|
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) (Re: HOPEFUL)
|
ب - مضمون البحث عن الهوية والثقافات المحلية :
لقد كان سؤال الهوية هذا شغل شاغل للشاعر طول عمره ، وظهر ذلك بصورة جلية في قصيدته " العودة إلى سنار" التي اعتبرها النقاد خطاب الهوية السودانية (سنتحدث عنها بالتفصيل في الفصل الثالث) ، وكذلك وظف محمد عبد الحي الموروث المحلي في طرح مضامين وأفكاراً جديدة ، وقد برع في ذلك إذ يمكننا أن نقول إنه استلهم هذه الموروثات ، لا لأنه يؤمن بالسلفية ، بل ليستلهمها ثم يفجر فيها معاني وتحاميل معاصرة ، وبذلك يحقق غرضين مهمين فيحس قارئ شعره السوداني بعمق جذوره القديمة ، وإمكانية النزوع مستقبلاً إلى عالم مشرق إذا انطلقنا من ماضينا التليد . (17)
ولقد أظهر عبد الحي في هذه القصيدة مضامين الهوية والثقافات المحلية :
الليلة يستقبلني أهلي : خيلٌ تحجل في دائرة النار ، وترقص في الأجراس وفي الديباج امرأة تفتح باب النهر وتدعو من عتمات الجبل الصامت والأحراج حراس اللغة ـ المملكة الزرقاء ذلك يخطر في جلد الفهد ، وهذا يسطع في قمصان الماء . الليلة يستقبلني أهلي : أرواح جدودي تخرج من فضة أحلام النهر ، ومن ليل الأسماء تتقمص أجساد الأطفال . تنفخ في رثة المداح وتضرب بالساعد عبر ذراع الطبال . الليلة يستقبلني أهلي : أهدوني مسبحةً من أسنان الموتى إبريقاً جمجمة مصلاة من جلد الجاموس رمزاً يلمع بين النخلة والأبنوس . (1
ج - مضامين معطيات التراث الغربي :
كما أسلفنا في المبحث الأول فأن محمد عبد الحي قد درس الأدب الإنجليزي والأدب المقارن فتوفرت لديه معرفة عميقة وواسعة بالتراث الغربي ونجد ذلك واضحاً في استلهامه لبعض الرموز من الثقافة الغربية التي غالباً ما يحملها مضامين ومغازي جديدة وكأني به يريد أن يؤكد على الأبعاد الإنسانية الجمعية للأدب ، يقول :
ثم لما كوكب الرعب أضاء ارتميت . ورأيت ما رأيتُ : مطراً أسود ينثر سناء من نحاس وغمام أحمر . شجراً أبيض ـ تفاحاً وتوتاً ـ يثمر حيث لا أرض ولا سقيا سوى ما رقرق الحامض من رغو الغمام وسمعت ما سمعت : ضحكات الهيكل العظميّ ، واللحم المذابْ فوق فسفور العبابْ يتلوى وهو يهتز بغصات الكلامْ . وشهدت ما شهدتُ : كيف تنقض الأفاعي المرعده حينما تقذف أمواج الدخان المزبده جثةً خضراء في رملٍ تلظى في الظلام . صاحبي قلْ ! ما ترى بين شعاب الأرخبيلْ أرض " ديك الجنّ " أم " قيس" القتيل ؟ أرض " أوديب" و" لير" أم متاهات "عطيل" ؟ أرض " سنغور" عليها من نحاس البحر صهدٌ لا يسيلْ ؟ (19)
د - مضمون الوجود الديني في النفس البشرية :
يرى محمد عبد الحي أن الثابت في الإنسان هو وجود العنصر الديني المتأصل في النفس البشرية ونراه دائماً يؤكد على ذلك في كثير من أشعاره :
إشارة محمدية
فاجأتنا الحديقة فاجأتنا الحديقة انعقدت ورداً وناراً في قلبها الأضواء والخيول النورية البيضاء والطواويس نشرت في بلاد الصحو ريشاً منسجاً كل شيء في غصون الحقيقة آسُ نارٍ ، وموجةٌ في بحار عميقة من لهيب ومن جمال ويمن يسقط الطير قبل أن يدرك الساحل منها مستقبلاً في ابتهاج حريقه . فاجأتنا الحديقة فاجأتنا الحديقة الزهراء أشرقت في مركزها القبة الخضراء وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفى وحق الهناء ، واكتست بالنور الجديد من الشمس ابتهاجاً وغنت الأسماء . (20)
هـ - مضمون الموت :
نجد أن فكرة الموت وهو " أول مراحل الانبعاث " تسيطر على الكثير من أعماله فهل هي هذه الرؤى الاستشرافية التي تميز هذا الشاعر المتنبئ ؟
قد مرض وهو في عنفوان شبابه ومات وهو في السادسة والأربعين بعد صراع مع المرض الذي أورثه العجز واليأس ، قد كتب قصائده تلك قبل مرضه هذا ، ولكن فكرة الموت دائماً ممددة في كثير من أشعاره ، ومن ذلك يقول :
إقرعي في عتمة الصمت المدوِّي يا نواقيس الرياح الأربعة على ذاك الميت يصحو ويغني تحت شمسٍ مبدعة . (21)
هنا أنا والموت جالسان في حافة الزمان وبيننا المائدة الخضراء والنرد والخمرة والدخان من مثلنا هذا المساء . (22)
و - مضمون المعطيات الصوفية :
درس عبد الحي الرومانتيكية وأعجب بـ " التيجاني يوسف بشير" ولكنه وجد أنها حركة انغلاق على النفس لأنها حركة ذاتية ، ثم اتجه إلى الصوفية التي يرى أنها انفتاح على الكون والوجود والإنسان ، وقد كانت هذه المسحة الصوفية غالبة على جل شعره :
ركعتان للعاشق اذبــــح فـــــؤادي إنني بك يـــــا حبيب متيم أيضيء مصباح الهوى إن لــم يضئ فيه الدم إني وقفت أمـــــــام بابك بالـعـــــــذاب أجمجم لأراك تـشــرق في الظلام وفي المشارق أظلم أنت الزوابــــــــع ينحدرن فــــلا يغالبها مجنّي أنت الزلازل هدمت حصني ففي التشريد أمني وسجنتُ فيك معانـقـــا حريــتي في ليل سجني وقتلت فيــــك مغنياً للموت مــــا جهل المغني جهلوا فـمــــا يدرون أنـــا ملتقى وتـــــرٍ ولحن كالخمر تنمو في دم المخمور مــــــن كرمٍ ودن أسفرت فيَّ ، فإنني مــــرآة وجهك يـــا جميل وسملت عيني كي أراك بعيــــن قلبي يـــا خيل فأنـــا الضرير يقودني شـــوقي إليك ولا دليل وأراك دوني محض وهــم مشرق فوق الزمان وأراك دون قصائدي لغة تفتش عن لسان(23)
ز - مضامين قهر السلطة والتفاوت الطبقي :
تظهر هذه المضامين في كثير من أشعار محمد عبد الحي خاصة في شعر سنوات السبعين التي ظهر فيها قهر السلطة في أقصى مظاهره ، فترة حكم الرئيس جعفر نميري (24) وكذلك بدأ التفاوت الطبقي يظهر في المجتمع السوداني بصورة واضحة ، ونورد هنا هذا النموذج ليدلل على ذلك ، فيقول الشاعر في قصيدة (التنين) :
رفرف التنين في ليل المدينة أخضر الجلدة وهاج الشعل وأنار النهر ، فالأصداف في الماء مرايا والحصى في الرمل أزهار غريبة وهدايا من مغارات الفراديس الرهيبة . ورآه الناس في غمرتهم بين اندهاشٍ ووجل : فرآه الشرطي ورآه اللص في مكمنه ورآه صبية السوق ينامون على كوم القمامة ورآه رجل القصر الفسيح ورأته امرأة الكوخ الصفيح ورأته العاهرة ورآه الطفل والشحاذ والسكران : وهْم ما رأوه أم حقيقة أم حديقة صعدت في السحر للعلى ، أم هبطت من شرفات القمر . رفرف التنين في ليل المدينة صمتت أجهزة المذياع في كل البيوت وأزيز الطائرات ورزيز العربات وضجيج الحافلات والمطابع والمصانع والمحطات وأحياء البغاء . وسرى في الصمت شيءٌ كالغناء بعضهم قال : علامة ! بعضهم قال : " استعدوا ، إنه يوم القيامة " " النهاية .. النهاية .. النهاية " " البداية .. البداية .. البداية " . (25)
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:36 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:37 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:38 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:39 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:40 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:41 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:41 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:42 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:44 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:45 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:46 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:47 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:48 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:49 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:50 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:51 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:53 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:54 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:55 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:57 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | HOPEFUL | 09-11-06, 11:59 PM |
Re: السمندل في غياهب الغياب .. بقلم دكتورة نجاة محمود (بيان) | bayan | 09-12-06, 00:55 AM |
|
|
|