الإنسان ما بيرفض الإرادة، يرفض الشر، اللي هو، في الحقيقة، طرف من الإرادة، مش كل الإرادة.. ما كل الإرادة شر.. طرف من الإرادة خير؛ وطرف منها شر.. وما دخل الخير، في الوجود، إلا بإرادة؛ ما دخل الشر، في الوجود، إلا بإرادة.. الشر ماهو أصل؛ وإنما هو فرع، سببُه جهلنا.. عندما نخالف أمر الله – نتورط في المخالفة – نلقى الشر ليكون عقوبة لِنا، لتعلمنا لنرجع إلى أن نلزم جانب الله.. ولذلك، الإنسان إذا لزم جانب الله، لزومًا تامًا، لا يرى الشر، إطلاقًا.. فالشر عقوبة على المخالفة.. الشر وسيلة لتعليمنا.. كأنُّ نحن، في المرحلة دي، نحن عندنا اختيار، دي الشريعة.. الشريعة بتقوم على أننا نحن عندنا إرادة، وعندنا اختيار، «لمن شاء منكم أن يستقيم».. وإذن، وجب علينا أن نسيّر إرادتنا دي في سبيل ما يرضي الله.. سبيل ما يرضي الله، مظهرُه، في البداية، الشريعة.. فإذا خالفنا، في المستوى دا، وسرنا بخلاف ما يرضي الله – سرنا في جانب الحرام، مثلًا، من الشريعة – نجد العقوبة في الدنيا، وفي الآخرة.. وقد نجدها معجّلة.. لكن إيمانّا، برضو، إذا ما وجدناها معجّلة، يورّينا أننا نجدها مؤجّلة، مؤكد، اللي هي مسألة النار.. فالعقوبة، إذن، حتى في النار، المقصود منها أن نجد جزاء ما عملنا من جهل، لنتعلم بأن نذوق وبال أمرنا – نذوق خطأ تجربتنا.. تكون العقوبة عقاب لترسّخ فينا أنُّ المخالفة ألمها يوجب علينا أن نسير مع الموافقة، مش المخالفة – أن نسير مع جانب الشريعة اللي يأمرنا، مش جانب الشريعة اللي ينهانا.. بالصورة دي يبقى الإنسان مطلوب منُّه أن يغيّر الواقع.. يغيّر للخير.. قاعدتُّه فيهُ: أنك إنت ما ممكن يكون عندك اللذة والألم متساويين؛ ما ممكن يكون عندك المر، والحلو متساويين.. لا يمكن أن يكون عندك الألم واللذة متساويين.. وما دام إنت عندك القانون دا، يبقى سيرك في أن تغيّر في معاملة الأشياء، ومعاملة الأحياء، هي أن تترك الأشياء أحسن من ما وجدت في جانب المنفعة؛ وفي جانب الخير؛ وفي جانب اللذة؛ وفي جانب العلم.. فنحن، إذن، عندما نغيّر الأشياء، نحن سايرين مع إرادة الله في طرف الخير منها.. لأننا نحن نحب لأنفسنا الخير، وإذن، يجب أن نوسّع الخير في الوجود، وأن نعامل الناس بالخير.. والتغيير دا هو، في الحقيقة، اللي بيجريهُ الله في الوجود عن طريقنا نحن.. ودا معنى أننا نحن خلفاء.. ربنا خلق بالعناصر، وخلق بالإنسان.. خلقة ربنا عن طريق الإنسان، أحسن من خلقتُه عن طريق العناصر.. لأنُّ الإنسان، ربنا ركّب فيهُ مسألة اللذة والألم، اللي نحن من قبيلك بنقولها.. باللذة اتصفّى الأمر من الشر إلى الخير.. بحاسة اللذة، فينا نحن، يخرج الشر من الإرادة، ويبقى الخير هو الأصل.. لغاية ما نسير في المراقي، اللي قلنا فيها، من النفس الأمارة لغاية النفس المرضية.. عندما نصل نحن لمرتبة النفس المرضية، الخير يكون هو الأصل، والشر ينتهي، أو يكاد.. ومعنى النفس المرضية، أننا نحن نجاهد في أن نسير خلف الله، حتى نرضيهُ، فيرضينا، «رضي الله عنهم ورضوا عنه».. نسير في مجاهدة أن نكون راضين بهُ حتى يرضانا، فيرضينا، «إن سلمت لما أريد [قال]، كفيتك ما تريد».. هنا، موضوعنا دا هو البيحتاج للعلم، والعلم الدقيق، باستمرار.. كأنك إنت كلما كنت في مرحلة من اللذة، لذتك دي ناقصة.. في لذة أعلى منها، تدركها بالعلم.. العلم الدقيق، اللي يصفّي ما في إدراكك للأشياء، من تشويش؛ من جهل؛ من خلط؛ من «شِرك».. دي بنسميها، من شرك.. والشرك، هنا، معناهُ أن يكون حوافز فعلك فيها مشاركة لله بعوامل تانية: حظ نفسك؛ أو سمعتك؛ أو كلام الناس البيقولوهُ، الاعتبارات دي.. فتمشي، باستمرار، إذن، في تنقية العلم، والعمل وفق العلم.. وكلما كان علمك دقيق، كلما كان تطبيقك للعمل مجوَّد، أكتر.. وفي قمة عملك، حياتك.. كلما كان علمك جيد وواسع، كلما كانت حياتك واسعة وعريضة؛ لأنك كلما علمت، كلما اتحررت من الخوف، اللي هو ما ينقص حياتنا.. كلما علمت ما يكون في المستقبل – كلما علمت المراد من الفعل البيقع عليك – كلما نفسك بقت أرضى وأكثر طمأنينة، والخوف بعد منك.. فالجانب دا، إذن، نحن بنعمل فيهُ بإتقان.. دي الناحية النحن قبيلك عايزنها تكون موكدة، أنُّ: التزامنا لجانب مرضاة الله ماها منسجمة مع القول بأننا نحن منسجمين مع إرادة الله.. نحن بنتجافى عن جانب الشر في إرادة الله، لنلزم جانب الخير في إرادة الله.. دا مقاسُه أنك تعلم الخير؛ وأن تعمل الخير، بإتقان.. بعدين، علمك دا لأنُّه ناقص قد يدركك الشر، في الفعل.. لأنُّ، أصلو، تنفيذك لأي عمل تقوم بهُ للناس أو لنفسك، عبادة أو معاملة، تنفيذك دا بيجد ضبطُه قدر علمك.. إنت مهما تعلم، في جهل في علمك.. فإذن، نعمل الواجب المباشر، بإتقان، ثم يدركنا الفشل في النتيجة، اللي بترضي أنفسنا.. النتيجية البتجيء وما ترضي أنفسنا، هي في الحقيقة، في جانب مرضاة الله.. لأنُّه عندُه حكمة فيها.. فنحن لنحقق مرضاة الله دي، نرضى بالنتيجة..
من سلسلة جلسات سلوكية للجمهوريين بمدينة أمدرمان، تحت عنوان «تعلموا كيف تتعلمون» 11 – 18 مايو 1972
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة