال الناس في دخيلة ذواتهم فلن يجدي ان يتولى قيادتهم من يدعي المنهجية الاسلامية

    مشروع الدولة الدينية هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية

    يكفيني أني مسلم وحقيقة تكويني العرقي الجيني تؤكد إني افريقي تماما

    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجها مشرفا للمفكرين السودانيين في المحافل الأقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الاسلام والمسلمين وحقوق الانسان وقضايا التحرر الانساني والقانون الدولي أن يقدم مساهمات ثرة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الاسلامي بشكل خاص والانساني بشكل عام. فوقا عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الانجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية»طائر الشؤم».
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضرا في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والافريقية والاوربية والامريكية محاضرا واستاذا زائر وهو الآن استاذ القانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة منذ عام 1995. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الاكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
    وبوصفه تلميذا وفيا لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدم نفسه شهيدا في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للاستاذ دورا مقدرا في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
    وأخيرا أصدر النعيم كتابا جديدا حول العلمانية بالانجليزية ـ وترجم إلى ثماني لغات ـ وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية .
    «الصحافة» انتهزت فرصة تواجد البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الأول منه:
    * نرجو أن تعطينا فكرة عن نشأتكم والعوامل التي قادتكم للانضمام لجماعة الاخوان الجمهوريين؟
    ـ ولدت عام 1946 بقرية المغاوير التي تقع غرب النيل من شندي، وكانت طفولتي المبكرة في مدينة الخرطوم بحري، ثم عطبرة حيث كان والدي جنديا بالجيش السوداني ـ سلاح المدفعية. وكانت المرحلة الأولية من تعليمي بمدرسة عطبرة الشرقية الابتدائية، ثم عطبرة الاميرية في المرحلة المتوسطة، ثم مدرسة الاحفاد الثانوية بأمدرمان، وانتهيت بكلية القانون بجامعة الخرطوم، حيث تخرجت من القسم المدني عام 1970، وتم تعييني معيدا بكلية القانون وابتعاثي فيما بعد للدراسة العليا بجامعة كمبردج للماجستير وجامعة أدنبرة بأسكتلندا للدكتوراة في القانون، وعدت إلى السودان عام 1976 للعمل كمحاضر بكلية القانون بجامعة الخرطوم.
    ولم يكن في طفولتي ونشأتي مايميزني عن أقراني، أو يؤهلني للإنتساب للاستاذ محمود فيما بعد. قضيت طفولتي وشبابي الباكر متنقلا بين عطبرة وقرية المغاوير وكانت بدايات تعليمي بخلوة الشيخ المأمون بالمغاوير، حيث حفظت بعض جزء عم من القرآن، ثم تنقلت في المراحل الدراسية المختلفة والاطلاع على الروايات ومتابعة الحوارات الفكرية خلال الستينات من القرن العشرين. كما أنني كنت مثل غيري من أبناء جيلي في حيرة من أمري..إذ كنت متنازعا بين عقيدتي كمسلم من ناحية وميلي للفكر التحرري اليساري من الناحية الأخرى. ولحرصي على استقلالي بأمر نفسي لم انتسب لجماعة الأخوان المسلمين ولا إلى التنظيمات الديمقراطية اليسارية في أي من المراحل الدراسية. واستمر الحال هكذا حتى السنة الثانية بجامعة الخرطوم حيث بدأت العمل في صفوف ما كان يسمى بالمؤتمر الديمقراطي الاشتراكي. ولم أجد في نفسي حماسا للمشاركة الواضحة في ذلك التنظيم الطلابي لأنه كان يعرف نفسه بمعارضة الإتجاه الاسلامي من ناحية والجبهة الديمقراطية من الناحية الأخرى، لكنه كان يفتقر للرؤية الفكرية والسياسية الخاصة به. وخلال العطلة الصيفية بين السنة الثانية والثالثة بجامعة الخرطوم تيسر لي الاستماع للاستاذ محمود محمد طه لأول مرة بنادي الخريجين بعطبرة وكانت تلك هي نقطة التحول الكبرى في حياتي وإن لم أكن واعيا تماما بذلك وقتها وعند عودتي لمواصلة دراستي بجامعة الخرطوم للعام الثالث واصلت حضور ندوات الاستاذ محمود بمكتبة «للهندسة المدنية» بعمارة ابن عوف بالسوق العربي بالخرطوم، ثم حضور الندوات التي كان يقيمها بمنزله بمدينة المهدية فيما بعد. وبذلك تواصل انتسابي لجماعة تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968 ومشاركتي في العمل العام بين الاخوان الجمهوريين حتى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 حيث غادرت بعدها السودان في ابريل عام 1985 للعمل كباحث ثم استاذ زائر بجامعة كلفورنيا، لوس انجلس ومواصلة العمل في مواقع مختلفة خارج السودان منذ ذلك الحين..
    * إذن كيف كان وقع إعدام الاستاذ محمود محمد طه عليكم شخصيا وتاثير ذلك على الجماعة وفكرة تأسيسها وواقعها التنظيمي السياسي؟
    ـ لقد كان استشهاد الاستاذ محمود محمد طه علي شخصيا فاجعة كبرى أكثر مما أقدر على التعبير عنها حتى اليوم. ولكنه أيضا الدليل القاطع عندي على حق وصدق دعوته وصلاح منهجه في الحياة فقد عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل . وبما أن جماعة الاخوان الجمهوريين لم تكن حزبا سياسيا ولا حتى تنظيم لحركة أجتماعية فلم يكن اثر استشهاد الاستاذ محمود على هذه الجماعة إلا كما ينبغي أن يكون. فالشاهد على حق الفكرة هو في النموذج الكامل الذي قدمه الاستاذ محمود نفسه بحياته ومماته ولا غاية لتنظيم الجماعة ولا قيمة لواقعها السياسي أكثر من ذلك.
    * ولكن هل تصنف الفكرة الجمهورية يا بروف كونها فكرة للإصلاح الديني أم كونها مشروع سياسي سوداني لمقابلة احتياجات سياسية أكثر من كونها دينية؟
    ـ الفكرة الجمهورية كما يعرفها صاحبها وداعيها الاول الاستاذ محمود محمد طه هي السعي الجاد إلي بعث الاسلام واعادته إلى قوته لتغيير الانسان وترفيعه إلي مكارم الاخلاق والمسؤولية والرشاد فجوهر الفكرة الجمهورية هو الاسلام، وهو منهاج النبي عليه الصلاة والسلام في العلم والعمل، في العبادة والسلوك اليومي بين الناس ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية تهتم بالقضايا السياسية ولديها مواقف واضحة ومحددة في كل مجريات الاحداث التي تهم المسلمين والبشرية جمعاء. ولكن ذلك لا يجعل الفكرة مجرد مشروع سياسي سوداني لمقابلة الاحتياجات السياسية للشعب السوداني فقط. فهذا المشروع السياسي هو ضمن مناشط العمل لتحرير الانسان من الخوف والجهل واعانته على تحقيق العبودية الكاملة لله وحده سبحانه وتعالي وهذا سعي سرمدي في هذه الحياة الدنيا وما بعدها إلى الأبد. والمجتمع الصالح، كما يؤكد الاستاذ محمود في كتابه «الرسالة الثانية» هو من أنجع الوسائل في تحقيق الحرية الفردية المطلقة وتلك هي غاية الفكرة الجمهورية لأنها هي غاية الاسلام وجميع الاديان ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية ليست فقط محاولة في الإصلاح الديني وإنما هي المنهج والسبيل الأوفق عندي في إصلاح الانسان، من حيث هو أنسان ، فإذا انصلح الانسان واستقام على مكارم الاخلاق انصلحت بذلك جميع أحواله وأموره بما في ذلك مجريات السياسة والاقتصاد والعلائق الاجتماعية . وإن لم ينصلح الانسان بالتدين الصادق فلن تجدي المشروعات السياسية وحتى لو أجمع عليها الناس.
    * إذن كيف ترون مصطلح «الاسلام السياسي»، وهل تعتبر الفكرة الجمهورية جزء منها، وفي حال الاتفاق ان هناك إسلاما سياسيا فهل هناك إسلام غير سياسي؟
    ـ مصطلح الإسلام السياسي هو اشارة إلى مشروعات سياسية في المقام الاول وإن كانت تدعي قداسة الاسلام أو تزعم تحقيق غايات الاسلام في الحياة العامة . وبما أن الفكرة الجمهورية هي الاسلام عندي فإن مصطلح الاسلام السياسي لا ينطبق عليها. ولا يعني هذا ان هناك اسلاما سياسيا واسلاما غير سياسي، لأن الإسلام يهتم بالسياسة كأحد الوسائل لتحرير الانسان وإصلاح المجتمع كما سبق القول. وكما كان الاستاذ محمود محمد طه يؤكد بإستمرار فإن الحزب الجمهوري سابقا وحركة الاخوان الجمهوريون بعد ذلك لم تكن احزابا سياسية بالمعنى المألوف وإنما فقط وسائل في تنظيم الدعوة للاسلام وفق منهاج النبي عليه الصلاة والسلام. وكان الاستاذ محمود يؤكد أيضا أنه إذا إنصلح حال الناس أفرادا وجماعات فلا يهم من يتولى القيادة السياسية نيابة عنهم. وإذا لم ينصلح حال الناس في دخيلة ذواتهم وحقيقة معاملاتهم فلن يجدي أن يتولى قيادتهم من يدعى المنهجية الإسلامية في الحكم أو يزعم تحقيق غايات الاسلام في العمل السياسي.
    * الاخوان المسلمون أو الجبهة الاسلامية أو الاتجاه الاسلامي في السودان يعتبر خصما أساسيا للفكرة الجمهورية وبذلوا مجهودا في منازلة الفكر الجمهوري وإغتيال قائده..مع ذلك هل يمثلون بالنسبة لكم جزء اساسيا من تيارات الفكر السياسي الاسلامي التي لا يمكن تجاوزها؟
    ـ هذه المزاعم معروفة عن الاخوان المسلمين «بأي تسمية إتخذونها لأنفسهم» وقد دفع السودان وبعض المجتمعات الاسلامية الأخرى ثمنا غاليا لذلك التخبط الاهوج. وكما راينا في تجربة السودان عند نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين فإن بعض قيادات الاخوان المسلمين قد تنازلت عن مزاعمها السابقة من إدعاء تأسيس الدولة الاسلامية أو إعادة صياغة المجتمع وفق تصورهم هم لمقتضيات التوجه الحضاري الاسلامي المزعوم. وهكذا نرى أن هذه التنظيمات لا تبقى على حال واحد، بل هي تتغير بإستمرار من خلال عراك داخلي وصراع خارجي مع التيارات السياسية الأخرى. وكما كانت سنة التطور في الحياة دائما فالباطل يذهب كزبد السيل والصالح يبقى وينمو بقدر مقدرته على التصحيح الذاتي. وأنا لا أرجو لأي من قيادات الاخوان المسلمين أو غيرهم من الصفوة السياسية البقاء والفناء إنما أعلم تماما أن الباطلا لا يجوز إلا على نفسه، وإن المغامرات الهوجاء محتومة الفشل.
    * مشروع الدولة الدينية في السودان تمثل في تجربتي أواخر ايام مايو وواقع الدول السودانية الحالية، كيف تقيمون التجربيتين وأثرها على مستقبل السودان..؟
    ـ مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية ولا فرصة عملية في ممارسة المجتمعات الإسلامية ، كما أقرر من خلال عرض تاريخي وتحليل ممفهومي في كتابي «الاسلام والدولة العلمانية» الذي صدر باللغة الاندونيسية في يوليو 2007 وباللغة الانجليزية في مارس 2008 فالدولة هي دائما مؤسسة سياسية لا تقدر على التدين أو الاعتقاد في ذاتها، فالمقصود بهذا الزعم هو القول بأن القائمين على أمر الدولة يستغلون مؤسساتها وسلطاتها لتنفيذ فهمهم للدين.
    وإذا ظهر الامر على حقيقته هذه فسنرى بوضوح خطل الزعم وخطره على مصالح الناس وقد دفع السودان منذ نهايات عهد مايو وإلى نهايات عهد الانقاذ الثمن الباهظ لهذه المغامرات الهوجاء كما سبق القول . وعلى فداحة هذا الثمن فإن أثر هذه التجارب الفاشلة سيكون لصالح السودان وصالح كافة المجتمعات البشرية في المستقبل القريب إن شاء الله لأنه سيكفينا عن مثل هذه الحماقات ويقودنا في سبل الخلاص بتصحيح سوء الفهم وردع سوء القصد والغرض.
    * تقولون إن «مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية».. هل هذا يعني أن ليس من أهداف الفكرة الجمهورية تحقيق الشريعة الاسلامية في المجتمع المسلم وإذا كان تحقيق الدولة الدينية ليس من أهدافكم هل هذا ضمنيا يعني أن الهدف الاساسي هو تحقيق الدولة العلمانية؟
    ـ من الضروري أن نميز هنا بين المجتمع المسلم والدولة الاسلامية المزعومة . كما رأينا في تجربة السودان فإن مزاعم الدولة الاسلامية إنما تنجح في إشاعة النفاق والفساد ولن تنجح الدولة في اي مكان على إقامة الشريعة بين الناس لأن الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية لا يكون إلا بالنية الخالصة والصدق في القول والعمل وذلك دائما هو حال المسلم في خاصة نفسه وضميره المغيب عن أجهزة الدولة.
    وبما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام فإن منهجها في إشاعة الشريعة بين الناس هو منهج الاسلام القائم على العلم والعمل لدى كل مسلم لتغيير وإصلاح نفسه. فالفكرة الجمهورية تهدف إلى تصحيح إلتزام الإسلام لدى كل مسلم حتى يتحقق بذلك المجتمع المسلم وليس بإقامة دولة تزعم أنها اسلامية وتلك هي مغالطة وخداع للنفس وأرهاب للناس، وأرجو أن تذكر القارئ بالاطلاع على الفصل الاول من كتابي باللغة العربية على موقعي: www.law.emory.edu/fs.
    * في حال المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة هل نستطيع أيضا ان نفرق بينها ودولتها، وهل نستطيع أن نبعد قيام اركان هذه الدول على هدى من الشريعة الاسلامية ما دام أن غالبية المجتمع مسلمة.. ثم ماذا لو أن شعبا ما طالب عبر الديمقراطية بتديين دولته..؟
    ـ التمييز بين الدولة والمجتمع ضروري في كل المجتمعات بما في ذلك المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة وكذلك من المفيد التمييز بين الدولة والحكومة. فالدولة هي استمرارية المؤسسات مثل القضاء والتعليم والخدمة المدنية والخدمة الدبلوماسية، فهذه المؤسسات تلحق بسيادة الدولة ومصالح جميع المواطنين لذلك يجب ان تبقى مستقلة عن هيمنة الحكومة التي تختلف وتتغير حسب إرادة الناخبين في النظام الديمقراطي. وكما نرى في حالة السودان وغيره من البلدان الاسلامية فإن وجود أغلبية من المسلمين لا يعني إتفاقهم السياسي بل تختلف الفرق والاحزاب بين المسلمين، فالقول بان أغلبية المواطنين من المسلمين لا يعني بحال من الاحوال الاجماع على سياسة معينة وحتى لو حصل ذلك فهو على مستوى الحكومة وليس على مستوى الدولة..فالخيار الديمقراطي هو دائما للحكومة بصورة تقبل تغيير الحكومة في الدورة القادمة وهذا هو السبب في التمييز بين الدولة والحكومة، لأن الدولة تبقى في خدمة جميع المواطنين دائما على السواء بينما تأتي الحكومة أو حكومة أخرى وتذهب حسب خيار الناخبين. واستحالة تدين الدولة هي مسألة في جوهر الدين والدولة. الدولة مؤسسة لا تملك ولا تقدر على الاعتقاد الديني إطلاقا حتى لو اجمع جميع المواطنين على هذا المطلب والخيار الديمقراطي يعني أن حكومة منتخبة مثل ما نرى في تركيا الآن تملك التفويض لمتابعة سياسات يراها البعض إسلامية حسب رغبة الناخبين ولكن هذا لا يغير طبيعة الدولة التركية نفسها، وفي الدورة التالية قد يتم انتخاب حكومة اشتراكية أو محافظة/رأسمالية ثم تقوم بمتابعة سياساتها هي. فالحكومة تتغير والدولة تبقى.
    * كيف تنظرون لمركبات الدولة السودانية إثنيا وثقافيا واجتماعيا..هل يجوز القول أن هناك أمة سودانية واحدة ذات ثقافات متعددة؟
    ـ من قيم الاسلام وحكمه معرفة العلاقة بين الوسائل والغايات ووضع الامور في نصابها. ومن ذلك معرفة أن الغاية من ضبط وتنظيم شؤون المجتمعات هي توفير المناخ المناسب لانجاب الفرد الحر الكريم وأي وسيلة تهدد هذه الغاية النبيلة هي وسيلة فاسدة ومفسدة ومن ذلك الانشغال بأمور الامم عن غاية حفظ الكرامة للانسان وتوفير سبل الحرية والعدل والمساواة، فلا اعتبار عندي لأوهام القومية السودانية أو غيرها من الامم على حساب حرية وكرامة جميع الافراد والجماعات في سبيل سراب الوحدة أو أوهام المجد للامم فإذا نظرنا إلى الامر في هذا الاطار فسنجد أنه من الممكن التوفيق بين التعددية الاثنية والثقافية والاجتماعية في اطار القطر الواحد. وإذا انشغلنا عن قاعدة أن الانسان هو دائما غاية التنظيم الاجتماعي والسياسي فسوف نبدد الجهد في مطاردة أوهام الدولة والامة على حساب الغاية المرجوة من ذلك، فلا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية سواء كانت إثنيا أوثقافيا. فكرامة الانسان هي الغاية والوحدة القومية لا تستقيم إلا مع الرعاية الكاملة لتلك الغاية.
    * جاء في حديثكم أن «لا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية إثنيا وثقافيا واجتماعيا» بيد أن هناك فرق بين تصور هذه الامة فكريا وتحققها على ارض الواقع..ألا ترون أن السودان بمفهوم الامة لم يتشكل بعد، وهل المظاهر المتحققة ألا ترونها تمثل وجها للثقافة العربية الاسلامية، بنما لا يوجد تأثير للثقافات الأخرى كما يشكو بعض الناس..؟
    ـ هذا التصور الصحيح للأمة السودانية يكون على المستوى الفكري حتى يتحقق على أرض الواقع إلا أن العلاقة بين النظرية والممارسة هي سجال وتفاعل بين الفكروالعمل بحيث يكشف الفكر الواعي عن عيوب الممارسة ثم يتبع العمل لتصحيح الخلل على أرض الواقع. ومن هذا المنظور فإن مفهوم الامة السودانية لا يزال في مجال التكوين والتداول بين الخطأ والصواب. وفي حقيقة الامر هذا التداول والتطور هو حال جميع الامم حتى في الدول المستقرة والتي لا تزال أبدا في محاولة مستمرة لتعريف نفسها وتحديد هويتها إلا أن الصراع حول هوية الامة أكثر حدة في الدول النامية مثل السودان مما هو في الدول المتقدمة ومن مظاهر هذا الصراع في حالة السودان أن مقومات الثقافة العربية والإسلامية اكثر هيمنة على مظهر الامة السودانية من المقومات الاخرى، وهذا خلل كبير وقصور في تحقيق حق المصير لجميع قطاعات الشعب السوداني. فالمطلوب هو تصحيح التصور النظري والممارسة العملية حتى تجد الثقافات الأخرى نصيبها في تشكيل الهوية القومية للسودان كأطار لوطن يمثل جميع السودانيين. ولكن يجب أن نرى ذلك الجهد في إطار التكوين والتحولات المستمرة في صياغة الهوية القومية، وليس كخيار صارم بين الهوية الافريقية والهوية العربية الاسلامية، وكذلك يجب أن نرى ما يسمى بالهوية الافريقية أو العربية الاسلامية على حقيقتها المتنازعة والمتغيرة بإستمرار، فكل هوية هي دائما في حراك وتحول، ولا تبقى على حالة واحدة. كذلك يجب أن نرى تنوع الهوية وتعددها في حالة الفرد الواحد والجماعة. فأنا سوداني وذلك يعني أني أفريقي ومسلم وأتحدث العربية وأتفاعل مع قضايا التحرر الافريقي والعربي وكذلك أنتمي إلى حركة حقوق الانسان العالمية ومناهضة الاستعمار والسعي لتحقيق التنمية الشاملة وكل ذلك في تساند وتعاضد مع أناس من مختلف أنحاء العالم.
    * أراك قدمت نفسك كأفريقي أولا على غير عادة أغلبية معتبرة من السودانيين الذين يقدمون عربيتهم على أفريقيتهم كأنك توحي بأن عروبتك ثقافية وليست جينية بقولك إنك تتحدث العربية..؟
    ـ نعم أنا أفريقي مسلم وأتحدث باللغة العربية وهذه هي الحقيقة الظاهرة والموضوعية فغالبية أهل شمال السودان ليسوا عربا عرقيا وإن كنا ننتسب للثقافة العربية .بل أنا لا أرى أي قيمة حضارية في الانتساب للعروبة التي لم تدخل التاريخ إلا عن طريق الاسلام ، فالعروبة عنصرية ضيقة والانتساب للاسلام هو القيمة الحضارية الانسانية فيكفيني أني مسلم وحقيقة تكويني العرقي الجيني هو أفريقي تماما ومع هذا فأنا لا أعول على الهوية العرقية ولا الثقافية بصورة تستبعد ابعادا أخرى لكياني ووجداني كأنسان مشغول بقضايا التحرر وحماية حقوق الانسان وأقف في ذلك مع من هو عربي وأوربي وهندي وصيني ما دام يشاركني هذه المواقف.ومن هذا المنطلق في فهم هويتي الافريقية وثقافتي العربية وتنوع انتماءاتي ومشاركاتي في الحياة العامة فأنا أدعوا إلى تجديد وتصحيح مفهوم السودان بين السودانيين ليكون شاملا لجميع الاعراق والثقافات التي ينتمي إليها أهل السودان حسب رؤيتهم الذاتية لأنفسهم وليس كما تصنفهم الصفوة الحاكمة. وتصحيح وتجديد مفهوم السودان ليس هو سودان جديد وإنما يقوم على نفس السودان وفقط يدعوا إلى إعادة صياغة المفهوم سياسيا


    ________________



    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم ل*«الصحافة»2 - 4

    لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية «طائر الشؤم».
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون الدولي» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.

    وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.

    وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثاني منه:


    ? كيف تقيمون عمل الحركات السياسية المسلحة، هل تكتسب مشروعية عملها من خلال فشل الدولة في تلبية احتياجات من يمثلون؟

    * القاعدة الأساسية في سياسة أمور الامم والشعوب هي أن العنف لا يجدي إلا في مضاعفة المعاناة وجلب الخسائر على أصحاب كل قضية وبخاصة على النساء والأطفال والمستضعفين بينهم إلا أن الدفاع عن النفس والعرض والكرامة ليس عنفاً، بشرط أن يكون ذلك في أضيق الحدود وفقط من أجل حمل الاطراف المتشددة على التفاوض الذي من خلاله يمكن التوفيق بين المصالح المتصارعة. ولأننا لا نرى دائماً أن اللجوء إلى العنف حتى باسم الدفاع عن النفس إنما هو تسويف لفرص الحوار والتفاوض والتي لا بد منها في نهاية المطاف فإني اتشكك دائماً في نوايا قيادات الحركات المسلحة.

    وحتى لا يصرِّف القارئ قولي هذا بأنه تعميم غير مفيد فأنا أقول بالتحديد أن قيادات الحركات السياسية المسلحة في دارفور مثلاً عليها واجب التفاوض بالطرق السلمية وصحيح أن بعض قيادات الحكومة تراوغ وتتحايل لتجنب التفاوض الحاسم. إلا أن هذا لا يعفي قيادات الحركات المسلحة من واجب التفاوض فهناك فرق بين اللجوء للعمل المسلح طلباً للتفاوض والتذرع بضيق فرص التفاوض لتبرير استمرار العمل المسلح. والسؤال لقيادات الحركات االمسلحة في دارفور هو لماذا تدعو وتسعى من وراء المعارضة للحكومة، وكيف تختلف عن القيادات السياسية التقليدية؟ كيف نعرف ان القيادات الجديدة لن تستغل قضية المستضعفين في دارفور في خدمة الصفوة كما فعلت القيادات السا بقة؟

    ? المعارضة السياسية السودانية.. على اعتبار أنكم طرف أصيل فيها من ناحية مقاومة مشروع الدولة الدينية فكرياً.. كيف تقيمها؟

    * لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرَّد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة. فلدى التحليل العلمي والموضوعي لحقيقة الصراعات السياسية في السودان منذ الاستقلال سنجد أن نفس القيادات تتناوب أدوار الحكومة والمعارضة في دوامة مفرغة وذلك على حساب استقرار وتنمية البلاد وسلامة وكرامة المواطنين. فما يسمى بمشكلة الجنوب أو مشكلة دارفور الآن هما أعراض لنفس المرض وهو غياب المذهبية الواعية وتدني مستوى المسؤولية لدى قيادات الشعب السوداني ولكل من هذه الأعراض سماته الخاصة ومواصفاته المحددة إلا أنها لن تجد الحل إلا بإقامة المذهبية الواضحة وتحمل المسؤولية في تأسيس العمل السياسي على مبادئ الحكم الدستوري الديمقراطي داخل الأحزاب نفسها حتى تكون قادرة على تحقيقه على مستوى القطر.

    ? تفضلتم بالقول إنه «لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة..» كأنك تستطرد على ما قاله الاستاذ محمود إن الشعب السواداني عملاق ويتقدمه أقزام؟

    * كان الأستاذ محمود يقول بعد ثورة أكتوبر 1964 إن الشعب السوداني عملاق يتقدمه أقزام، والمؤسف والمحزن أن هذا القول لا يزال صحيحاً في حق القيادات السياسية الراهنة. بل أن هذه القيادات لا تزال لنفس الافراد والذين ما زالوا على نفس التخبط والقصور وعدم الكفاءة، إلا أن المجال مفتوح في كل يوم لجميع أفراد الشعب السوداني لتقدم وتحمل مسؤولية قيادة نفسه في المكان الاول وتحريرها من الخوف والجهل وذلك هو السبيل الوحيد لتصحيح حال قيادة الأمة جمعاء، فعلى الشعب السوداني العملاق أن يعلم الخلاص من قيادة الاقزام له إنما هو في قيادته لنفسه بنفسه.

    مشكلة الجنوب هل هي جزء من الصراع الديني في السودان أم يمكن النظر إليها بوصفها تجل لمظاهر صراع التركيبات الاثنية السودانية؟

    * أعتقد فيما يسمى بمشكلة الجنوب أننا نجد بعداً دينياً وهو كذلك طرف من تعقيد التركيبات الاثنية والثقافية ولن يكون حل هذه المشكلة بإذابة الفوارق الدينية والثقافية بين الجنوب والشمال، أو في الجنوب، أو في الشمال.. وإنما يكون الحل بتأسيس الحكم الدستوري الديمقراطي الذي يمكن جميع السودانيين من التفاوض المستمر وتقاسم السلطة والثروة بين جميع القطاعات والشرائح وليس في مساعي الوحدة مخرج للجنوب ولا للشمال على حساب حرية وكرامة الإنسان السوداني في كل أنحاء القطر.

    ? ما هي مساهمات الجمهوريين في حل مشكلة دارفور كجزئية ملحة في إطار الصراع السوداني الكبير؟

    * لا أتحدث أنا باسم أستاذي محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا أملك حق الحديث باسم الاخوان الجمهوريين وإنما أقول عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية أن حل مشكلة دارفور يقتضي حفظ الأمن أولاً وإيقاف نزيف الدم، ثم التفاوض بين جميع الأطراف. وبما أن النظام القائم في السودان اليوم هو أحد هذه الأطراف فلن يقدر على ضمان الشروط المطلوبة للحل السلمي بدون تدخل المجتمع الدولي. إلا أن المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول مجتمعة شريطة أن تعمل من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية وهي الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي. صحيح أن هناك بعض المشاكل والعقبات الواضحة في عمل هذه المنظمات الدولية ولكن لا سبيل إلا من مواصلة الجهد لحل تلك المشاكل وتجاوز العقبات من خلال هذه المنظمات نفسها. وبما أن أهل السودان قد فشلوا في حل مشاكلهم عن طريق التفاوض السلمي فمن واجب وحق المجتمع الدولي التدخل كمجتمع دولي مؤسسي وليس بتدخل دول معينة، سواء كانت غربية أم شرقية أو أفريقية. فتدخل الدول الأخرى هو دائماً لخدمة مصالحها هي، والمطلوب هو تدخل المجتمع الدولي ككل من خلال مؤسساته المشروعة.

    ? قلت إن «المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول..» ولكن عملياً نعرف هيمنة أميركا وأوربا على القرار الدولي: كما أن مفهوم المجتمع الدولي الذي تدعو إليه لا يتحقق عمليا على أرض الواقع في ظل عالم النظام العالمي الجديد..؟

    * صحيح أن الولايات المتحدة وحلفائها في اوربا لا يزالون يهيمنون على القرار الدولي ولكن ذلك هو الحال لقصورنا نحن في العالم الثالث عن النهوض لتحمل المسؤولية في قيادة أنفسنا والمجتمع الدولي كذلك، فكما هو الحال بالنسبة للشعب السوداني العملاق الذي يتقدّمه أقزام فلن تتنازل الدول الكبرى عن هيمنتها إلا إذا نهضت الشعوب الأخرى بمسؤوليتها عن نفسها، فكما قال المفكر الإسلامي مالك بن نبي بأن الاستعمار هو النتيجة للقصور الداخلي وليس هو السبب للقصور الداخلي ومع أن التحدي يبدو كبيراً علينا اليوم بأكثر مما نقدر عليه إلا أن هذا هو فقط بسبب ضعف ثقتنا في أنفسنا وقصور همتنا ولنا في هذا المجال المثل الرائع على انتصار الشعوب على الهيمنة الأجنبية حالة الهند تحت قيادة المهاتما غاندي، فعندما بدأ غاندي في المطالبة بخروج الاستعمار البريطاني من الهند وكان نضاله من أجل ذلك بالسبل السلمية فقط بدأ الأمر وكأنه في حكم المستحيل، ومع ذلك فقد تحقق ذلك عملياً وتحررت الهند وهي اليوم في عداد الدول العظمى، ها هو السبيل لتحقيق مفهوم المجتمع الدولي الذي أعنيه وهو السبيل لتحقيق النظام العالمي الجديد حقاً وليس مجرّد القديم في ثوب جديد» وهو كذلك السبيل لتحقيق تحرر السودان وجميع الدول النامية.

    ? أنت تقول بتحرر السودان والحركة الشعبية كانت تنادي بتحرره وحركات دارفور كذلك.. هل تعني أننا نحتاج إلى سودان جديد يجب القديم.. مماذا تريدون تحريرنا؟

    * أقول مرة أخرى إني أتحدث عن نفسي فقط وليس باسم الاستاذ محمود أو الاخوة الجمهوريين وعن نفسي اقول إن الفكرة الجمهورية تدعو إلى تحرير الإنسان من الجهل والخوف بتصحيح التوحيد من خلال تقليد النبي عليه الصلاة والسلام فإذا تحرر الإنسان من الجهل والخوف فسيرى أن تعدد الهوية والانتماء الثقافي هو من طبيعة البشر وذلك لا يمنع التعاون والمشاركة في مواطنة البلد الواحد.

    ? كيف تقيّمون تجربة طالبان-تنظيم القاعدة والتحولات التي خلقتها على مستوى العالم؟

    * ما سبق قوله عن الفشل الحتمي لتجارب الدولة الإسلامية في السودان ينسحب على تجربة الطالبان في أفغانستان ومزاعم تنظيم القاعدة الجهادي المتخلّف، كما ينسحب على المملكة العربية السعودية وإيران والسودان أيام الإنقاذ المزعوم. وأعيد هنا القول بأن مفهوم الدولة الإسلامية هو مغالطة ووهم لم يتحقق تاريخياً ولن يتحقق في المستقبل وأعيد القول كذلك أن العنف لا يخدم أي قضية. صحيح أن حق تقرير المصير ومناهضة الاستعمار والتسلط الاجنبي من المبادئ العامة المقررة الآن بصورة لا تقبل المغالطة ولا التسويف إلا أن هذه الغايات المشروعة لا تتحقق من خلال كبت الحريات وانتهاك كرامة الأفراد والشعوب أو العنف الأهوج الذي نراه الآن في أعمال الجماعات الإرهابية في فلسطين وأنحاء أخرى من العالم الإسلامي أو على مستوى العالم قاطبة.

    ? ولكن ماذا تقول عن تبرير الولايات المتحدة لإسقاط نظام طالبان والنظام العراقي وما صاحب الغزوين من انتهاك لحقوق الإنسان في هذين البلدين؟

    * غزو أفغانستان والعراق انتهاك صريح للقانون الدولي وانتكاس في المجتمع الدولي إلى عهد الاستعمار التقليدي. ربما يكون غزو أفغانستان مجال خلاف موضوعي من منظور القانون الدولي ولكن لا مجال للشك على الإطلاق أن غزو العراق هو انتهاك صارخ لأهم قواعد القانون الدولي، بل هو تحدٍ كامل لإمكانية حكم القانون في العلاقات الدولية.

    ? وماذا كان موقفك أثناء غزو العراق بوصفك جزءاً من المجال الأكاديمي في الولايات المتحدة والذي قام نفر فيه بمعارضة شديدة للغزو؟

    * لقد أسهمت بمقالاتي ومحاضراتي العامة حتى قبل بداية غزو العراق في مارس 2003 بأن هذا هو الاستعمار التقليدي الذي عانت منه المجتمعات الأفريقية والآسيوية، ومن قبلها المجتمعات الأخرى في مختلف أنحاء العالم.. فالتعريف القانوني العلمي للاستعمار هو اغتصاب حق الشعوب في السيادة عن طريق الغزو العسكري من غير مبرر قانوني، وذلك هو ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق.. ويمكن الاطلاع على بعض هذه المقالات باللغة الإنجليزية في موقعي على الانترنت، وهو: www.Law.emory.edu/ aannaim.

    إلا أنني كذلك في نفس المقالات قلت بأنه من واجبي كمسلم أن أقف في مناصرة القانون الدولي والدفاع عن السلام والتعاون في العلاقات الدولية وذلك لأني ألتزم بهذه المبادئ من منطلق ديني كمسلم بغض النظر عما تفعل الدول الأخرى، فإذا تنازلت أنا عن هذه المبادئ لمجرّد أن الدول الغربية الكبرى تنتهك سيادة الشعوب فسأكون قد سلّمت بأن الغرب هو الذي يحدد ويعرف القانون الدولي بحيث ينتفي وجود هذا القانون أو يبقى بحكم مواقف الدول الغربية.

    وأضيف هنا أن الإدانة الدولية الكاملة لإستعمار العراق، حتى بين غالبية شعوب الدول الغربية نفسها، هو الدليل العملي لصحة وضرورة القانون الدولي ولزوم السلام والتعاون في العلاقات الدولية.. وهكذا نرى أن انتهاك الولايات المتحدة لهذه المبادئ قد أسهم في تأييد نفس المبادئ رغم أنه كان في بداية الأمر انتهاكاً صريحاً لها.

    ? هناك اتجاهات إلحادية عربية نشطة بعد مثول تجربة الانترنت كما ان هناك منصرين مسلمين جدد سواء في السودان أو العالم الاسلامي، كيف ترى مستقبل هذه المضاعفات في بنية الوجود الإسلامي؟

    * مبدأ لا اكراه في الدين هو أساس إمكانية أن يكون المرء مسلماً، فالايمان يقتضي بالضرورة المنطقية إمكانية الكفر. لذلك لا بد أن يكون اعتناق الإسلام كدين عن طواعية وحرية كاملة في الاختيار، سواء كان ذلك بقبول الإسلام أو رفضه. من عقيدتي كمسلم أن الله سبحانه وتعالى هو القادر الأوحد على محاسبة البشر على معتقداتهم الدينية، وذلك بالنص الصريح والقاطع لعشرات الآيات في القرآن. كما أن القرآن يفترض امكانية الإسلام ثم الارتداد تكراراً ومع ذلك لا يذكر أي عقوبة في هذة الدنيا «الآية 137 من سورة النساء». وهذا يعني أنه لا يصح ديناً معاقبة المرء على الردة في هذه الحياة الدنيا.

    ومن هذا المنظور الاسلامي فإني أقول أولاً بأن من حق أي شخص أن يسلم عن حرية كاملة وطواعية بدون أدنى قدر من الخوف أو الطمع. ولذلك لا ضير اطلاقاً في اختيار بعض الناس الالحاد أو اعتناق بعض المسلمين للمسيحية أو غيرها من الأديان. في رأيي الشخصي أن إلحاد أو اعتناق اي دين غير السلام هو اختيار خاطئ، لكني أحترم تماماً حق أي انسان في أن يفعل ذلك في أي زمان ومكان، وأضيف كذلك أن ضمان حرية الاعتقاد هي من أهم الحقوق الأساسية لأنها تضمن لي حرية التدين كمسلم كما تضمن لغيري حق التدين بأي دين أو اعتناق الإلحاد فكيف أطالب بهذا الحق لنفسي إذا كنت أمنعه عن الآخرين. ولكني أيضاً أرى في ظاهرة الخروج على الاسلام دعوة للمسلمين في النظر إلى الاسباب. فإذا كنا نقدم الاسلام بصورة مغرية وجذابة كدين التسامح والعدالة والسلام، فسوف يعتنق الناس الاسلام ويبقون عليه بحرية وقناعة وليس خوفاً من عقوبة الردة أو العنف الفردي ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على معتقدات الناس على عكس مقتضى المنطق وصريح نص القرآن.

    ? ولكن بعض الأئمة يرون أن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد ما يؤدي لافساد الأخلاق على حسب زعمهم، كيف يجوز حفظ حق الفرد والجماعة في الجتمع في هذا الخصوص؟

    * نعم، هناك من يقول إن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد وأنا أقول إن الضرر الأكبر هو في إكراه الناس على الدين وهو ما يخالف صريح نص القرآن علينا كمجتمع أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام والبقاء عليه عن طواعية ولكن لا يحق ولا يمكن أن نكرههم على الإيمان، ومحاولة الإكراه إنما تؤدي إلى النفاق حيث يعلن المرء الإيمان خوفاً من العقوبة أو العنف من البشر وليس عن قناعة ذاتية ومصلحة المجتمع هي في إشاعة نموذج الإسلام الحق في العدل والسلام والمحبة حتى نغري الناس بذلك وليس في الإكراه في الدين والمعتقد.

    ______________


    الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.

    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.

    وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.

    وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثالث منه:

    * هل انتهت فاعلية التنظيم في الحزب الجمهوري، وهل يعاني الحزب من أزمة قيادة وهل لا زلت جمهوريا وتصنف هكذا..أم أنك تجاوزت الفكرة الجمهورية فكريا؟

    ـ الحزب الجمهوري لم يكن حزبا سياسيا في يوم من الايام وإنما هو إطار تنظيمي لتقديم نموذج النبي عليه الصلاة والسلام كمنهاج في التربية الذاتية واشاعة العدل والسلام بين الناس وقد عاش الاستاذ محمود على ذلك النموذج ومات عليه وبذلك قدم التجربة العلمية المعاصرة والدليل العملي على صحة هذا المنهاج وحياة وفكر الاستاذ محمود متوفر للجميع وليس وقفا على تلاميذه الذين يعرفون بإسم الاخوان الجمهوريون فكل من اقتنع والتزم بممارسة المنهاج النبوي كما قدمه الاستاذ محمود معاشا في الدم واللحم فهو جمهوري، وكل من تنازل عن تلك القناعة والالتزام فليس بجمهوري حتى ولو كان في يوم من الايام من قيادات حركة الاخوان الجمهوريون بالسودان. هذه هي القاعدة التي ارى بها بحيرات الايام والتجارب الشخصية لكل من اطلع أو يمكنه الاطلاع على فكر وحياة الاستاذ محمود محمد طه.

    أما عني شخصيا فانا تلميذ للاستاذ محمود وارجو أن أكون أهلا لهذا الشرف العظيم في حقيقة حالي واقوالي واعمالي جميعها. وحسب علمي وجهدي وقناعتي الشخصية فأنا لم أتجاوز الفكرة الجمهورية ولا ينبغي لي، وإنما كل محاولاتي أن أكون صادقا وامينا في اتباع هذه الفكرة قدر جهدي وطاقتي .. فكل همي أنني دون هذه القامة لانها غاية سرمدية لا تنتهي ولأنها هي الاسلام. فقولي بإني لا يمكن أن اتجاوز الفكرة الجمهورية هي قولي.. أرجوا أن ابقى على الاسلام حتى يتوفاني الله.

    * قلت سابقا أن «الفكرة الجمهورية لا تقدم منهج اتفاق حول كل القضايا» ولكنك في ذات الوقت تؤكد أنها منهج الطريق النبوي، هل هذا يعني أن الفكرة الجمهورية هي مبادئ عامة أكثر من كونها منهج تفكير مساعد في فهم تفاصيل الواقع...؟

    ـ الفكرة الجمهورية هي دعوة للإسلام ويصح في حقها ما يصح عن الإسلام، وفي الإسلام المبادئ العامة وفيه كذلك منهج تفكير وعمل يساعد المسلم في فهم تفاصيل الواقع. ومعلوم أن كبار الصحابة قد اختلفوا في كثير من الأمور الكبرى التي واجهت مجتمعهم الأول بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، كما جرى في أمر ما يسمى بحروب الردة حين خالف عمر أبي بكر في قوله بوجوب قتال القبائل التي منعت الزكاة عن بيت المال. وكما هو الحال في الإسلام، فإن المبادئ العامة تعين على تقريب وجهات النظر حتى أن الخلافات بين المسلمين إنما تكون في مدى محدود وبطريقة تعين على تحقيق الاتفاق من خلال الحوار الموضوعي المؤدب وسعة الصدور على احتمال الخلاف في المكان الأول. وهذا صحيح في حق الفكرة الجمهورية كما هو صحيح عن الإسلام نفسه.

    * برغم تأكيك هذا إلا أننا نلاحظ أن وجهات النظر بين الاخوة الجمهوريين حول بعض المسائل الفقهية والسياسية تختلف بين شخص وآخر. ألا يطرح هذا الاختلاف سؤالا حول قدرة الفكرة الجمهورية في إعطاء منهج راسخ في معالجة مشاكل الواقع، خصوصا وأنك تقول إنها تتبع الطريق النبوي الصحيح ؟

    ـ بما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام كما قلت فإنها لا تمنع تلاميذ الاستاذ محمود من الاختلاف حول بعض القضايا، بل من المتوقع الخلاف بين الجمهوريين لأن تحقيق الأصالة في إطار تقليد النبي عليه الصلاة والسلام هو الغاية المطلوبة لتلاميذ الاستاذ محمود، فبما أن الاصالة والفردية هي الغاية فإن الفكرة الجمهورية لا تقدم منهجا للأتفاق حول كل القضايا وإنما منهجها هو منهج لإحترام الرأي الآخر والسماحة والسعة لبعضنا البعض عندما يكون بيننا اختلاف الرأي، فليس العبرة بالاتفاق السطحي تفاديا لمظهر الاختلاف، وإنما هي في تنظيم مناهج الحوار الودي والتفرد في معارج الحرية الفردية.

    * هناك جدل متواصل حول الفكر الماركسي في أعقاب نهاية تجربة الاتحاد السوفيتي، كقارئ للفكر الماركسي هل ترى أن الماركسية تحمل الاجابة على أسئلة الصراع الانساني..وهل تفرق بين النظرية والممارسة لتخلص إلى القول ـ مثلا ـ أن الماركسية ستظل اضافة جذرية للفكر الانساني وتبقى نظرية علمية لم يتم تجاوزها حتى الآن؟

    ـ الفكر الماركسي هو أحد الروافد للفكر الفلسفي والسياسي الانساني بصورة عامة، وله في ذلك مساهمات مفيدة كما أجد فيه نقاط ضعف عميقة وخطيرة من المنظور النظري..وقد ظهر بصورة واضحة لدى الممارسة العملية في الاتحاد السوفيتي وغيره من الأنظمة الماركسية خلال القرن العشرين، وقد كان من الخطا الزعم بأن الفكر الماركسي يقدر منفردا على حل جميع المشاكل التي تواجه البشرية وكذلك من الخطأ اليوم رفض كل ما يتعلق بالفكر الماركسي كأنه باطل مطلق لا يقدر على المساهمة في حل المشاكل. فمساهمات ماركس في فهم علائق الانتاج وطبيعة الصراع الطبقي مقبولة عندي إلا أني أعارض رفضه للدين وتضحيته بالفرد في سبيل الجماعة فالفرد عندي هو الغاية والمجتمع من اهم وسائلها.

    * قلت إن النظام الاشتراكي المقصود عند الأستاذ محمود يساهم في الاستجابة لضروريات الحياة، هل هناك علاقة لمرجعية الاشتراكية في الفكرة الجمهورية بالإسلام أم أن الاستاذ وظف الفكر الاشتراكي في سياقه الفلسفي الحديث ..؟

    ـ في اعتقادي إن الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية، بل إن الاشتراكية عندي لا تحقق إلا من خلال الإسلام. ففي التعريف البسيط والمباشر، الاشتراكية تعتمد على استعداد الإنسان على استهلاك أقل مما ينتج، كما تعتمد على إقامة الإنسان نفسه رقيباً على سلوكه في السر والعلن بدلا من الاعتماد على رقابة ومحاسبة أجهزة الدولة التي تتعرض لعوارض الفساد والغرض. والتربية الدينية هي الأقدر على ضمان هذه الشروط لتحقيق الاشتراكية أكثر من الفكر الفلسفي.

    هناك جوانب عديدة لهذه المسألة لا يمكن معالجتها في هذا المجال الضيق، ولكن يمكن الإشارة بإيجار إلى أمرين قد يتبادرا إلى ذهن القارئ. أولاً الإسلام المقصود في هذا الحديث هو القوة الفاعلة الكبرى في تحقيق مكارم المعاملة بمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، في صدق وإخلاص، وهذا لا يكون بإكراه الأجهزة الرسمية فيما يسمى بالدولة الإسلامية. ولهذا فأنا (عبد الله أحمد النعيم) أعارض مفهوم الدولة الإسلامية لأنه يتعارض مع منهج النبي عليه الصلاة والسلام في التربية. والأمر الآخر هو أن هذا لا يعني الاستغناء عن الدولة نفسها أو رفض أي دور للأجهزة الرسمية.

    فللقانون والقضاء والإدارة وأجهزة الأمن دور هام في تحقيق الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على أن يقوم كل ذلك على قاعدة التربية الدينية الخاصة والخالصة. فالاعتماد على أجهزة الدولة في غياب التربية هو عبث لا يجدي لأن التربية هي أساس عمل تلك الأجهزة. فإذا قامت التربية على منهج النبي على الصلاة والسلام في العبادة والعمل في خدمة الناس فيمكن لأجهزة الدولة القيام بدورها الصحيح.

    * كأنك بهذا تقول إن الاشتراكية فكرة سابقة على المناهج العلمية الحديثة، كما أن ردك يوحي بأن الاسلام لا يتناقض مع الاشتراكية.؟

    ـ فكرة الاشتراكية لم تبدأ بالماركسية ولم تنته معها ولا تعدو الماركسية أن تكون أحد المناهج أو المداخل على الاشتراكية وقد فشلت التجربة الماركسية السوفيتية إلا أن ذلك ليس فشل لمفهوم الاشتراكية نفسها وأعتقد أن المنهج الديمقراطي أقدر على تحقيق الاشتراكية والمحافظة عليها من المنهج الشمولي لرأسمالية الدولة الذي كان ساريا في الاتحاد السوفيتي والصين الماووية.

    * وكيف ترون مسألة البنوك الاسلامية التي قدمها الاتجاه الاسلامي كأجتهاد فقهي وما هو موقفك من الربا بوصف أنه محرم بنصوص من القرآن الكريم؟

    ـ أبدأ بتكرار القول إني لا أتحدث بإسم الاستاذ محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا نيابة عن الجمهوريين وإنما فقط أصالة عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية فأنا عبد الله النعيم أقول بأن فكرة البنوك الاسلامية هي خدعة كبرى وتحايل على تحريم الربا من أجل تكديس الاموال والثروات في أيدي قيادات الاسلام السياسي وفي خدمة مآرب ذلك المشروع، وقد جلبت فكرة البنوك الاسلامية أوخم العواقب السياسية والاقتصادية على السودان بالتحديد منذ ادخال هذا النظام الربوي المستتر في نهاية العقد السابع من القرن لعشرين وأنا أقول كذلك إن تحريم الربا هو الحكم الشرعي الواجب على كل مسلم ومسلمة ولكن هذا لا يعني تحريم الدولة التعامل مع البنوك وبيوت الاعمال..على هذا الاساس على الدولة عدم التدخل في هذا المجال وللمسلم الالتزام بواجب تجنب الربا في تعاملاته وحسب فهمه لمعنى ومدى تحريم الربا شرعا.

    * كتابك الجديد يعزز أهمية العلمانية في واقع المجتمعات الإسلامية، والبعض من المفكرين السلفيين يعتبرونها تتعارض مع الإسلام وأنها بضاعة مستوردة نشأت في سياق تاريخي مختلف عن واقع المسلمين ... هل هناك استنادات من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد ضرورة فصل الدين عن الدولة ..؟

    ـ كما كان الأستاذ محمود طه يؤكد باستمرار فإن العبرة هي في فهم النص وليس في توهم وجود نص قطعي لا يقبل الاختلاف في الفهم. صحيح أن الآية 7 من سورة آل عمران تقول أن من القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، لكن القرآن لا يحدد ما هي هذه الآيات المحكمات كما أن البني عليه الصلاة والسلام لم يحددها في السنة. فأي الآيات محكم وأيها من المتشابهات هي في مجال الفهم والاختلاف بين المسلمين، مثل موضوع تفسير كل القرآن والسنة النبوية المطهرة.

    وحقيقة الأمر في الدولة هي أولا أنه لا يوجد نص قطعي بوجوب الدولة الإسلامية ولا بضرورة فصل الدين عن الدولة. وأكثر من ذلك، فإن مفهوم الدولة لا يرد في القرآن على الإطلاق ولا مرة واحدة. كما أن القرآن دائما يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة، ولا يستقيم عقلا أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعا. لذلك فنقرر أن حجة من يدعو إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو يعارضها إنما تقوم على فهم نصوص وملابسات موضوعية في أمور تنظيم شئون السياسة والحكم والقضاء وما إلى ذلك. هذه الحقيقة واضحة في غياب أي خطاب عن الدولة الإسلامية بين علماء المسلمين على مدى التاريخ قبل القرن العشرين، وإن مفهوم الدولة الذي تقوم عليه دعاوى المودودي وسيد قطب وغيرهم ممن ابتدعوا مفهوم الدولة الإسلامية في أواسط القرن العشرين هو مفهوم أوروبي للدولة الاستعمارية التي تقوم عليها أحوال المسلمين اليوم. وأنا أقبل ضرورة الدولة في إدارة أمور المجتمعات الإسلامية كغيرها من المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ البشري، وإنما يقوم اعتراضي على وصف الدولة بأنها إسلامية لأن هذا القول يزعم قداسة الإسلام لمؤسسة هي بالضرورة بشرية وهي بذلك عرضة للخطأ والظلم وعن ذلك يتسامى الإسلام.

    ولعله من المفيد أن نشير إلى الآيات 44 إلى 47 من سورة المائدة التي كثيرا ما تساق للدليل على وجوب الدولة الإسلامية. والسؤال هنا من هو المخاطب بهذه الآيات وغيرها من النصوص المتعلقة بالحكم بالعدل والقسط. بحكم طبيعة القرآن والإسلام نفسه، فهذه النصوص إنما تخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، في إقامة ما أنزل الله في حكم أنفسهم أولاً، فإذا فعلوا فسوف ينعكس ذلك على إدارتهم لأمور الدولة. ولكن بما أن الدولة هي جهاز مشترك لجميع المواطنين، فإن إتباعها لأحكام الإسلام إنما يكون من خلال أخلاق وأعمال القائمين على أداء المهام والأدوار المختلفة، وليس من خلال توهم أن الدولة أو أجهزتها يمكن أن تكون إسلامية بصورة مباشرة. وكما يجري التفصيل في كتابي عن علمانية الدولة، فمن الضروري التمييز بين الإسلام كدين والدولة كمؤسسة بشرية حتى لا يقع التضليل على المسلمين بأن أعمال الدولة هي الإسلام نفسه، مما يجعل المعارضة السياسية للحزب بالحاكم خروج على الإسلام

    * قلت أنه لا ينبغي الحكم على المجتمعات الإسلامية بما عليه الآن في إطار حديثك عن الصراع بين السنة والشيعة .. ولكن يبدو أن هذا الصراع سيؤثر على مستقبل المسلمين نظرا للمد الشيعي الذي وجد مساحات للعمل في أفريقيا والعالم العربي.. وماذا تقول عن المظالم التاريخية التي يشكوا الشيعة أن السنيين اقترفوها في العراق وأجزاء أخرى من العالم العربي..؟

    ـ ما قصدت إلا القول إن الاختلاف بين المذاهب السنية والشيعية وحتى داخل كل مذهب مسألة قديمة وطبيعية، ولن تنتهي ولكن يجب التمييز بين هذا والصراع السياسي بين قطاعات الصفوة الحاكمة التي تنتسب للمذاهب السنية أو الشيعية، وهو صراع يجري بين الصفوات الحاكمة التي تنسب إلى نفس المذهب السني أو الشيعي، كما نرى اليوم فى السودان و إيران، كما يحدث بين اهل المذاهب المختلفة. وقد كانت هذه الصراعات كذلك على مدى التاريخ الإسلامي، وفيها تعرض بعض أهل السنة للظلم من الشيعة، وكذلك تعرض بعض الشيعة للظلم من أهل السنة. فقولي أنه يجب أن نفهم هذه الظواهر والصراعات، مذهبية كانت أو سياسية، كمسائل تتعلق بالطبيعة البشرية وكيف أن «كل قوم بما لديهم فرحون» كما يخبرنا القرآن. وهذا قائم الآن بين الدول العربية فيما بينها، رغم ان الحكام فيها ينتسبون للمذاهب السنية.

    فبدلا من توهم أن الاختلاف المذهبي أو الصراع السياسي يمكن أن ينتهي تماما، على كل منا أن يركز على تقصيره هو في فهم الإسلام والالتزام بأخلاقه السمحة، وأن تتسع صدورنا للاختلاف ونقيد شهواتنا في السلطة والجاه... فإذا فعلنا أمكننا ان نضيق من شقة الخلاف وأن نرفع الظلم عن بعضنا بعضاً عندما نختلف سياسياً. فليس المشكلة في الاختلاف ولا في الصراع، وإنما في التشدد والفجور في الخصومة، والذي يكون حتى بين أعضاء الجماعة السياسية الواحدة كما نرى الآن بين قيادات الجبهة القومية الإسلامية في السودان.

    * التجربة التركية، هزيمة النخبة العلمانية في الانتخابات الاخيرة..ثم عودة حزب العدالة والتنمية الاسلاموي للسلطة هل هذه مؤشرات على فشل العلمانية في تركيا ورغبة نحو البرنامج الاسلامي..؟

    ـ التجربة التركية الراهنة هي تصحيح لمفهوم الدولة العلمانية ومراجعة لتطرف الجمهورية الاتاتوركية، فحزب العدالة والتنمية يقبل ويلتزم بمبدأ الدولة العلمانية في تركيا ولذلك لا يمكن اعتبار استمراره في الحكم هزيمة أو فشل العلمانية كما يقول سؤالك وهنا نميز بين رأي وفهم الصفوة الاتاتوركية في الدولة العلمانية على المنهج الفرنسي والفهم الاصح للدولة العلمانية في كتابي عن «علمانية الدولة» فصل كامل في تقييم التجربة التركية وهو نقد للتطرف العلماني بنفس القدر الذي انتقد به مفهوم الدولة الاسلامية..


    ______________________


    سياســـة التعــريب كـــارثة كبـرى على التعليـــم العــالي في السـودان


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب


    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.

    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها. وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية. وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ «الصحافة» 4 - 4


    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الرابع والأخير منه:

    * قيم الليبرالية الغربية بدت في حالات تمدد أكبر في ظل التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا، هل تمثل هذه القيم التي أثبتت فاعليتها حتى داخل البلدان الشيوعية نهاية لتاريخ الصراع الانساني للبحث عن قيم للتعايش وهل تؤمن بتيئة هذه القيم على مستوى العالم الاسلامي، خصوصا حرية نقد الاديان وحمايتها وحماية حقوق المثليين وحرية اقامة المعابد الدينية؟

    ـ أولا لا اقبل أو ارفض المبادئ لانها غربية أو إسلامية أو لنسبتها لهذه الحضارة او تلك وإنما أدعم ما أراه حقا وأعارض ما أراه باطلا بغض النظر عن الجهة التي ينسب لها المبدأ.. وكذلك أرى أنه لدى البحث المتروي في أعماق التجارب الانسانية التاريخية والمعاصرة فإننا سنجد أن المبادئ المنسوبة اليوم للولايات المتحدة أو الغرب أو الشرق، الاسلام أو المسيحية أو غيرها من الاديان والفلسفات هي في الحقيقة خلاصة التجارب البشرية المتنوعة والمتفاعلة مع بعضها البعض في كل زمان ومكان.

    ومن هذا المنطلق فاني أقف مع حقوق الانسان والقانون الدولي مع العدل والسلام مع التنمية والعدالة الاجتماعية ، وكل ذلك من خلاصات التجارب البشرية، وليس بمقتضى نسبة هذه المبادئ لأي من المجتمعات الانسانية دون غيرها من المجتمعات . فحرية الاديان وحق النقد والتعبير هي من المبادئ الأصولية عندي كمسلم إلا أن هذه القيم غير مطلقة ولا تفهم وتمارس بمعزل عن السياق التاريخي . فحقوق الانسان هي ما اجمعت البشرية عليه من خلال حوار الثقافات والحوار الداخلي في كل مجتمع، ولكنها دائما مقيدة بحقوق الآخرين . فحرية الدين والمعتقد لاي شخص مقيدة بضرورة احترام حقوق الآخرين في الكرامة والمعتقد أيضا. والقول بأن الحرية الجنسية مثلا من حقوق الانسان لا يعني أنها كذلك لمجرد أن المجتمع الامريكي والاوربي طالب بذلك.

    فالمطالبة بهذا الحق وطريقة تعريفه وعلاقته بحقوق الانسان القائمة اليوم هو مجال للحوار والنقد حتى تقبله أو ترفضه المجتمعات الانسانية على مدار الكوكب. فإذا تم قبول الحق أو رفضه فذلك لإجماع الانسانية على هذا الحكم، وليس لأن المجتمعات المتقدمة ماديا قد قبلت هذا الحق وفرضته على باقي المجتمعات الاخرى. واضيف هنا أن الصراع الانساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة فمن العبث والصلف القول بان الليبرالية الغربية هي نهاية التاريخ..فالصراع والاختلاف كان منذ بداية التاريخ وسيبقى بين البشر، وذلك قبل أن تكون هناك ولايات متحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو السعودية أو الصين وستكون بعد أن تنتهي كل هذه الدول وتزول حضاراتها...

    * كانت لديك تجربة في ترجمة أعمال للبروفيسر فرانسيس دينق..طائر الشؤم وخلافه، كيف تثمن فكر دينق وكيف تنظر لعمله الروائي داخل حقل الرواية الافريقية والسودانية..؟

    ـ أنا أكاديمي في مجال القانون بخاصة، ومعرفتي بالادب محدودة للغاية، كما أن معرفتي بفكر وأدب الدكتور فرانسيس دينق غير كافية بحال من الاحوال ..ولكن من حدود ما أعرف فإني أعتقد أن الدكتور دينق قد قدم مساهمات قيمة للغاية في مجالات القانون والانثربولوجيا ودراسات الهوية والسلام على المستوى الافريقي والسوداني بخاصة. ولعله من دواعي محن السودان المتواصلة بأن افكار خيرة ابناءه وبناته، مثل الدكتور فرانسيس دينق غير معروفة لدى غالبية المتعلمين السودانيين. وقد كانت ترجمتي لرواية «طائر الشؤم» محاولة مني في التعريف بفكر وأدب الدكتور دينق بين قراء العربية في السودان والمنطقة العربية عموما.

    * إذن ما هو الاستنتاج الذي خرجت به من قراءة ثم ترجمة رواية «طائر الشؤم»..؟

    ـ لقد حرصت على ترجمة رواية طائر الشؤم بخاصة لأنها تتعلق بجوهر صراع الهوية وأزمة القومية السودانية وهي قضايا مرتبطة بالحرب الأهلية في دارفور كما في الجنوب، فترجمتي لتلك الرواية كانت مساهمة في الحوار القومي السوداني وليس فقط لنقل ادب وفكر انساني إلى القارئ العربي والسوداني بخاصة.

    * اتفاقية نيفاشا مثلت منعطفا جديدا في واقع السودان وافرزت حقائق جيدة على مستوى العمل السياسي السوداني بإعتبارك خبير في مجال القانون كيف تقيمها ؟

    ـ لا أعتقد ان الاتفاقيات في حد ذاتها كافية لتغيير الواقع أو إفراز حقائق جديدة في العمل السياسي في اي مكان. فإذا وعيت القيادات السياسية وعرف عامة الشعب أن الحرب لا تجدي وانه لا بد من التفاوض والتعاون لتحقيق السلام الشامل والعادل وتواصلت هذه المعرفة والوعي مع إرادة التغيير فيمكن أن تقوم الاتفاقيات بدورها في توفير الاطار القانوني والمؤسسي للعمل المتواصل لتحقيق أهداف الاتفاق. فأنا كقانوني سوداني أرى اتفاقية نيفاشا كبداية ممكنة لتحقيق السلام في السوداني لكني أعرف أيضا ان هذا لا يكفي إذا لم يكن تعبيرا عن ارادة السلام لدى عامة الشعب السوداني ومحور العمل الدائب من جميع القيادات السياسية السودانية فالسؤال عندي هو ماذا فعلنا باتفاقية نيفاشا منذ ابرامها وكيف نواصل الجهد لجعل السلام حقيقة معاشة وليس مجرد امان في الحبر على الورق..؟

    * بدت أيران بخلفيتها الشيعية قوى جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهناك تمدد للفكر الشيعي في البلدان الاسلامية ..هل سيكون الصراع في المستقبل بين الفكر السني والفكر الشيعي؟

    ـ كما سبق القول فإن الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن، وقد بدأ الاختلاف بين المسلمين يوم توفى النبي عليه الصلاة والسلام، ونتج عن ذلك ما يسمى بالجماعات الشيعية والسنية خلال قرون عديدة وفي مواقع مختلفة ..وقد تداولت هذه الجماعات الغلبة فيما بينها في مختلف انحاء العالم الاسلامي على مدى التاريخ، بما في ذلك بعض الدول كمصر وتونس المعروفة الآن بانها سنية والتي كانت الشيعة الاسماعيلية هي الغالبة فيها ايام الدولة الفاطمية في شمال افريقيا. وكذلك الحال في اليمن وانحاء من الجزيرة العربية، وفي إيران التي كانت غالبية اهلها من السنيين قبل أن تتحول إلى الشيعة الاثني عشرية.

    لذلك لا ينبغي الحكم على مستقبل المجتمعات الاسلامية بما عليه اليوم، وليس الامر هو غلبة فريق دون آخر، فهذا المنظور البسيط ـ مثل تمييز السودانيين بين الهلال والمريخ ـ لا يليق ولا ينطبق على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية والانسانية جمعاء اليوم وفي المستقبل. فالسؤال عندي ماذا تفعل المجتمعات السنية بسنيتها وماذا تفعل المجتمعات الشيعية بشيعيتها في الماضي والحاضر وفي المستقبل..؟

    * ولكن كيف يتم وضع حد للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة والتي أهدرت الكثير من الارواح والاموال وهل من الممكن تقديم مساهمة فكرية في هذا الجانب..؟

    ـ هناك خلافات عديدة وواضحة بين السنيين والشيعة من المسلمين كما توجد الخلافات بين قطاعات مختلفة في كل فريق، فمثلا نجد الشيعة الزيدية هم أقرب إلى السنينيين منهم إلى فرق شيعية أخرى، وفي هذا المجال فالمطلوب هو مواصلة الحوار الفقهي بين كل قطاعات المسلمين بطرق موضوعية وودية وسلمية فهذا ما كان بين هذه الجماعات في صدر الاسلام وما ينبغي أن يكون الحال الآن وفي المستقبل..إلا أن هذا الجانب الفقهي والفكري يختلف عن التنافس والتنازع بين هذه الدول في المنطقة العربية وعلاقتها بإيران وهذه صراعات سياسية حول مطامع الثروات والنفوذ السياسي تكون في مختلف المواقع وللعديد من الاسباب، وقد كان ذلك النوع من الصراع السياسي بين مصر والسعودية حول اليمن أيام عبد الناصر كما كان بين الكويت والعراق ايام صدام حسين وهذا يشير إلى الصيغة السياسية لهذه الصراعات أكثر من انطلاقها من الاختلاف العقائدي كما كان الصراع السياسي ولن ينتهي ذلك في الحاضر ولا المستقبل، فوحدة المسلمين لم تتحقق منذ أن إلتحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى.المهم هو تأسيس مبادئ الخلاف الموضوعي والتفاوض على الخلافات السياسية بدون اللجوء إلى العنف بدلا من التمني بالوحدة التي لم ولن تكون.

    سياسة التعريب والتعليم العالي كيف تنظر إليها بوصفك كنت محاضرا بجامعة الخرطوم؟

    لقد كانت سياسة التعريب كارثة كبرى على التعليم العالي في السودان لانها فرضت بطريقة عشوائية ومتسلطة في غياب الامكانيات والوسائل اللازمة لمعالجة القضايا التعليمية الكبرى..فما دام ظللنا في تبعية للغرب في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والمجالات التقنية فلا بد لشبابنا من المقدرة على دراسة هذه المواد في اللغات الاوربية والتعامل مع الوسائل العلمية في البحث بتلك اللغات فالتعريب انما يكون بتنمية قدراتنا على انتاج المعرفة والمساهمة في تطوير العلوم وليس بقرارات فوقية عشوائية ومتعسفة ..محنة التعليم العالي في السودان هي أحد الخسائر الفادحة التي عانى منها السودان تحت وطأة الدولة الشمولية الدينية وأملي ان نكون قد وعينا هذا الدرس حتى لا ننكرر امثال هذه التجارب الهوجاء.

    * هل هناك مساهمات للفكر الامريكي الحديث في الاجابة على الاسئلة العالمية لفتت نظرك؟

    ـ لا أرى أن هناك فكر امريكي شامل ومتميز عن غيره من التيارات الفكرية في جماع الفكر والجهد البشري العام. فيمكن الاطلاع مثلا على انتاج المفكرين في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية أو غيرها من المجالات ومنهم من هو امريكي الجنسية أو ينتمي إلى غير ذلك من بلاد العالم ..ويمكن قياس تلك المساهمات بمعايير المجال العلمي نفسه وليس على أساس انتساب الباحث لهذا البلد أو ذاك.

    ولكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال ان السؤال هو كيف توفر الظروف والمناخ الذي يعين على الانتاج الفكري والعلمي المتقدم وسنجد في ذلك أن الولايات المتحدة من انجح بلاد العالم في دعم وتطوير الابداع والعلمي بضمان الحريات العامة وتنمية الامكانيات المادية والمؤسسية لتنمية وتطوير المناهج الفكرية والعلمية. فأين نحن في السودان وباقي انحاء العالم الاسلامي من هذا المستوى وحقيقة الامر أن تخلفنا الراهن هو بسبب عجزنا عن معايشة قيم الاسلام في التسامح والتفكير العقلاني.

    * ولكن معظم تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية للولايات المتحدة..؟

    ـ اختلف معك في هذا الرأي فالفكر الامريكي يتنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وكل المراحل والدرجات بين هذا وذاك. كما هناك من الفكر الامريكي ما خاطب ويخاطب قضايا التحرر ويناهض مشاريع الامبريالية العالمية وأعتقد كذلك أن البيئة الامريكية تساعد على وجود مفكرين وناقدين للتجربة التاريخية الامريكية بأكثر مما هو موجود وممكن في العالم الاسلامي عموما والمنطقة العربية بالتحديد..وهكذا فإني أختلف معك في كل اطراف السؤال المطروح..فغير صحيح أن جميع تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية. وغير صحيح أن الفكر الامريكي يفتقر للجانب النقدي والناقض للتجارب التاريخية إلا أننا لا نطلع على أغلب جوانب وانتاجات الفكر الامريكي إلا فيما يتعلق بالمنطقة العربية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو المسائل الاسلامية عموما. وحتى في ذلك المجال الضيق نميل إلى ملاحظة ما يوافق رأينا ورؤيتنا للمسائل ولا نرى سعة وتنوع الانتاج الفكري الامريكي على حقيقته. وكذلك نتأثر بالعرض الاعلامي الضيق والمغرض ونعتمد على «FOXNEWS» و «CNN» و لا نشاهد «CSPAN» و « NPR»

    * هل يمثل المحافظون الجدد الذين نشطوا خلال إدارة الرئيس بوش مقابلا موضوعيا للاصولية الاسلاموية؟؟

    ـ من يسمون بالمحافظين الجدد أو الاصوليين هم تيارات فكرية وسياسية انتجتها ظروف موضوعية معينة في سياق تاريخي محدد. ولا اعتقد أنه من الممكن الحديث الموضوعي عن هذا التيار أو ذاك بأعتبارها ظواهر ثابتة ودائمة بل هي تيارات فكرية وسياسية ومؤقتة ومحدودة كما أن هناك تنوعا وخلافا بين مختلف اعضاء هذا التيار وذاك بحيث يصعب تصنيفهم جميعا بصورة قاطعة تميزهم عن غيرهم من المفكرين والناشطين ..فلا المحافظة هي وقف على المحافظين الجدد ولا الاصولية هي وقف على الاسلاميين ففي الليبراليين من هو محافظ في بعض المسائل وبين العلمانيين من هو اصولي في ضيق افقه وضعف فهمه للمسائل.

    * كان للاساذ محمود محمد طه مساهمة فكرية لحل أزمة الشرق الأوسط..إلى اي مدى يمكن التنبؤ بمستقبل هذه الازمة..؟

    ـ لقد أثبتت الاحداث بصورة قاطعة صحة وحكمة تحليلات ومقترحات الاستاذ محمود محمد طه حول قضية الشرق الاوسط ، وإذا إطلعنا اليوم على كتابات الاستاذ محمود حول هذه المسائل في منتصف الستينات من القرن العشرين فسنجدها نظرة مطلع على الاحداث اليوم وكأنها ماثلة أمامه. والمحزن في الامر أن الامور كانت ستنتهي إلى السلام العادل اليوم لو كانت النصيحة التي قدمها الاستاذ محمود قد وجدت القبول يوم أن قالها. ولكن لا يزال من الممكن إتباع تلك النصيحة والعمل بها لتخيف الضرر الذي وقع على القضية الفلسطينية وعموم حال الدول العربية.. وإذا لم يقبل العرب تلك النصيحة الحكيمة فسوف يواصلون في دفع الثمن الغالي وتبديد الجهد والارواح والاموال في مطاردة الاوهام والسراب. وأقول بضرورة الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها اليوم لتحقيق القدر الممكن من المكاسب للشعب الفلسطيني ثم الانصراف إلى إصلاح الحكم الديمقراطي والتنمية الشاملة ..فكما قال الاستاذ محمود منذ أكثر من ربع قرن فإن اسرائيل ليست المشكلة وإنما المشكلة هي أن العرب لا يزالون على قشور من الاسلام وقشور من الحضارة الغربية العلمية المادية . وقد قال الاستاذ محمود إن اسرائيل هي الكرباج الذي يقود العرب إلى الاسلام الصحيح الذي يربي النفوس ويصلح العقول ..فلنا أن نفهم حقيقة ما قال ونعمل به أو نواصل تحمل الهزائم والمهانة والمذلة بتبعيتنا العمياء للغرب حتى بين من يزعمون بعث الاسلام فينا..فالاستعمار لا يزال في العراق اليوم وسيبقى بصورة مختلفة في مختلف انحاء العالم الاسلامي ما دام بقينا نحن على قشور من الاسلام وقصور من الحضارة العلمية المادية ..هذا هو قولي في أمر مشكلة السرق الاوسط وجميع المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية في كل مكان..

    * ولكن قد يقول قائل يا دكتور أن تأسيس اسرائيل تم بناء على الفكر الصهيوني لأرض الغير..فكيف يتم الاعتراف بها..؟

    ـ حقيقة وجود اسرائيل كدولة تعود إلي ظروف الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار في منطقة الشرق الاوسط مع نهاية الامبراطورية ونشأة الدول في هذه المنطقة فلم تكن الاردن موجودة قبل أن أن يخلقها الاستعمار البريطاني الذي شكل العراق وكذلك الاستعمار الفرنسي الذي انتج لبنان وسوريا فإذا أمكن مراجعة بدايات دولة اسرائيل وفكرة تأسيسها فإن ذلك ينطبق على جميع دول المنطقة العربية أيضا.

    وإسرائيل الآن دولة ذات سيادة دولية وعضو في الامم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم ما عدا بعض قليل من الدول العربية ..حتى بين الدول العربية اليوم فليس هناك أدنى شك في قبولها جميعها لوجود اسرائيل وحقها في البقاء كدولة مستقلة ذات سيادة فالقول بعدم الاعتراف بإسرائيل هو مغالطة وعناء طفولي لا يخدم القضية الفلسطينية ولا قضايا التحرر والاستقرار في المنطقة العربية عموما. فالسياسة الحكيمة هي التعامل مع الواقع كما هو بدلا من الاسترسال في الاحلام والاماني أن يكون الحال كما نرجو وليس كما هو حقيقة على الارض.

    صحيح أن الدول الغربية تتعاطف مع حق اسرائيل أكثر مما تفعل مع حقوق الفلسطينيين وهذا أمر يعود إلى عدد من العوامل والاسباب منها الشعور بالذنب لما حدث لليهود ومنها كذلك مقدرة اسرائيل على تقديم نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية في المنطقة العربية، والسؤال عندي هو لماذا تنتظر من الدول الغربية الاستعمارية نصرة القضية الفلسطينية ..؟ لقد ناصبت الدول الاوربية العداء للعرب والمسلمين منذ وقت طويل وغزت واستعمرت الدول العربية وكذلك فعلت الولايات المتحدة ولا تزال تفعل اليوم في العراق ومع كل هذا لما نستغرب اضاعة العالم الغربي لحقوق الفلسطينيين ولماذا تنتظر الدول الغربية غير ذلك...؟ وأهم سؤال عندي هو ماذا نفعل نحن العرب والمسلمين في نصرة القضية الفلسطينية وحفظ حقوق الفلسطينيين..جميع الدول العربية اليوم، جميعها وكل واحدة منها معتمدة تماما على الغرب في اقتصادها وفي تسليح وتدريب وتأهيل اقتصادها وفي تسليح وتدريب قواتها المسلحة. هل ننتظر من الغرب أن يمكننا من هزيمة اسرائيل وازالتها حتى نقيم دولة فلسطين الحرة..؟ هذا لن يكون ونحن أضعف من تغيير هذا الواقع ومع ذلك نخدع انفسنا بالاماني الساذجة.





                  

العنوان الكاتب Date
يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-24-10, 03:17 PM
  Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-24-10, 05:42 PM
    Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-24-10, 05:46 PM
      Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-24-10, 06:03 PM
        Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-24-10, 06:13 PM
      Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس هشام هباني04-25-10, 07:42 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������ ������ �� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������

� Copyright 2001-02
Sudanese Online
All rights reserved.




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de