محمد ولد ..... الدلوعة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-21-2024, 01:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2007, 09:59 PM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ولد ..... الدلوعة (Re: سلمى الشيخ سلامة)

    الحبيبةاميمة الفرجونى لكم وددت ان احكى عن جدى ذاكم الرجل الذى تربيت فى كنفه اهددى اليك هذا النص ( الآن ، وقد تخطيت الاربعين من سنوات عمري ، وغطي البياض ما كان أسودا ، أظل نفس تلك الطفلة التي تتمني عودة ما كان ، مع علمها التام استحالة العودة ، مع ذلك تجدني أحلم ، وأرسم للباكر بروح ملؤها التفاؤل ، فلم يتخط الشيب رأسي بعد ، لم يدخل الروح ، ولن ، فما زال امامي الآف الأميال لأمشيها ، اسعي للوصول ما استطعت الي ذلك سبيلا ، أتمثل جدي –أبوي بابكر – كما كان يحلو له ولي تسميته ، ومناداته ، كأني به ما يزال بيننا ، اشتم رائحة جلده ، أحممه أقلم له أظافره ، فتقطر دما ، فاصابعه باتت لدنة ، كنت أخاف المشهد ، لكنه يلح علي ان أكمل ما بدأته ، يا لذلكم الرجل ، لكم أحبه ، أصلح له ما انقلب من ( مركوبه ) اعدل له سريره في الصباح ، اضع الي جانب السرير (التربيزة الصغيرة ) أضع له فيها الماء وكوب اللبن الحار في المساء ، وفي الصباح تحوي التربيزة ( كباية الشاي باللبن ، واللقيمات إن وجد ) ثم لاحقا الإفطار ، والغداء ان كنت في الإجازة ، أجلس الي سريره ممسدة قدميه ، كأني به عداء انهكه العدو ، يضحك جدي بفمه الخاوي( تلك الضحكة الرقيقة) ، الذي يستنكف وضع (الطقم ) فيه ، ذلكم الطقم الكان دائما له كوب خاص به موضوع الي تحت سريره ، أغير له الماء وأغسله بفرشاة الاسنان الخاصة به ، وأعيده الي موقعه ككنز منسي
    اجلس الي جدي أشكو له تعبي ومشاويري البعيدة التي أمشيها من الإذاعة حتي البيت في امبدة بسبب العناد أحيانا وانعدام المواصلات أحيانا أخري ، وكانت تدهشه تلك المغامرة ، ويتمني لو كان بمستطاعه ان يساعدني :
    - يا بتي هسي متل المشي البتمشيهو دا ما اخير منو قعاد البيت ؟خليهو الشغل دا متعب
    - اها يا ابوى كان قعدت في البيت ، الحال ما بنعوج
    - أها نان كيفن الدبارة ؟ ماكتير عليك ، الله يقويك يا بتي
    - انت بس يا ابوي قول انشا الله يدوني الوظيفة ما ببقي ست البيت بعد داك ، دعواتك يابا
    كان جدي يتلصص في سماع الحكايات التي كنت أحكيها لابنتي عزة ، ويضحك من المفارقات في الحكايات التي كانت تعجبه ، تجده احيانا يقهقه بالضحك حتي يشرق
    ـ الله يجازيك بالخير ضحكتني الحكاية بلحيل
    رحمة الله عليه ، فلقد عاد طفلا في أواخر ايامه ، طفلا حلوا لا تود مفارقته ، لكم أحببته ، واحببتكم جميعكم فانتم عزوتي وناسي ، من وضع لبنة الحياة الصحيحة لدي الآن والي الابد
    هاهي الأعوام تنصرم ، أجدني أدور بين العواصم والمدن والقارات لكن مقامكم دوما هنا بين الجوانح ، لا مفر ولا مخرج الا بموتي
    ذات مساء من شهر اكتوبر العام 1988، كان مساء لا ككل المساءات التي عشتها ، فلم يكن عاديا قط ، جدي كان ممددا في سريره في الممر الفاصل بين الصالتين الطويلتين في بيتنا ، كان يحب ذلك المكان ، فهو مثلي أو كنت مثله ، لا يحب الغرف ، ولا الأمكنة المغلقة ، ولا الحر من ثم ، الحر علي وجه الدقة كان سببا كافيا لتكديره وكذا يفعل بي ، كان اذن ممددا الي سريره كنخلة تأبي السقوط ، شامخة تهفهف سعفاتها ، يقينا كان قامة وظلا أظلنا باجمعنا ووقانا طوفان الزمن تشتتا قال لامي بصوت يشبه الهامس :
    -سكينة بتي ، الوكت جا
    رفع لحظتها كل من سمع ذلك الحوار حاجبيه دهشة ، كيف لانسان أن يعرف منيته ؟ ومتي تكون ؟ كيف تأتي الي من كان مسد الحياة وشكّل وجوده كل تلك الزوايا والركائز في حياتنا ؟ أي الجدارات ستسندنا في غيابه؟ رغم ضعفه الذي كان واضحا لكنه ركيزتنا بلا منازع ، رايته ما زال فتيا ، روحه وثابة ، فتوته سارية لم يأخذ منها الزمن ، وهو من كنت اليه اعود كلما ضاقت بي الجهات ، فيعزيني ، وحين تستعصي علّي الحياة استمد منه الحكايات التي تلهمني وتخفف عني وطأة ما كنت أحس ، نضحك معا منها ومن سذاجتي ( (وعودي الني ) كما كان يصف قلة تجاربي ، هشة بدوت في تلك اللحظة ، رغم انه كان يراني (راجل واكتر من الرجال كمان والله يا بتي كان الرجال متلك كان البلد دي حالا انعدل وبقت لها علي بصيرة ) كنت أضحك من مقولته تلك وأقول له:
    - هسي يا ابوي تسويني راجل عديل كدي ؟
    يضحك مني
    - لو في راجل تب ، تراها امي دي
    - نان امك ما متلك ، أخدي منها ، قدر ما تقدري ، واديها بتستاهل
    امي كانت لها صفاته ، فلم تكن تشكو أبدا الا من( الشديد القوي )قالت لنا في تلك اللحظة بين دموع حاولت الي إخفائها ، فلقد كتب عليها ان تكون شاهدته :
    - قوموا نضفوا البيت ، جهزوا الجرادل للبرود، وحاجات الناس البشيلو
    لم تكمل الجملة حالت عبرتها دون ذلك، انها اللحظات الاخيرة لاقرب الناس اليها
    غالطناها ، بكينا ، بكيت علي نحو خاص ، فهو من ظللت طوال حياتي اناديه (ابوي) ، بكيت ولم اكف ، فهو احد الزوايا في مربع حياتي ، وزاوية لا تنغلق فهي ليست منفرجة ولا منعكسة ولا تشبه أي زوايا أخري ، مفتوحة علي كل حياتي ، ما انكرت عليه ذلك الحق ابدا ان يكون والدي ، وسط سحب الدموع قلت لامي
    ـ : نمشي ننادي الدكتور يا امي ، ابوي ما مات
    أومأت لي بادبها الجم :
    -انتو ما بتعرفوا الموت ؟
    الموت ؟ وكيف؟ لماذا ؟ لمن ؟ابوى ؟ لا
    لحظتها نبح الكلب الكان مربوط الي أقصي أركان البيت ، نبح نباحا غريبا ، اتبع ذلك النباح ان توقفت المروحة الكانت موضوعة إلي جانب سريره دونما أن يكون ذلك بسبب إنقطاع التيار الكهربائي تزامن كل ذلك مع زفرة اطلقها جدي مسلما الروح لبارئها مضت روحه خفيفة حيث السرمد ،مضي فارس من فرسان كل الازمان ولعمري مضي في جلال الملوك وهيبتهم ،فله رهبة لم تبارحه حتي مماته ، ظللت ملامحه ، فبدا كفارس في قلب طفل ، ملامح تجبرك علي توقيره ، قامة كالنخل ،عرضه بطول النيل ، وجهه وسامة لا تخفي ، بشلوخه الغائرة في وجنتيه ، محياه ينم عن ( صلاح ) ومهابة تنطوي علي احترام الذات
    هو ابوي ، الحقيقي ، رباني في كنفه ، وكان لا يرضي ان اناديه جدي ، ولحظة يزل لساني بذلك ينهرني ويقول :
    -أنا ما جدك أنا أبوك ، اخوانك مخيرين ، لكين انتي بتي فهمتي ؟
    هالله ، أفاض علّي حبا لم يمنحني اياه أحد ، أضفي علي حياتي معني ما كان ليكون لو لم يكن اسا حقيقيا فيها ، رغم الصرامة اللافتة ، البادية مظهريا عليه ، لكنه كان يمتلك حاسة فنية وحدسا نقديا عاليا اورثني إياه، مزودا اياي بتلك الخصائص دونما قصد ، فهو ذواقة للموسيقي ، للغناء الجميل ، وإن كان لا يردده قط فلم أسمعه يترنم ، مع ذلك كان يشجيه صوت الفنان حسن سليمان (الهاوي ) ورمضان حسن ، ومحمد ميرغني الذي كان فنانه المفضل ، وفناني من ثم
    يوم تزوج حسان شقيقي ، كانت ليلة لم ينسها احد ممن حضروها ، غني فيها العديد من الفنانين من زملائي واصدقائي من المعهد والخريجين ،كان بينهم الفنان حيدر حدربي ، ناداني جدي :
    - الوليد الغنا دا منو ؟
    - ياتو فيهن ؟
    - الهسي غني طلعت القمرة
    - حيدر حدربي ، عجبك يا أبوي ؟
    صمت لبرهة كأنما يستعيد الصوت في ذاكرته التي ظلت ناصعة رغم تقدم السن
    - صوتوجميل ناديهو لي أسلم عليهو
    ورايتهما غائصان في حديث شهي لا اعرف كنهه ، لكني أشهد أنه ناقد متخصص في شأن الغناء هكذا بدا لي وحيدر بأدبه الجم وبساطته التي تدل علي عظمة العارف ورقته يستمع وجدي لايني يسوق الحديث بلباقة العارف وذرابة اللبق
    يستمع جدي للاصوات باذن الخبير ، يميز الأصوات ، من كان جديدا وجديرا بأن يستمع إليه ، كان محبا لصوتين من البنات ، زينب الحويرص وسمية حسن ، كان يري اصواتهن كأصوات الملائكة أو هكذا وصفهن ، كان يقارن صوتهن بصوت الفنانة عائشة الفلاتيه ، لكنه يقول :
    ـ ما خلن للفلاتية شيتا تغنيهو فاتنها لقدام .


    ورثت عن جدي ميله للحرية والزهد، فهو كان كارها للقيود وأعني الكلمة
    فهو كما عرفت لم يشتغل في الجهاز الحكومي في حياته الإ بالقدر اليسير وتركها ولسان حاله يقول ما بدور عبودية الحكومة )، حتي في ملبسه كان مثالا للصوفي الزاهد ، ملبسه كان ( عراقي خفيف من القطن ، سروال ابيض يتلفع بثوب أبيض أيضا ، يحب البياض فلم يلبس سوي اللون الأبيض في كل ما رأيته يلبس ، حتي الطاقية بيضاء ، يحلق شعره نمرة واحد ) ، لم يكن قد عاني الصلع ، يحمل عصاته بيده اليسري ، والمسبحة باليمني، ولعصاته حكاية :فهو كان دائما يلّوح بها ( للحرامي ) الذي لم يصادفه قط ، ( والله ان جانا الحرامي الا عصاتي دي تاباهو ) فهي ـ العصي ـ طويلة تنتهي ( بصامولة) كافية ( لفتح راس ايا من تسول له نفسه الاقتراب منه ) وحدث أن زارنا الحرامي لكن جدي لم يكن موجودا حينها ليلحق بذلك الشرف الذي طالما تمناه وهفت نفسه اليه كان فى الجامع يصلى الفجر الذى لم يكن يصليه الا فى مسجد الشيخ اسحق حمد النيل
    صوفي جدي ، في شبابه كان أغني إخوته أجمع ، كان يمتلك عددا كبيرا من الماشية ، يطلع بها مشيا بين بربر وأتبرا كما يحلو له تسميتها ويعود منها محملا بمال جم ، حكي لي ذات مرة أنه رأي فيما يري النائم رجلا جاء يوم الحشر وقد كان يجر رأس فأسا كما يجر جبلا ويتأوه من حمله ذاك ، قال سألت الرجل
    - مالك يا زول ؟ قال فرد عليه الرجل الكان في المنام :
    - ماك شايفني جاري الجبل دا ؟
    - قال : ياتو جبل ؟ راس الفاس دا؟
    - قال الرجل : بلحيل كنت بكسربو الحطب ، وتراني جاريهو جبل متل ماك شايف قال جدي من محلي داك قمت علي البهايم وزعتهن ، وكل قرش عندي ما بات معاي يوم تاني ، وقعدت يا مولاي متل ما خلقتني ، معلم الله ، ماني داير من الدنيا جنس شيتا يتقل علي ، الاضان باردة والقلب ثابت ،الاقي ربي خفيف ؟؟؟
    أضحكتني الفكرة كيف يمكن لاحد أن يتصرف علي هذا النحو ؟ في زمن الجميع فيه يلهث باتجاه المال وتكديسه ؟ لا يهم كيف في بعض الاحيان ، المهم ان يتوفر !
    فهمت الآن موقف جدي ، وزال تعجبي حين رأيته ممددا في سريره تلك الليلة،خالي الوفاض الا من حبنا ، ومسبحته ، وما كان يستره
    اذكره الآن فوح لم تتغير وردته التي ما تزال تنشر ذلك العبق بيننا عبق من النبل والمرح رغم التجهم البادي ، تبقت منه أصالته وكرامته التي لم يستطع الزمن ان يحني لها عودا ، يا لجدي المتسم بالعفة في الحديث ، فلم اسمعه يشتم بنابي القول ولا تطاول في القول ، لكم أحبك يا جدي

    جدي كان دائم السؤال ، يسأل من يدخل ومن يخرج ، أحيانا يتعامل مع البعض بروح ملؤها التآمر ، حين ( يتغابي العرفة ) حتي أنه ذات مرة وكان أحد ابنائه خالي حفيظ ، جاء لزيارته ، بعد ان استقر به المقام في بيت والدي في امبدة، جاء إذن حفيظ :
    - ابوي ازيك
    - انت منو ؟
    - عبدالحفيظ
    - عبد الحفيظ منو ؟
    ليجد انه امام ابنه ، ومع ذلك كان يمعن الانكار ، لكنه سرعان ما تعود إليه طفولته ووداعته ، فينادي من أنكر قبلا ، وينتهي المشهد باكيا ، ولا يقف الامر عند هذا الحد ، ففي بعض الاحيان حين تزوره بعض قريباته ، وأقرباؤه ويكون غير راغب في السلام عليهم ، فإنه يدعي النوم ، وينسي انه قد فعل ، فينادي أحدنا بعد قليل من ذلك التناوم ، فيقوم أهله لمسالمته ، لكنه يعود إلي ما كنا نسميه ( حركات جدي) أو كما كانت تقول عنها هدي رحمها الله ، ( الحالة س) ولا يأبه لمن مد له يده ، او تجده مادا أطراف أصابعه ويرد السلام من دون نفس
    هو ذاك عم بابكر كما كان يحلو لنا مناداته أحيانا ، تراه يلعب الطاولة بخبرة العارف ، لكنه لا يفعل ذلك كثيرا ، ربما كان يري انها ملهاة له عن فروضه أو000 لا أعرف 000
    مع ذلك كان يهوي ان يحكي لنا مغامراته ، وتجاربه 000
    في ايامه الاخيرة كانت قد عادت لجدي طفولته التي ربما تاهت عنه لبعض الوقت ، كنت تراه يبكي لاقل المشاهد تاثيرا ، ويضحك لابسط المواقف طرافة ،عاد شفيفا كما تكون الشفافية والرقة ، كنت أحيانا اعود الي البيت باكرا ، فنستلقي معا صحبة ابنتي ، احكي لها حكايات ما قبل النوم ، أو أقرأ لها من كتابها المفضل قصصا حين تكون الكهرباء متوفرة ، واحيانا لا أفعل ايا منهما بفعل الاجهاد أو الانشغال ببعض أمور البيت ، حينها ترتفع وتيرة جدي واستجابته الشرطية فيسأل عزة :
    - انتو الليلة يا عزة ما في حجا؟
    تضحكنا طرافة الرغبة , وأقوم طائعة لاداء ذلك الواجب اللذيذ ، أحكي لهما بصوت عال ، رغم انه لم يفقد حاسة السمع ، ولا النظر الا بما هو معادل لسنه لم ترتجف يداه مثل بقية الشيوخ في سنه ، لم اسمع انه كان في زيارة الطبيب الا مرة واحدة وكانت للكشف لاستخراج النظارة الطبية له ، لم أسمعه ينادي سائلا عن مواقيت الدواء ، ( ولعلي ورثت عنه كرهه للاطباء والحكما كما يسميهم والدويات) بل كان يسأل عن الطعام ، كان محبا للطعام الجيد خاصة ، ولا يحب (الاكل الخمجان ) علي حد قوله، رغم تهالك اسنانه ، لكنه مع ذلك يعنيه تماما ان يشرب في الصباح والمساء ما امكن (الشاي باللبن بالكباية الكبيرة) حبذا لو كانت مصحوبة برغيف أو ما تجود به أمي من (لقيمات ) في الصباح
    قال جدى ذات مساء اخضر:ـ :
    - ( زمان كنت بشرب اللبن بالسمن والبلح المبلول من في الليل ، دا قبل الشاي كورية لبن ما كباية متل زمنكن الناشف دا ، بعد داك الشاي باللبن المقنن ، العشا مديدة حلبة ولا دخن باللبن والسمن ، الزيت بعطن فيهو كرعيني وبستحم منه ، وندفقو، زيت سمسم صافي ، ربع البلح دا ونسة ساكت بكمل ، وكمان ان بقي معاهو قراصة بي سمنه ، ولا كان فطيرة بي لبن ، ما زيكن هسي تاكلو الفول ، الفول الله يقطعو خرب بطنا واذاها ، مجبورين عليهو ، زمنكن الناشف دا علمنا اكل الفول )
    ربما كان لكل ما كان يأكل في صباه ذاك الاثر الذي لم ينمح ، فقياسا لسنه كان جدي رشيقا ، بل كان يقوم بكل ما امكنه القيام به ، كان يغسل ملابسه (علي كيفو ) يرتب اشياءه البسيطة ايضا، رحمه الله

    لحين سكن معنا شاب جاء من تشاد أو افريقيا الوسطي ، لا اعرف تحديدا ، المهم ، جاء رفقة ابناء خالتنا ( يرحمهم الله) من نيالا بعد ان ضاقت بهم سبل الحياة هناك ، أواسط الثمانينات ، لم تكن أمورهم قد ترتبت بعد ، فتركوا عبد الله يعيش بيننا الي حين ، ويا لروعة مقامه بيننا ، فقد كان خلا وفيا لجدي ، مراعيا له في غيابنا عن البيت ، يطعمه ويسقيه ، ويقف علي كل طلباته ، بلا من او تبرم، يؤدي ما عجزنا عن ادائه ، يحكي لجدي بدماثة عن بلاده ، وجدي يضحك من حكايات عبد الله ، ومن دهشته من الخرطوم كاكبرمدينة يراها في حياته، ، يحكي عن بنات الخرطوم (السمهات ،عمي بابكر هسي ما بعرسو لي واحد من بنات الخرتوم دا؟ ) ، ولا يخيب جدي ظنه فبقول له ضاحكا من التذكير الذي لحقهن :
    ـ انت بس شد حيلك واشتغل كويس بنعرس ليك الدايرا فيهن
    وكان لذلك يتاجر بالسجاير في زمن الندرة ، ولا اعرف من أين كان يحصل عليه،ويدخر مالا كثبرا ، كنت ادبر له امر صونه ، لكنه في المقابل ماتواني عن تلبية طلبات والدي ، كان يجلب له الدخن والسمن واللبن ، ويصنع له (المديدة) التي طالما احبها ، تجدهما ياكلان ويضحكان كصبيين في سن واحدة ، لكن عبد الله أختفي لامد طويل ولم يعرف احد اين ذهب ؟ البعض يقول انه مات والبعض لا يعرف ، فلقد بات لغزا لم يحله احد بعد؟

    قلت ان جدي يحب الضحك ، ففي ذات مساء صيفي نام الجميع سوانا ، كنا نشاهد التلفزيون ، سهرة غنائية ، فاذا بجدي فجأة يضحك دون مقدمات ، انتظرته حتي انهي موجة ضحكه ، سألته عن سر ضحكه ، فلم يجبني لحظتها
    بل بادرني :
    - دحين انحنا اتعشينا ؟
    كانت الساعة حينها تشير الي منتصف الليل ، قلت له :
    - آي يا ابوي ...
    فضحك مشيرا للتلفزيون :
    -السجم دا بجوع ، دحين هسي ما بتلقي لينا شيتا نسكتبو عيال الجوع ؟



    رحمة الله عليك عليك ياوالدي ، فلكم أضأت لي ظلمة ما كنت احسبها ستضاء لولاك ، لكم كشفت عني غمة ما كانت تزول لو لا وجودك في حياتي ، يا من أضحكتني ساعة حزني ، والبستني ساعة عريي من الامل املا ، سيجتني بحبك ونسجتني ، علمتني ما لم اطالعه في الكتب ، منحتني ما لم تمنحه لاحد من كل الذين حولنا ، رأيت معك دنيا ( وسيعة) ملؤها الحياة ، بشموخك الذي اتمناه يلبسني ، وسموك الذي اسعي الي بلوغه ، حتي حزنك اشتهيه الآن ، لانه حزن ما رايت انبل منه ،
    رأيت ذلك وكنت في عداد الاطفال بعد ، يوم رحلت أنيستك ورفيقة روحك امي نفيسة ، ذاك اليوم شهدت الشموخ يبكي بشموخ ، والعزة تتالم ، أدخلتني الي صدرك شهقة ، وشهقت معك بالبكاء ، لم ار رجلا يبكي الا ذاك اليوم ، فلقد بكيتها كمحبوبة لم يبك احد محبوبته علي نحوك ، فلطالما احسست حين رحلت انها فقدي وحدي ، حتي رايتك تبكي ، فوجدت حزنها يلبسنا معا ، حزنك ظل جليلا ، مجللا لك طوال ما تبقي من سنواتك ، لا تراه ، لكنك تحسه فلقد ظللنا نداري ذاك الجرح في ركن قصي من الذاكرة ، لكنك تخرجه ، وتتقلب علي مجامره ، كنت حين اضبط دمعة تجري علي خدك دونما سبب ، اسالك ، فتجيب
    ــ: لا لا ما في حاجة
    أفهم لحظتها انك قلبت مجمرة الذاكرة وانها التهبت من ثم ، رغم السنوات التي عبرت ، وانسربت 0
    مشدودة الي قوس ايامي معك يا أعظم الاباء جميعا ، لك كل الرحمة

    ايوا 5/5/ 2004



                  

العنوان الكاتب Date
محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-28-07, 11:18 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة طلال عفيفي04-29-07, 00:19 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 03:43 AM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة Elbagir Osman04-29-07, 00:33 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة مروان جمال الدين04-29-07, 00:47 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة صلاح الأحمر04-29-07, 00:56 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:17 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة محمد على طه الملك04-29-07, 01:00 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة bayan04-29-07, 04:03 AM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:26 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:34 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:09 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 03:57 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة القلب النابض04-29-07, 04:06 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 01:22 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة Adil Osman04-29-07, 05:01 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة bayan04-29-07, 05:15 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:28 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 01:59 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة بدرالدين شنا04-29-07, 05:20 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 02:39 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة Mohammed Elhaj04-29-07, 12:26 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة بخاري بشير04-29-07, 04:00 PM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:43 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 04:34 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة abubakr04-29-07, 04:16 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 05:29 PM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة شهاب الفاتح عثمان04-29-07, 06:43 PM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-29-07, 09:58 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة maia04-29-07, 09:09 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة علي طاهر04-30-07, 00:52 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة munswor almophtah04-30-07, 03:12 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 04:51 AM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة سمية الحسن طلحة04-30-07, 06:41 AM
            Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 01:45 PM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 01:27 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 04:41 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة maia04-30-07, 09:12 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة othman mohmmadien04-30-07, 11:26 AM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 01:57 PM
            Re: محمد ولد ..... الدلوعة ibrahim kojan04-30-07, 06:10 PM
              Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 11:42 PM
            Re: محمد ولد ..... الدلوعة علي طاهر04-30-07, 11:10 PM
              Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 00:00 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة04-30-07, 11:26 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة صديق الموج04-30-07, 08:33 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة Mohamed Abdelgaleel04-30-07, 09:08 PM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 00:43 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 00:17 AM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة عمر فالكاو04-30-07, 09:44 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة عفاف أبو حريرة05-01-07, 00:01 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 01:00 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-02-07, 00:31 AM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة Raja05-01-07, 00:09 AM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 01:15 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة عاصم الطيب قرشى05-01-07, 03:44 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-01-07, 11:57 AM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة سفيان بشير نابرى05-01-07, 07:35 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة Yasir Bastawi05-01-07, 12:40 PM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة Omayma Alfargony05-01-07, 09:04 PM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة ibrahim kojan05-01-07, 10:12 PM
            Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-02-07, 02:37 AM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة Osman Musa05-01-07, 10:22 PM
            Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-03-07, 00:43 AM
          Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-03-07, 00:24 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-02-07, 11:45 AM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-02-07, 01:21 AM
        Re: محمد ولد ..... الدلوعة Omayma Alfargony05-07-07, 08:20 PM
  Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-07-07, 09:59 PM
    Re: محمد ولد ..... الدلوعة othman mohmmadien05-08-07, 03:04 PM
      Re: محمد ولد ..... الدلوعة سلمى الشيخ سلامة05-09-07, 01:20 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de