تعتبر العمالة من أخطر أدوات السياسية القذرة ، وهي صفة تكاد تري علي مستوي العالم ولكن ، بدرجات متفاوتة ، اذ تقل حدتها في تلك الدول التي لها دساتير وقوانين صارمة ومحكمة وتنعم باستقرار سياسي يحول دون ممارستها علي نحو فاضح ، بل أنها تكاد تنتفي في تلك الدول التي يدين شعبها بالولاء الكامل لوطنهم ويجعل ممارستها أمرا عسيرا وإن حدثت ، فإنها تصنف في القوانين كـ"خيانة عظمي" عاقبتها الموت المحتم ولكن ، في بلد كحالتنا ، تعتبر العمالة من الممارسات العادية ، المتجذرة في البلاد منذ زمن بعيد، يمارسها أفراد وجماعات وأحزاب بل ، وحتي حكومات ، بشكل واضح وفاضح . عرفت " العمالة" بمسميات مختلفة ، فهي تارة تبدو كـ"تجارة" وتارة تتمظهر في شكل "خدمات" مدفوعة الأجر لحساب أطراف خارجية (استعانة إسماعيل باشا ابن محمد علي ببعض القبائل المحلية لمعرفتهم بالدروب وأخري لتقديم خدمات لوجستية ، بما فيها المشاركة في الحروب ضد قبائل الوطن الواحد 1820-1822م.) ، ( غزو الزبير باشا دارفور وضمها لأملاك الخديوي في عام 1873م.). ( عمالة الحزب البائد لحساب التنظيم العالمي للإخوان المسلمين والمشاركة في حروب خارج الحدود كمرتزقة ، لحساب دول أخري، نظير أجر معلوم وتعتبر هذه الظاهرة جارية حتي تاريخه). في هذا الصدد ، هناك كارثة أخري حلت بالبلاد ، فبدلا من الاستعانة بالجواسيس التقليديين لجمع المعلومات لبلد ما ، تفتق ذهن قوي الشر علي إنشاء واستخدام منظمات عالمية ( باستثناء المنظمات الأممية المعروفة ، كمنظمة الصحة العالمية والفاو) في الدول المستهدفة كغطاء ، يقدم في الظاهر خدماته الإنسانية " الجليلة" ، وفقا لمعلومات محلية حساسة ، يجمعها موظفيه " المحليين" فنري أن الشق البريء منها ينعكس بشكل إيجابي علي الأرض بنفس الموظفين " المحليين" ولكن!! الشق الغير " برئ" هو إمكانية استخدام هذا الكم الهائل من المعلومات أو البيانات المنوعة ، التي لا توجد أساسا عند الدولة المستهدفة ، لأغراض غير بريئة. الشيء المؤسف في الأمر، أن جهاز الأمن والمخابرات، إذا لم يقم بدوره الوطني كما ينبغي، فستنساب هذه البيانات بكل سهولة، في شكل تقارير روتينية دون رقيب ومن المؤكد أن هذه التقنية الجديدة قد سهلت علي أجهزة التجسس الكثير من العناء والمخاطر ، حتي أنك تري أن أغلب جواسيس العالم باتوا يتكدسون الآن في العاصمة ، يتبادلون المعلومات فيما بينهم وهم يشربون " الجبنة" ويضحكون . في نفس السياق ولكن ، في شكل سيناريو " متخيل" ، أنه كانت هناك ثورة ، قد اندلعت في مكان ما علي الأرض ، هب فيها شعبها ،علي رأسهم الشباب ، للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، بعد عانوا سنوات من النهب المنظم والقهر والبطش ، قُضي فيها شهداء ونُكل فيها ضحايا ، نتيجة للظلم الواقع بهم وأنهم ، قد أصبحوا عرضة لتصفية " ثلثهم" أو ربما أكثر ، مما توطد عزمهم علي ضرورة إزهاق الباطل وإحقاق الحق ، ظهرت فجاءة ، ثلة من جلدتنا ، معلومة المصدر والأهداف ، لتسرق الثورة من أصحابها الحقيقيين وتتفاوض مع " شيخ الغفر" علي فتح الأبواب علي مصارعها قبل قدوم " المالك" الجديد ( لتشويق السيناريو المتخيل ، يبدو أن النظام العالمي الجديد ، خدم المسيح الدجال وأعوانه هم المُلاك الجدد)، فتم التوقيع علي وثيقة ، بها من البنود "المبهرة" التي يمكن أن تكبح جماح الثورة إلي حين ، ثم جاء أعداء شيخ الغفر المسلحين ووقعوا اتفاقية "سلام" أخري ومن حسن الحظ ، أنها كشفت أن كل هؤلاء الموقعين ، ما هم إلا مجرد عملاء ، طالبي سلطة ومناصب ومكاسب عبر قسمة مجحفة فيما بينهم " ولا عزاء بعدئذ للثورة ولا الثوار ، إذ ما كان لهم أن يثقوا في إبليس وجنوده أبد . الملفت للانتباه سادتي أن الذي وقع الوثيقة في هذا السيناريو المتخيل ، هو نفسه الذي وقع اتفاق السلام!! فحتي وقت قريب ، كان الناس يحسبون أنه هبة من السماء ، جاء من القاع الي القمة ليحسم ، في الوقت المناسب ، كل المعادلات الصعبة وينصر المستضعفين والمهمشين في البلاد!!.
أما إذا نظرنا الي نفس السيناريو ولكن ، بشكله الواقعي ، فإن كل اللاعبين من الحكام الجدد وطنيين أقحاحا ، يفهمون جيدا ويعرفون قذارة ألعاب وحيل النظام العالمي بكل صنوفه وادواته ومراميه ، فيدفعون هذا الشر دفعا عن البلاد والعباد وينتزعون من المكاسب المادية والسياسية قدر ما ينتزعون ، بغية الوصول بالبلاد الي بر الأمان وفي هذا الصدد ، لابد أن نكون معهم ونؤازرهم رغم الضوائق والعوائق التي نعيشها. إنه لمن المخجل حقا، الاسترسال في فحص الملفات والمراجع لحصر مظاهر العمالة في السودان ولعل القارئ الكريم ملم بالكثير ، القديم والحديث منها ، فمنذ الاستقلال ، وربما قبله ، ظلت عادة " العمالة" تمارس بشكل طبيعي والي الآن ، علي هيئة خدمات " لوجستية" لحساب جهات إقليمية أو أجنبية في مقابل الحصول علي مكاسب مادية أو سياسية ، حتي أصبحت ضمن التصنيفات الجيوسياسية وفي غياب القوانين الرادعة والدستور الدائم ، يصبح كل شيء عادي ومباح. قال تعالي "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين" الأنفال-آية58. وبعد أيها القارئ الكريم والمواطن الحليم ، أذكر نفسي وأياك أن رحلة الدنيا فيها من الخطوب والبلايا مثل ما نري وأن كل المطلوب منا هو الثبات في الأمر وأن نتخلى فيما بيننا عن التباغض والحقد والغل والحاسد وان نتواضع ونتعاون علي انتشال بلدنا هذا من أفواه الذئاب ، فالثورة باقية ما بقي شيبها وشبابها من رجال المقاومة وباقي الأصوات الحرة ولينصرن الله من ينصره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة