|
|
 Re: 20 مليون عاطل بالسودان / الايام تقرير سناء ابوجبل (Re: Sabri Elshareef)
|
جريدة الصحافة
العدد رقم: 4797
2006-10-14
عن المفصولين في كل العهود الوطنية.
خالد فضل*
هذه قضية حية، ومأساة مستمرة، يخبو اوارها حيناً أوان شد وجذب معطيات الازمات الوطنية المتلاحقة، ولكنها في الواقع تظل مستعرة، تحرق في حياة ضحاياها يومياً، عندما تجابههم مطلوبات الحياة منذ الصباح بما لا يحتمل التأجيل، فهناك الطالبة الجامعية التي تود اللحاق بمحاضرة السابعة والنصف صباحاً، وهنا الطفل الذي ظل ليلة يعاني من الحمى وإلتهابات الصدر واعراض الملاريا، تود والدته وقلبها ينفطر ان تأخذه الى المركز الصحي، وما بين وضعه وديعه بين يدي الطبيب المداويا مصاريف ليس أقلها ثمن مشوار الركشة وقيمة تذكرة المقابلة، ورسوم الفحص، وثمن فاتورة الروشتة!! هذا غير الوالدة المنتظرة في صقع نأ، والوالد المكدود المرهق الذي كان يعشم في شيخوخة اقل عناء، والاخت المتوفي زوجها باطفالها والابن الغائب لا يدري أمغترب هو أم مصدر جباية للداوين الحكومية وهلمجرا، هلمجرا، من حيثيات ووقائع يومية مضمنة في مفكرة وذاكرة مواطن سوداني مكتوب امام اسمه صفة ( مفصول للصالح العام) المفصول تعسفياً، محال للمعاش الاجباري كفائض عمالة.. وغيرها من مسميات نتيجتها الوحيدة المشتركة.. مأساة انسانية اجتماعية اقتصادية نفسية اخلاقية يتلظى بلهيبها مئات الالاف من افراد الاسر السودانية الكريمة التي لسؤ حظها كان عائلها احد منسوبي الخدمة العامة في السودان بشقيها عسكري او مدني، في الفترة ما قبل يونيو 1989.. فهذا تاريخ فارق في الحياة السودانية، واذا كان لاستاذنا كمال الجزولي مقولة رائجة حول تاريخ السودان ما قبل بنك فيصل الاسلامي وتاريخ السودان ما بعده فانه من الجدير تحريك الفاصل قليلاً ليكون تقسيم التاريخ السوداني الى ما قبل يونيو وما بعدها.
* ولمصلحة هذا المقال، وقضية المفصولين التي مازالت تراوح مكانها سأورد هنا واقعة حقيقية بعض ابطالها على قيد الحياة وبعضهم في رحمة الله.. والغرض هو تقديم نموذج لكيفية معالجة قضية المفصولين، استشهاداً بسوابق في الخدمة العامة السودانية، ولنرى بعد ذلك رد فعل من يهمهم الامر. تتلخص الواقعة، التي حكاها لي صهري السيد جلال الدين المنصور، الذي تقاعد للمعاش قبل نحو عامين بعد وفاء المدة (40) سنة وبلوغه سن المعاش القانونية، قضاها موظفاً بحكومة السودان خلال العهود السياسية من 1964، وحتى 2004.. فقد تعرض للفصل التعسفي وهو بعد شاب حديث العهد بالخدمة المدنية ضمن وزارة الحكومات المحلية والاسكان وتنمية المجتمع في 2 يوليو 1970 تم في اطار حملة التطهير التي نفذتها سلطة حكومة 25 مايو 1969 آنذاك، وتم الاستناد على شبهات حول علاقته كموظف حسابات صغير ببعض ما اعتبر تجاوزات مالية ارتكبت في مجلس الدندر الذي كان يرأسه الناظر محمد المنصور العجب رحمه الله وكما هو معلوم، فإن حكومة انقلاب مايو كانت قد اعلنت عدائها السافر ومحاربتها لرموز الادارة الاهلية، وحملتهم اوزار عديدة من ضمنها تخلف البلاد، وهذا موضوع اخر، ربما تصدى له احد الباحثين التاريخيين النجباء تفنيداً او تعضيداً، وهانذا ارمي الكرة في ملعب الاصدقاء، د. اسامة عبد الرحمن، ومحمد الفاضل، واحمد سمي جدو، علَّ احدهم ينير لنا الدرب في هذا الامر.. ولكن المهم ان الاستاذ المستشار القانوني بديوان النائب العام رئيس هيئة الاتهام التي كونتها وزارة الحكومات المحلية وقتها للتحقيق مع الناظر العجب، بعث بخطاب للسيد جلال الدين المنصور في شهر مارس 1971 لمقابلته، وبالفعل عندما حضر، وجهه بأن يكتب استئنافاً ضد الحكم الصادر ضده بالفصل من الخدمة، لأنه أي المستشار كرئيس للجنة لم تصدر عنهم أى توصية بفصل الموظف المذكور من الخدمة، ولم تتوصل اللجنة لقرار بأي اتهام ضده، ولأن ضميره المهني، وواجباته تملي عليه إخلاء طرفه من هذه المسألة تماماً فهو يطلب الى الموظف مثار التحقيق ان يستأنف القرار الصادر ضده وهو من جانبه سيعلق على هذا الاستئناف بما فحواه ما سبق الاشارة اليه من حيثيات، وبالفعل تمت كتابة الاستئناف الموجه للمرحوم د. جعفر محمد علي بخيت وزير الحكومات المحلية آنذاك، فجاء رده، بأن هذا القرار قد اتخذه وزير سابق وعضو مجلس قيادة ثورة وهو لا يستطيع تجاوز الآن.
* عاد السيد جلال بهذا الرد لسعادة المستشار فطالبه بكتابة استئناف آخر تم توجيهه هذه المرة لرئاسة مجلس الوزراء وبالفعل، استلم الاستئناف المرحوم احمد بابكر عيسى الامين العام للمجلس الذي اهتم بالموضوع، وطلب ملف الموظف المذكور وتمت مراجعته والتأكد من خلوه من أي توصية او تهمة تستوجب الفصل من الخدمة، فكان ان صدر قرار ممهور بتوقيع جعفر محمد نميري رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 11 اغسطس 1971 باعادة الموظف جلال الدين المنصور للخدمة، إذ ليس هناك ما يستوجب فصله، واعتبرت الفترة من 2 يوليو 1970 وحتى 10 أغسطس 1971م اجازة بمرتب كامل، وإلغاء كل ما ترتب على قرار الفصل من اجراءات وما لحق بالموظف المذكور من اضرار.. انتهت الحكاية، وعاد الموظف لمزاولة مهنته عزيزاً مكرماً، وهو ما يزال يحتفظ بصور من جميع المكاتبات التي تمت، ويحتفظ بصورة من القرار الاهم القاضي باعادته للخدمة!!
* اهدي هذه الواقعة للمسؤولين الآن، وعلى رأسهم الدكتور محمد يوسف احمد المصطفى وزير الدولة بوزارة العمل، واعلم حرصه الشديد على قضية المفصولين وجهوده المقدرة من اجل نصرة قضاياهم، ولعل في هذه الواقعة اكثر من عبرة واكثر من درس يجب ان يحتذى الآن لمعالجة قضية المفصولين تعسفياً، خاصة وانها واحدة من اهم واكبر القضايا التي يرتكز عليها مشروع التحول الديمقراطي واستعادة الكرامة المهدرة لقطاعات عريضة وواسعة من المواطنين السودانيين، كما ان هذه الواقعة تشير الى ان الحس المهني الرفيع وروح العدالة والنزاهة التي كان يتحلى بها المسؤولون في ارفع دواوين الخدمة العامة، وحتى في مجلس الوزراء ورئيسه آنذاك جعفر محمد نميري.. الذي يمكن بالطبع ان تلحق به جملة مآخذ على عهده، ولكنه في هذه الواقعة التي قدمتها، قدم نموذجاً لرئيس يتمتع بحس وطني رفيع، لم تبطره آفة السلطة ولم تأخذه العزة بالاثم ولم يتوان في رد المظالم.. فهل من يقتدي الآن؟؟!! فالتاريخ يحفظ الافعال حسنت ام ساءت، ويا لها من مأساة ان يدخل انسان الى التاريخ عبر المظالم وإهدار الحقوق، وفي المقابل فإن باب العدالة الواسع يظل دوماً مشرعاً لمن يهدي الى سواء السبيل..!
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست