فيا من عظم عقله، ولم يعط لإبن القيم قدره، إستمع إليه وهو ينصحك نصيحة من يهمه أمرك فيقول لك في مختصر "الصواعق المرسلة": "إن هذه المعارضة بين العقل والنقل هي أصل كل فساد في العالم، وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه، فإنهم دعوا إلي تقديم الوحي علي اللآراء والعقول، وصار خصومهم إلي ضد ذلك؛ فأتباع الرسل قدموا الوحي علي الرأي والمعقول، وأتباع إبليس أو نائب من نوابه قدموا العقل علي النقل! إنتهي كلامه رحمه الله - فمن تريد أن تتبع بعد ذلك ؟ أرسول الله ؟ أم إبليس عليه لعنة الله؟!. و هاهو إبن القيم يشرح لك ولأمثالك موقفك النفسي في شرحه لقوله تعالي: (وإذا قيل لهم تعالوا إلي ماأنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا. فكيف أذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)، فيقول إبن القيم: "توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالي : (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق
وإلي من رضي بأفكار البشر عن وحي رب البشر وخلط الغث والثمين وأستورد أفكارا جاهلية من الغرب الكافر، بل ويريد أن يعزز تلك الأفكار بآيات من القرآن الكريم أو من سنة نبيه الكريم فيأتي بإستدلالات في غير موضعها ويتعلق بكل شبهة كالغريق الذي يتعلق بقشة، هاهو إبن القيم يشاركك نصيحة سمعها من شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله وإستفاد منها أيما إستفادة، وهي نصيحة علينا أن نكتبها بماء الذهب المصفي، حيث يقول شيخ الإسلام إبن تيمية عندما سأله إبن القيم عن كيفية التعامل مع الشبهات، فقال إبن تيمية: (لا تجعل قلبك موضعا لورود الشبهات كالإسفنج يتشربها الماء فينضح بها، ولكن إجعل قلبك كالزجاجة المصمتة، المحكمة في قفلها، تمر الشبهات بظاهرها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته)، فقال إبن القيم معلقا علي هذه الوصية: "فما أعلم إني إنتفعت بوصية في دفع الشبهات أكثر من هذه الوصية"، ويقول أيضأ ذلك الإمام الهمام كلاما في غاية الجودة يصحح فيه منهج الذين يرمون غيرهم بالحجارة وبيوتهم من زجاج! ويهجرون الوحيين - وماهما إلا قاربي النجاة - وفي الوقت نفسه يعظمون من شأن الأسباب المادية حتي أنهم يروا أن الغرب الكافر ما تمكن إلا لقوته المادية وتناسوا إن سنن الله في تمكين الكفار غير سننه تعالي في تمكينه للمسلمين، حيث أن الكفار نسوا الله فأنساهم أنفسهم ومد لهم الله في الرزق مدا، وأما سننه معنا نحن المسلمين أنه سبحانه وتعالي يمكننا في الأرض أن نصرناه (إن تنصروا الله ينصركم)، وقوة الدين مقدمة علي القوة المادية في أسباب التمكين الذي عليه وعد الله المؤمنين بالنصر فقال: ( وكان وعدا علينا نصر المؤمنين)، فهاهو إبن القيم مرة أخري ينثر لنا درره - في كتابه القيم زاد المعاد - تعليقا علي هذه الآية الكريمة فيقول:"ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا علي جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه)، كان جهاد النفس مقدما علي جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه من لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والإنتصاف منه، وعدوه الذي بين جبينه قاهر له، متسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلي عدوه حتي يجاهد نفسه علي الخروج. فهذان عدوان فد إمتحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان؛ قال تعالي: ( إن الشيطان لكم عدو فإتخذوه عدوا)، والأمر باتخاذه عدوا تنبيه علي إستفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر علي محاربة العبد علي عدد الأنفاس
وإليك يا من لم يعرف للعلماء أقدارهم، فسودت صفحات هذا المنبر بكلام بخس رخيص عن علم من أعلام الإسلام، فالفضل كل الفضل لأعلام الأمة الإسلامية من أمثال شيخ الإسلام إبن القيم، فأعلم إنما أنت إما جاهل بإبن القيم أو جاهل بالإسلام، أو مبتدع وداعية علي باب جهنم، فلله در أبو الحسن علي إبن أبي طالب الذي قال
مالفضل إلا لأهل العلم، إنهم *** علي الهدي لمن إستهدي أدلاء
وقيمة المرأ ماقد كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
فقم بعلم ولاتطلب به بدلا *** فالناس موتي وأهل العلم أحياء
لفإن أنت قبلت نصيحة علي رضي الله عنه وعملت به في خاصة نفسك وأخلصت لله، فأعلم أن الصحوة الإسلامية مابرحت تبتغي كل وسيلة للم الشمل لأنصارها علي التحابب والتكافل والتسامح في الله، وكمال هذه الصحوة - كما قال الشيخ محمد أحمد الراشد في كتابه "الرقائق" - "أن تري من بعد وحدة الرؤية والفكر والخيال والرجاء والمصير: وحدة القلب والروح، بل ووحدة اللفظ أيضا، فلا تكون هنالك إلا صيحات واحدة، بحروف متقاربة، تعبر عن مفهوم واحد، كما أراد إقبال حين يقول
نحن من نعمائه حلف إخاء *** قلبنا والروح واللفظ سواء
فلم يقنع - إقبال - بوحدة القلب، حتي توحدت الألفاظ
وليس لك حل أمثل إلا أن تقبل نصيحة أبي الحسن رضي الله عنه، وتعود إلي الجادة الصحيحة، والعقل الراجح، ولتركن إلي التسليم المطلق لأمر الله ولأمر الرسول صلي الله عليه وسلم فهما قاربي النجاة، (وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض)، وأن لا تفعل
فدع عنك الكتابة لست منهل *** ولو لطخت وجهك بالمداد
ورحم الله من قال
فللحديث رجال يعرفون به *** وللتساويد نساخ وكتاب
وعودا لذي بدأ، أقول للشيخ نزار، بأنني سعيد جدا بمشاركته في هذا المنبر فمرحبا بك ناصبا خيمتك في صحراء جاهلية القرن العشرين، فلتضرم نارك لكي يراها التائهون فيقصدونها وينزلون خيمتك وكأنما لسان حالك يقول
يا لبيني أوقدي طال المدي *** أوقدي عل علي النار هدي
أوقدي يا لبن قد حار الدليل *** أوقدي النار لأبناء السبيل
أرفعي النار وأذكي جمرها*** عل هذا الركب يعشو شطرها
شردي هذا الظلام الجاثما *** أرشدي هذا الفراش الهائما
حبذا النـار بليل توقـد *** حبـذا المـؤنس هذا المـوقد
حبذا عنـدك هذا النـزل *** لو حوانا فـي سفـار منزل
ما لذا المنزل قد سار الفريق *** إنما النيران أعلام الطريق
زودينا بهيـام ووجيب *** زودي يا لبن مـن هذا اللهيب
وللكلام بقية... وربنا محمود
ولـه المكـارم والعلـي والجـود
وعلي النبي محمد صلواته ماناح قمري وأورق عود
والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته