أيام في واشنطن العاصمة ... مع وفد حركة و جيش تحرير السودان

Quote: انطباعات زائر لواشنطن بمعية رئيس حركة تحرير السودان لقد تشرفت ضمن وفد كبير بمرافقة رئيس حركة تحرير السودان السيد / منى اركو مناوى في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية وذلك تلبية لدعوة رسمية مقدمة لرئيس الحركة من وزارة الخارجية الأمريكية للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش للفترة من 22-28 من يوليو الماضي ، ورأيت - وربما لمصلحة القراء- أن أسجل بعض الانطباعات الشخصية في حلقتين ، الحلقة الأولى و اسميها محطات أمريكية أسجل فيها ما يمكن تسميتها ب "حضارية وإنسانية" الشعب الامريكى وحلقة أخيرة أتناول فيها انطباعاتي الشخصية عن تكوين الوفد المرافق لرئيس الحركة والذي شمل إلى حد كبير معظم مكونات مجتمع دار فور ، وخاصة الخليط المنسجم لما يعرف في هذه الأيام بالمجموعات العربية والغير عربية في دار فور . محطات أمريكية المحطة الأولى: تحركت أنا وزميلي من مطار الملك خالد الدولي بالرياض السعودية بتاريخ 21 يوليو الماضي بالطائرة الاماراتية المتجهة إلى دبي ومن هناك تحركنا بالايرباص الضخمة التابعة لنفس الشركة والمتجهة إلى مطار جون كندى بنيويورك في رحلة مستمرة (non-stop) استغرقت حوالى الاربعة عشرة ساعة متواصلة، على أن نلتقي بالوفد الرئيسي في مدينة واشنطن العاصمة في وقت لاحق بعد رحلة أخرى بالطائرة من نيويورك إلى مطار ريغن بواشنطن. جلست بجواري في مقعد الطائرة أثناء هذه الرحلة الطويلة والمملة سيدة أمريكية في أواسط العقد الرابع من عمرها وكان جلوسها بجانبي مناسبة لكسر رتابة الرحلة بالتحدث إليها ويبدو أن " الحال من بعضه " لأنها هي الأخرى وجدت من يشاركها الحديث، وقد عرفتني بأنها تعمل مدرسة في المدارس الثانوية في إحدى مدن ال (Midwest) الأمريكية وأنها في طريقها إلى بلدها بعد أن قضت فترة في كمبالا في إطار برنامج طوعي لتدريب المدرسين في يوغندا. ولاني دائما في شغل شاغل عن حكام إفريقيا الديناصورات الذين لا يفارقهم الحكم إلا عند أول زيارة ل "عزرائيل " إلى قصورهم العامرة ، ولان الرئيس / موسيفينى هو احد هولاء الديناصورات، فقد حرصت أن اعرف رأى مواطن/مواطنة أمريكية عاشت بعض الوقت في هذا البلد الجار وخاصة وان البلد قد مر بتجربة انتخابات قيل أنها كانت "حرة " ولكنها أبقت على ذات الديناصور(موسيفينى) في الحكم ، فسألتها مباشرة : بوصفك قد عشت بعض الوقت في كمبالا وخاصة وانك قد جئت إليها بعد انتخابات "حرة"، هل غيرت الانتخابات الأخيرة من أوضاع البلاد من حريات وأوضاع معيشية واقتصادية، وهل هنالك إحساس حقيقي بالأجواء الديمقراطية بالنسبة للمواطن الاوغندى ؟ قالت: (حسنا، لقد سالت مواطنا أوغنديا عن الرئيس موسيفينى، فقال : هو الحاكم المطلق لهذه البلاد، وسألت مواطنا آخر وقال لي : انه قد قدم خدمات جليلة لهذه البلاد، أما الثالث فقال : انه في حيرة من أمره لأنه يدفع الضرائب بانتظام وبنسب تصاعدية ولكنه لا يدرى أين تذهب هذه الأموال ) وختمت حديثها قائلة: (انه عندما تكون بدائل الشعوب ليس بين السيئ والأحسن وإنما بين السيئ والأسوأ، فلا بد أن تكون هنالك معضلة سياسية واقتصادية، وهذه حالة أوغندا ). ما اعجبنى في هذا التحليل أن هذه السيدة لم تقفز كأمثالنا إلى الإجابات الذاتية المباشرة ولكنها وصلت إلى استنتاج مدعوم بالوقائع، وهذا أسلوب علمي راق نفتقده كثيرا نحن في العالم الثالث ، والسودان تحديدا . عكس هذا الأسلوب مثلا عندما يسأل احد عن رأيه من توقيع منى اركو مناوى لاتفاق السلام مع الحكومة فتجد إجابات "معلبة " كأن يقال مثلا: هذا خائن باع القضية وقبض ثمنه نقدا بملايين الدولارات !! مثل هذه تعتبر إجابة نموذجية لكتاب الانترنت المناوئين للاتفاق في هذه الأيام. المحطة الثانية: يستقبلك ضباط الجوازات والهجرة في مطار جون كنيدي وكأنهم موظفو تسويق في شركة خاصة(Can I help you?) رغم الإجراءات الأمنية العويصة ، وخاصة عندما تكون من رعايا دولا كالسودان. لا أنسى أبدا خدمات الضابط / هنرى الذي حمل جوازي وحام بي في عدة مكاتب لتسهيل إنهاء الإجراءات عندما "تشابه " أسمى مع اسم شخص مطلوب امنيا، وهو يعتذر بأدب جم عند كل تحول من مكتب إلى آخر. عندما انتهى من كل اجراءاتى رجاني لكي أأتى مبكرا في تاريخ العودة لإنهاء إجراءات التسجيل طرف مسئولي الهجرة بالمطار لأنه من غير ذلك ربما سوف لن يسمح لي بدخول الولايات المتحدة مرة أخرى في المستقبل. في أثناء هذه الجيئة والذهاب برفقة ضابط الهجرة جال في خاطري مسلسل " طاش ما طاش " السعودي الشهير وتلك الحلقة الخاصة التي جمعت بين سوداني وسعودي في حادث مروري وكيف أنهما عانا من بيروقراطية رجال المرور مما حدا بالسوداني أن يكرر مقولة " أن رجال المرور في الدول المتقدمة كذا وكذا " ، مما جعل السعودي (ناصر القصبى) أن يبدى امتعاضه في النهاية من هذه العبارة المكررة ويدفع بالسوداني وكأنه يقول له : اذهب إلى تلك الدول المتقدمة ودعنا في حالنا ! ، وكانت معالجة ممتازة لأحوالنا هنا في العالمين العربي الاسلامى، ولكن الثابت أن هنالك فعلا عالما " متقدماً " يختلف بصورة جوهرية عن عالمنا البيروقراطي والمتخلف . المحطة الأخيرة: بنهاية الزيارة تم ترتيب جولة سياحية للوفد وتم توجيهنا لاستقلال الباص الخاص لهذا الغرض بعد أن تم تجهيز التذاكر مسبقا . سائق الباص رجل في نهاية العقد السادس من عمره تجول بنا في معالم واشنطن السياحية وهو لا يصمت ابدآ حيث يشرح للركاب بمكبر الصوت كل المعالم على جانبي الطريق حتى حل بنا عند البيت الأبيض وطلب منا النزول لزيارة حديقة البيت الأبيض ويبدو أنها محطة لازمة لاى زائر . أثناء تقدمنا في اتجاه سور البيت الأبيض مررنا بشاب يخطب في مجموعة من السواح ينادى بسحب قوات الولايات المتحدة الأمريكية من العراق وأفغانستان، وبجوار سور البيت الأبيض رجلان يحمل احدهما صورة كبيرة للرئيس الامريكى جورج بوش وقد فقع عينيه وبجواره رجل مغطى بكامله بعباءة سوداء شبيهة بتلك التي تلبسها النسوة في الخليج كتب على رأس الشخص المغطى بالسواد كلمة " الموت " وعلق لوحة أخرى في وسط العباءة مكتوب عليها " جورج بوش يحبني لأنه يرسل شباب أمريكا الىٌ – اى الموت – في العراق وأفغانستان " !! . أمام هذا المنظر بدأت أتخيل مصير مثل هذا الشخص في عالمنا العربي الاسلامى لو تجرأ على ثقب عيون احد حكامنا في صورة له وكتب مثل هذه العبارات ووقف أمام قصر الحاكم كما هو حاصل الآن على بعد خطوات من غرفة الرئيس الامريكى !! في أثناء تقدم الوفد إلى خارج الحديقة لاحظنا تجمعا من على البعد يتوسطه شخص يخطب في الجمع وعند اقترابنا منه وجدنا لوحة بارزة كتبت عليها اسم " دار فور " محاطة بمجموعة من صور القتلى من النساء والأطفال والشيوخ الذين قتلوا بواسطة قذف طائرات الحكومة لقرى دار فور وضحايا مليشيا الجنجويد ، وكانت مفاجأة للوفد أن نجد شخصا أمريكيا يتبنى القضية ويدافع عنها بهذه الضراوة دون تنسيق مع اى جهة ذات صلة ، وكانت مفاجأة بالنسبة للشخص أيضا وجود وفد من الحركة المسلحة التي قادت النضال ضد تلك الفظاعات وعلى رأس الوفد قائد الحركة ، فقد قام رئيس الحركة بمصافحته بحرارة وعرف عن نفسه ومن ثم قام بمصافحة كل أعضاء الوفد وتم اخذ الصور التذكارية معه وطلبنا منه عنوانه وهاتفه للاتصال به لاحقا لتزويده بما يحتاجه من مواد دعائية . ولكن المفاجأة كانت انه لا يملك لا عنوان ولا رقم هاتف ولا منزل حيث قام ببيع كل ما يملك من اجل الدفاع عن قضية دار فور ، وفى سبيل هذا الهدف فقد سافر راجلاً من نيويورك إلى واشنطن وهو الآن قابع في هذا الميدان منذ حوالي 70 يوم . ونواصل فى الحلقة القادمة ان شاء الله