المتأمل في الراهن السياسي السوداني يتملكه الإحباط وينتابه الشعور بالحزن والأسى لما يشاهد من صراعات بين مكونات سياسية وحزبية تسوده الضغائن والأحقاد بين بعضها البعض، والمطامع والتسلط، ويدعى كل طرف التمسك والدفاع عن القضية الوطنية وقضايا السودانيين العاديين في الريف والحضر، ولكن في الحقيقة هذا مجرد خداع للناس وإدعاء يكذبه الواقع المعاش، والكل مهتم بقضاياه الشخصية والحزبية ولا أحد يأبه القضية الوطنية ومعاش الناس كما يتردد الى مسامعنا كثرا في الآونة الاخيرة، حيث يوجد عشرات الكيانات من الأحزاب والتنظيمات السياسية، والمحصلة السياسية التى تسمح بتكوين وعي تاريخي قادر من خلال تراكم الخبرات ان تتجاوز الأخطاء هو صفر كبير، والملاحظ ايضا كل بعد حين يُبَيِّن حزب أو تنظيم أو مسمى تحالف سياسي جديد، ولم يتمكن السياسيين من الإتفاق حول رؤية سياسية تُحظى بتأييد أكبر قدر من السودانيين ومكوناتهم السياسية والإجتماعية، وتسهم في خلق مشروع وطني يتفق حوله غالبية السودانيين. ولا شك ان وجود هذا الكم الهائل من الأحزاب والجماعات السياسية في إي دولة تعبر بجلاء عن وجود أزمة سياسية وإجتماعية عميقة؛ كما هو الحال في السودان، والمؤسف جداً ان التاريخ السياسي السوداني شهد العديد من التحالفات السياسية التى لم تكتب لها الإستمرار منذ ما قبل الإستقلال بين القوى الاتحادية التى كانت تعمل من أجل الوحدة مع مصر والقوى الإستقلالية التى تتعامل مع الحكومة البريطانية، وكافة هذه المكونات تاريخياً لم تستطيع الصبر على بعضها البعض في تحالف سياسي واحد تمكنها من تحقيق الممكنات من القضايا الوطنية المشتركة. وترتبط التحالفات السياسية في السودان بالتكتيك السياسي والإنتهازية داخل التحالف الواحد وبين المنظومات السياسية بعضها البعض، وإتسمت الممارسة السياسية في البلاد بمثل هذا النهج والسلوك على مر التاريخ السياسي، وهذا النموزج العقيم يعتبر معضلة حقيقة متجزرة في الممارسة السياسية لدى السياسيين والاحزاب، وهو لا يمكن ان يبني دولة ولا يصلح للعمل السياسي في بلد لم تنهض فيه العملية السياسية على مبادئ دستورية متفق عليها. والسبب الرئيسي في تفكيك التحالفات السياسية هو عدم إستنادها على مبادئ فكرية صلبة وإنما تنبني في الغالب على تاثيرات قوى خارجية وترتبط بمواقف براغماتية سرعان ما تنفض، ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم وهكذا دواليك، وهذه الصيغة من التحالفات تعتبر أخطر مهدد لمصير السودان ووحدة شعبه وأراضية من الأعداء والمخاطر التى تأتي من خارج الحدود، لا سيما في مثل هذه الظروف السياسية المعقدة والمنعطف الخطير الذي يمر به السودان الآن، وهو أكبر محفز للقوى الخارجية أن تتدخل في الشأن السوداني كما يحدث اليوم على مرأى ومسمع الجميع، حيث تحاول كل قوى ان تأثر في صناعة و رسم الخارطة السياسية التى تتسق مع مصالحها واهدافها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة