قبل سقوط نظام البشير في 11/4/2019م، بلغ عدد الأحزاب السياسية المشاركة والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقات ثنائية مع النظام بإسم السلام أكثر من مائتي حزب وحركة. وهذه الأحزاب 98% منها من صنع النظام المخلوع لكي يجمّل صورته ويدعي أن هناك حياة حزبية تعددية ديمقراطية في السودان، لكنها في الأصل أحزاب ميتة منفصلة عن الشارع ولا قواعد شعبية لها، تعمل فقط من أجل مصالحها الخاصة النخبوية، وتضع عينها على مناصب بمؤسسات الدولة ونفوذ سياسي وشبكات مصالح تجارية واقتصادية وغيرها. أما الحركات المسلحة السودانية، هي الأخرى اسمية فقط ومعظمها لا مقرات ومكاتب لها، لكنها وجدت مصالحها مع الاستبداد والفساد، وأصبحت جزءا من منظومة الحكم وخارطته لتلعب دور الخادم والمؤيد والداعم للنظام. هذا العدد الضخم من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، كان سببا في تعقيد الأزمة السياسية ومعطلة لمستقبل البلاد لما تضمنه من عناصر إفساد مستمر للحياة السياسية، حتى استطاعت الثورة السودانية اسقاط النظام ومعه تلك الأحزاب والحركات الهلامية. بشر السودانيين خيراً بسقوط النظام ومعه هذا العدد الهائل والضخم من الأحزاب والحركات المسلحة، واعتقدوا أن الحكومة الانتقالية ستتخذ الإجراءات اللأزمة لعزل كل تلك الأحزاب والحركات المسلحة عزلا سياسيا لما يخلفه وجود تلك الأحزاب والحركات من مشاكل، ليس فقط على المستوى السياسى، وحالة الفوضى التى تشكلها، وإنما أيضا على باقى المجالات، ومنها الإعلام، الذى تلعب الأحزاب دورا كبيرا فى تشكيل ما يعانيه من أزمات.. لكن للأسف، انتهجت الحكومة الإنتقالية نهج النظام الساقط بتوقيعها على تفاهمات مع أجسام وهمية هلامية تمارس الغش السياسي للدخول معها في مفاوضات سياسية من أجل تحقيق السلام في السودان. والأجسام الوهمية الموقعة مع الحكومة الإنتقالية في مدينة جوبا بتأريخ 21/10/2019م، هي: 1/الحركة الشعبية لتحرير السودان (عقار اير).. حركة اسفيرية لا قاعدة شعبية لها على الإطلاق في النيل الأزرق. 2/حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي).. مجرد حركة صوتية لا وجود لها في الشارع الدارفوري. 3/حركة العدل والمساواة (جبريل إبراهيم).. حركة غادرت دارفور منذ هزيمتها المُرة في معركة قوز دنقو عام 2015م، ولم يعد لها أي شعبية تذكر في دارفور. 4/قوى تحرير السودان (صلاح حامد إسماعيل).. لا أحد يعرف شيئا عنها -أي هويتها مجهولة جماهيريا. 5/الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة (الأمين داؤود محمود).. جبهة مجهولة الهوية أيضا شارعيا. 6/الحزب الإتحادي الديمقراطي -الجبهة الثورية (التوم هجو).. والتوم هجو هو رئيس هذا الحزب المزعوم، وهو مكاتب الحزب وقواعده. 7/حركة تحرير كوش (محمد داؤود).. حركة نخبوية. 8/مؤتمر البجا المعارض (د. موسى سيدي محمد علي).. حركة نخبوية لا علاقة لها بقضايا المواطن البجاوي. 9/حركة تحرير السودان المجلس الإنتقالي (نمر عبدالرحمن).. حركة اسفيرية لا سند شعبي لها في دارفور. هذه هي الأجسام البالونية والكرتونية التي جلست معها الحكومة الإنتقالية في مدينة جوبا واتفقت معها على اجراء مفاوضات تؤدي إلى سلام دائم وشامل في السودان، ليس هذا فحسب، بل وافقت الحكومة الإنتقالية على طلب تلك الأجسام بتأجيل تكوين المجلس التشريعي وإختيار حكام الولايات حتى ما بعد إنتهاء المفاوضات المحدد لها منتصف ديسمبر 2019م لكي تحصل هي على نصيبها من المحاصصة السياسية. والحكومة الإنتقالية إذن بهذه الاتفاقات، لم تنتهج فقط نهج النظام السابق بإعترافها بالتنظيمات وحركات الغش السياسي وإعطائها شرعية مجانية، بل خرقت وثيقة الإعلان الدستوري في فصلها السابع -الفقرة الرابعة التي تقول:(يشكل المجلس التشريعي الإنتقالي ويباشر مهامه في فترة لا تتجاوز تسعين يوماً من تأريخ التوقيع على هذه الوثيقة)، وهي بهذا الخرق العظيم للوثيقة التي وقعت عليها هي بنفسها، إنما تؤسس لفشل الفترة الإنتقالية. إن هذه الخطوة -أي الإعتراف بالحركات الوهمية ومساواتها بالحركات الحقيقية، تساهم في اعاقة عملية السلام الشامل والعادل والدائم في السودان، وتشجع على ظهور مزيد من الأحزاب الكرتونية وحركات الفكة التي باتت تشكل عبئاً على الديمقراطية المنشودة، وعلى الحكومة الإنتقالية الإبتعاد عن مثل هذه الخطوات المدمرة، وتتبني خطاً واقعياً يقول إن السلام في السودان لا يمكن تحقيقه إلآ مع حركات مسلحة وأحزاب فاعلة ذات أهداف ومطالب واضحة وثقل جماهيري وشعبي. لكن إذا كانت الحركات المسلحة والتنظيمات التابعة الموقعة مع الحكومة تصر على أن لها وجود وقوات في الميدان، إذن على الحكومة الإنتقالية أن تطالبها بالكشف عن عدد هذه القوات ومناطق تواجدها داخل السودان عبر مؤسسات الأمم المتحدة ذات الإختصاص، وفي حال فشلها ما عليها إلآ فضحها وتعريتها أمام الرأي العام السوداني واقصاءها بل منعها من المشاركة في أي مفاوضات سلام. التفاءل المفرط والمبالغة في التصريحات المصاحبة لإجتماع جوبا لا تجلب سلاما للسودان، وأن جمع الحكومة الإنتقالية حركات وتنظيمات وهمية خائبة تبحث اعترافا بأي ثمن، والإدعاء بأن هذا انجاز عظيم لصالح الثورة والسلام، إنما كذب ونفاق وتضليل متعمد وعلى الحكومة أن تخجل من نفسها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة