بين تقلبات التاريخ في طروحات هنري كسينجر ودوغمائيته في فكر فوكو ياما‎‎

بين تقلبات التاريخ في طروحات هنري كسينجر ودوغمائيته في فكر فوكو ياما‎‎


03-06-2022, 02:21 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1646572902&rn=0


Post: #1
Title: بين تقلبات التاريخ في طروحات هنري كسينجر ودوغمائيته في فكر فوكو ياما‎‎
Author: الطيب الشيخ المكاشفي
Date: 03-06-2022, 02:21 PM

01:21 PM March, 06 2022

سودانيز اون لاين
الطيب الشيخ المكاشفي-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




أعادت الهزة العنيفة للمنتظم الدولي التي أحدثتها هجمة الجيش الروسي على أوكرانيا، العقل السياسي الأوروبي إلى الخلف في ارتكاسة مهولة لم يكن في أجندته الاستراتيجية مظان أو حتى أدنى شكوك لإمكانية وقوعها بالنظر لرؤيته التجاوزية في فعل التاريخ، القائمة على أنه (التاريخ) مسلسل من الصراع وحلاقته تجب بعضها بعض وتقبر بعضها بعضا، ولا حياة لمقبورات الأحداث والأفكار والسياسات، وفوكو ياما كان أبرز من صور هاته الرؤية أو المعتقد في التاريخ من خلال كتابه الشهير الذي طغى نهاية القرن الفائت وبداية الحالي على كل مقروءات الفكر السياسي والمعنون بنهاية التاريخ.
لكن ثمة فرق شاسع بين أن تقرأ التاريخ لمفكر استراتيجي وأن تقرأه لاستراتيجي سياسي، ذلك لأن الثاني عادة ما تكون رؤيته مفعمة بالحيوية والموضوعية وخاصة الواقعية كونه فاعل ميداني، في حين مهما شرَّح وشرح المفكر الاستراتيجي تقلبات التاريخ، فأنه ليظل في أوسع تفاصيل ومحاصيل بحثه غارقا في التجريد.
هذا ما اتضح لي شخصيا من قراءتي لكتاب النظام العالمي لرائد ديبلوماسية الحرب الباردة في الولايات المتحدة الامريكية، وأحد أهم عقول السياسة الخارجية لها، هنري كيسنغر، إذ بدا لي، بخلاف فوكو ياما أكثر دقة في تفسير تاريخ انبثاق الأفكار المشكلة لملمح ما تسمى بالمنظومات الدولية الجديدة وكيف أن هاته المنظومات لا تولد بوصفها مشروعا مسبقا وإن كتداع لجملة من الأحداث، تجعل من النظام الوليد حاملا في طياته لعناصر تبدده على اعتبار أنه مشروع جزئي لا يمكنه استيعاب المقول الكونية أو الكوكبية، كما سماها في كتابه سالف الذكر إذ يقول حرفا (ما من نظام “عالمي” كوكبي سبق له فعلا أن كان موجودا بالمطلق وما يعد نظاما في زمننا تم اجتراحه في أوربا قبل نحو أربعة قرون في مؤتمر للسلام بمنطقة وستفاليا الألمانية، عُقد دون انخراط، بل وحتى علم أكثرية القارات والحضارات الأخرى).
فاللا كونية في التأسيس لما يسمى بالنظام العالمي، التي هي عادة تتكرر نهاية كل حلقة من مسلسل الصراع والتدافع البشري، هي في حد ذاتها عنصر انهياره الكامن في طياته كونه يعكس اللا إرادة أو بتعبير أخف الغياب للإرادة المطلقة في بناء ما يزعم أنه مطلق ودولي، ويشير كيسنغر إلى غياب نوعين من الارادات السياسية ممثلة في قادة البلدان والقارات بما يعني موقف المجتمع الدولي والارادات الحضارية التي تنطرح كمرجع للرؤى في نطاقات تفاعلها مع المشاريع السياسية الكبرى.
وهكذا يبدو التاريخ متقلبا متحررا في باحته الواسعة الشاسعة في طروحات هنري كيسنغر، بينما يبدو دوغمائيا منقبضا في فكر فوكو ياما، وفرق شاسع بين العقل الممارس للتاريخ والعقل الدارس له وفق منظومة قواعد منهجية تفكيرية تنزع في مخرجاتها للاحتماليات التي تأبها موضوعات وموضوعيات التاريخ نفسه.
فما هو ملاحظ اليوم لتعبير صادق عن واقعية الرؤية الكيسنغارية للتاريخ بوصفه حلبة تفاعل وتدافع انساني أزلي، من خلال عودة الصراع إلى التجلي بخلفيته الحيوبولوتيكية الأولى شرق-غرب خارج النسق الأيديولوجي الكلاسيكي، لكنه يتصل بالمسألة التمايز الحضاري والمصالح القومية الكبرى خاصة.
فمثلما تشكل النظام الدولي السابق إثر نهاية الحرب العالمية الثانية على ثنائية القيادة القطبية للعالم كحتمية وتداع لميزان القوى لا إرادة الدولية، هاو هو ذا العالم من جديد يقف خارج مفهوم الإرادة الدولية حيث تتشكل بوادر العودة إلى المربع التصارعي الأول، إثر كشف روسيا عن نفسها كرقم متمرد على المفروض من ملامح نظام دولي يروم استكمال الهيمنة التاريخية الأطلسية على جميع أطراف الكوكب.
وهنا نجد انفسنا بإزاء معنى آخر لأطروحة فوكو ياما وهي الهيمنة التاريخية وليس نهاية التاريخ، فالهيمنة هي محاولة وهمية لإنهاء التاريخ عبر بسط الفكرة (الرأسمالية) الغربية البيضاء عسكريا قد تتيح لها الإطاحة بأي نهضة تاريخية تبدر من قومية وثقافة أخرى نازقة عن النموذج الحضاري الغربي.
هكذا إذن يبدو التاريخ دائب في التوالد من رحم التدافع الكوني، لاستحالة حسم الارادات المتناقضة وفق الخلفيات والأفكار والمصالح القومية للمتدافعين، ما ينسف بالضرورة أطروحة نهاية التاريخ وينصف الرؤية الكيسنغرية المتحفظة بخصوص إطلاقية انبثاق وشمول واستمرارية مفهوم النظام العالمي، ومبادرة الروس الفجائية التي يعتقد كبار الساسة أنها بصمت على عهد جديد في العلاقات الدولية التي كان يُظن أنها ستبنى عل قواعد جديدة قوامها الاقتصاد والتكنولوجيا السلمية والتبادلات التجارية، فإذا بها ترتجع إلى دائرة الحسم العسكري.








عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/05/2022



عناوين المواضيع المنبر العام بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 03/05/2022



عناوين المقالات بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 03/05/2022