من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 06:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2006, 11:07 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية (Re: bayan)

    منها – أسماء كالنجوم في سماء الوطن.. منهم دبلوماسيون مقتدرون كالدبلوماسي بشير البكري والأديب الدبلوماسي جمال محمد أحمد ومنهم قضاة عمالقة كالقاضي الأكتوبري العملاق عبد المجيد إمام.. ومنهم نطاسون بارعون مثل محمد عثمان عبد النبي .. ومنهم علماء مثل العلامة البروفيسور عبد الله الطيب والبروفيسور مجذوب علي حسيب.. ومنهم الإداري النافذ مثل علي حسن عبد الله.
    وقد اعتبرت عمليات التطهير تلك أول أخطاء مايو وأكثرها أثراً على الخدمة المدنية على المدى البعيد..
    كانت عمليات التطهير أول أفعال مايو ذات المردود السلبي، وهي أفعال جاءت في ثنايا الشعارات التي كانت ترفعها القوى اليسارية، خاصة الشيوعية، عن تثوير الخدمة العامة بتطهيرها على النهج الأكتوبري، وبوجوب التحسب من قوى الثورة المضادة.. ووضع الكوادر الملتزمة فكراً وبرنامجاً بنهج البناء الاشتراكي الذي جاءت تدعو إليه مايو..
    وبما ان الكوادر التي التزمت النهج الاشتراكي – فكراً وبرنامجاً – كانت في معظمها شيوعية أو أقرب ما تكون إلى الشيوعيين .. فقد بات شكل التعاون بين الشيوعيين ومايو أشبه ما يكون بالسيطرة التامة من قبل الكوادر الشيوعية على جهاز الدولة.. وهي سيطرة لم تلبث ان قادت إلى الضيق والضجر من قبل قادة مايو.. ومن ثم بدأت رحلة الخلاف والاختلاف بين الاثنين..
    جاءت رحلة الاختلاف، فالخلاف ثم الصراع بين مايو والشيوعيين بطيئة في أولها ثم تدرجت في التطور من بعد ذلك... ويمكن ان نعدد مظاهر تطور ذلك الصراع على النحو التالي:
    أولاً: اتجاه مايو إلى توسع المواعين وبسط القاعدة التي يقف عليها النظام الجديد.. كانت الدعوة التي رفعها رجال مايو منذ أيامهم الأولى هي عزمهم على إنشاء تجمع شامل يجر إلى حلبته كافة القوى الوطنية ويستوعب الإمكانات الهائلة التي يمكن ان تتجمع بمثل تلك القاعدة العريضة..
    وكانت هذه الدعوة تعنى بالضرورة تذويب الحزب الشيوعي في ذلك الماعون الجديد.. ولهذا فإن طرح جماعة مايو لرغبتها في إقامة تنظيم واحد جامع كان يحمل في طياته تجاوزاً للحزب الشيوعي وتوسيعاً للماعون السياسي بما يتجاوز تصورات الحزب وطرحه.. وكان طرح الحزب الشيوعي قد تجسد في شعار (وحدة القوى الثورية) الذي رفعه بديلاً لوحدة القوى الوطنية (أو الوحدة الوطنية) الذي كانت تطرحه أدبيات الحركة الجديدة من خلال التصريحات واللقاءات السياسية.. وقد طرح الحزب الشيوعي شكل (الجبهة الديمقراطية) بديلاً لاتحاد القوى الوطنية الذي أخذ قادة مايو في الحديث عنه..
    ثانياً: حلت مايو منذ يومها الأول كل الأحزاب السياسية.. ولم يستثن الأمر الجمهوري رقم (1) الصادر في 25 مايو أي حزب من الحل، ولكن بما ان الحزب الشيوعي كان بطبيعة الحال قد تم حله من قبل النظام الحزبي السابق على مايو، فإنه لم يتعرض لمظهريات الحل التي تعرضت لها دور الأحزاب وممتلكاتها، فلم يكن هناك جنود يحرسون مقاره... كما ان ممتلكاته لم تجر مصادرتها والتصرف فيها على نحو ما جرى للأحزاب الأخرى.. وفي الوقت الذي كان قادة الأحزاب الأخرى قد تعرضوا لما أقله الاعتقال التحفظي في المنازل، كان قادة الحزب الشيوعي وحدهم الذين يتمتعون بالحرية ويتصرفون بما يوحي بأنهم جزء من التغيير إن لم يكونوا هم التغيير نفسه..
    ولقد تم استغلال هذه الحقيقة – حقيقة عدم تعرض دور الحزب الشيوعي وممتلكاته لمظاهر الحل- لتصوير الواقع وكأنه استثناء للحزب الشيوعي من الحل... كما ان واقع الحال الذي جعل منظمات اليسار التي كان يسيطر عليها الشيوعيون- خاصة اتحاد الشباب والمرأة – السند الأساسي لحركة الشارع المؤيد لمايو أعطى هو الآخر انطباعاً بأن الشيوعيون وحدهم يملئون الساحة وان كافة تشكيلاتهم – بما فيها الحزب قد عادت إلى الحياة..
    ولقد أصابت مقاومة وعناد الحزب الشيوعي لمبدأ حل الحزب ذاته، أصابت القادة الجدد- القادمين من جوف مؤسسة عسكرية عرفت بالضبط والربط وطاعة الأوامر – بالضجر والضيق... وفي وقت لاحق بالغضب والانفعال..
    ثالثاً: في سبتمبر عام 69، استولى القذافي ومجموعة من الشبان العسكريين على السلطة في ليبيا وأعلنوا وجهاً تقدمياً ذا بعد عربي واضح الملامح.. وبدخول ليبيا على ساحة التقدمية أصبحت الساحة العربية في عمومها تنظر إلى حركتي مايو وسبتمبر باعتبارهما ثورتين متقاربتين في التوجه والهدف، ومن ثم اقتربت الحركتان من عبد الناصر – راعي الفكر القومي العربي – وشكلتا مع ثورة يوليو المصرية مثلثاً تقدمياً اشتراكياً أراد ان يبصر نفسه نواة لعمل وحدوي عربي.
    كان هذا التوجه الذي وجدت مايو نفسها فيه، مدفوعاً بالقوى القومية العربية الناصرية التي أصبحت ذات باع أطول في الساحة منذ نجاح مايو واستيلائها على السلطة.. وكان يعضد من باع القوميين العرب وجود بابكر عوض الله على رأس السلطة التنفيذية، إضافة إلى عدد من النافذين من الضباط في الجيش وخارج الجيش من أمثال محمد عبد الحليم وشقيقه العميد أحمد عبد الحليم والعميد عمر محمد سعيد، ثم بعض المنظرين من أمثال الطاهر عوض الله وناصر السيد وبابكر كرار.
    ومع اطراد الزخم القومي العربي الذي وجدت مايو نفسها تندفع في تياره القوي.. لاحظت قوى اليسار الأخرى، خاصة البعثيين والشيوعيين، ان الضباط الأحرار يتجهون بسرعة شديدة في اتجاه معاكس لتيار الجبهة الديمقراطية الذي أرادوا بناءه.. ومن ثم بدأت أصوات المعارضة في التعبير عن نفسها.. تارة في إطار جدل فكري كذلك الذي جرى في ساحات الملتقى الفكري العربي الذي انعقد في الخرطوم وهندسه منصور خالد، أو ذلك الحوار الساخن الذي جرى في ديسمبر 1970م في إطار (ندوات الحوار) التي تبناها الرقيب العام الرائد زين العابدين عبد القادر بغرض تحقيق قدر من الاتفاق والتفاهم بين تيارات الصراع اليساري التي أخذت في التبلور في ذلك الوقت، والتي كان مسرحها مكاتب الرقابة العامة بالخرطوم، وجرت في أكال من الحوار الفكري بين التيارات المختلفة.
    كما جرت محاولات عدة لاحتواء الخلاف بين الحزب الشيوعي وبين مجلس قيادة مايو، منها تكوين لجنة سرية مهمتها التنسيق بين المجلس والحزب في السياسات ومحاولة معالجة الخلافات قبل ان تستفحل وتعلو على السطح. وقد عقدت تلك اللجنة التي كان من بين أعضائها من الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد وجوزيف قرنق، ومن مجلس مايو أبو القاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد أحمد(11).
    وكانت ندوة زين العابدين، وملتقى منصور خالد وغيرهما من أشكال الحوار الثنائي والجماعي المحلي والإقليمي استجابة لدعوة لفتح أبوبا (الحوار بين القوى الثورية) لتجاوز خلافاتها .. وهو حوار دعمته قوى إقليمية يسارية من مثل اتحاد الكتّاب التقدميين العرب، وعدد من المنظمات العربية ذات الميول الماركسية واليسارية العربية.
    بيد ان خلاف الشيوعيين مع النظام الجديد وصل حده من بعد توقيع نميري مع جمال عبد الناصر ومعمر القذافي المعاهدة التي عرفت باسم ميثاق طرابلس في ديسمبر من عام 1969 وهو الميثاق الذي رأى فيه الشيوعيون تجاوزاً لخصوصية التشكيل العرقي للسودان، كما رأوا فيه انفراداً من نميري باتخاذ القرارات المصيرية الخطيرة دون استشارة لأعضاء المجلس الآخرين.
    رابعاً: كانت تنظيمات الشيوعيون الجماهيرية قد ملأت الساحة تماماً في الأيام الأولى للثورة واستطاعت تلك التنظيمات، بما ملكته من تجارب في تعبئة وتحريك الجماهير – من تحقيق السند والدعم للنظام الجديد، وكان لها باع كبير في خروج موكب الثاني من يونيو على النحو الذي كان..
    ولم تكن العناصر غير الشيوعية المساندة لحركة مايو، لتغفل عن انفراد الشيوعيين بالسيطرة على (الشارع) وما يمكن ان يكون لذلك من معانٍ ودلالات لهذا فقد بدأت السلطة الجديدة – تعاونا العناصر الأخرى- في السعي نحو بناء قواعد شعبية بديلة لا تكون فيها السيطرة للحزب الشيوعي..
    وكان أشهر التنظيمات التي انبثقت من هذا السعي هو تنظيم الحرس الوطني الذي جرى بناؤه على قاعدة الثورة ان الثورة ينبغي ان يكون لها كيان شعبي مقاتل يحقق لها البعد الجماهيري.
    ثم اتجهت مايو – بقدوم منصور خالد إلى صفوفها بعد شهر واحد من قيامها وتوليه وزارة الشباب- على بناء كوادر من الشباب المدرب فكرياً وعسكرياً، حتى يصبح رافداً آخر من الروافد الجماهيرية لمايو والتي لا يمكن حسابها على الكوادر الشيوعية .. وقد عرفت هذه الكوادر باسم كتائب مايو.. واشتملت على مستويات عمرية أدنى شملت الصبية، وعرفت باسم طلائع مايو.
    وكان تنظيم الحرس الوطني، ببعده العسكري، يشكل نمطاً جديداً من العمل السياسي لم يكن للشيوعيين السودانيين معرفة به. ولهذا فقد سيطرت على الحرس الوطني القوى الوحدوية الناصرية، بإشراف وثيق وقريب من القوات المسلحة خاصة سلاح المدرعات وقائده العميد أحمد عبد الحليم، وبرعاية مباشرة من وزير الدفاع خالد حسن عباس.
    أما كتائب مايو فقد جاء لها منصور خالد بالمدربين والخبراء الأجانب الذين سعوا إلى وضع هياكل للتنظيم تشكل كافة مناطق السودان بينما استوعبت وزارة الشباب في ذلك الوقت عدداً كبيراً من طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم ومن خريجي مصر ذوي الميول القومية العربية، ولعب هؤلاء دور الملقنين والمعلمين على المستوى الفكري لأعضاء كتائب الشباب..
    كانت خطوتا بناء الحرس الوطني وكتائب مايو إسفينا جديداً دق في جسد العلاقة بين مايو والحزب الشيوعي السوداني.. فقد احتدمت المنافسة بين هذين التنظيمين وبين التنظيمات الشيوعية، خاصة اتحاد الشباب السوداني والاتحاد النسائي.. فالمنظمتان الجديدتان لقيتا الرعاية الرسمية من الدولة بينما كانت منظمات الحزب الشيوعي بطبيعة الحال تفتقر إلى مثل ذلك الدعم والتأييد.
    خامساً: كانت أول المظاهر القوية التي دللت على حجم الانحدار في علاقة مايو بالحزب الشيوعي هي في تصريحات بابكر عوض الله الشهيرة في برلين والتي قال فيها ان مايو ما كان يمكن ان تنجح ولا تستطيع ان تبقى إلا بعون وعضد الشيوعيين.. وكان تصريح بابكر عوض الله قدتم ترديده في الإذاعة بتوجيه من محجوب عثمان وزير الإعلام وقتها.
    أثار ذلك التصريح علامات تعجب عددية من بعد إذاعته ، بيد ان علامات التعجب زادت بعد ان قطع راديو أمدرمان برامجه وأذاع تصريحاً لرئيس مجلس الثورة، جعفر محمد نميري، أعلن فيه ان (ثورة مايو لم تستند حين تفجرت، إلا على تطلعات الجماهير السودانية العريضة ومساندتها، وأنها تواصل مسيرتها استناداً على القاعدة الجماهيرية الأرحب، وأنها لا علاقة لها بالشيوعية والشيوعيين فكراً أو ممارسة) (12).
    كان هذا البيان أول مظهر رسمي للخلاف بين مايو والشيوعيين، كما كان البيان دليلاً على المدى الذي وصله الخلاف، خاصة بعد ان واصل الحزب الشيوعي اعتبار نفسه جسماً مستقلاً غير خاضع لسلطة الدولة.
    سادساً: بإعلان مايو عزمها على إقامة تنظيم جامع يجعل من شعار الوحدة الوطنية، تم تكوين لجنة مهمتها الأساسية وضع ملامح الميثاق الذي ستلتقي عليه القوى التي شكلت جسد الثورة. وكان الملفت في تلك اللجنة عضويتها التي ضمت كافة الاتجاهات اليسارية المساندة للنظام الجديد. كان في اللجنة من الأسماء اللامعة محمد إبراهيم نقد، وجوزيف قرنق، محجوب عثمان، وحسن الطاهر زروق.
    وكان من بين أعضائها آمال عباس وعبد الله عبيد وخالد المبارك ومنهم بدر الدين مدثر ومكاوي مصطفى وطه بعشر وأمين الشبلي ثم كان من بينهم أحمد عبد الحليم ومنصور خالد، وقد تلا تكوين هذه اللجنة قيام المؤتمر الشعبي لمناقشة الميثاق الوطني، والذي أريد له أن يكون هادي الثورة ودليلها. وقد شهد ذلك المؤتمر آخر ملابسات الصراع بين الحزب الشيوعي من جهة وبين الجماعة المنشقة عنه، وبقية القوى السياسية اليسارية، والجماعات المستقلة الأخرى التي أخذت في التخندق في صف مايو.. وقد كانت أكثر العواصف هبوباً يومها هي عاصفة التنظيم السياسي المنتظر إقراره والعمل به..
    في الوقت الذي كانت فيه عناصر الحزب الشيوعي الموجودة في اللجنة التحضيرية، وفي المؤتمر الشعبي للميثاق تحاول تمرير مشروع (تنظيم الجبهة)، استمسكت القوى الأخرى – خاصة القوى القومية العربية – بتنظيم الاتحاد ونادت بمبدأ التحالف بين القوى الوطنية المنتجة تحت مظلة واحدة اشتهرت فيما بعد باسم (تحالف قوى الشعب العاملة).
    وقد أدى الصراع داخل لجنة الميثاق الوطني، ثم المؤتمر الوطني الشعبي للميثاق الوطني، أدى على فتق الرتق بين الحزب الشيوعي ومايو فقد ثار الجدل حول عدد من القضايا منها تحديد ما إذا كانت حركة 25 مايو ثورة أم انقلاباً.. ومنها تحديد وتعريف دور القوات المسلحة كفصيلة من الفصائل، ثم دور شريحة الضباط في القوات المسلحة وتعريفها في منظومة القوى الديمقراطية.. ومنها دور الرأسمالية ومكانتها.. ومنها النمط الاشتراكي المراد إتباعه.
    شكلت معظم هذه القضايا أساساً لتصعيد وتائر الخلاف بين مختلف الاتجاهات الفكرية اليسارية المشكل منها اللجنة التحضيرية للميثاق واللجنة القومية التي قامت بالمناقشة والإقرار.
    وقد زاد هذا الجدل المحتدم من أوار الخلاف بين الحزب الشيوعي وبين مايو والاتجاهات الفكرية غير الشيوعية المساندة لها – خاصة القوميين العرب.. ومن ثم فإن تواتر الجدل والخلاف أديا في النهاية إلى الصعود المستمر نحو هاوية العلاقة بين مايو والحزب الشيوعي أولاً ثم مايو والشيوعيين لاحقاً.
    سابعاً: مع الانزلاق المستمر لعلاقة الحزب الشيوعي بمايو وبروز اتجاهات القومي العربي الواضح، بدأ الحزب الشيوعي في العودة إلى أساليبه الشهيرة والمختبرة في المعارضة، وهي حرب المنشورات.
    والواقع ان الحزب الشيوعي استقبل مايو في يومها الأول، ببيان تحليلي مطول، انتهى بوصفها أنها حركة برجوازيين صغار، وان ما حدث صباح اليوم هو عمل عسكري وليس ثورة شعبية) ومضى بيان التقييم ليقول إن فئة البرجوازية الصغيرة لا تستطيع (السير بالحركة الثورية في طريق النضال)، وأنها ستكون ذات عواقب وخيمة (13) وفي ديسمبر عام 1969، أصدر الحزب الشيوعي منشوراً ناقداً لسياسات النظام الجديد الاقتصادية.. وكانت تلك عملية استباق لقرارات التأميم والمصادرة التي باتت قريبة من ذلك التاريخ.. كما انتقد المنشور بحدة ملفتة للنظر السيد محمود حسيب الذي كان يشغل منصب وزير المواصلات، ويذكر ان محمود حسيب كان واحداً من قيادات الضباط الأحرار المحسوبين على التيار القومي العربي الناصري... وكان ذلك المنشور أول قطرة على طريق المنشورات التي توشك على الانهمار..
    وفي أعقاب ذلك المنشور قدم وزير الداخلية- فاروق عثمان حمد الله- تحذيراً شديداً للشيوعيين من انتهاج أسلوب المنشورات ضد نظام تقدمي كنظام مايو ينبغي على الشيوعيين ان يقفوا دفاعاً عن سياساته وقراراته.
    وفي ديسمبر من نفس العام أصدر الحزب منشوراً آخر انتقد انفراد نميري بقرار دخول السودان في وحدة عربية مع مصر وليبيا دون اعتبار للواقع السوداني المميز.
    ثم أصدر الحزب بياناً آخر ينتقد بعض القرارات المتعلقة بالقوات المسلحة أفراداً ومخصصات وواجبات..
    وطوال الفترة من ديسمبر 70 وحتى مايو 71 توالت منشورات الحزب الشيوعي الناقدة لسياسات النظام المختلفة، والمعبرة عن تصاعد روح العداء بين الطرفين...
    حتى كان منشور الثلاثين من مايو 1971م، وهو المنشور الذي جاء في أعقاب القرارات الشهيرة المتتالية التي صدرت عن مجلس قيادة الثورة، والتي اتجهت في مجملها إلى تحييد الحزب الشيوعي،وتقليص انتشاره في ساحة النظام الجديد وقد جاء البيان ليضع الحد الفاصل ويكتب السطور الأخيرة في علاقة الحزب الرسمي بالنظام الجديد فقد نادي المنشور بوضوح بوجوب إسقاط النظام العسكري الذي تسيطر عليه مجموعة من الضباط فاقدي الانتماء ومدعي الثورية والتقدمية. ونادي المنشور بوجوب تكوين جبهة عريضة من القوى التقدمية الديمقراطية بغرض محاصرة وإسقاط النظام وكانت تلك هي بداية الصعود نحو الهاوية.

    أعوام مايو الحُمْر..
    الطريق نحو انقلاب العطا
    o انتقل الصراع مع الشيوعيين إلى مجلس الثورة..
    o اعتبر الحزب الشيوعي قرارات 16 نوفمبر انقلاباً مايوياً ضده..
    o من قرارات 16 نوفمبر إلى بيان 12 فبراير إلى مهرجان 10 أبريل اتسع الفتق الشيوعي – المايوي على كل رتق..
    =========
    كيف تصاعد الصراع مع الشيوعيين حتى بلغ قمة هرم الثورة – مجلس قيادة الثورة؟.. وكيف ضلع بعض أعضاء المجلس في ذلك الصراع؟ وهل كان الخلاف بين الأعضاء محسوباً وموقوتاً أم أنه جاء نتاجاً لتداعى الأحداث دون ان يكون هناك تخطيط وإعداد مسبق للسيناريوهات فيه؟
    قد لا تسهل الإجابة على هذه الأسئلة إذا ما حاولنا قراءة الوثائق المكتوبة المتاحة أمامنا وحدها، فالوثائق لا توفر معلومات كثيرة في هذا الصدد إذ أن الإجابة الشافية على ذلك إنما تكمن في صدور عدد من الرجال ذهب بعضهم ضحية للصراع عينه الذي نحن بصدده، بينما هناك بقية منهم لم تتح لنا بعد المسافة التحدث إليهم عن الأمر.
    ولهذا السبب فإننا سنركن إلى استنطاق الوثائق بعض ما يعين على فهم الذي جرى في تلك الفترة الدقيقة والعصيبة من تاريخ السودان ومايو والحزب الشيوعي على حد سواء.
    الأمن والشيوعيين وحمد الله:
    جاءت أول خطوات التداعي للخلاف بين أعضاء مجلس الثورة في طيات ذلك القرار الذي اتخذه فاروق حمد الله بصفته وزيراً للداخلية- في الأسابيع الأولى من بعد الثورة – بتجنيد عدد من الضباط لجهاز الأمن العام. وكان عدداً من ضباط الشرطة – من بينهم مجموعة مهمة من رجال جهاز الأمن العام السابق على قيام مايو- قد أحيلوا إلى المعاش بعد وقت قصير من نجاح مايو في الاستيلاء على السلطة. ومن ثم فإن مهمة تأمين الثورة أصبحت هي المهمة الأساسية والملحة التي استوجبت تجنيد عدد من الأشخاص الممتعين بثقة النظام الجديد والذين يمكن ان يشكلوا صمام الأمان له. لقد تمت عمليات التجنيد لضباط الأمن على مستويين الأول على مستوى جهاز الأمن القومي الذي كان قد أنشئ بقرار من مجلس قيادة ثور مايو بعد أشهر قليلة من قيامها، وكلف الرائد مأمون عوض أبوزيد بمهمة إنشائه وإدارته. والثاني على مستوى جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية التي كان يتولى أعباءها فاروق حمد الله.
    ولما كانت عمليات التجنيد لهذين الجهازين تعتبر عملاً يمس صميم أمن النظام، فإن الاختيار لهما كان يتم على أعلى مستويات المسؤولية السياسية – أعضاء مجلس الثورة والمسئولين السياسيين وثيقي الصلة باتجاهات النظام الجديد- وهذا هو السبب في أن الأسماء التي انتمت إلى هذين الجهازين في أيامه الأولى ضمت أقارب وأصدقاء لأعضاء مجلس الثورة – كالعقيد سيد المبارك – كما ضمت بعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار كالرائد الرشيد نور الدين. وكان المصدر الثاني للاختيار هو الالتزام السياسي الواضح لمن يراد استيعابه في الجهازين، بمعنى آخر ضمان اختيار الأفراد اليساريين الملتزمين. ولم يكن هناك بالطبع مصدر لمعرفة مثل ذلك الالتزام مسئولي التنظيمات السياسية اليسارية المؤيدة لمايو.
    كان جل أفراد جهاز الأمن العام اللذين تم تعيينهم في وزارة الداخلية من الذين زكتهم التنظيمات اليسارية كالحزب الشيوعي وجماعة الطليعة العربية (الناصريين أو القوميين العرب). وقد استعان فاروق حمد الله بتلك التنظيمات ليضمن الالتزام التقدمي لجميع من يتم اختيارهم.
    ولم يكن الأمر هكذا في جهاز الأمن القومي الذي بناه مأمون عوض أبوزيد... ففي الوقت الذي اعتمد فاروق حمد الله على الكوادر السياسية التقدمية، اعتمد مأمون على مصدر رئيسي أساسي هو القوات المسلحة، ثم مصدر آخر هو المعارف والأصدقاء والأقارب، أما المصدر الثالث فكان هو الأفراد المنظمين حزبياً على شاكلة الذين جرى اختيارهم في جهاز الأمن العام(14).
    وهكذا فإن الجازان اختلفا في بنية تركيبتهما السياسية إلى حد بعيد ... ففي الوقت الذي كان جهاز الأمن القومي يضم عدداً من الضباط العسكريين في قيادته العليا والوسيطة، كان جهاز الأمن العام قد استوعب عدداً كبيراً من الكوادر السياسية المتفرغة وشبه المتفرغة في الحزب الشيوعي.
    ويمكننا ان نبصر بوادر الصراع في هذا الأمر.. فقد وجد الحزب الشيوعي في تنظيم جهاز الأمن موقعاً لتثبيت أقدامه داخل أرض النظام الجديد. ولذلك فإن عدداً من الكوادر الرفيعة الموقع في التنظيم وجدت نفسها داخل هذا الجهاز.. وكان من بين تلك الأسماء محمد أحمد سليمان، وعبد الباسط سبدرات والتجاني بدر.
    في المقابل برزت أسماء من العسكريين المرموقين في صفوف الأمن القومي منهم علي نميري، سيد المبارك، الرشيد نور الدين، كمال الطاهر وأبوبكر بشارة...
    وقد شكل هذا التباين في تكوين الجهازين – فيما بعد – أسس الصراع بينهما، كما ألهب في جانب منه أوار الخلاف بين فاروق حمد الله والأعضاء الآخرين في مجلس الثورة، ففي الوقت الذي كان هناك حذر من انتشار الكوادر الشيوعية وتمددها في أجهزة الدولة، كان فاروق يأخذ طريق التعاون غير المحدود مع الكوادر الشيوعية خاصة في وزارة الداخلية. وهناك من الشواهد ما يشير إلى ان فاروق حمد الله كان يقول لأعضاء مجلس الثورة بأنه يعمل بما أسماه (سياسة المغفل النافع المعكوسة)(15)، مشيراً بذلك إلى ما درج الشيوعيون على التعامل به مع أفراد لا ينتمون إلى الحزب ولكنهم يعتبرون مفيدين له دون ان يدروا، وكانت مبررات فاروق لهذا التعاون تشمل رغبته في السيطرة على الشيوعيين من خلال وجود كوادر هامة على دراية بأسرار العمل التنظيمي والسياسي في الحزب في خدمة الأجهزة الأمنية. وقد كشفت الأيام فيما بعد صدق فرضية فاروق هذه، إذ ان كثيراً من المعلومات المتعلقة بأسرار التنظيم الشيوعي حملتها إلى الأجهزة الأمنية الكوادر التي بقيت في خدمة تلك الأجهزة من بعد يوليو 1971م.
    ميثاق طرابلس والوحدة الثلاثية:
    يدرك كثيرون ان السبب المباشر للمواجهة الحادة، ثم الصدام، بين جعفر نميري وبقية أعضاء مجلس الثورة من جهة، وبين فاروق حمد الله وبابكر النور وهاشم العطا، هي توقيع ميثاق طرابلس بين مصر والسودان وليبيا وما تلا ذلك من اتفاقية للوحدة – كان مفروضاً ان يكون السودان طرفاً فيها، إلا أنه لم يوقع عليها.. فضمت مصر وسوريا وليبيا.
    وكان ما عرف بميثاق طرابلس قد تم توقيعه في 27 ديسمبر عام 1969 بين البلدان الثلاثة بعد عدة اجتماعات ضمت عبد الناصر والقذافي و نميري . وقد اعتبر ذلك الميثاق انتصاراً شاملاً للمجموعة العربية في التحالف المايوي، مجموعة بابكر عوض الله وبقية القوميين العرب. وفي نفس الوقت اعتبرت ضربة قوية للحزب الشيوعي الذي كان يدفع في اتجاه تيار يدعو إلى الموازنة في العلاقات العربية الأفريقية، متخذاً من إعلان التاسع من يونيو والوجه الإفريقي المصاحب لذلك البيان سبباً قوياً لذلك.
    وقد واجه الحزب الشيوعي ميثاق طرابلس، ثم اجتماعات بني غازي التي أسفرت عن قيام الاتحاد الثلاثي الذي كان ينتظر ان يكون رباعياً- لولا اعتذار السودان- واجه هذه التطورات العربية الاتجاه بحركة معارضة نشطة استعمل فيها المنشورات.
    بيد ان معارضة الاتفاقية بمجملها وصلت إلى مجلس قيادة الثورة حيث وقف بابكر النور وهاشم العطا وفاروق مواقف ناقدة، ليس فقط لقرارات ميثاق طرابلس ثم اتفاقية بني غازي، بل شمل النقد أسلوب اتخاذ القرارات في مجلس قيادة الثورة، حيث رأوا في طريقة رئيس المجلس محاولة للانفراد بالسلطة تجعل من مجلس الثورة أشبه ما يكون بالقيادة العامة التي ينفرد فيها القائد العام أو رئيس هيئة الأركان باتخاذ القرار.
    وكان موقف الأعضاء الثلاثة قد تطابق أيضاً في مسألة حل تنظيم الضباط الأحرار بعد قيام الثورة.. فقد كان من رأى نميري وعدد من أعضاء ان مجلس قيادة الثورة هو السلطة العليا، بينما رأى نفر من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار- بما فيهم الثلاثي فاروق وهاشم وبابكر – ان تنظيم الضباط الأحرار ينبغي ان يظل المرجعية النهائية لمايو، وأنه ينبغي ان يظل سلطة أعلى.. ويبدو ان هذا كان أيضاً موقف الحزب الشيوعي في الأمر..
    وكان في تطابق موقف فاروق وهاشم وبابكر مع موقف الحزب الشيوعي ما جعل شكوك جعفر نميري في تنسيق المواقف بين هؤلاء الثلاثة وبين الحزب الشيوعي تزداد.. خاصة وان نميري كانت له عدد من الملاحظات التي أبداها لصحفي مصري فيما بعد على تصرفات وتحركات الأعضاء الثلاثة، والتي اعتبرها دليلاً على ضلوعهم في خطة (التطويق) التي كان الحزب الشيوعي يحاول ان يفرضها على مايو(16).
    مجلس الثورة يناقش الموقف من الحزب الشيوعي
    مع ازدياد حدة النفور بين مجلس الثورة – خاصة رئيسه- وبين الحزب الشيوعي، لم يكن هناك بد من مناقشة العلاقة بين الحزب الشيوعي وبين الثورة على المستوى الأعلى – مستوى مجلس الثورة.. وقد جرى نقاش الأمر باستفاضة في جلسة خاصة للمجلس انعقدت على مدى ساعات طويلة تم فيها استعراض ثلاثة قضايا:
    أولها: التفاف الحزب الشيوعي على قرار حل الأحزاب السياسية وادعاءات تجاوزه لذلك لعدم وجوده أصلاً.
    ثانيها: محاولة الحزب الهيمنة على المؤسسات و التنظيمات والخدمة المدنية وبسط السيطرة عليها عن طريق زرع الكوادر ثم عن طريق إرهاب وتخويف العاملين بالفصل تحت إدعاء تطهير الخدمة المدنية من (الرجعية) و(الثورة المضادة).
    ثالثها: تجاهل الحزب لمؤسسات الثورة ومحاولة تجاوزها أو التقليل من اعتبارها من خلال بعض المظهريات البروتوكولية، وقد ضرب في هذا الصدد- كمثل- لقاء بري الشهير الذي تحدث فيه عبد الخالق محجوب بعد جعفر نميري ، مما أوحى باحتلال عبد الخالق لموقع بروتوكولي أعلى من رئيس مجلس الثورة نفسه. وقد رأى البعض تلك الخطوة باعتبارها محاولة لطرح سكرتير الحزب الشيوعي في وضع أشبه ما يكون بسكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي يومها، حيث يعلو سكرتير الحزب على كافة السياسيين والتنفيذيين في الدولة.
    وتقول الوثائق ان معظم أعضاء المجلس يومها أقروا بوجوب عدم تصعيد الخلاف مع الحزب الشيوعي باعتباره الركيزة الأساسية لدعم النظام، كما أنهم أقروا في تلك الاجتماعات بعدد من الخطوات الرامية إلى إزالة أي مظهر من مظاهر الفوضى البروتوكولية، وإلى الاستيثاق من إحكام أمن المكاتبات وتداول المعلومات الخاصة بمجلس الثورة، خاصة بعد ان أثيرت في تلك الاجتماعات قضية تسرب معلومات عالية السرية إلى الحزب الشيوعي بالذات.
    ويجدر بنا هنا ان نورد ما قاله محجوب برير في كتابه( مواقف على درب الزمان) حول هذا الاجتماع. إذ يقول محجوب ان الضباط الأحرار كانوا قد انقسموا إلى فريقين، وقد أعد فريق بابكر النور العدة لتطويق واعتقال كافة أعضاء مجلس الثورة في حالة فشل ذلك الاجتماع أو ووصله إلى طريق مسدود. ولكن خروج المجلس بقرار تجاوز الخلافات ورأب الصدع مع الشيوعيين جعل مجموعة بابكر النور تؤجل تنفيذ استيلائها على السلطة (17).
    وكان عدد من أعضاء المجلس قد أثار قضية تمكن الحزب الشيوعي من معرفة ما يدور في المجلس وقرارات المجلس حتى قبل إعلانها، وقد لاحظوا ان بعض كوادر الحزب الشيوعي العاملة في الدولة وغير العاملة تستبق الأحداث وتتصرف بما يدل على معرفتها بما سيتم اتخاذه من قرارات.
    عبد الخالق منفياً إلى مصر..
    كان من نتاج التصاعد في الخلاف بين الحزب الشيوعي وقيادة مجلس الثورة ان قامت السلطات في مارس من عام 1970 بنفي عبد الخالق محجوب إلى مصر حيث غادر إليها على نفس الطائرة منفياً أيضاً الصادق المهدي، وذلك في أعقاب أحداث ود نوباوي والجزيرة أبا.
    وجاء نفي عبد الخالق دليلاً على مدى التدهور الذي وصلت إليه العلاقة بين الحزب والنظام الجديد.. وهناك من يقول ان الجماعة المنشقة على عبد الخالق هي التي هندست عملية إبعاده إلى مصر.. بينما يقول آخرون ان هذا الإبعاد جاء نتيجة لنصيحة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي رأى حجم معارضة الشيوعيين للتقارب بين مايو ومصر وليبيا.
    وقد جاء النفي بعد ان فشلت كافة محاولات إقناع الشيوعيين بتذويب أنفسهم في جسد الثورة والعمل من خلال التنظيمات والمؤسسات السياسية المقترحة والتي كان ينتظر ان يتم الإعلان عنها في العيد الأول لمايو.. وقد تزعم دعوة تدريب الذات التنظيمية أحمد سليمان وفاروق أبو عيسى ومعاوية إبراهيم... كما لعب فاروق حمد الله دوراً كبيراً في محاولة إقناع اللجنة المركزية للحزب بالموافقة على ذلك. بل ان فاروق حمد الله (جمع) أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في مكتبه في وزارة الداخلية، فيما يشبه الاعتقال، وذلك في محاولة لإقناعهم بالموافقة على حل الحزب نفسه.. إلا ان كل المحاولات فشلت في إقناع بعد الخالق ولجنة الحزب المركزية بذلك. ومن ثم فإن نفى عبد الخالق كان في جانب منه محاولة لإبعاد تأثيره على بقية الأعضاء إضافة إلى الأسباب الأخرى التي أوردناها عن ضيق قادة مايو من استخفاف الحزب الشيوعي بقرارات مايو..
    وكان من نتاج نفي عبد الخالق وتصاعد الصراع بين مجلس ثورة مايو والجماعة المنشقة من الحزب من جهة، وعبد الخالق محجوب وسكرتارية الحزب الشيوعي من جهة أخرى، ان قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أغسطس1970 بفصل مجموعة أحمد سليمان ومعاوية أحمد إبراهيم من الحزب. وقد ضمت المجموعة المفصولة معظم الكوادر التي عملت بعد ذلك مع مايو وأصبحت من أعمدتها الرئيسية.. خاصة في التنظيم السياسي الاتحاد الاشتراكي.
    خطاب استقالة فاروق حمد الله
    كانت قضية الوحدة الثلاثية مع مصر وليبيا قد شغلت بال الناس في السودان كثيراً في تلك الأيام.. فقد وجدت القوى القومية العربية في ميثاق طرابلس، وفي التقارب المتصل بين مصر وليبيا وسوريا والسودان دفعة سياسية قوية لذاتها بحيث صارت تلك القوى ترى نفسها الأساس وغيرها الهامش في الفعل السياسي وقد وقف الشيوعيون والبعثيون والمحبذون الاتجاه إفريقياً في مجال السياسة الوطنية – خاصة الجنوبيون- وقفوا جميعاً ضد هذا الجموح في الاتجاه العربي وكان من بين الذين هذا الموقف، كما أوضحنا منذ قليل أعضاء مجلس الثورة الثلاثة.. فاروق وبابكر وهاشم.
    بيد أن واحداً من هؤلاء الثلاثة – فاروق حمد الله – لم يكتف بمعارضته ونقده لتلك القرارات في اجتماعات المجلس. بل صاغ اعتراضه في شكل خطاب مطول احتوى على عدة نقاط لخصت ما رآه تجاوزات لرئيس مجلس قيادة الثورة، وتجاهلاً لما اتفق عليه الضباط الأحرار من السعي لتوحيد الرؤى وانتهاج أسلوب ديمقراطي يفضي إلى القرار بالأغلبية. ومن ثم أعلن رغبته في الاستقالة من المجلس..
    وكان قاصمة الظهر في أمر هذا الخطاب هو تسربه من أضابير مجلس قيادة الثورة، وانتقاله إلى الشارع مطبوعاً على ماكينات الرونيو، وفي شكل أشبه ما يكون بمنشورات الحزب الشيوعي التي كثرت في تلك الأيام وقد جاء تداول خطاب فاروق بين قطاعات عريضة من الطبقة المستنيرة – كطلبة جامعتي الخرطوم والقاهرة الفرع- ليعطى بعض أعضاء مجلس الثورة الدليل الدامغ على وجود تنسيق بين الحزب الشيوعي وبين الأعضاء الثلاثة. فتنظيم الضباط الأحرار كانت له – قبل الثورة- صلته الوثيقة بالحزب الشيوعي في مجال طبع المنشورات في الفترات السياسية المختلفة، وكان فاروق حمد الله هو الصلة بين التنظيم والحزب الشيوعي. ومن ثم فإن طبع الخطاب على ماكينة الرونيو وتوزيعه كمنشور أعاد إلى أذهان أعضاء مجلس الثورة تلك الصلة، وعمق الاعتقاد بأن تنسيقاً قد تم بين الحزب وبين المعارضة الثلاثية في المجلس لميثاق طرابلس والوحدة الثلاثية.
    اجتماع القمة الحاسم
    في يوم السادس عشر من نوفمبر أعلنت حالة الطوارئ القصوى في القوات المسلحة.. ولم يكن هناك سبب واضح يدعو إلى فرض مثل تلك الحالة، خاصة وان الجنوب كان يشهد هدوءاً نسبياً بينما لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر تحرك أي جماعة معارضة للثورة..
    وبما ان ذلك اليوم كان هو يوم اجتماع مجلس قيادة الثورة، فإن التكهنات بين الضباط والجنود شملت توقع تحرك طائفي من جماعات الأنصار، إضافة إلى توقيع مظاهرات من طلاب جامعة الخرطوم. ولم يخطر ببال المتكهنين يومها ما دار وما نتج عن ذلك الاجتماع...
    كان اجتماع مجلس الثورة طويلاً ومشحوناً بالمشاعر السالبة، وقد جرت فيه مواجهة بين الرفاق (الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم).. وهي مواجهة لم يكن ممكناً تجاوزها إلا بالقرارات التي صدرت من بعد ذلك الاجتماع..
                  

العنوان الكاتب Date
من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 10:17 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 10:19 PM
  3 خالد العبيد01-20-06, 10:20 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية الطيب بشير01-20-06, 10:29 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 10:56 PM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:04 PM
        Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:05 PM
          Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:07 PM
          Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:07 PM
            Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:10 PM
              Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-20-06, 11:27 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 11:35 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-20-06, 11:46 PM
  1 خالد العبيد01-21-06, 00:00 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 00:06 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 00:12 AM
  ;من يزرع الريح يحصد العاصفة خالد العبيد01-21-06, 01:10 AM
  تشييع جنازة النظام المصرفي خالد العبيد01-21-06, 01:14 AM
  ك خالد العبيد01-21-06, 01:29 AM
  العصابة تنهب البنك وتبيع الصوامع! خالد العبيد01-21-06, 01:38 AM
  حمزة دوكة !!!! خالد العبيد01-21-06, 01:48 AM
  فضيحة بجلاجل خالد العبيد01-21-06, 01:56 AM
    Re: فضيحة بجلاجل charles deng01-21-06, 06:56 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 04:06 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-21-06, 07:06 PM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية القلب النابض01-21-06, 07:42 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 08:24 PM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية القلب النابض01-21-06, 08:33 PM
  ا خالد العبيد01-21-06, 08:29 PM
  في دولة الفساد خالد العبيد01-21-06, 08:40 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد01-21-06, 08:43 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية أبو ساندرا01-22-06, 01:57 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية الطيب بشير01-22-06, 10:27 AM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-23-06, 08:49 AM
    Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-23-06, 08:51 AM
      Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية bayan01-23-06, 09:50 AM
        Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية charles deng01-24-06, 06:23 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية lana mahdi03-27-06, 09:29 AM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 08:17 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية Mahathir03-27-06, 08:47 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 09:28 PM
  Re: من تاريخ الانقلابات العسكرية للجبهة القومية الاسلامية خالد العبيد03-27-06, 09:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de