نهار يوم الوقوف بعرفة لم أجد ما افعله لاول مرة منذ ان وعيت على الدنيا، لم يكن على انجاز شىء يخص البيت ولا قمت بمتابعة " الشربوت"، ولا تجهيز "الشطة" والمخلل. لم أقم بتغيير الستائر ولم أضع حلواي بغرفة أمى الكبيرة ولم اجهز الفوط والملايات للتعريشة. بل الأهم لم اجهز بلحا وموزا وبسكويت مفرمة او منين لزيارة المقابر.
لم أفعل اى شى سوى اعادة تنظيم غرفتنا الوحيدة التى استأجرناها بولاية أكثر أمانا وقربا للخرطوم. لايوجد الكثير لافعله. فى غرفتنا الوحيدة تقبع ثلاجة صغيرة لم تنجو من محاولاتى لنظافتها. بحثت عن انشغال ما يجعلنى بمناخ العيد. للأسف باءت كل محاولاتى بالفشل. افطرت فقد كنت صائمة بصحن سلطة بالجبنة ليس لدينا مطبخ فتبدو السلطة كوجبة اكثر "بيتية" قياسا بالسندوتشات. تصفحت عشرات التهانى المختلطة بحزن نخجل من الافصاح عنه " فالدنيا عيد" نمت باكرا.
لاصحو الان عند انقطاع الكهرباء حوالى الثانية فجرا. افقد شهية متابعة الاخبار فاعلان التعبئة العامة كان عيدية تشبه قسوة المجرمين. أنصت لاصوات بعيدة مختلفة. صوت شخير بالغرفة الملتصقة. شخير غير منتظم لشيخ كبير أخرجته وأسرة ابنه الحرب. لم يتمكنوا من الحصول على فيزا دخول لمصر فقفلوا راجعين . شخير عال ومتنوع. يبدو واضحا انه لا يجد راحة بالتنفس كحالنا جميعا يجثم على صدورنا حجر ثقيل. عشرات الأعياد تحلق أمام نومه بخرافها بعافيته بصوته الزاعق مع الضباح ومناوشات الاحفاد..ومرحب بالضيف.
يأتينى كذلك صوت عربات تمخر الشارع الرئيسى السفرى عجلى محملة بالهاربين والهاربات من شوارع الموت بالخرطوم. يمتطيها بالغالب شباب عاندوا الاهل بالخروج فأخرجتهم توسلات الامهات الباكية. يسافرون وهم يعدون بعضهم انها سفرية قصيرة للعيد وسنعود. وبداخلهم شك كبير بهذا. تسابق عجلات الباصات اذان العيد تنوء بحمل بيوت بكاملها. أحزان ثقيلة. يدنو صوتها منى فكأنى أسمع نشيجها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة