|
دكتور عبدالله على ابراهيم..... جنون كتشنر
|
احضر الصديق العزيز ياسر زمراوى هذا المقال فى يوليو سنة 2001 فى سودان نت هذه مناسبة ان نسأل اين ذهب هذا الرجل الجميل... اينما كنت يا صديقى لك منى كل الحب والود...
دائما يعجبنى عبدالله على ابراهيم وموسوعيته وثقافته الاصيلة.. دائما انظر اليك بأعجاب..يا فخر مدينتى.... د· عبد الله علي ابراهيم
ذكرى كرري: جنون كتشنر
اعود إلى نشر هذه الكلمة القديمة في مناسبة الاحتفال بذكرى موقعة كرري التي جرى الاحتفال بها خلال الأيام القليلة الماضية·
اشتهرت بيننا قصيدة >الفزي وزي< أي الهدندوة أو البجة للشاعر الانجليزي رايدرد كبلينغ التي كتبها عن وقفتهم المهدوية الباسلة في شرق السودان ضد جحافل انجليزية وكسروا فيها المربع الانجليزي الدفاعي الحصين· وأدين، مثل كل أبناء جيلي من محبي الاطلاع، بفضل تعريفنا بتلك القصيدة إلى المرحوم الشاعر صلاح أحمد ابراهيم حين ذكرها عرضا في قصيدة له عن الهدندوة كان نشرها في (غابة الابنوس) أو (غضبة الهبباي) من دواوينه لا أدري· رحم الله صلاحاً، كان البون بين اطلاعه واطلاع جيله شاسعاً حتى لقى ربه·
لم أكن اعرف أن لكبلينغ قصيدة أخرى عن السودان حتى وقفت اخيراً جدا على قصيدته المعنونة >مدرسة كتشنر< التي كتبها عام 1898 م واستغربت: لماذا ذاعت >الفزي وزي< وباخت >مدرسة كتشنر<؟ ولربما وجدنا شيئا من الاجابة في عادتنا الثقافية في الاحتفال برموز المقاومة والتصدي واهمال ما يشيء بخيبتنا أو فشلنا واصل العادة في الفكرة الوطنية ووريثاتها، هي عادة ربتنا على عدم الصبر على التأمل والمراجعة والميل إلى نسبة الهزيمة إلى غير ادائنا، ولوم كل شيء آخر عدا انفسنا و (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)·
قال كبلينغ أن قصيدة >مدرسة كتشنر< هي ترجمة في الانجليزية الاغنية كان صاغها مدرس >محمدي، أي مسلم< من المشاة البنغال (من اقليم البنغال بالهند المستعمرة الذي هو بنغلاديش حالياً) ممن كان بالخدمة العسكرية بمدينة سواكن، وقد كتب المدرس المحمدي الاغنية من فرط تأثره حين بلغه ان كتشنر بعد فتحه السودان في 1898 ، قد سأل الانجليز التبرع لبناء مدرسة للاحباش أي السودانيين· وسيجد قارىء القصيدة انها بذرة صالحة لقصيدة كبلينغ المسماة عبء الرجل الابيض التي كتبها عام 1899 واصبحت بمثابة المبرر الاخلاقي والثقافي للفكرة الاستعمارية في اوائل هذا القرن وهي قصيدة طبقت شهرتها الأفاق·
وقال كبلينغ عن المدرس المحمدي يخاطب السودانيين الذين هزمهم كتشنر في معركة كرري 1898 ثم ذهب يطلب لهم العلم من انجلترا·
أيها الحبشي احمل حذاءك على يديك و >دلدل< رأسك على صدرك فهذه عظمة كتشنر الذي لم يشتت جمعك مازحا، فبوسعه الآن تحقيق (الخير لك) الذي انتظرته سنينا عددا، وأن يبلغ من هذا الامر غايته فوق جثث امرائك·
وصف الشاعر البنغالي المسلم كتشنر بالجنون، وقد قضت حكمة جنونه أن يستعين بجيش جديد من المعلمين والمعارف لأخذ السودانيين في مدارج الحكمة والرشد·
سوف لن تتعلم نبل اسمه من فوهة بنادقه ذات الشفاه النظيفة لكنك ستلهج باسمه حرفا حرفا من الكاف إلى الكاف بفضل ما ستتلوه شفاه رجال له معلمين·
ووصف الشاعر البنغالي الانجليز بالجنون، فقد خلقهم الله على ذلك بل هم اجن خلق الله قاطبة، فهاهم يستجيبون بسخاء مركوز فيهم للدعوة لتعليم من حقنوا دمه في كرري بعد هزيمة نكراء··
وجن الانجليز تليد ولهم جن طريف·· قال الشاعر:
فهم يطلعون الناس على السحر الذي يمكن لهم في الارض، وهو أصل ثروتهم، لا يطلبون جزاء ولا شكورا، وعليه ايها الحبشي طالما كنت عبد فضلهم، فاسرع وتعلم،
والحق ايضاً ان كتشنر مجنون·· وواصل الشاعر قائلاً:
فإذا رغب الذي قصم ظهرك في تعليمك
فلا تتثاقل، وهب سريعا إلى مدرسته
أمض، أيها الحبشي واحمل حذاءك على يديك،
و >دلدل< رأسك على صدرك
فالذي لم تأذن له اريحتيه بقتلك، لن يمزح وهو يعلمك ويثقفك، واصبحت اكثر معاني قصيدة (مدرسة كتشنر 1898) مجازات مركزية في قصيدة كبلينغ (عبء الرجل الابيض 1899) ففي القصيدة اللاحقة يدعو كبلينغ الرجل الابيض أن ينفي ابناءه في الآفاق ليخدموا حاجيات اسراهم ممن اثخنوهم في الحرب·
واشتق كبلينغ من معنى الحرب التي تنتهي إلى خير المهزوم ـ أي إلى نصره في آخر الامر ـ مجازه المشهور الذي دعا فيه الرجل الابيض إلى >خوض حروبه< الوحشية من أجل السلام·
alsahafi aldawli newspaper thurthday issue back page 9-6-01
|
|
|
|
|
|