من مظاهر التراجع العديدة التي طالت جوانب الحياة في هذا البلد والتي جعلته يبدو وكأنه يعيش في عصور ماقبل التاريخ ، رغم الإدعاء من أهل السلطة بأن البلاد وصلت درجة من التطور يدل عليها المباني الفخمة ، وإستخدام الهواتف الجوالة ، وركوب السيارات المكيفة ، وأكل الهوت دوق ، وكل هذه لا تحسب من مؤشرات التنمية ، أو من المعايير التي يقاس بها معدل النمو الإقتصادي . يحدث هذا التراجع بعد أن كنا نسير بخطى حثيثة لنقترب من المستويات العالمية في كثير من الميادين ، مثل التعليم والزراعة والتجارة والخدمة المدنية والخدمة العسكرية والسلك الدبلوماسي وغيرها ، وفي عالم التجارة والأعمال كان لدينا شركات اكتسبت سمعة عالمية مثل شركة الأقطان وشركة الصمغ العربي ، وقد كانت كل تلك المنظومات تتمتع بالخبرة والإتقان والنزاهة في الأداء ، رغم إننا كنا من ( آكلي الكسرة والعصيدة وراكبي الكوامر واللواري وساكني بيوت الجالوص والقش ) والآن أصبح كل ذلك الميراث في خبر كان . في هذا الزمان اصبح الفساد هو الغالب والنزاهة هي الإستثناء ، ففي مجال التجارة والأعمال تكونت شركات بدون رأس مال ، وشركات وهمية تستورد حاويات مليئة بالمخدرات وشركات يوكل لها تنفيذ أعمال إنشائية كبيرة رغم أنها حديثة التكوين وليس لها سجل لتنفيذ أية أعمال من قبل . في السابق كانت الوزارات الهندسية مثل وزاة الأشغال تقوم بتنفيذ الأعمال الحكومية الإنشائية والبلديات كان لها أقسام هندسية للأعمال المدنية كرصف الطرق ، أما الأعمال الكبيرة فكانت تتولاها شركات عالمية بعد طرحها في عطاءات عالمية ، فكانت شركة لورنو المنفذ لمصنع سكر سنار ، وشركة ماكلباين التي نفذت الأعمال الإنشائية لسد مشروع الرهد الزراعي ، وشركة إسترباك التي نفذت طريق الخرطوم ربك ، والشركات الكورية والأمريكية التي نفذت طريق كوستي أم روابة وأم روابة الأبيض على التوالي . أما الإستيراد والتصدير فكانت تقوم به شركات وطنية محترمة ، وشركات عالمية عن طريق الوكلاء في الداخل . أما في وقتنا الحاضر أصبحنا في كل يوم نطالع في الصحف " جرائم " لبعض الشركات المكونة حديثا التي تنفذ أعمالا حكومية في امور خطيرة تتصل بحياة الناس في هذا البلد ، وأخرى تعمل في التجارة تقوم بإستيرد نفايات العالم بأبخس الأسعار ولا يهم إن كانت ضارة بصحة البشر ، وعادة هذه الجرائم يتم إكتشافها بعد مرور وقت من الزمن ، وقد رأينا كيف أن بعض الطرق التي شيدت في ولاية الخرطوم شاخت وظهرت عليها الأخاديد والحفر ولم يمض عليها العام ، وهناك الإكتشاف الذي تم في الشهر الماضي لمواد تنقية المياة في أحد محطات التنقية بأنها غير صالحة للإستخدام وأنها منتهية الصلاحية ، والشركات المستوردة التي تستورد بضائع تنتهي صلاحيتها بعد أشهر قليلة من دخولها البلاد ، وشركات الدواء الوهمية التي شاركت في تبديد دولارات البنك المركزي على قلتها في عمليات إحتيال مشهورة ، لاستيراد الدواء ، وأخيرا وليس آخراً ، القضية التي إحتدم الجدل حولها ولا يزال ، وأعني فسائل النخيل التي أدخلت للبلاد وهي مصابة بالفطريات والتي إستوردتها أحدي تلك الشركات وإنتهى الأمر بحرقها ، وغيرها من الأمثلة التي لا تُحصى . والعامل المشترك بين كل هذه الحالات ، أن هذه الشركات لها صلة بالمسئولين في الجهات الحكومية ، التي تطرح المشاريع ، واظهرت التحقيقات أن بعضا من هذه الشركات يمتلكها المسئول الأول في المرفق الحكومي ، وبعضها يرأس مجلس إدارتها الوزير نفسه وبعضها كونته مجموعة تعمل في نفس المرفق . بطبيعة الحال فإن هذه الشركات شركات كونت لغرض محدد وبالتالي فهي ليس لها خبرات سابقة تنفيذية سابقة ، لآنها كانت غير موجودة ، فمن أين تأتي بالخبرة وهي لم يسبق لها مباشرة مثل هذا العمل من قبل . هذه الشركات عبارة عن مافيا تتكون من مسئولين في بعض الإدرارات الحكومية لهم شركاء في السوق يكونون واجهة لهذه الشركات ، وبدلا من طرح العمل المطلوب في عطاء لتتنافس علية الشركات العاملة في المجال فإن الأمر ينتهي عند هذه الشركات التي تمتلكها هذه المافيا بتنفيذ المشروع ، أو بإستيراد السلعة المعينة . الإشارة إلي أن ما تقوم به هذه الشركات التي يمتلكها بعض المسئولين ،أو وجودهم في عضوية مجالس إداراتها ، أو رئاستها بانها جريمة جاء من أننا لو طلبنا من من النيابة أن تكتب صحيفة إتهام لهذه الشركات ستجد أنها إرتكبت أكثر من جريمة واحدة ، مثلاً : مخالفة قرار مجلس الوزراء الذي يمنع المسئولين من تكوين شركات وأعمال لها إرتباط بالوظيفة التي يشغلونها في الدولة ، ثانيا إستغلال الوظيفة الحكومية والإستفادة من المعلومات التي أتاحتها له المنصب لتحقيق مكاسب شخصية ، ثالثا التلاعب في خص هذه الشركات بالعطاءات من غير وجه حق ( إذا كان هناك عطاء أصلا ً ) رابعا الإضرار بالإقتصاد الوطني ، خامسا تعريض حياة المواطنين للخطر ( إذا كانت موادا غير صالحة وضارة بالصحة أو منشآت تم التلاعب بموادها طرق ، مباني إلخ ......) قيام المسئولين في بعض المرافق الحكومية بتكوين شركات خاصة بهم أوعضوية أو رئاسة مجالس إدارات بعض الشركات ، عمل مخالف للقانون ، وعمل مخل بواجبات الوظيفة ، وأهم من ذلك أن المخالفات والجرائم التي تقوم بها هذه الشركات كما تورده الصحف تدخل في جرائم تخريب الإقتصاد إذ تذهب أموال الدولة إلي هذه الشركات بدون وجه حق بسبب محاباة المسئول لها لصلته المباشرة بها والتغاضي عن التقصير والإخلال في مطابقة الأعمال التي توكل لها للمواصفات إذا كانت سلعة ، أو عدم إستيفاء الأعمال التي تقوم بها للشروط المنصوص عليها ، ، وهكذا تهدر أمولاً طائلة من ميزانيات هذه الإدرارات الحكومية في أعمال تضر بالدولة والمواطن ، وهي أموال كان من الممكن أن توجه لضرورة أو حاجة من الحاجات الأساسية للمواطن . لن نكرر ونقول يجب محاسبة هؤلاء المسئولين لأن حلوقنا كادت أن تنشرط من النفخ في القرب المقدودة ، لكن فقط نقول إن هذه الشركات إذا لم يوقف نشاطها بعد ما قامت به في السابق من جرائم ستسسب في كارثة لهذا البلد وأهله الطيبين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة