علي جلسرين ، شخصية غريبة و أغرب ما فيها ذلك اللقب العجيب ، سألت كثيراً في دائرته التي يعيش فيها و يتردد بين أحضانها ، عن مغزى ذلك اللقب ، لكني لم أجد إجابة شافية ، ما يدفعني للكتابة عن ذلك الشخص الذي إلتقيته و عايشت جزءاً من مسيرة حياته المفعمة بالغرابه و البوهيمية المفرحة و المبكية في آن واحد قبل ما يقارب العشرين عاماً في مدني ، تلك المدينة التي لا تخطئها عين الإدهاش و الغرابة في كثير من حركتها الإجتماعية و الثقافية و الفكرية ، على جلسرين لا أستطيع أن أنعته بمجنون و لا فاقد وعي ، غير أنه غير سوي بالتأكيد على المستوى النفسي ، شاب في مقتبل الأربعين يرتدي البنطال و القميص و أنواع غريبة من القبعات ( و البرانيط ) الأجنبية ، و بالتحديد تلك الخاصة برعاة البقر في أفلام الكاوبوي الرائجة الإنتشار في ذلك الحين ، من أهم هواياته و أقربها إلى نفسه طرق أبواب الناس ، من يعرفهم و يعرفونه أو من ليس له بهم صلة ، و السلام ملياً على من يفتح له الباب : ثم بعد ذلك يسأل سؤاله التقليدي الأوحد ( أها قالوا عندكم مناسبة قريب .. ممكن نجي نساعدكم و نقيف معاكم ؟؟؟ ) .. الحقيقة لقد تعرضت بنفسي أكثر من مره لسؤاله هذا و كان أغلب الناس أو جلهم تقريباً يعتذرون له بلباقة واعدين بأن يبلِّغوه وقتما كانت هناك مناسبة .. طبعاً و شارات الإستغراب تترى في وجوه من لا يعرفون على جلسرين ، في أكثر من مرة من المرات التي قابلته فيه أمعنت تفحص وجهه و باقي جسده علي أجد أثراً لإستعماله زيت الجلسرين كمرطب حتى أجد مبرراً منطقياً لهذا اللقب العجيب غير أني و للأسف الشديد لم أجد أثراً لذلك ، ومن سمات علي جلسرين أنه كان أيضاً يمارس مساعدة الآخرين في أي عمل مهما كان شاقاً و بلا مقابل ، و حكى لي أحد الأصدقاء أن عتّالة سوق البصل ( بملجة ) مدني لتسويق الخضار بالجملة ، كانوا يترصدون قدومه ليقوم بمساندتهم مجاناً في أداء أعمال يتقاضون عليها أجراً ، حيث كانوا يستغلونه في شحن أو تفريغ ( لوري ) كامل من جوالات البصل و يتفرجون عليه و هم يرتشفون الشاي تحت ظل شجرة ربما كانت هي أيضاَ تضحك و تتلذذ بعذاب هذا المسكين المسمى علي جلسرين ، كان كثير التواجد في بيوت المناسبات أفراحاً كانت أم أتراحاً ، و كان مثابراً و خدوماً و هميماً رغم إنعدام علاقته بأهل المناسبه ، غير أنه كان نجماً شعبياً معروفاً في ############ات مدني ، يعرفه الأطفال و الكبار و النساء و الرجال ، قال لي أحدهم أن أهله من الموسرين و ترك والده المتوفي له و لإخوته كميه من البيوت في ( حلة المكي ) .. غير أن صاحبنا على ما يبدو مصاب بإضطراب و نفسي و عجزت أسرته عن إحتواء مشكلته أو على الأقل مراقبته و حمايته من التجول المضمني و التعرض لإستغلال الآخرين بالأعمال الشاقه ، تحت طائلة رغبته العارمة في عرض المساعدة و المساندة لكل من يعرفه و لا يعرفه ، علي جلسرين شخصية غريبة و نمط كاريكاتيري لقيَّم التكاتف الإجتماعي السوداني و حب مساعدة الآخرين و التآخي التلقائي الفطري دون نظرة مادية و لا طموح في مصلحة ، أرجو أن يكون حياً و بصحة عافية و حال أفضل مما كان عليه .. شريط من ذكريات حبيبه ماضية.