إذا كان الإنسان مختار حاجة، إما بيعملها بإرادة الله؛ أو بيعملها مراغمة عن الله.. إن بقى بيعملها بإرادة الله، أصبح، في الحقيقة، محاط بهُ؛ وإن بقى بيعملها مراغمة عن الله [تعالى الله عن ذلك]، يبقى في شريك.. ولذلك، «التوحيد» الصوفيه عندهن، قولًا واحد، أنُّ الإنسان ما عندُه، ولا النفس الطالع ولا النازل، ما عندُه فيهُ اختيار.. بعدين، التمسوا المسألة دي في أنُّ العقوبة قائمة، لكن الحكمة في العقوبة هي وضعك في المحك العملي، لتصحح وهمك.. يعني، مثلًا، لمًا نحن ربنا يرمينا في النار [خذ العبارة بالصورة دي]، نحن عندنا فكرة أننا عندنا إرادة؛ كأنُّه بيقول: طيب، إذا إنتُ عندكن إرادة، وبتدبروا أموركن، أهو دبروا أموركن، في دي!! فلمًا يظهر لِنا عجزنا البنلقاهُ من القوة الضدّنا في النار، نشعر شعور يقيني أنُّ نحن ما عندنا إرادة.. في الوكت داك، نتخلص من الوهم، ونطلع من النار نمشي الجنة.. فكأنُّ العقوبة فرصة للممارسة، لنعلم – لنضع تجربة لوهمنا دا، هل هو حق ولّا هو باطل.. فبقى، المسألة فيها هي، أننا نحن في حالة جهل بنتعلم.. والتعليم الحقيقي لازم نقرن النظري بالعملي، ودا عند الصوفية سموهُ «ذوق».. إنت، قبيلك، قلت أنُّ الإنسان بدون ممارسة العبادة ما بيستيقن التسيير، أو بتسأل في الناحية دي، ودا عند الصوفية حق.. أنُّه لا يمكن إنت بالدراسة النظرية أن تفهم اليقين في الدين.. لا بد أن تمارس العبادة، ودا سموهُ «تعمل بما تعلم» – تطبق النظري.. لمًا تطبق النظري، علمك بيسموهُ «علم ذوق».. وهم يضربوا مثل، يقولوا لِك، مثلًا، إنسان يخت لِك العسل قدامك، في التربيزة دي، تستطيع أن تصفُه بما شئت من البلاغة، ومن الدقة.. لكن، إذا ما ختيت أصبعك في العسل وختيتُه في لسانك، لا تبلغ أن تقول عنُه كل العبارات السابقة؛ قد تصف شكلُه، وقد تصف الصفات بتاعه، كأنُّه، يعني، تقيل أو بيتصور بالصورة دي – تصفُه ما شئت، وريحتُه، وكل شيء، إذا بتنتهي لِك ريحتُه، دي – لكن الذوق دا، في لسانك، هو الفيصل في موضوع الحق البتعرفُه.. يعني بيتوج معرفتك.. فعندهن، كل معرفة ما يكون فيها ذوق، اللي هي الممارسة بالعمل بالصورة دي، ما بتوصل ليقين.. ولذلك، أي إنسان يدرس دراسة نظرية التوحيد، لا يستيقن حقائق الدين.. وأهم حقائق الدين، «التسيير».. نحن بنتعلم من جهل.. والتعليم دا، الأساس فيهُ أن يكون ممارسة نظرية، وعمليًا مطبقة.. بعدين، يجيء السؤال: هل نحن مسيّرين ولّا مخيّرين؟؟ الحقيقة هي أننا: «نحن مسيّرين في ما نجهل؛ مخيّرين في ما نعلم».. طيب، نحن عندنا، زيما قلنا، فكرة أننا عندنا إرادة.. إرادتنا دي عندها حدود.. يعني، مثلًا، إنت عندك حركات تلقائية بتعملها – بتحرك إيدك؛ تحرك رجلك؛ بتقوم؛ بتجلس – لكن، رمش عينك؛ ضربات قلبك؛ حركات رئتك، ما عندك، بتسيطر عليها قوة أخرى.. كأنُّ ربنا، في المدى النحن بنمارس فيهُ المعرفة، أدّانا حرية.. إذا كان استمرينا في المعرفة دي، لحد كبير، كنا عارفين، نكون مختارين.. نحن مسيّرين كأنُّ في ما نجهل؛ مخيّرين في ما نعلم.. ويقولوا أنُّه، زي حكايتك إنت [يضربوا المثل، بالصورة دي]، حكايتك بتعلم وِليدك الصغيّر.. الوِليد دا، الحاجات البيقدر يعملها، بتدّيهُ فيها فرصة ليمارسها.. مثلًا، هو صغيّر بيقيف قدامك كدا، بتخليهُ يقع ويقوم، ما دام الوقعة ما بتضرُّه.. لكن، لو جنبُه نار، إنت بتبعدُه من المحلة دي؛ ولو ماشي على النار، بتصادر حريتُه في ما يريدُه من مشي للنار.. لأنُّ بتعرف أنُّ دي بتضرُّه.. لكن، لو كان المحل آمن كدا، بتخليهُ يقع ويقوم، لأنُّه بيقوى بالصورة دي.. فكأنُّ، نحن ربنا بصورة مصادرة حريتنا، بيعلمنا.. وكلما علمنا، كلما مدَّ لِنا في الحرية.. فهم يقولوا أنُّ لو ولدك معك في الدكان، مثلًا [وولدك خليفتك، زيما نحن خلفاء الله]، خليفتك دا، إنت قاعد في دكانك وهو بيبيع [إنت قاعد في كرسيك، شفت زبون جاء على الولد دا، بيقوم يبيع لِهُ – يدّيهُ الصنف، وياخد مِنُّه السعر، يختُه في المحل الفلاني – ويتكلم مع الزبون، بالصورة الإنت عايزها]؛ إذا كان في خطأ، بتكلمُه بأنُّه يصحح الخطأ دا؛ وبتراعيهُ، بالصورة دي.. في حدود معينة ما بتدّيهُ فيها حرية ليتصرف في مالك، لأنُّه لسع ما قوي عليها.. لكن، كلما زاد في خبرتُه وفي ممارستُه، ورضيت إنت عن تصرفُه، بتدِّيهُ حرية، لغاية ما يبلغ الحد أنك تسلِّمُه مفتاح الدكان وتمشي، مثلًا، في إجازة.. نحن خلفاء للأرض، بالصورة دي، ربنا عايز يعلمنا.. التعليم دا فيهُ المشاكل البتصيبنا.. كلما أخطأنا، تحصل لِنا مصادرة لحريتنا بالمرض؛ بالفقر؛ بالبتاع، اللي هي صورة من صور النار.. فإذن العقوبة، عندهن – الحكمة، البتقع في العقوبة، هي زي فرصة لنمارس نحن العمل، لندفع تمن حريتنا – ختيت إنت إيدك في النار [إنت كبير عندك الفرصة لتخت إيدك في النار]، النار حرقتك، عرفت حاجة – دفعت تمن في أنها حرقتك؛ بكرة بتكون أحسن.. أها دي نوع من العقوبة.. النار كونها تحرقك لما إنت تخت إيدك فيها، دي عقوبة.. لكن، العقوبة دي ضرورية لتكون إنت أحسن بكرة، مش راح تخت إيدك في النار.. بالصور دي نحن ماشين نتعلم.. نهاية العلم أن نعرف أننا نحن ما عندنا إرادة.. الحكاية، اللي هي حقيقية، أنُّ الإرادة لله وحدُه؛ وأنُّ نخن ما عندنا إرادة.. نهاية علمنا أن نعرف أنُّ الإرادة لِهُ هو، وأنُّ إرادتُه حكيمة وخيّرة، خير مطلق.. وفي الحالة دي، نحن نسلم إرادتنا لإرادتُه.. يعني، نمشي وراءهُ، بدل نتقدمُه.. ومن هنا تجيء سعادتنا وحياتنا..
من أول ندوة مفتوحة موثقة بالتسجيل الصوتي بأمدرمان في سبعينات القرن العشرين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة