سعد الله ونوس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-05-2024, 11:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-29-2006, 01:04 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سعد الله ونوس (Re: bayan)

    هناك رسالة تحوم راغبة في الخروج .

    منصور : أهو سيدنا الوزير؟.

    ياسر : لم يعد ذلك سراً ... عندما علم بأمر الحراس وإغلاق المدينة احمر وجهه ، وتدافعت من فمه الكلمات يا حفيظ ، الغضب عدو الحذر .

    منصور : هذه المرة ستمضي الفتنة إلى نهايتا .. قل لي .. أتعرف إلى أين سيبعث الوزير رسالته ؟.

    جابر : تسأله وكأنه كاتم أسرار الدولة .

    ياسر : يا حفيظ .. ومن أين لي أن أعرف ! كل ما أستطيع تأكيده هو أن الرسالة هامة وخطيرة للغاية ، كاد الوزير أن يصاب بالفالج عندما علم بإجراءات مولانا الخليفة ، لا شك أنه يعطي أي شي من أجل وصول هذه الرسالة .

    جابر : ( ينتبه .. ويبدأ اهتمامه بما يحكي ) ماذا قلت ؟.

    ياسر : ( كأنه فوجئ ) ماذا قلت ؟.

    جابر : أعد .. أعد ما قلته .

    ياسر : إنك تربكني .. قلت إن سيدنا الوزير يعطي أي شيء من أجل وصول هذه الرسالة.

    جابر : ( ساهما ) يعطي أي شيء ! .

    منصور : الحوادث تجري بسرعة ، ولا أحد يعلم ما يدبر حولنا .

    جابر : هل وعد سيدنا بمكافأة معينة ؟.

    ياسر : مكافأة ! أتقول مكافأة ! من يخرج بهذه الرسالة يستطيع أن يتمنى على سيدنا الوزير ما يشاء .

    جابر : أيرفعه مرتبة لو طلب ذلك ؟ .

    جابر : ( والبريق يشتد في عينيه ) يعطيه كيسا مليئاً بالذهب ؟ .

    ياسر : يعطيه أكياساً ... ولكن من يجرؤ على المخاطرة ! يا حفيظ ... سيصبح حاملها جثة قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج بغداد . .

    منصور : ولك جابر ... أراك تهتم بالأمر ماذا يدور في ذهنك ؟.

    جابر : يدور شيء باهر يا منصور ، ولكن انتظر .. لتر مرة أخرى كيف يتم التفتيش ؟.

    ياسر : لا تسأل عن التفتيش .. قلت لك أدق من حساب الآخرة . ينبغي أن تذهب وترى بنفسك يا حفيظ ... لا يتركون شيئاً على الإطلاق . رأيتهم بعيني يمزقون رغيف خبز نتفة ، نتفة ، خشية أن يكون فيه شيء مخبوء ، الثياب والأحذية .. وفوق ذلك الاستجوابات الدقيقة ، لا .. لا .. تأمل شيئاً ، الهواء نفسه لا يستطيع أن يمر من بين أيديهم .

    جابر : مع هذا قد تكون الحيلة أبرع من الهواء .

    منصور : ( لاهثا ) جابر - بماذا تفكر ؟ .

    جابر : أفكر بأشياء يا منصور أشياء مثيرة يختلط فيها وهج الذهب وعطر زمرد وعلو المقام ( إلى ياسر ) أمتأكد أنت سيدنا الوزير لن يرد طلبا لمن يحمل رسالته ؟ .

    ياسر : متأكد كوجودي يا حفيظ .. ربما كان مستعدا لأكثر من ذلك .

    جابر : سأبحث عن الإلهام يا منصور إني بحاجة إليه الآن . ألم أقل لك .. قد نقبض بدلاً من أن ندفع . إذا ظل رأسي ملتهبا كما هو الآن ، فلن تضيع الفرصة .

    منصور : لا تكن أحمق .. رغم كل شيء لا أريد أن يصيبك سوء إنك تتبع غواية مهلكة .

    جابر : كل شيء يتعلق بهذا اللهيب الذي اتقد به رأسي فجأة اشملني بدعواتك وأنت تصلي .. ( ويمضى مغنيا وسط ذهول الآخرين ) . عندما أصبح للمسلمين خليفة . سأسميك وزيراً للدولة . عندما أصبح للمسلمين خليفة .. سأسميك وزياً ... ( ويختفي بعيداً ) . .

    منصور : أي جنون ! .

    ياسر : ( تغلف وجهه البلاهة ) أتعتقد أنه

    جاد ؟.

    منصور : إنك لا تعرف إذن .

    ياسر : يا حفيظ .. لو رأى الحراس لخاف من مجرد التفكير .

    منصور : ( وهو ينصرف ) اللهم أتم علينا خير النهاية .

    ياسر : ( يتوقف لحظة شبه مذهول ، ثم ينصرف بدوره ) يا حفيظ ..

    ( يخرج الاثنان حاملين معهما قطع الديكور ) .

    الحكواتي : والمملوك جابر ذكي وذكاؤه وقاد . لمح الفرصة تواتي ، فانقض عليها بلا تراخ . يؤمن أن الفرصة قد لا تأتي مرتين . وسر الفطنة ألا تحتاج الفرصة مرتين . وإن أسعفه الخيال ، صارت الأماني سهلة المنال . ماذا يعنيه ما يجري في بغداد ما دام هو الرابح في الختام ؟ ونزل إلى أبواب المدينة مرات وعاد ... وأعمل الفكر ، ونقب عن حيلة أو سر . وجابر ذكي وذكاؤه وقاد . إذا أكد ذهنه فهو لا ريب بالغ مراده .. ولم يزل في تفكير حتى وجد التدبير . عندئذ أشرق وجهه بالسرور ، وطلب بالعجل الدخول إلى الوزير .. ( خلال كلام الحكواتي توضع قطع ديكور تمثل ديوان الوزير قاعة فاخرة الرياش والأثاث . يظهر في الديوان الوزير ومعه أحد أصحابه ) . إنه عبد اللطيف أحد أمراء بغداد ذوي الغنى والنفوذ . الوزير تجاوز الأربعين ، وهو بدين ، وفي تقاطيع وجهه لؤم قديم ومزمن . منقبض الأسارير ، يمور في عينيه حقد كظيم .. يبدو شديد القلق والانفعال .. يجلس لحظة ، ثم ينهض بعصبية فيدور في أرجاء القاعة وبحركة لا إرادية يمد شفته السفلى ، فيتناول شعرة من شاربه يقضمها بأسنانه . ثم يتف .. ومن حين لحين يخرج من جيب صدريته علبة نشوق ، فيتناول بين إصبعيه قليلا منها يدسه في فتحتي أنفه ، ويعطس .. نراه يفعل ذلك مرتين على الأقل قبل أن يدخل عليه الحارس .. عبد اللطيف هو الآخر لا يقل عصبية عن الوزير ، لكنه يحاول أن يتماسك في مقعده ( يدخل الحارس ويقترب من الوزير ) .

    الحارس : سيدي .. على الباب واحد من مماليككم يطلب المثول بين أيديكم .

    الوزير : ماذا يريد ؟.

    الحارس : لم يفصح عن قصده لكنه يلح في مقابلتكم على انفراد .

    الوزير : ( بحركة ضجرة ) دعه ينتظر .

    الحارس : سمعا وطاعة . ( ينسحب من الديوان ) الوزير : ( وهو يدور قاضما شاربه بأسنانه ) والآن ...

    عبد اللطيف : لنعترف أنهم كسبوا نقطة . لم يتخيل أحد أن الخليفة سيتحرك بهذه السرعة .

    الوزير : ( بعنف ) أما أنا فقد تخيلت منذ فترة وتحركات أخيه عبد الله تزداد وتتسع . وهو الدماغ الذي يدبر كل شيء . اتصالات بكبار التجار . رسائل إلى الولايات . اجتماعات سرية بالخليفة ، ( يتحول صوته صياحا ) كان ينبغي أن نتوقع ضربة مفاجئة على رؤوسنا .

    عبد اللطيف : هوت الضربة قبل أن نجد الفرصة لتوقعها .

    الوزير : كانت لدينا كل الفرصة ، ولو أصغيتم إلى لما فقدنا المبادرة .

    عبد اللطيف : من كان يعلم أن الأحداث ستجري بهذه السرعة ؟.

    الوزير : لا .. لن تأتي الآن لتقول لي من كان يعلم . نبت الشعر على لساني وأنا أستحثكم . كان واضحا أنهم يريدون تصفيتي وتشتيت الأمراء المؤيدين لي ، وأنت على رأسهم . ذلك سبيلهم الوحيد كي ينفردوا بالحكم ، ويدبروا الدفة على هواهم لا .. لا تقل لي من كان يعلم الأوراق مكشوفة حتى قبل انفجار الأزمة الأولى . ولولا ترددكم لا بتلعهم إبليس قبل أن يجدوا الوقت لتطويقنا . عبد اللطيف : ليس سهلا أن تطلب غزوا أجنبيا دون تقدير جيد للموقف . أنت تعرف ماذا يعني الجيش الغازي عندما ينتصر . إنه خراب طائش ، قد تستحيل السيطرة عليه . الوزير : ولكن الجيش الغازي يأتي ليحمي مصالحنا ، ويجهز لنا كرسي السلطة . فماذا يهمنا بعد ذلك بالتأكيد سيكون هناك خراب . لن يدخل الجيش بالدفوف والغناء ، ولن يوزع الورود والعطور . هذه حرب .. سيقتلون ويخربون . طبعا لمن يبقي من ذرية الخليفة حي ، وستصبح قصوره خرائب كما لن يوفروا المدينة . هي الأخرى سينهبونها . على أي حال هذه ضريبة الانتصار. أما نحن فماذا يخيفنا ؟ ليدعموا لنا السلطة . فهل نطلب أفضل من ذلك .

    عبد اللطيف : المهم ... كان لا بد من دراسة الظروف المحيطة بنا .

    الوزير : ليست الظروف المحيطة بنا لغزا مستعصيا. الصراع واضح الأبعاد . وأمامنا اختياران لا ثالث لهما . إما أن تقبل تصفيتنا أو نطلب عونا خارجيا يحسم الصراع عبد اللطيف : أنت نفسك تمهلت ، ووافقت على أن الأمر يحتاج إلى استعداد .

    الوزير : بالتأكيد .. كان ضروريا أن نضمن ولاء عدد من القواد ،.

    وأن نتخذ بعض الترتيبات ، كيف نغريهم بالغزو إن لم نضمن لهم النصر هنا ! .

    عبد اللطيف : على كل حال .. لا فائدة الآن من تبادنا اللوم . لقد حزمنا الرأي في النهاية . وأجمعنا على أن تبعث الرسالة . .

    الوزير : ( يتناول نشوقا ، ويعطس ) نعم .. حزمنا الرأي عندما أفلتت من أيدينا المبادرة ( يعطس مرات متلاحقة .. ويسود قليل من الصمت المتوتر ) . .

    عبد اللطيف : قل لي .. هل تعتقد أنهم اكتشفوا خطتنا ، أم هي مجرد احتياطات وقائية ؟.

    الوزير : من المؤكد أنهم يرتابون ، عند عبد الله جهاز من العملاء والمخبرين أن الفرقة التي استخدموها لإغلاق بغداد هي فرقة القصر التي يشرف عليها عبد الله بنفسه أي الفرقة التي ليس لنا فيها أعوان ربما لا يعرفون الخطة بتفاصيلها ، ولكن من المؤكد أنهم يرتابون ، ويحتاطون لكل احتمال . .

    عبد اللطيف : إذا كانوا يعرفون حقاً ، فسيعجلون إذا بالصدام ، وقد تكون تلك خطوتهم الأولى .

    الوزير : الصدام لا ... ( ينشق ويعطس ) لن يقامروا الآن عبد الله دقيق في الحساب . وهو يعرف أن النتائج غير مضمونة . ( لحظة ) خطوتهم التالية مكشوفة . سيحاولون قبل كل شيء الاتصال بحكام الولايات ، وضمان الإمدادات ، سيقدمون كل التنازلات التي يطلبها الولاة ، سيمنحونهم الاستقلال إذا لزم الأمر مقابل أن يضمنوا وصول القوات أما قبل ذلك، فلن يقامروا بالصدام . سيكون أمامنا فترة من الترقب ، والهدوء المحتقن . .

    عبد اللطيف : ومع ذلك من المفيد أن نتخذ بعض الاحتياطات . هناك دائما مفاجآت غير محسوبة . ومن يدري قد تستغل العامة هذه الظروف ، فتشعل نار الشغب ، حينئذ لا أحد يعرف كيف يتحول الموقف . .

    الوزير: ( باحتقار ) العامة ! ومن يبالي بالعامة ؟ ..لا هؤلاء لا يثيرون أية مخاوف ، يكفي أن تلوح لهم بالعصا حتى يمحوا ، وتبتلهم ظلمات بيوتهم . .

    عبد اللطيف : وخطيب الجامع ! أي موقف سيتخذ في رأيك ! إذا شاء يستطيع أن يهيج العامة ، وأن يلعب دور مؤثراً لا أكتمك ... أنا لست شديد الثقة به . .

    الوزير : لا تخف .. أعرف خطيب الجامع أكثر منكم . إنه دقيق النظر ، وبعيد في حساباته ، لا يورط نفسه ، ولا يمشي خطوة إلا إذا كان واثقاً أن خط الرجعة مأمون . ستكون خطبة الجمعة أدق من إبرة الميزان . سيختار كل كلمة بحيث لا يوحي بأي انحياز ( تعبير ازدراء على وجهه ) لا .. كل هذه المسائل ثانوية ، ولا ينبغي أن نضيع وقتنا فيها . أمامنا فترة قصيرة من الهدوء . لكننا في سباق مع الوقت . لو نجحوا في اتصالاتهم قبلنا ، فلن تكون السيوف رحيمة . سيقطعون رؤوسنا واحدا بعد الآخر . وسيعلقونها في ساحات بغداد كمشاعل النصر . أتسمع ! رأسي ، رأسك ، ورؤوس الآخرين ... ستعلق في الساحات ، والدم يقطر منها على وجوه الراقصين حولها . إننا في سباق مع الوقت لمبادرة في أيديهم هذا هو وضعنا . .

    عبد اللطيف : وضع دقيق تحفه المخاطر . كل شئ مرهون بالرسالة ، ولكن .. .

    الوزير : ( مقاطعا بحدة ) دعنا من هذه الـ " لكن " إذا لم تخرج الرسالة من بغداد فقل علينا جميعاً السلام . قضية حياة أو موت . ينبغي أن تنفذ الخطة مهما كان الثمن لم يعد مهما . سنقبل كل المخاطر ، كي تخرج الرسالة من بغداد . .

    عبد اللطيف : ألديك اقتراح معين ؟ .

    الوزير : لنعقد اجتماعاً هذا المساء . لا مجال للاختيار . أما أن ننفذ الخطة أو ننتهي .

    عبد اللطيف : ( بعد لحظة ) فكرة معقولة . ربما كان لدى الآخرين اقتراحات نافعة . .

    الوزير : لابد أن نجد مخرجاً .

    عبد اللطيف : هل ندعو الجميع ؟ ( يدخل الحارس ) . .

    الوزير : نعم .. الجميع .. ولا تنس أن جواسيس عبد الله ينتشرون حولنا كالذباب .. ( لحظة ) هـ ...كسبوا نقطة ، إلا أنهم لم يكسبوا الجولة ، ولن يكسبوها ما دمت حيا . .

    الحارس : ( مرتبكاً وخائفاً) سيدي .. المملوك يلح كثيراً في الدخول عليكم . يزعم أن لديه أمراً هاماً لا يقبل التأجيل . .

    الوزير : ( غاضباً ) يلح .. يلح ... ماذا يريد هذا الغراب ؟ .

    الحارس : لا أعلم يا سيدي .

    عبد اللطيف : طيب ... سأمضى الآن .

    الوزير : لا تنسي أنهم يشددون الرقابة أيها الأمير . .

    عبد اللطيف : كن مطمئنا . .

    الوزير : ( بعد فترة ) دع هذا الغراب يدخل . سأجعله عبرة إن كان يدخل على لشأن تافه . .

    الحارس : ( وهو يتراجع بانحناء ) سمعا وطاعة ( عندما يصل إلى الباب . ينادي ) ... ليدخل مملوك سيدنا الوزير .

    ( يدخل جابر . قسمات وجهه يتراقص عليها الفرح . في عينيه تتوهج النظرة الذكية ، يبالغ في الانحناء ويزيد في مظاهر الاحترام ، حتى ينكشف النفاق واضحاً ) . .

    (جابر : لا يزال ينحني ) السلام على مولاي وولي نعمتى وزير بغداد المعظم . .

    الوزير : ( بإهمال ) ألست المملوك الطويل اللسان جابر !.

    جابر : أطال الله عمر سيدنا الوزير وقصر عمر أعدائه ، هو أنا مملوككم جابر . .

    الوزير : ( يتناول نشوقه ) هيا .. ولا تطل على الثرثرة . ويلك إن كنت تدخل على لأمر تافه . .

    جابر : ( فيما يبدأ الوزير يعطس ) حاشا يا مولاي .. ورب الكعبة ، حين علمت أن سيدنا الوزير مكدر البال ، تكدر بالي ، وضاقت بي الأرض حتى صارت كالكشتبان .

    الوزير : ( بدأ يغضب ويزوي ما بين حاجبيه ) أجئت تبثني .

    العواطف ! إن كان لدي ما تخبرني ، فقله وأوجز لا يدخل على واحد منكم إلا بأخبار السوء ، وخلقه يتعوذ بها البوم . .

    جابر : لا عشت إن حلمت لسيدنا الوزير ما يسوءه. جئت ألبي له حاجة إن كان هناك ما يحتاجه .

    الوزير : ( يدقق النظر ) تلبي لي حاجة ‍ ومتى كان فيكم خير ما إن ألواح لواحد بمهمة حتى يبدأ بالارتجاف كأنه مقبل على الموت . .

    جابر : ها أنذا قدام مولاي ، حياتي رهن إشارته ، وفي المواقف العسيرة لانعدم حيلة . .

    الوزير : أعرفك طويل اللسان .. فأفصح عما في نفسك حالاً ، جئت تتملقني ، أم تخبئ شيئا وراء ما تقول ؟ .

    جابر : عندما يمتحنني سيدي يعرف إن كان تملقا ما أقول . .

    الوزير : هل تعرف المهمة التي أبحث لها عن رجل ، يحملها ويخاطر من أجلها ؟ جاد : لا ينبغي أن أدس أنفى فيما لا يعنيني . ولكن حين علمت أن سيدي مكدر البال ، انشغل فكري ، وبدأت أسأل عن السبب ، حلمت أنا العبد المملوك أن أعمل شيئاً يبدد كدره ، وينيله أريه .. وبعد بحث وطول ، عرفت أن ما يشغل سيدنا هو رسالة يريد أن تخرج سالمة من بغداد .

    الوزير : أصبح أمرنا مشاعا في كل المدينة . .

    جابر : ليغفر لي سيدي هذا الفضول ، ما قصدت أن أدس . .

    الوزير : ( مقاطعاً ... وقد أثير اهتمامه ) لا عليك أيها المملوك ، فات أوأن الحرص ، ما يهمنا الآن أن نجد رجلاً يحمل المهمة ، ولو اجتاز في سبيلها الأهوال . .

    جابر : قدامك يا سيدي . .

    جابر : أي والله رأيتهم يا مولاي . أعوذ بالله .. لا نجاة من أيديهم حتى ولو لبس المرء قبعة الخفاء . يفتشون الداخل والخارج كأنه في يوم الحساب ( يتمهل .. يخفض صوته ، ويقرب وجهه من الوزير ) ومع هذا .. فسنسخر منهم . ونجعلهم أضحوكة بغداد لأعوام وأجيال .

    الوزير : ( منفعلاً .. يعطس ) نسخر منهم .. ماذا تقول أيها المملوك ؟ إن كنت تعبث فسأصنع من جلدك طبلاً ودربكة هيا .. أخبرني كيف تريد أن تسخر منهم . هل وجدت تديبرا نافعاً . .

    جابر : التدبير جاهز يا مولاي .

    الوزير : ( لشدة انفعاله ، يتناول نشوقه أيضاً .. ) هات ما لديك بالعجل ، إن كان ما تقوله صحيحاً . .

    جابر : ( بابتسامة خبيثة ) إن كان ما أقوله صحيحاً ؟ .

    الوزير : فسأجزل لك العطاء .

    جابر : لا أبتغي إلا مرضاه سيدي ، إلا أني أجد نفسي ضعيفاً أمام كرمه . .

    الوزير : لا تساوم ، سأعطيك ما تريد . .

    جابر : أيمن على عبد بمركز يرفعه من ضعته ؟ .

    الوزير : أعطيك ما تريد لو بلغت رسالتي .. .

    جابر : ويكرمني فيزوجني زمرد خادمة سيدتي شمس النهار ؟ .

    الوزير : ( نافذ الصبر ) هي لك .. وفوقها مال كثير ، ولكن أرنا أولاً تدبيرك . .

    جابر : ينحني مقترباً من الوزير .. لهجة بطيئة مع تشديد على الكلمات ) إني أهبك رأسي يا مولاي . .

    الوزير : تهبني رأسك ؟ وماذا تريدني أن أفعل برأسك ؟ مرة أخرى أحذرك أيها المملوك . إن كنت تعبث فسأجعل من جلدك طبلاً ودربكة . .

    جابر : لو لم يكن رأسي نافعاُ ما قدمته لمولاي .. .

    الوزير : وما نفعه لي ؟ .

    جابر : راقبت الحراس ساعات طويلة يا مولاي . رأيتهم كيف يفتشون ، وكيف تتغلغل أصابعهم كالثعابين في كل شيء يمزقون الثياب يقطعون الأحذية يؤلمون الناس وهم يغرسون أظافرهم في كل بقعة من أجسادهم . البطون والظهور .. وأحياناً ما بين الأفخاذ .. ولكن أحد منهم لم يخطر بباله أن يفتش تحت شعر الرأس . .

    الوزير : ( ببلاهة ) وماذا سيجدون تحت شعر الرأس سوى القمل والبراغيت ؟ .

    جابر : قد يجدون الرسالة التي يفتشون عنها يا مولاي . .

    الوزير : ( مندهشاً .. تتوقف يده التي تبحث عن بعض النشوق .. ) الرسالة ؟ ( لحظة تلتقي فيها العيون وهي تبرق ) أتعني ‍ .

    جابر : نعم يا مولاي ... ( يلتفت حوله بحذر ) أرجو ألا تكون حولنا آذان فضولية . .

    الوزير : من يجرؤ على الاقتراب من الديوان . .

    جابر : إذن إليكم التدبير .. ننادي الحلاق ، فيحلق شعري ، وعندما يصبح جلد الرأس ناعما كخد جارية جميلة ، يكتسب سيدنا الوزير رسالته عليه . ثم ننتظر حتى ينمو الشعر ويطول فأخرج من بغداد بسلام . .

    ( يلهث الوزير منفعلاً . يشع النشوق في أنفه ... ولشدة انفعاله لا يعطس .. فيصبح .

    وجهه كالقناع المدعوك . تثور همهة ، وتعليقات بين الزبائن .. ).

    زبون : يحرز دينك .

    زبون 2 : من أين وجدها ؟.

    زبون 3 : الله يحميه .. يا عيني عليه .. ما هذه الفطنة .

    زبون 1 : أي هيك تكون الرجال . مثله يستطيع أن يلعب بدولة .

    زبون 2 : ابن زمانه .. قلت لكم منذ رأيته أول مرة ، هذا ابن زمانه . .

    الوزير : ( يحاول التخلص من انفعاله ) انتظر .. انتظر .. نحلق شعر رأسك أولا .

    جابر : أي نعم .

    الوزير : ثم نكتب الرسالة عليه .

    جابر : أي نعم .

    الوزير : وننتظر حتى يكتسي الرأس مرة أخرى بالشعر ، وتختفي تحت سواده الكلمات .

    جابر : أي نعم .. ( يبحلق الوزير فيه بعينين مندهشتين ، وكأن ذهولا قد ألم به فجأة يعطس بشدة ) .

    زبون 3 : يبدو الوزير وكأنه لا يصدق .

    زبون 2 : فكرة تساوي كنزا .

    الوزير : ( مقتربا من جابر ، وفي وجهه خلف الذهول حنان ) والله وجدتها أيها المملوك .

    جابر : ( بنظرة ذات معنى ) لعل مولاي لا يندم على وعوده ، ما دام قد أعجبه تدبير مملوكه .

    الوزير : ( عيناه سارحتان ، يخفق فيهما فرح وتشف ) لا تخف .. الوعود محفوظة .

    ( بعد أن يلقي بإهمال هذه العبارة يدور في أرجاء القاعة ، وكأنه يتابع عينيه السارحيتين ) .

    زبون 3 : منذ قليل كان يبدو كفأر في مصيدة .

    زبون 2 : بعد تدبير جابر تغير الحال .

    الوزير : كسبوا نقطة .. ربما .. ولكن ها أنذا أكسب الجولة . تسلمنا المبادرة منهم ، وإني أمسك المنتصر وأخاه في قبضتي .. وسأعصرهما .. ( بشدة قبضته ) حتى يصبحا عجينا فاسدا . ستكون المفاجأة ، ولنتحسس جيدا مواطئ أقدامنا . .

    جابر : ( متعجلا ) هل يأمر مولاي بالبدء . كلما أسرعنا كان ذلك أفضل .

    الوزير : ( ينتبه من شروده ) حقا .. ينبغي ألا نضيع دقيقة واحدة . إننا في سباق مع الوقت .. ( يقف قبالته . وينظر إليه بإعجاب وفرح ، ثم يمد يده إلى رأسه ، ويعبث في شعره بحركة غريبة ) سيكون لتدبيرك شأن في المستقبل أيها المملوك جابر .

    جابر : ما يهمني هو أن يكون مولاي راضيا ، وأن يشملني عطفه وكرمه . .

    الوزير : ( باسما ) خلف المقال أنت لجوج . كأنك تشك في عهودي .

    جابر : معاذ الله ..

    الوزير : قلت لك .. عندما تبلغ الرسالة نعطيك من المراكز ما تريد . وفي بغداد ستنتظرك المرأة التي تشتهي ، وكوم من المال . .

    جابر : أمد الله في عمر مولاي ، وجعل أيامه موصولة بالظفر والمسرة ..

    الويز : والآن ... إلينا بالحلاق ...

    جابر : أجل .. إلينا بالحلاق .. وليحمل من الأمواس أحدها .

    ( يخفت الضوء في القاعة ، بينما يشتد على الكرسي التي يجلس عليها الحكواتي . سيتم المنظر على شكل تمثيل إيمائي وطقسي .. فالحركات ذات إيقاع بطيء ، يزيدها صمت الممثلين ثقلا ، حتى لتصبح شبيهة بطقوس غامضة ، وسحرية . تمتزج الحركات بكلام الحكواتي ، وتشكل معه ما يشبه اللحن الحزين ) . .

    الحكواتي : وطلب الوزير أن يحضر الحلاق في الحال . وأن يحمل معه من الأمواس أشدها بريقا ، وأمضاها حدا . وعلى الفور جاء الحلاق إلى الديوان يتبعه ثلاثة من الغلمان . ( يدخل الحلاق ووراءه الغلمان الثلاثة . يسيرون بخطوات موزونة ، بطيئة ، بالغة التأدب ، يلبسون ثيابا ناصعة البياض ، ويحملون معدات الحلاقة . أحد الغلمان يحمل كرسيا عاليا ومسندا للقدمين . والثاني يحمل حقيبة فيها عدة الحلاقة وبعض المناشف . أما الثالث ففي يديه دورق وطشت من الفضة الخالصة ، يتقدم الجميع نحو منتصف الديوان . وبين الفينة والفينة لا ينسون أن ينحنوا باتساق ، وبشكل احتفالي . عندما يصلون إلى حيث يقف الوزير وجابر ، ويبدأون في الإعداد للحلاقة . يوضع الكرسي في مواجهة الجمهور ,أمامه المسند الجو ثقيل بطابعه الاحتفالي .. ).

    الحكواتي : وقال الوزير مملوكه جابر حتى أجلسه على الكرسي العلى ، فاستقام ظهره فوقها ، وامتلأ بالزهو . وكانت عيناه تبرقان ، وتدغدغ مخيلته الأحلام . فتح الحلاق حقيبته . أخرج موسا له بريق ، ومعه مسنه الجلدي . وراح يسن الموس .. " اشحذ موسك أيه الحلاق .. اشحذ حتى يصبح كالومض البراق .. الرأس الذي ستجز شعره له في هذا الزمن المضطرب دوره .. فاصقل .. حد الموس حتى يصبح كالومض البراق " .. وكان الصبية يهيئون كل ما تحتاجه حلاقة يشرف عليها الوزير بنفسه ، ولما صار الموس ذا حد يفري الحديد ، تناول الحلاق برقة رأس المملوك جابر . فارتخت عضلات رقبته ، واستسلم هادئا بينما سرت في العينين نشوة كالحلم .

    الوزير : ( منفعلا هذا الراس له قدره عندي .. أريدك بارعا كما عرفتك . احلق الشعر من الجذور . من أعمق منابته .. أريد أن يصبح رأس مملوكي جابر أكثر نعومة من خدود العذراى .

    الحلاق : ( منحنيا في طقسية ) سمعا وطاعة .

    الصبيان : ( وهم يصطفون وراء الحلاق متهيئين لك خدمة .. بصوت غنائي رقيق خافت أثناء الحلاقة ) . " يا معلمنا احلق ونعم الحلاقة . خل الرأس يصير مثل خدود العذراى يا معلم الحلاقين .. بفن ومهارة .. خل الرأس يصير مثل خدود العذارى " .

    الحكواتي : ( على صوت الغناء الرقيق الخافت ) وأخذ الحلاق يحز شعر المملوك جابر . ولخفة يده ومضاء حد موسه ، لم يكن جابر يشعر إلا ببرودة لطيفة تشبه الأنسام، وترتخي لها الأجفان . وتساقطت خصلات الشعر .. خصلة بعد خصلة تساقطت .. وبان جلد الرأس .. يد الحلاق ماهرة رشيقة ، تتحرك فيلتمع الجلد.

    الوزير : نعم يا حلاق .. نعم ما استعطت .

    الحلاق : ( منحنيا للوزير ) سمعا وطاعة ..

    الصبيان : خل الرأس يصير مثل خدود العذراى ..

    الحكواتي : وشعر جابر برأسه يعرى . أحس بالبرودة ، لكنه لم يرتعش ، ولم تضطرب عيناه ، بل ظلت النشوة تختلج فيهما ، والموس .

    يروح ويجئ ، حتى صار لرأسه لمعان المرايا . .

    ( تسقط حزمة ضوء على رأس جابر ، فينبثق منه لمعان ) . .

    الحلاق : ( يعطر الرأس ، ويمسح عليه فتنزلق أصابعه ... ) نعيماً .. ( ثم يلتفت إلى الوزير ) نعيماً لمولانا ومملوكه . .

    الصبيان : نعيما لمولانا ومملوكه . .

    الوزير : ( يتحسس هو الآخر رأس المملوك جابر ، فتثيره نعومته ) عظيم .. عظيم .. أصبحت تغار من رأسك خدود أجمل العذارى ( ثم يلتفت إلى الحلاق وصبيته ) انصرفوا الآن ( بعد أن يجمع الحلاق وصبيته أدواتهم ينسحبون وهم يتمتمون : " نعيماً لمولانا ومملوكه ، مكررين نفس الطريقة الطقسية التي دخلوا بها ) . .

    جابر : ارتعش من السعادة ، إذ يسبغ مولاي على رأسي الوضيع هذا الاهتمام .

    الوزير : رأسك يساوي مملكة يا جابر . .

    جابر : هو لك يا مولاى ( لحظة حتى يخرج الحلاق من الباب ) والآن ... ابحث يا مولاي عن ريشة وحبر لا يمحى إلا بالحفر .

    الوزير : ( منفعلاً ) هذا ما سنفعله بلا إبطاء . .

    ويبتسم ابتسامة طويلة تغص بالمعاني .. يأتي الوزير ومعه الدواة والريشة ) . .

    جابر : بين يديك يا مولاى . .

    ( يركع جابر بحركة بطيئة ووجهه للجمهور ، بحيث تبدو واضحة كل الانفعالات التي يمكن أن تعبره . يأتي الوزير بكرسي منخفض ، ويجلس خلف جابر واضعا الدواة قربه ، يمسح مرة أخرى على الرأس الذي يلمع تحت الأضواء . ثم يغط ريشته بالدواة في الكتابة . عندما يضع الريشة على رأس جابر تتلقص ملامحه تحت تأثير الوخزة ، لكنه يتحمل ، وتخفق عيناه ) . .

    جابر : ( ووجهه يتلقص ) آه ليت مولاى يختار من الكلمات ألينها وأكثرها إيجازاً . .

    الوزير : لا تخف سأوجز في الكتابة ما استطعت . .

    ( من حين لحين يتوقف الوزير لحظة ، يفكر فيها باحثاً عن كلمة ، ثم يعود إلى الكتابة ) . .

    جابر : ( متلقصا من الألم ) هذه الكلمة أحسها تنغرز في دماغي ، ليت مولاي يجد كلمة أخرى . .

    الوزير : انتهيت تقريباً . .

    ( ينهي الجملة التي يكتبها . يضع الريشة ، ويغلق الدواة ، لكنه يتوقف فجأة ويسهم مفكراً ) . .

    جابر : بعد أن فرغ مولاي من كتابة رسالته ، هل يسمح لي بالنهوض . .

    الوزير : ( ساهما ) لا .. لا .. انتظر قليلاً . .

    ( ينهض ، ويذرع الديوان جيئة وذهاباً . يتناول نشوقا ويعطس ) . .

    الحكواتي : وفكر الوزير كانت هناك حاشية ناقصة فيما يبدو وتردد .. عطس وتردد . وبعد أن اجتاز الديوان مراراً في غدو ورواح ، التمعت عيناه ، وعاد يجلس على كرسيه . .

    الوزير : انتظر .. انتظر .. هي جملة وننتهي . .

    _ يكتب الوزير جملة جديدة ، وينقبض وجه جابر من الألم ) . .

    الوزير : ( يربت على كتفه بابتسامة ) والآن ... تستطيع أن تنهض .

    جابر : ( وهو ينهض ) هل يشرفني مولاي الآن بمعرفة الجهة التي سأحمل إليها رسالته ؟ .

    الوزير : ليس الآن .. ستعرف فيما بعد المهم أن ينبت شعرك بسرعة ، وأن يكسو جلد رأسك كطاقية سوداء .

    جابر : وإلى أن يحين ذلك الوقت ؟.

    الوزير : إلى أن يحين ذلك الوقت .. ستثقيم في غرفة منعزلة ومظلمة حتى لا يراك أحد ، ولا يقرأ ما هو مخطوط على رأسك إنس ولا جن . .

    جابر : من أجل مولاي مستعد لكل شيء .

    الوزير : إذن تضع على رأسك كوفية . وتستعد للمكوث في غرفة مظلمة . هيا معي ( يمسكه الوزير بيده ، ويخرجان ) .

    الحكواتي : وهنا نستأذن المستمعين الأكارم باستراحة قصيرة نشرب فيها فنجانا من الشاي طبعا من يشاء الخروج لقضاء حاجة يستطيع الخروج ، ومن يشاء البقاء يمكنه أن يبقي ( تنفر من بين الزبائن تعليقات وردود فعل سريعة .. ) لا .. بالله عليك كمل ... .

    زبون 3 : نريد أن نعرق بقية الحكاية .

    زبون 1 : دائما تقطعها في لحظة حرجة .

    زبون 2 : هات شاي للعم مونس .

    زبون 1 : تستطيع أن تشرب الشاي ، وأنت تقرأ .

    الحكواتي : لا تخافوا .. سنكمل القصة .. دعوني أسترد أنفاسي قليلا .

    زبون 3 : اتركوه على راحته . لن يغير العم مونس عادته .

    زبون 2 : هات نارة يا أبو محمد .

    الخادم : حاضر .

    ( يعود جو المقهى إلى التراخي والفوضى ، كلام .. وتعليقات .. وصياح على أبي محمد الذي تنشط حركته الآن . بعض الزبائن يستغل الاستراحة للخروج قليلا من المقهى ) ..

    زبون 1 : أرى أن أعرف إلام سينتهي هذا الولد .

    زبون 2 : يمين بالله أحببته . .

    زبون 3 : يفهم الحياة كأنه جربها أجيالا . .

    زبون 2 : ويعرف كيف يقتنصها أيضا .

    زبون 3 : الحياة كالمرأة لا تعطي جسدها إلا لمن يعرف كيف يأخذ جسدها . .

    ( الخادم يحمل صينية عليها عدد من كؤوس الشاي .. يضع كوبا أمام الحكواتي ، ويوزع الباقي ، ثم يعود بعد قليل حاملا موقد الفحم الجمر على النراجيل ) .

    زبون 1 : أنا أقول إن شأنا كبيرا ينتظر هذا المملوك .

    زبون 2 : بمثل هذه الفطنة والجرأة يستطيع أن يتسلق عرش السلطنة .

    زبون 4 : لا تزيدوها . ما هو إلا ولد ذكي ونهاز للفرص .

    زبون 3 : نهاز للفرص .. ليكن . هذا هو الطريق للوصول إلى أعلى المراتب .

    زبون 4 : وأحيانا إلى أسفل المراتب إذا كنت لا تعرف .

    زبون 2 : نعرف ونرى كيف يسير دولاب الدنيا .

    زبون 1 : ولد بهذه العياقة ، يخرج من ألف مصيدة بسلام .. بالله يا عم مونس عجل .. أنا أقول إن شأنا كبيرا يتظر هذا المملوك ، فما رأيك ؟ .

    الحكواتي : اصبروا .. اصبروا هي دقائق وتعرفون بقية الحكاية ..

    زبون 1 : طيب .. العم مونس لا يريد أن يجيب . ولكن هل تراهن على ما أقول ؟.

    زبون 2 : وأنا أنزل معك بالرهان .

    زبون 4 : لا أراهن .. قد يصح ما تقول ، إلا أن المنطق السليم هو ألا يصح ما تقول .

    زبون 1 : هذه فذلكة . نحن نعرف الدنيا ، ونرى كيف يسير دولابها .

    زبون 2 : ستأتي بقية القصة على كل حال .

    زبون 1 : هات شاي يا محمد ..

    زبون 3 : ما دام العم مونس يطلب استرحة افتح لنا الراديو .

    زبون 2 : أي .. افتح هذا الراديو يا أبو محمد ..

    ( أبو محمد يفتح الراديو .. ) .

    صوت المذيع : وفي الساعة السابعة من مساء اليوم عقد اجتماع هام بالقصر الجمهوري حضرة السادة الوزراء .

    زبون 1 : غير المحطة يا أبو محمد ..

    زبون 4 : دعونا نسمع نشرة الأخبار .

    زبون 1 : بلا أخبار ووجع قلب .

    زبون 2 : ابحث عن أغنية تبل الريق . .

    زبون 3 : أي أسمعنا غنوة حلوة ..

    ( يد محمد تحرك المؤشر بحثا عن أغنية .. ينبثق صوت أم كلثوم في أغنية " الحب كده " ..) .

    أصوات زبائن : - أيوه يا سلام .

    ( يستقر المؤشر على المحطة ، ويتوضح غناء أم كلثوم ، وهي تكرر " الحب كده " العم مونس يرقب الزبائن ، ويهز رأسه بينما يشرب الشاي بهدوء . تستمر الأغنية بضع دقائق هي تقريبا فترة الاستراحة . ومن حين لحين نمسع آهة " يا سلام " ) .

    بعد الاستراحة.

    ( يخفت صوت الغناء ويصبح خلفية ... ) .

    بون 2 : أنهي العم مونس فنجان الشاي .

    زبون 1 : لنسمع إذن بقية الحكاية .

    زبون 3 : لا بأس بهذه الحكاية تملأ الدماغ فعلا .

    زبون 1 : والله .

    زبون 2 : حلفتك بالله يا عم مونس لماذا تتدلل علينا بسيرة الظاهر ؟.

    الحكواتي : العم مونس لا يعرف الدلال ، ولكنه يعرف جيدا ترتيب الحكايات في كتابه .

    زبون 2 : تبالغ في الحرص على الترتيب وكأنه تنزيل حكيم .

    الحكواتي : لن نفهم أيام الظاهر ، إلا إذا فهمنا ما تقدمها من أوضاع وأزمان لا تنسوا أن التاريخ متسلسل .

    زبون 2 : ولكن متى تنتهي حكايات ما قبل الظاهر ؟ .

    الحكواتي : كل شيء وله أوانه .

    زبون 2 : أتكون حكاية اليوم هي الأخيرة ؟.

    الحكواتي : من يدري ( يفتح كتابه مبسملا بصوت خافت .

    زبون 2 : لا فائدة .. كتوم وعنيد أيضا .

    زبون 3 : با أبو محمد .. ساعدنا على العم مونس ، كي يبدأ السيرة غدا .

    الخادم : وهل أستطيع والله مشتاق لسماعها أكثر منكم .

    الحكواتي : ونعود إلى الصلاة على النبي ، ونتابع مجرى قصتنا .

    أصوات : ألف الصلاة والسلام عليه .. سنرى الآن نهاية جابر .

    - اقفل الراديو.

    ( تهدأ الضجة ، ويختفي صوت الراديو .. يرين الصمت والانتظار ) .

    الحكواتي : فقال الوزير لمملوكه جابر . هيا معي .. وبعد أن ستر رأسه بكوفية سوداء ، وضعه في غرفة مظلمة على بابها حارس بالاقتراب . وكان لا بد من الانتظار حتى ينمو الشعر ، ويخفي سر الوزير .. والتوتر في ازدياد . ترقب في قصر الوزير . وحركة ومشاورات في قصر خليفة بغداد . وكلعبة الشطرنج كل يحك رأسه ، ويفكر كيف يحرك أحصنته وجنوده . اللاعبان خليفة بغداد ووزيرها ، ووقعة الشطرنج بغداد وعامتها .

    ( أثناء كلام الحكواتي يدخل الممثلان اللذان قاما بدوري الوزير والأمير عبد اللطيف .. هما الآن يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله وأخيه عبد الله . يضعان ما يحملان من قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان الخليفة ، وهو شبيه جدا بديوان الوزير يتخذان مكانيهما ، وينتظران سكوت الحكواتي .. بعد لحظات ) .

    عبد الله : أصبحت اللحظة مناسبة للخطوة الحاسمة .

    الخليفة : أواثق من النتائج .؟.

    عبد الله : لو لم أكن واثقا من النتائج ما كنت لأقول .. أصبحت اللحظة مناسبة .

    الخليفة : لا تنس أن له أعوانا مخلصين داخل قيادات الحرس .

    عبد الله : ( يلوح برسائل في يده ) وهل أجهل ذلك . ما قيمة هؤلاء الأعوان بعد أن أثمرت مراسلاتنا .

    الخليفة : ( لا يخفي ضيقه ) مراسلاتنا : بل قل تنازلاتنا التي ستجردنا تقريبا من معظم ولاياتنا. .

    عبد الله : ( باحتداد ) لن نعود لنناقش هذه النقطة . أحيانا من الضروري أن تتنازل عن شيء كي تكسب شيئا أهم . دون تنازلات ما كان ممكنا أن نقنع بعض الولاة بإرسال إمداداتهم وبلا إمدادات لن يكون سهلا أن ننتصر ، عليه قل لي .. أتريد أن ننفض أيدينا ، ونترك الوزير يسرح ويمرح في بغداد . يدعم قواه ويعزز مراكزه ، وحين تواتيه الفرصة ينقض علينا ، ويصفينا ؟.

    الخليفة : ( يختبط وجهه ) لا تستفزني . أنت تعرف أني مصر هذه المرة على ألا نتراجع . ما عدت أحتمل أن يكون في بغداد خليفتان وقيادتان . سيصيبني الشلل لو اضطررت بعد كل هذا إلى استقباله في ديواني ورؤية وجهه المريب .

    عبد الله : إذن لماذا نتردد ؟ المناورة أساس الحكم . نوقف بعض العداوات لنتفرغ لعداوة أهم . وبعدها سيكون لكل حادث حديث . إننا نمسك بالخيط قطعنا عليه كل فرصة للاتصال بالخارج ، وأقنعنا ولاة أقوياء بالانضمام إلينا . الآن لدينا قوات تنتظر إشارة ، وأعتقد أنها اللحظة المناسبة كي تصدر لها الأوامر بالتحرك إلى بغداد .

    الخليفة : ومع هذا أريد أن تكون حساباتنا دقيقة . وضعنا لا يحتمل خطأ أو هفوة .

    عبد الله : تعرفني بارعا في الحساب . إني أوكد لك أن الفرصة حانت كي نتخلص منهم ، ونعيد للسلطة حزمها ومركزها .

    الخليفة : أتعلم مجيء رغم ضرورته . أخشى أن نخلص من شر لنقع في شر آخر . لو أوقظ النصر شراهتهم ، فسنواجه مساومة غالية الثمن .

    عبد الله : اترك لي هذا الأمر بعد أن ننتهي من الوزير ، ونعيد لقوات بغداد وحدتها ، سيكون سهلا أن نواجه احتمالات طارئة كهذه . ولا تنس أني أعرف التنقاضات القائمة بين الولاة أنفسهم من اليسير دائما أن نشعل بينهم معارك تستنزفهم وتضعفهم حتى التنازلات يمكن أن تكون مؤقته .

    الخليفة : إنها مواثيق يا عبد الله .

    عبد الله : القوة هي ميثاق كل المواثيق يا خليفة المسلمين ، وعلى كل الوقت مبكر للخوض في هذا الحديث . ما تزال أمامنا المهمة الأساسية ، أن نخلص من الوزير وأعوانه . وهذه هي اللحظة . فأصدر الأمر لولاتك بالتحرك نحو بغداد . أما نحن فعلينا أن نهيئ ما يحتاجه قدومها . أمامنا ترتيبات كثيرة لا بد من اتخاذها ، والوقت لا يرحم . .

    الخليفة : ( مفكرا وساهما .. بعد فترة ) هل تتخيل ما تحتاجه قوات كهذه تأتي لتحل في بغداد ؟ أنت تعرف أن بطون العساكر .

    كالبراميل لا تشبع ولا ترتروي .

    عبد الله : هو ذا واحد من الترتيبات التي تنتظرنا .

    الخليفة : الخزينة لا تشكو التخمة يا عبد الله .. وحتى ثرواتنا الخاصة لا تكفي .. فمن أين سنسدد نفقات إقامتهم ومكافأتهم ؟.

    عبد الله : لن نعدم وسيلة لتدبير المال وتسديد كل النفقات .

    الخليفة : أتعتقد أن التجار لن يبخلوا .

    عبد الله : التجار .

    الخليفة : ولم لا يعنيهم الأمر مثلنا إننا نحمي أيضا . .

    عبد الله : الحقيقة ينبغي أن نقتصد في استنزاف التجار لم يبخلوا أبدا وخزائننا شاهدة .

    الخليفة : إذن .. من أين سنجد ما يسدد نفقات العساكر ؟.

    عبد الله : مسألة بسيطة للغاية .. لماذا تأتي هذه القوات ؟ إنها لا تأتي لتتنزه ، وتتفرج على عاصمة المسلمين بغداد وإنما لتؤدي واجبا مقدسا! إنها تأتي لتحمي للمسلمين خليفتهم وتحفظ لهم وحدتهم . حماية الخليفة واجب على كل مسلم فمن قوته يستمدون القوة ، ومن ضعفه تدب إليهم الفرقة والشقاق . ولهذا فعلى الجميع أن يساهموا بنصيبهم في حماية الخليفة ، وصون خلافته ذلك أول واجباتهم كمسلمين .

    الخليفة : ( مبهورا ) أوضح لي ماذا تعني ؟.

    عبد الله : ألم تفهم ما أعنيه سنفرض ضريبة مقدسة على الناس في بغداد ، وبذلك نوفر كل النفقات اللازمة . .

    الخليفة : (باسما ) ضريبة مقدسة حمانا الله من دهائك هي فكرة معقولة ، لكنها لا تخلو من مزالق . أخشى أن تثير الضريبة تذمر الناس . وفي مثل هذا الظرف من السهل أن يتحول التذمر إلى فتنة . حينئذ قد تنقلب الأمور رأسا على عقب .

    عبد الله : فتنة عامة بغداد تحث فتنة ( تلوح على وجهه أبشع علامات الازدراء ) .. ينقصك يا خليفة المسلمين أن تعرف رعيتك . أما أنا فأعرفهم جيدا .. قد يتذمرون ، ولكن ما أن يروا وجه حارس حتى يمضغوا تذمرهم ، ويبلعوه مع ريقهم . وفي النهاية يهرولون ، لينبشوا الأرض من أجل تسديد الضريبة .

    الخليفة : كم تبدو واثقا من خططك وتقديراتك .

    عبد الله : تعرفني بارعا في الحساب ، والبارع في الحساب لا يضيع اللحظة فأصدر يا خليفة المسلمين أوامرك ولنتهيأ للضريبة الفاصلة .

    الخليفة : ما دمت واثقا إلى هذا الحد .. فلتكن مشيئة المولى . .

    زبون : مشيئة المولى ، أو مشيئة هذا الداهية .

    الحكواتي : ( فيما ينسحب الممثلان حاملين معهما قطع الديكور ) هذا ما كان من الخليفة وأخيه عبد الله .. وأما عامة بغداد فحالهم من سيئ إلى أسوا ، يسكن قلوبهم القلق ، ويشلهم الخوف . ينامون ولا يعرفون علام سيستيقظون .. وبدأت المعيشة تزداد صعوبة . نذر الرغيف وازداد القلق .. وبدأ يمتزج الخوف بالجوع ، والتعاسة بالحاجة والألسنة الجافة تهتف : يا بصير .

    ( أثناء كلام الحكواتي تدخل امرأة ما زالت صبية على حضنها طفل . يمكن أن تقوم بدورها الممثلة التي أدت دور المرأة الثانية .. غرفة بائسة شبيهة بالكوخ ... تجلس المرأة شاحبة تعيسة . وهي تضع طفلها في حجرها .. الطفل لا يكف عن الصراخ والعويل المرأة شديد البؤس والتعاسة .. تبدو وكأنها تنتظر ) .

    الزوجة : ( تهدهد الطفل ... وهي تغني ) هي يا الله ... هي يا الله .. نام يا عيني نام .. هي يا الله .. ( يواصل الطفل البكاء ) يا الله ....

    ماذا أفعل ( تفتح ثوبها ، وتخرج ثديها لترضعه ) تعرف أن ضرعي جاف ، ولا توجد فيه قطرة واحدة من الحليب . من أين سيأتي الحليب ، وأمك لم تضع في فمها لقمة خبز منذ يومين ( الطفل لا يجد ما يرضعه ، فيعود إلى البكاء ) هي يا الله .. هي يا الله .. .

    ( يدخل الزوج ، وهو شاب في حوالي الثامنة والعشرين ، يمكن أن يقوم بدوره الرجل الأول . وجهه مكفهر وحزين . يجلس على الأرض متحاشيا النظر إلى زوجته ) .

    الزوجة : ( مبهوتة ، تحدق فيه .. ولكنها للحظات تخاف أن تتكلم . بعد قليل ) أراك تعود بسرعة ؟ .

    الزوج : ( الطفل يبكي دائما ).

    الزوجة : هل توسلت إليه كما وعدتني ؟.

    الزوج : لا فائدة .

    الزوجة : ( يائسة ) أعرف كبرياءك . فضلت أن تكابر على أن تتوسل . .

    الزوج : أقسم إني توسلت .

    الزوجة : وشرحت له كل ما نقاسية ؟.

    الزوج : لم أترك إليه سبيلا .

    الزوجة : هل أقسمت له إننا لم نذق طعاما منذ يومين . منذ يومي لم نضع في أفواهنا لقمة خبز . هل قلت له إن ابننا سيموت من الجوع ، لأن صدري ناشف لا يدر إلا الهواء لو قلت كل هذا ، لا يمكن أن يمنع عنك العمل ولو كان قلبه من حجر .

    الزوج : ولكن قلبه من حجر .

    الزوجة : حلفتك بالله .. هل ألححت عليه . وشرحت له كل ما نقاسية ؟.

    الزوج : ( بعنف ) والله كدت أبوس قدمه . بقيت ألح حتى طردني وهددني بالضرب .

    الزوجة : ( بعد فترة ) يا رب ماذا حل بالدنيا ؟ عملت عنده سنتين .

    الزوج : وإذا بدأ الكساد رماني كالكلب .

    ( يعلو صراخ الطفل ، فتنظر إليه المرأة بحزن وتهدهده ) .

    الزوجة : خلت كل القلوب من الرحمة .. ماذا حل بالدنيا ؟ ( الصراخ يعلو ) نم يا حبيبى نم .. آه .. لو أستطيع لعصرت لك قلبي وأطعمك .. ( تهدهده ) هي يا الله .. هي يا الله ( بعد لحظة ) .

    والآن .. ما العمل ؟.

    الزوج : لست أدري .

    الزوجة : ومن الذي يدري إذن ؟ سيموت الصغير بين أيدينا .

    الزوج : ( مقهور الصوت ) ماذا أفعل ؟ .

    الزوجة : أي شيء .. لن نتركه يموت بين أيدينا .

    الزوج : ( بعد تردد .. بلهجة يرعشها الخجل والغضب وهو مطرق الرأس ) لماذا لا تذهبين إلى جارنا في بيته مؤونة تكفي لسنة . يمكنك أن تسأليه شيئا نأكله .

    الزوجة : ( يتغير وجهها .. بعد لحظة تتأمله بعينين جاحظتين ) أتطلب مني ذلك ؟.

    الزوج : ( لا يزال مطرقا في الأرض ) لعله الحل الوحيد ..

    الزوجة : أأنت جاد ؟ إنك تعرف ما يعنيه الذهاب إلى بيته ( يغص صوتها بالبكاء ) لا .. لا يمكن أن تطلب مني ذلك لا يمكن .. ( تنفجر دموعها ) .

    الزوج : ( ينفجر قهره ) ماذا أفعل ؟ تضعين كل شيء على رأسي وكأني المذنب . أأنا المسؤول عما يحدث في بغداد أأنا من أوقع الفتنة بين الخليفة والوزير أأنا من أحدث الكساد ، وأوقف الأعمال قولي لي ماذا أفعل ؟ لست ساحرا ولا رجل معجزات . تعرفين أن قلبي ينزف ، وأن صراخه يكويني في الأعماق ( خلال ثورته ، تنهض المرأة ، وتجلس إلى جواره ثم تمسح على شعره ) .

    الزوجة : ( مع شهيق دموعها .. بحنان ) أعرف .. أعرف .. إني امرأة موجوعة وحمقاء . لا أريد أن تغضب . الجوع يعض كما تعرف .

    ( يسود الصمت .. الرجل يدفن وجهه بين يديه . بعد قليل تنهض المرأة فتضع الطفل على حشية من القش ، وتهم بالخروج ) .

    الزوج : ( كالمجنون يمسك معصمها ) ماذا تفعلين ؟.

    الزوجة : الله بصير ، ولن يضن علينا بالغفران .

    الزوج : ابقي هنا .

    الزوجة : الله يغفر .. لن نتركه يموت ونحن نتبادل النظر ؟.

    الزوج : لا .. ليس الآن .. لا أستطيع .. لا أستطيع .

    ( يشدها إلى جواره يجلسان وتتساقط دموعها معا ، بينما يعول الصغير ) .

    الزوجة : يا بصير ..

    زبون 2 : أستغفر الله العظيم .

    زبون 4 : في النهاية لا تقع إلا على رؤوس المساكين .

    زبون 3 : الله يساعد ..

    الحكواتي : وكان المملوك جابر ما يزال في الغرفة المظلمة ، لا يدخل إليه الضوء إلا من نافذة صغيرة كفتحة العين ينتظر أن ينمو شعر رأسه كي يخرج من حبسه ، ويرحل حاملا الرسالة ( أثناء كلام الحكواتي يجري تركيب غرفة على المسرح لها باب ونافذة ضيقة جدا . النافذة مشبكة بالحديد ، والباب مغلق يقف عليه حارس ) وكان الوزير وكأنه على جمر يبدو نافذ الصبر . وفي كل يوم ينفتح له باب الغرفة ( الحارس ينحني ويفتح الباب أمام الوزير الذي يدخل ) فيدخل على جابر يمسح بيده على رأسه ، ويقيس نمو شعره ، ولو ملك لأمر الشعر أن يطول لساعته ، ويصبح كجدائل امرأة . لكنه كان يخرج كل يوم ضيق الصدر . في يده علبة نشوقه ، ويمضى لينتظر يوما آخر ( يخرج الوزير تحية احتفالية من الحارس .. ينغلق الباب ) ولم يكن يستطيع أحد أن يزور جابر في عزلته ، أو يقترب من غرفته . فأمر الوزير الصارم ، وغضبه عات لو علم .. لكن للنساء حيلهن . وقد استطاعت زمرد بعد تعب وجهد ، أن تجعل الحارس يغمض عينيه ، وأن تسرق لحظات من وراء النافذة . تتحدث خلالها مع المملوك ، الذي يخفق قلبها لمجونه وحسن كلامه .

    ( تكون زمرد قد ظهرت، واقتربت بخطوات حذرة من النافذة الصغيرة . تبرز مشيتها مفاتن صبية يضج جسدها بالحياة . على وجهها نقاب نصفي لا يخفي جمال عينيها ، ولا القلق الذي يطلي سوادهما .. ) .

    جابر : ( يتدافع صوته بفرح من وراء النافذة ) زمرد لم يخطئ إحساسي إذن عرفت أنك تأتين . تلك هي العلامة فجأة التهب رأسي ، وانتفض كل ما في جسدي ، فأيقنت أنك تأتين . وها أنت ذي بلحمك ودمك .. لم تفارقي خيالي يا زمرد . دائما معي في هذه الغرفة . أرى عينيك تضيئان العتمة . وجسدك يتثنى حولي نضرا . حيا ، معطرا أتصدقين أحيانا أحس عطرك ينفذ إلى مسامي فتأخذني رعشة كاللذة . ينتفض جسدي ، ويرتعش كما لو كنت أحتويك .. ولكن بحق الله ارفعي النقاب .. .
                  

العنوان الكاتب Date
سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-23-06, 06:57 AM
  Re: سعد الله ونوس bayan08-23-06, 07:09 AM
    Re: سعد الله ونوس jini08-23-06, 08:20 AM
    Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-24-06, 08:52 AM
      Re: سعد الله ونوس Mohamed Elgadi09-12-06, 10:28 AM
  Re: سعد الله ونوس نهال كرار08-23-06, 07:25 AM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:27 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:29 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:31 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:32 PM
    Re: سعد الله ونوس munswor almophtah08-23-06, 02:51 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:34 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:34 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:35 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:36 PM
  Re: سعد الله ونوس Sabri Elshareef08-23-06, 02:39 PM
    Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-24-06, 05:11 AM
      Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-24-06, 07:07 AM
        Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-26-06, 01:31 AM
          Re: سعد الله ونوس Mohamed Ahmaed Olyesh08-26-06, 07:16 AM
            Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-26-06, 07:25 AM
            Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-26-06, 08:21 AM
              Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-27-06, 06:57 AM
                Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-28-06, 03:06 AM
                  Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-29-06, 00:29 AM
                    Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 00:39 AM
                      Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 00:46 AM
                        Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 00:50 AM
                          Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 00:55 AM
                            Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 01:04 AM
                              Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 01:11 AM
                                Re: سعد الله ونوس bayan08-29-06, 01:21 AM
                                  Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-29-06, 03:05 AM
                                    Re: سعد الله ونوس عثمان سيد أحمد08-29-06, 06:21 PM
                                      Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-30-06, 01:20 AM
                                        Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel08-31-06, 05:20 AM
                                          Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-02-06, 03:10 AM
                                            Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-03-06, 08:12 AM
                                              Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-04-06, 02:14 AM
                                                Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-05-06, 00:35 AM
                                                  Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-07-06, 05:27 AM
                                                    Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-09-06, 04:11 AM
                                                      Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-10-06, 07:10 AM
                                                        Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-12-06, 03:40 AM
  Re: سعد الله ونوس محمد ابراهيم قرض09-12-06, 04:04 AM
    Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-13-06, 00:43 AM
      Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-13-06, 07:19 AM
        Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-14-06, 07:03 AM
          Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-25-06, 09:27 AM
            Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-26-06, 06:53 AM
              Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-27-06, 09:23 AM
                Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-28-06, 05:10 AM
                  Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel09-29-06, 07:50 AM
                    Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel10-17-06, 04:43 AM
                      Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel10-18-06, 03:44 AM
                        Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel10-19-06, 04:02 AM
                          Re: سعد الله ونوس Mohamed Abdelgaleel10-20-06, 07:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de