لا زلت أذكر زيارتي الأخيرة لجوبا حاضرة جنوب السودان أكتوبر الماضي.. والسيد تعبان دينق النائب الأول للرئيس هناك.. يحدثنا مجموعة الصحفيين السودانيين في مكتبه.. يحدثنا كيف أن وزير التعليم في تنزانيا عرض عليه عرضا يسيل له اللعاب.. عرض عليه فقط أن توافق حكومته على اعتماد اللغة السواحيلية في مناهج جنوب السودان الدراسية.. ثم يترك لتنزانيا كل شيء.. فهي ستوفر الكتب الدراسية والمعلمين وكل مطلوبات المنهج.. كل ذلك على نفقة تنزانيا.. دون أن تكلف خزينة الجنوب جنيها واحدا.. ولكن تعبان دينق وغيره كثيرين من أبناء بلاده.. تتطلع أعينهم شمالا.. حيث ولد جلهم.. ونشأ بعضهم.. وتعلم كلهم.. ولكنهم أيضا.. يرتد البصر إليهم حسيرا.. بل ومندهشا.. لماذا ترفضون ذلك.. يسألنا تعبان.. لماذا ترفضون حرصنا على تعلم اللغة العربية.. ثم ترفضون تمسكنا بالمنهج السوداني..؟! تذكرت ذلك الموقف.. وأنا أردد في سري.. ها هو ذا يا تعبان رجل من بين ظهرانينا.. وطني يعلي من شأن مصالح وطنه العليا.. قائد يأخذ القيادة بحقها.. فلا يتنازل عن شبر وضعت فيه قواته أقدامها.. مهما طال الزمن.. فيستمع لندائك الذي طوى الزمان والمكان.. ويستجيب فلا يتردد في اتخاذ القرار الوحيد الصحيح.. والمطلوب.. فيبعث بطائرة خاصة تحمل أوراق امتحانات الشهادة السودانية.. فتحط في مطار كمبالا قبل ساعات محدودة من موعد فتح مظاريف الامتحان في كل المراكز.. ليجلس طلاب جنوب السودان الجالسين لامتحان الشهادة السودانية للعام 2018.. في وقت واحد مع أقرانهم الجالسين في كل أرجاء العالم.. فيبقي آخر خيط كان يربط جنوب السودان مع منهج السودان.. آخر خيط كان يربط أبناء جنوب السودان مع اللغة العربية.. يبقي آخر خيط دون انقطاع.. بل يزداد متانة وقوة.. وأبناء الجنوب في كمبالا يغنون ويرقصون باللهجة السودانية.. بعد أن فوجئوا بوصول أوراق الامتحانات.. بعد أن كانوا قد يئسوا.. من الامتحان.. ومن كل ما يربطهم بالسودان.. قرار صائب اتخذ في الوقت المناسب.. حقق كل ذلك..! إنه قرار الفريق شرطة دكتور حامد منان وزير الداخلية.. رئيس اللجنة العليا لتأمين امتحانات الشهادة السودانية.. والقاضي بنقل أوراق امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام إلى العاصمة اليوغندية كمبالا.. بأعجل ما تيسر.. بعد أن فشلت كل جهود حل الأزمة بطرق أخرى.. واختار أبناء الجنوب الرحيل إلى كمبالا للانضمام لمركز الامتحان هناك.. ولأن الأوراق التي وصلت لذلك المركز مسبقا خاصة فقط للجالسين للامتحان من كمبالا.. كان مرشحا لذلك المركز أن يشهد أزمة خطيرة حال فشل بعض الطلاب الجلوس للامتحان.. فكان قرار الوزير تداركا للموقف.. وتجاوزا للأزمة.. لقد كان الوزير وبصفته الإضافية تلك.. رئيس اللجنة العليا لتأمين الامتحانات.. كان يوازن بين أمرين.. ضمان سرية وعدم تسرب الامتحانات من أي موقع.. داخل أو خارج السودان.. وفي ذات الوقت ضمان حصول كل المستوفين لشروط الجلوس للامتحان على فرصتهم في أداء الامتحان.. عرض السودان على حكومة الجنوب نقل الممتحنين.. في حدود المائتي طالب إلى السودان.. وسيتكفل الأخير باستضافتهم حتى يؤدوا امتحاناتهم.. على غرار ما حدث مع الممتحنين من ليبيا.. ولكن الحكومة لم تتلق أي رد.. سلبا كان أو إيجابا.. ثم تفاجأ إدارة الامتحانات هنا.. أن نحو مائة طالب قد وصلوا بالفعل إلى كمبالا.. وبعد قراءة عجلى.. ولكنها عميقة للموقف.. يخلص الوزير إلى أمر واحد.. مهما كلف الأمر.. فإن عدم جلوس أولئك الطلاب للامتحان.. سيكون أكثر كلفة.. وأكبر خسارة.. فيتخذ قراره التاريخي.. مستحقا عليه التقدير.. ونجمة الإنجاز..!
alyoumaltali
العنوان
الكاتب
Date
منان.. القرار الصائب في الوقت المناسب! بقلم محمد لطيف
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة