|
حول وصايا عبدالخالق لأبنائه ...وملابسات إنتخاب م . إ . نقد سكرتيراً عاماً !
|
حول وصايا عبدالخالق لأبنائه... وعن إنتخاب نقد للسكرتارية! هذه إضافات فى مجرى البحث عن حقيقة ما أشيع عن وصايا تركها الشهيد عبد الخالق لأبنائه ، وفى حيز آخر أسعى لإجلاء بعض ماأثير حول إنتخاب الأستاذ محمد إبراهيم نقد فى أعقاب إنقلاب 19 يوليو 1971 . أورد الأخ محمد أحمد إبراهيم (فى هذا الموقع) وفى سياق تعليقه على موضوع عمر عبدالخالق محجوب بن الشهيد عبدالخالق ، والسيدة نعمات أحمد مالك إفادة بأنه إضطلع على الوصية الأخيرة التى أرسلها الأستاذ عبدالخالق محجوب إلى أبنائه . يوصيهم فيها بالحرص على إتمام تعليمهم فى السودان . وذكر الأخ محمد أ . إبراهيم أنه إضطلع على تلك الوثيقة المكونة حسب قوله من ثلاث صفحات فى طيات أرشيف الحزب الشيوعى السودانى . وبالطبع أنا لست بصدد مغالطته فيما ذكر، والعهدة على الراوى . ولا أشك فى أن كلانا مهتم ، على قدم المساواة بالتدقيق فى وقائع التاريخ وصونها باستقامة ، فى سياقها المعلوم بدون حذف أو إضافة . وفى حقيقة الأمر ، أنا ممتن للأخ محمد أ . إبراهيم ، فالملاحظة التى أوردها عرضاً ، أتاحت لى فرصة النفاذ إلى قضايا جانبية ظلت تؤرقنى . ولا أضيف جديداً ، بتكرار القول بأن بعض من المحققين والرواة من مختلف السحن الفكرية والسياسية - لا يأبهون بتدوين وقائع التاريخ بالإستقامة والدقة المطلوبة . The integrity of historical facts وقد أصاب إبن خلدون كبد الحقيقة عندما نبه قبل بضعة قرون إلى ماتلحقه هذه الفئة من ضرر بحقائق التاريخ . وحذر فى مستهل "المقدمة" بأن "أن آفة التاريخ هم الرواة" . وتاريخنا فى العديد من مراحله لم يسلم من مثل هذا التشويش ، بسبب تداخل عوامل عديدة فى مجتمع يستأنس إلى التداول الشفاهى للحائق . وهذا هو مكمن الخطر على صون وقائع التاريخ بموضوعية . ولا شك فى أن هذا الواقع يعكر صفاءنا كمثقفين سودانيين ، على إختلاف مواقعنا الفكرية ومجالات عملنا . وربما يسمح الظرف بتناول هذا الموضوع على نطاق أوسع فى سياق آخر. وقبل أن أتطرق إلى نماذج مما إستوجب كتابة هذا الموضوع ، أود أن أحدد بأن هدفى هو الإنطلاق من نماذج بعينها لإثارة الإهتمام حول المعضلة المركزية المتعلقة بتدوين تاريخنا المعاصر على وجه التحديد . والمقدمة أعلاه لا تنسحب على تعليقات الأخ محمد أ. إبراهيم وآخرين تعين ذكر أسمائهم . من قريب أو بعيد . وليت هذا الإستدراك يكف عنى مرارة الإعتذارعن تعدى غير مقصود فى هذا المقال إجمالاً . وأعود لما أورده الأخ محمد أ . إبراهيم بشأن وصية الشهيد عبد الخالق ، والروايات المتداولة حولها . ومع محبتى وموالاتى له أستميحه لتقديم هذه الملاحظات فى أمر وصية الشهيد عبدالخالق . فقد تحادثت مراراً مع السيدة نعمات أحمد مالك – زوجة الشهيد – للتأكد من وجود وصية بهذا المعنى . وأكدت فى أكثر من مناسبة بأنه لم يصلها شفاهة أوكتابة شىء فى هذا الخصوص . غير أنها سمعت عن وصايا أودعها الشهيد لدى المقدم (آنذاك) منير حمد ، أحد أعضاء هيئة المحكمة الجائرة التى قضت باعدامه . وقيل لها بأن الشهيد أودعه "دبلة" ، وطلب منه تسليمها لإسرته . غير أن تلك الوديعة لم تصل إليها أو إلى رفاقه فى الحزب الشيوعى السودانى . إذا صح القول بأنها قد سلمت فعلاً للمقدم (آنذاك) منير حمد . وهو لا زال على قيد الحياة ، ويمكن الإتصال به لثبر أغوار الحقيقة . أما الوصية التى تأكد بأن الشهيد عبدالخالق قد كتبها فى فترة إختفائه بعد 22 يوليو 1971 ، فقد أودعها لدى صفيه وقريبه الراحل طه الكد . وقد كان هذا الرجل ، الأديب شهماً وكريماً . فقد سعى فى كل أقطار مدينة أمدرمان لتأمين حياة الشهيد عبد الخالق ، الذى طلب منه تأمين إقامته لبضعة أيام حتى يتمكن من ترتيب أموره ووصيته لشقيقه على ولأسرته ورفاقه . وحسب علمى أن الراحل طه الكد قام بتسيلم تلك الوصايا إلى قيادة الحزب الشيوعى . ولا أعتقد بأنها حوت شيئاً عن تعليم أبنائه أو أى شىء يمت إلى أسرته . وفى هذا السياق أيضاً ، هنالك شهادة قمت بتسجيلها خلال مقابلة وحوار مع اللواء (م) عثمان عوض الله الذى عمل فى سجن كوبر ، وشارك بحكم مهنته فى ترتيب أمر الإعدامات التى صدرت بحق الشهيد عبدالخالق ورفاقه . وقد تفصيل فى مجرى حوارى معه ، بسرد معلومات ، ذات فائدة . ولإعتبارات تتعلق بتفاصبلها الدقيقة وجدواها لعملى ، لم أقدم على نشرها . ولم أر مايستوجب نشر الجزء الذى تطرق فيه إلى وصية الشهيد عبدالخالق لأبنائه . ذكر اللواء (م) ، عثمان - النقيب (فى يوليو1971) أنه كان من ضمن مجموعة ضباط وجنود سجن كوبرالتى إقتادت الأستاذ عبد الخالق إلى المشنقة ، وأشرفت على مراحل تنفيذ حكم الإعدام . وأثبت فى ماروى ، كل ما تردد على لسان شهود يعتد بهم ، بأن الشهيد كان يهتف بحياة السودان والطبقة العاملة والحزب الشيوعى ، وقد أفاد بأن بعض السجناء آنذاك تسلقوا الحيطان ، وشاهدوا عبدالخالق وحيوه وهو يخطو حثيثاً إلى المشنقة . واللواء عثمان أضاف بأن عبد الخالق كان هادئاً ومتيقناً ، وبأنه قبل توجهه إلى المشنقة طلب منه ورقة وقلم . كتب فيها وصيته الأخيرة . وذكر بأنه إضطلع على جزء مما كتبه عبدالخالق وفيه "أوصى أبنائه بالإهتمام بالتعرف على تاريخ السودان ، والحرص على مواصلة تعليمهم داخل السودان " . وفى سؤالى له : هل طلب منك تسليم تلك الوصية إلى أبنائه . فأجاب بالنفى . والسيدة نعمات مالك لم تتعرف على اللواء عثمان عوض الله . ولم تسمع عن روايته . وهو من سكان مدينة أمدرمان . وخلال عمله تعرف على عدد من الشيوعيين المرموقين . كان بأمكانه تسليمهم تلك الوصية إذا صحت روايته . وفى نظرى أن ما رواه اللواء عثمان عوض الله لا يعدو أن يكون طرفاً مما شاهد وسمع ، مضافاً إلى مايردده عامة الناس عما حدث خلال ذلك المشهد المهيب . وأرجح بأن روايته تخللتها بعض الثقوب ، ربما بفعل السنين ما بين 1971 و سنة 2001 . وربما يكون قد سعى إلى إبداء شىء من التعاطف مع سيرة الشهيد عبدالخالق على وجه التحديد . وهو رجل تهتز الوجدان كلما يرد إسمه . ولا أرى بأساً من إبداء مثل تلك المشاعر . وهى محمدة نشكره عليها . وما بقى من المسئولية يقع على عاتقى . وثمة مسألة أخرى ، لا علاقة لها بأمر وصايا الشهيد عبدالخالق . فقد إضطلعت على سؤال تقدم به الأستاذ أمجد إبراهيم سليمان يوم 5 سبتمبر 2003 إلى أحد المسئولين عن (جزء) من إرشيف الحزب الشيوعى السودانى المحفوظ فى قسم دراسات الشرق الأوسط – جامعة أمستردام . سأل الأخ أمجد عن حقيقة ما يتداوله الناس بأن الأستاذ محمد إبراهيم نقد قد تولى منصب السكرتير العام بعد إستشهاد عبد الخالق ، من خلال عملية إنتخاب حقيقية ؟ ونفى ذلك الشخص علمه بتفاصيل ما حدث فى ذلك الصدد . وبالطبع ، ليس الغرض هنا الإحتجاج على سعى الأستاذ أمجد للحصول على معلومات تتعلق بأمر إنتخاب نقد . وقد أوردت هذه الواقعة للتدليل على مدى الإهتمام من منطلقات عديدة بمسألة لا يقتصر حق ملكيتها على فئة بعينها . ولا يمت ذلك إلى الموضوع الذى أتطرق إليه فى الأجزاء التالية. فقد تناول الأستاذ بشرى الصائم مصطفى فى مقال جيد ودقيق ، فى تفاصيله وفى عمومياته طرفاً من مآثرالشهيد خضر نصر . وهو من دون شك مناضل جدير بالمحبة والإعزاز والوفاء . وقد أسعدنى الظرف بالتعرف عليه خلال طواف له شمل ألمانيا الديمقراطية فى الستينات الماضية . وما يهم فى هذا الصدد أن الأستاذ الصائم ذكر بأن الأعضاء الذين بقوا على قيد الحياة فى يوليو 1971، ومن بينهم الشهيد خضر نصر ، عقدوا إجتماعاً جرى فيه ترشيح كل من قاسم أمين ومحمد إبراهيم نقد لتولى منصب السكرتير العام . وحسب مارواه الأخ الصائم من مصدره ، أن محمد إبراهيم نقد فاز بفارق صوت واحد فقط على القائد العمالى قاسم أمين . ودون تطاول على الأخ العزيز ، أعلم علم اليقين بأن تلك المعلومات ، من الألف إلى الياء ، مجافية للحقيقة . وأكثر من ذلك ، أرى بأن ماذكره الأخ الصائم يقع فى مضمار التأويلات ، التى تفضى بنا إلى دائرة مفرغة على طريقة ماذا يكون ، لو لم يكن . ونحن فى غنى عن ذلك . ففى ضوء الأوضاع التى يعيشها الحزب الشيوعى منذ عام 1971 ، والتعقيدات التى طرأت على العمل السياسى عموماً ، والضجر الذى يتسرب إلى النفوس أحياناً ، ذهب البعض ممن لا يشك فى حسن نواياهم ، إلى القول بأن كل مسار الحزب الشيوعى ربما اتخذ منحىً آخر إذا قدر للمناضل قاسم أن يحصل على صوت واحد إضافى فى يوليو 1971 ، يتولى بموجبه مسئولية السكرتير العام . وبذلك يصعد ذوى الإصول العمالية إلى تولى المسئولية الرئيسية فى قيادة حزب الطبقة العاملة . ومع وافر الإحترام ، هذا المنطق أقرب إلى العبث . فقبل كل شىء – كما يقول ماركس - ان التاريخ لا يكتب بأثر رجعى ، أى من نقطة النهاية . وإذا كان الأمر كذلك ، إذن لأصبح صنع التاريخ أمراً هيناً . والزج فى الظروف الراهنة بصراع وهمى بين المنحدرين من إصول عمالية وأولئك المنحدرين من إصول غير عمالية (برجوازية وبرجوازية صغيرة) أطل برأسه فى مناسبات تاريخية . فعندما انتخب عبدالخالق فى مؤتمر الحزب الثانى سكرتيراً عاما ، تعالت بعض الأصوات مع تصاعد إختلاف الآراء مطالبة باسناد المنصب إلى ذوى الإصول العمالية . وكان المناضل قاسم أمين ممن ورد ذكرهم . والمسألة فى حينها لم تخرج عن نطاق الحكمة القائلة "كلمة حق أريد بها باطل" . وها نحن اليوم نشهد ما يقارب الإجماع بين السودانيين وغيرهم ، على كفاءة وحنكة وإخلاص عبدالخالق محجوب ووفائه لمصالح الطبقات الفقيرة فى بلادنا . فإذا أنجز عبدالخالق محجوب ما أنجز - علماً بأنه من أصل غير عمالى – فماذا يمنع محمد إبراهيم نقد من إنجاز مماثل . فقد تولى قيادة الحزب الشيوعى فى منعرجات أشد وعورة وحسماً مقارنة بما واجهه الشهيد عبدالخالق محجوب . ودون أن ننزلق إلى مقاربة غير منطقية وغير محببة ، وغير مجدية أساساً . نتطرق إلى هذا السؤال : ماذا كان بمقدور المناضل العمالى الفذ قاسم أمين بكل عظمته وحنكته أن ينجز ، ما لا يستطيع نقد ، إنجازه . وعوداً على حقيقة ما حدث عند إنتخاب السكرتير العام فى سبتمبر 1971 . لقد إنعقد إجتماع حضره تسعة من أعضاء اللجنة المركزية . لم يكن من بينهم إبراهيم الراحل إبراهيم زكريا ، أو الأستاذة فاطمة إحمد إبراهيم (لقضاء العدة) . وحضر الإجتماع إلى جانب أعضاء ل .م . 13 من أعضاء المكاتب المركزية . لم يشاركوا فى عملية التصويت الفعلى . وجرى ترشيح الأستاذ نقد بطريقة إجرائية وسلسلة وتم إنتخابه (بدون منافس كما ذكر الأستاذ تيجانى الطيب) . ولم يرد من قريب أو من بعيد مجرد التفكير فى ترشيح شخص آخر إلى جانب نقد . ولم يحدث نقاش حول ترفيع أحد القياديين من إصول عمالية (قاسم مثلاً) بهدف الحفاظ على الطبيعة الطبقية النقية للحزب . علماً بأن المناضل قاسم – لم يكن أساساً عضواً فى اللجنة المركزية المنتخبة عام 1967 ، بسبب تواجده فى مهمة خاصة خارج السودان . وكل من يلم بأوضاع الحزب الشيوعى السودانى منذ إنقلاب مايو 1971 يعلم بأن الحزب بسبب إبعاد وسجن الشهيد عبد الخالق لفترات طويلة ، لجأ إلى طريقة للقيادة الجماعية . وبعد إستشهاد ثلاثة من أبرز قادته إتجهت الأنظار إلى الأستاذ نقد . ولم يكن إنتخابه سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعى السودانى أمراً مفاجئاً . وفى نظرى أن أقساماً من الشيوعيين إذا قدر لهم إرجاع عقارب الزمن إلى ذلك اليوم المشهود فى يوليو 1971 ، لن تتبدل موافقتهم وترحيبهم بما تم آنذاك .
مرة ثانية أكرر إحترامى لكل من ورد ذكره وآراءه فى سياق هذا الموضوع .
|
|
|
|
|
|
|
|
|