قبل أن تهدأ المعركة ،التي افتعلها الذراع الداعشي للحكومة ، على الصحافة والصحافيين ،ومن أسماهم العلمانيين ، بدء من مقال للأستاذة شمائل النور ، ملوحاً بحرب دينية شاملة، لاتبقي ولا تذر ، حتى اندلعت معركة مقدسة أخرى ، في أوساط الإسلاميين ، هذه المرة ، وجد فيها من كان يسميهم الدكتور حسن الترابي ، بعلماء الحيض والنفاس، حوبتهم. إذ أعلنوا عبر واجهة أخرى للحكومة ، بلبوس العلم والعلماء ، رفضها ، للحريات ، التى تم التواضع عليها في مؤتمر الحوار الوطني. الحريات بعد خلطها بتوصيات التزاوج. فبدون مقدمات ، انفجر خلاف مبيت ، طرفاه المؤتمر الوطنى الحاكم ، مع شقه نصف المعارض – نصف الموالي، المؤتمر الشعبي ،حول التعديلات الدستورية ، التي تقنن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني . هو خلاف اختلط فيه حابل الحريات بنابل التزاوج. تكمن المفاجأة في أنه مامن احد ، يدري لماذا احيطت التوصيات المتعلقة بالزواج والاسرة والطلاق ، بالذات ، بالسرية ، وتواطأ جميع اعضاء مؤتمر الحوار الوطني ، الذين شاركوا في اجازة مخرجاته ، على احاطتها بالكتمان ،والإثارة المتصاعدة من جانب الشعبي عن الحريات ، لتنفجر في شكل خلاف في هذا الوقت بالذات ، ودون أن تطرح للنقاش العام ، لكل الرجال والنساء ، خارج قاعة الصداقة ، لإبداء وجهات نظرهم حولها ، لأنها تخص كل الناس ،وليست حكراً، لجماعة معينة من السياسيين ، وفقهائهم ، حتي يتم التعامل معها بنهج شبه تآمري ، وليتفاجأ السودانيون والسودانيات ، بأن مصائرهم ومصائر اسرهم ، تتقرر من وراء ظهورهم ، في سياق من المساومات والصفقات الحزبية والسياسية الضيقة . وهو ماينزع من المؤتمر المشار اليه ،ومخرجاته ، صفة الشفافية، على الاقل . ومامن أحد يدرى، وما تدري نفس ، ماذا تبقى من الأجندة الخفية ، قيد المساومة ، بين الشعبي والوطني . أين مكن العبقرية في هذا التوقيت؟ ربما كان غياب الترابي من الساحة السياسية ، هو الحدث ذو المغزى في هذا السياق . فوفاة الترابي ، قد نتج عنها خفة موازين حزب المؤتمر الشعبي السياسية والجماهيرية ، ما شجع الحزب الحاكم ، على التنصل من تعهداته مع الترابي،قبيل وفاته ، والتي شارك بمقتضاها في الحوار الوطني ، وفي صياغة بعض توصياته ، خاصة ماتعلق منها بالحريات. وفي مناورة جديدة، على طريق التحلل من تلك التعهدات ، عمد الوطني لتحريك ، بعض أذرعه، والتحرك تحت أقنعة مختلفة ، لإثارة خلاف حول المخرجات، خارج المنبر المختص ومن الجهة ذات الاختصاص ، فالمخرجات قد تمت اجازتها، من قبل مؤتمر عام، ربما لم يخل من ممثلين ، للجهات التى تتصدر معارضتها الآن وإلى يوم الدين ، وانفض سامر المؤتمرين . ولم يبق غير أن يجيزها المجلس الوطني ، كإجراء شكلي ، بتقنينيها ، دون أي تغيير ، وفق سوابق إتفاقات نيفاشا ، وثيقة الدوحة. هو خلاف مع الشعبي ،أساساً ، منذ أن قدم الشعبي نفسه ، كحام للحريات .إن بروز الوطني وتجليه ، تحت قناع أو واجهة جديدة ، أياً كان اسمها ، تعطي لنفسها ، حق و سلطة مراجعة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، لا يعني نسف فكرة المؤتمر من أساسها ، حسب ، وإنما يعني، أيضاً، أن مؤتمر الحوار الوطني ، مثلما توقع معارضوه ، لم يكن غير محض بروباغندا سياسية وخدعة كبرى ،وقد استنفدت أغراضها . فجماعة علماء الحكومة ، ليس لها أي صفة ، تجعلها ، المرجع الوحيد للدين ، كما أن الترابي نفسه، الذي يعتقد بأنه قام بصياغة التوصيات مثار الجدل ، كان مرجعاً رسمياً للنظام نفسه ، طوال السنوات التي سبقت العام 2000. لقد تسابق ممثلو النظام، في المجلس الوطني ، في التعبير عن معارضتهم للتوصيات المتعلقة بالتزاوج ، فيما تبارى آخرون في معارضة تلك التي تحد من سلطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، مع إدراك الجميع ، أنه مامن نصوص في القانون أو الدستور ، يمكن أن تغير طبيعة النظام الشمولي أو تحد منها، أو بعبارة أخرى ، أنه لا تتوفر حتى الآن إرادة سياسية لدى النظام ليتطوع بشنق نفسه بحبال القانون والدستور.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة