هناك جانبان يحكمان أي رأي إنساني أو ما يمكن أن أسميه حكماً، فنحن نحكم على كل شيء لكي نتخذ تجاهه موقفاً، وهذا الحكم إما أن يتأسس على عاطفة، أو على عقل. أما العاطفة فهي أزمة الشعب السوداني، الذي يحكم دوماً بعاطفته. ثم يسقط في الخذلان والخيبات. وهذا حال أغلب الشعوب. وإما أن يكون الحكم عقلانياً، غير أننا لو أعملنا العقلانية المحضة، لما قبل أي إنسان إلا بترشيح نفسه، وهكذا رشح الناس أنفسهم أجمعين، وهكذا ينهار أساس القيادة في الدولة ويخيب أمر الشعوب بتناحرها وتنافرها، حين لا يقدم كل فرد فيها تنازلات قليلة ليستمتع بما تبقى له من حقوق وحريات. لذلك فأفضل الأحكام ما بني على الكثير من العقلانية والقليل من العاطفة، وهو ما يسمى بحكم الضمير المستنير، فالقاضي يحكم بضمير مستنير بناء على استدلالات منطقية عقلانية وبناء على حسه العام تجاه الدعوى، وهو حس ينمو بالخبرة باستمرار. ولذلك عندما نرشح دكتور عادل او ندعم تقلده منصب رئيس الوزراء فنحن نحكم بضمير مستنير، به الكثير من العقلانية والقليل من العاطفة ولكنه ليس خلواً من أي منهما، لذلك يقول الشاعر: ومن الرجال إذا استوت أحلامهم من يستشار إذا استشير فيطرقُ حتى يجول بكل وادٍ (قلبه) فيرى ويسمع ما يقول فينطقُ فالقلب هنا هو الشعور المنزه عن الأنانية والانحياز بما يجعل الحكم حكيماً رشيدا. لذلك نقول بأن دكتور عادل يتسم بصفات كثيرة تؤهله لشغل المنصب، كقبوله العام من كافة الأطياف السياسية. وخطابه المتزن باستمرار، وهو ما تعلمه من مهنة المحاماة، التي يجب أن يزن فيها المحامي كل كلمة قبل أن يقولها من عدة جوانب، مثل: هل يمكن أن تضعف هذه الكلمة من موقف موكله أم تدعمه وتقويه، ومثل: هل هذه الكلمة يمكن أن تثير حفيظة القاضي أم تجعله مرتاحاً لما يدور في قاعة الحكم، وهل هذه الكلمة يمكن ان تجر الشاهد -مثلاً- إلى إجابة تفيد الموكل أم العكس فتسوئ موقفه..الخ. وهذا ما نحتاجه بالفعل، لأننا تعبنا من الخطابات التي تستفز كل طرف فيسخط ويتشاكس ونحن سئمنا من المشاكسات بين الأطراف السياسية. لكن الاهم من ميزة الكلام، هي ميزة الاستماع، والاستماع ميزة مفقودة عند الشعب السوداني، إنني ما أن اسمع نقاشاً بين شخصين، حتى أكتشف أنه لا أحد منهما يستمع لحديث الآخر في الواقع. فكل ينطلق من زاويته كالسهم ويرفض أن يستمع لزاوية الآخر. أما دكتور عادل فهو مستمع جيد، وهذا ليس بسبب المحاماة لأن المحاماة رغم أنها تحتاج لمستمع جيد، بحيث يزن أقوال الخصوم والشهود، لكن الاستماع الجيد هو ما يجعل المحامي جيداً. فالاستماع خصلة سابقة على المحاماة، أما الكلام فيمكن أن يكتسب لاحقاً بالمِران. بالتاكيد يمتلك الدكتور عادل المعرفة القانونية اللازمة لإصلاح المنظومة القانونية. لكنه يتمتع فوق هذا بثقافة واسعة، في علوم ومعارف مختلفة، وهكذا فهو يمتلك مهارة الدمج بين التخصصات، وهي مهارة مفتقدة حتى على مستوى البحث العلمي. إن الثقافة العامة مهمة، لأنك كمثقف مطلوب منك أن تربط بين المفاهيم المتباينة، وأن تفككها وتعيد تركيبها لتؤسس لطرح مفيد أو ما نسميه في القانون: (مُنتِج). فمثلاً إن كانت الدولة تعاني من الفساد: فعلاج هذه المشكلة يبدأ من تفكيكها عناصرياً بحيث تشمل: ١- ضعف القوانين ومؤسسات تطبيق وإنفاذ القانون ٢- ضعف إدارة المؤسسات. ٣- الضائقة الاقتصادية. ٤- الجوانب السوسيولوجية. ٥- الصراعات السياسية. ٦- العلاقات والتفاعلات الدولية وسلوك الدولة الخارجي. فهذه عدة علوم ومعارف يجب ان نقرأ تأثيراتها المعززة للفساد. فإذا كان ضعف القوانين والإدارة يؤديان بالفعل إلى الفساد فدعونا لا ننسى أن الفقر والاضطراب الاجتماعي لهما دورهما أيضاً في تعزيز الفساد.. الثقافة العامة التي تشرعن سرقة المال العام هي رؤية تدرس في علم الاجتماع أكثر من القانون، وفي علم النفس الاجتماعي. وفي العلوم الدينية. وكذلك فإذا كان ضعف الاقتصاد قد جاء نتيجة عقوبات دولية فيجب ان ندرس تأثير العلاقات والتفاعلات الدولية للحكومات السودانية ودور قراراتها وتصرفاتها الخاطئة لتجنبها مستقبلاً.. وهكذا يمكننا أن نقوم بتفكيك للمشكلة ووضع حلول لها، إما سريعة (إصلاح القانون)، او متوسطة (إصلاح مؤسسات القانون، وانظمة الإدارة) في الدولة، او حلول بعيدة المدى، تبدأ في وضع نظام متطور وشامل بحيث يصب دوما في تعزيز النزاهة والشفافية وهذا ما يحتاج إلى سنوات أو حتى عقود لأنك ستحاول تفكيك البنى الفاسدة من ناحية ثقافية. هكذا يمكن القول بأن دكتور عادل يمتلك هذه القدرات. بالتأكيد هناك مهارات مهمة أخرى يحتاجها كل مرشح لمنصب عام، كاللغة والشهادات الجامعية والحالة الصحية، والخبرة العملية، وكلها متوفرة فيه. غير أنني لا أعتبرها اساسية رغم أن القوانين تعتمد عليها عند ترشيح أو قبول اي شخص لمنصب عام او حتى وظيفة عامة. لكنني أرى أن أهم مهارة مطلوبة عند أي شخص هي مهارة التواصل. فمثلا عازى حمدوك من ضعف مهارات التواصل مع الشعب. كان بارداً أكثر مما يجب، لأنه ضعيف الفهم للثقافة السودانية، لكننا لو تذكرنا البشير، سنجد أنه كان يفوق حمدوك من ناحية التواصل الجماهيري، وكان نميري أيضاً يملك مهارة التواصل مع الشعب، اما الصادق المهدي فكان نرجسياً أكثر مما يجب، وخطابه لم يكن مفهوما للشعب بل ربما لم يكن الشعب يسمعه إن لم يكن أحدهم أنصارياً. لذلك فمهارة التواصل أهم حتى من الشهادات العلمية.. ولا تتأسس الخبرة في كثير من الأعمال إلا بامتلاك مهارة التواصل. هناك مزايا عديدة لكتور عادل، ومن بعضها صحته الجيدة، أتذكر مثلاً أننا في إحدى القضايا، كان الشاهد خبيراً أجنبياً وكان عليه أن يشرح قرابة ألف وخمسمائة صفحة.. لقد ظل دكتور عادل واقفاً يسأل الشاهد ويفند كلام الشاهد لساعات، حتى تعب الشاهد وارتجفت اقدامه، وتعب القاضي، وتعب محامي الخصم، وتعبنا كلنا رغم أننا كنا جالسين، ولكن دكتور عادل لم يتعب، فاستسمحه القاضي بخجل أن يؤجل الجلسة، وصاح الجميع طرباً باقتراح القاضي، وايدوه، وخرج الجميع مرهقين ما عدا دكتور عادل. إن الحالة الصحية لأي مسؤول في الدولة مهمة. لقد راينا كيف أغمى على حمدوك مرتين وكانت إحداهما بسبب سيره تحت الشمس في لقاء خارجي. الحالة الصحية مهمة للمسؤولين ليس فقط لأن العمل العام يحتاج لنشاط، ولكن حتى من أجل مظهر المسؤول مع رؤساء ووزراء الدول الاجنبية. سنلاحظ مثلاً كيف سخر الاعلام من ضعف بايدن، وسقوطه عدة مرات من السلم. سنلاحظ عكس ذلك، كيف كانت صحة أوباما وقوته البدنية محل احتفاء. وكذلك نميري، الذي تُحكى عن قوته الأساطير. لذلك فالصحة مهمة، والدكتور عادل سباح ماهر؛ يقطع حوض السباحة اكثر من خمسين مرة ذهابا وإياباً، ويمشي لمسافات طويلة، ويقود دراجة هوائية في الأمسيات لعشرات الكيلومترات. أما ما هو اهم من كل ما سبق، هو معرفة المرشح لثقافة شعبه، ما يحبه الشعب وما يكرهه. وأن يكون قد زار الكثير من أقاليم وولايات السودان. وليس شخصاً خرطومياً منكفئاً على محيط ضيق. الدكتور عادل يتمتع بأنه تقريباً زار أغلب ولايات السودان، وذلك لعدة اسباب من ضمنها أنه كان مطلوباً بشدة كمحام في العديد من القضايا المدنية والجنائية... حب الحياة.. هو ما أراه مهماً، أن لا يكون المرشح مكتئباً، بحيث يعدد مثالب الماضي ويجلد ذاته وشعبه. إن المرشح يجب أن يمنح الناس الأمل، ولكنه لن يستطيع إن كان متشائماً، ودكتور عادل لم يكن متشائماً أبداً.. أتذكر أنه في أحد الأيام وإبان احتجاجات ٢٠١٣، شاهد مجموعة من الثوار يصعدون إلى سطح العمارة التي في مقابل مكتبه ويقبضون على البمبان ويعيدون قذفه تجاه الشرطة فابتسم قائلاً: - معناتو لسة في امل. وقد كان رغم أنني كنت متشائماً. إن الإنسان المحب للحياة يرسل طاقة إيجابية، وحظاً سعيداً يطال جميع من حوله. وأما المتشائم فيطلق طاقة سلبية تعم من حوله. ولذلك من الضروري أن يكون المسؤول متفائلاً ومحباً للحياة لكي يفكر بإيجابية دائماً. الإخلاص والوفاء مهمان أيضاً، دكتور عادل مخلص ووفي لما يهتم به، إنه في الواقع يهتم بما يخلص له ويخلص لما يهتم به. وهذه خصلة جيدة لأن الإخلاص في العمل هو أساس النجاح، ليس للمحامي فقط بل لأي عمل آخر، لكن الأهم أن الإخلاص لا ينتهي بالفشل، لأنه حتى لو لم يؤت العمل ثماره المرجوة لكنه يعني -ونتيجة العمل المخلص- أن الأساليب القديمة غير صالحة، وبالتالي تتقلص نسبة الخطأ مستقبلاً. لذلك فإن الذي يشتغل في أي حرفة ويستمر فيها لا يزداد خبرة يدوية، بل يزداد معرفة بالأسلوب الصحيح والأسلوب الخاطئ... هذه فائدة الإخلاص، وقد جاء في الحديث: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. هناك فهم خاطئ لأغلب ممارسي السياسة، وهو أن التفلسف والحذلقة يمكنهما أن يقنعا الشعب. على العكس تماماً، فما يقنع الشعب ليس الشخص الفهلوي، بل الشخص الذي يصدق الشعب أنه مخلص. لكل هذا وغيره، رشحت ودعمت ترشيح دكتور عادل لمنصب رئيس الوزراء. ليس بالضرورة أن يحدث ذلك، فالصراعات السياسية ومراكز القوى المهيمنة قد يكون لها رأي آخر في نهاية المطاف، لكن المهم هو أن ترشيحنا للدكتور ليس عبثياً، بل هو ما نراه محققاً بالفعل لمصلحة الشعب. فإن لم يحدث ذلك فيكفينا أننا اجتهدنا في تنوير الشعب وتبصيره بما كان بالإمكان أن يكون، فليس من مسؤوليتنا تجاه الشعب أن نحقق نتيجة بل أن نبذل عناية فقط. وما تبقى فقدر مقدور. وكان الله من وراء القصد
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق June, 14 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة