ان الدواء الذي يصنع في اكثر الظروف المعملية تعقيما وانضباطا معياريا كيميائيا وفيزيائيا ورياضيا وبأحدث الاجهزة العلمية الحساسة فانه عندما يقدم للمريض بالتأكيد سيشفيه بمقدار معلوم محسوب وفق نتائج معلومة مسبقا ولكنه ايضا في ذات الوقت قد يتضرر منه المريض اضرارا جانبية صغيرة ومحسوبة ايضا بشكل معياري بسبب تفاعلات كيمياء الدواء مع كيمياء جسد المريض ولكنها حالة طبيعية تكتب في عبوة الدواء لتذكير المريض حتي يكون علي علم بها كنوع من الشفافية لتطمين المريض وهي حقيقة سلمنا بها وقبلناها بعلاتها من اهل الاختصاص اي فيما يخص الدواء الطبي ولكنا للاسف بذات المعيار وبمثالية مقيتة قد لا نتقبل هذه الاثار الجانبية السالبة بل نستهجنها في شأن علاج من نوع اخر الا وهو ( الثورة ) والتي هي ايضا علاج انساني واخلاقي وفكري وتربوي وسياسي لامراض مجتمع ما في ظرفية زمكانية محددة حيث تدخل في صنع هذا العلاج تركيبه فسيفسائية من وعي سياسي علي خلفية مشاعر واحاسيس واخلاق وثقافات وديانات مختلفة لبشر من احزاب وسحنات وطبقات وقبائل وجهات وامزجة مختلفة ومن مجموع افكارهم تتكون خلطة ( الدواء) الثوري في مواجهة داء يتكون ايضا من ( جراثيم) من نوع اخر وهي اكثر فتكا وشرا من الجراثيم البيولوجية لانها جراثيم بشرية ناطقة مفكرة و ايضا تحمل افكارا ومشاعر واحاسيس وثقافات عدوانية اقصائية وهي جراثيم في نظري لا تستطيع التعامل معها بموجب ظرفية معملية مثالية اي في كامل التعقيم والانضباط المعياري لمكافحتها حتي تطبق علاجك المقصود كي يحقق الشفاء المطلوب وبنتائج قياسية مثالية..لانها جراثيم خبيثة جدا متغلبة النفسيات والافكار والمشاعر تقاوم وتناور وتقاتل تعذب وتغتصب وتهدد وترهب وتسرق وتفسد ولذا التعامل معها ينبغي ان يكون واقعيا متسقا مع طبيعتها لاننا ندرك انه في مجموعنا كثوارعلي خلفية ما ذكرته من اختلاف منطلقات افكارنا واخلاقنا وثقافاتنا وامزجتنا وعقائدنا الدينية لسنا كيفا فكريا وثقافيا ومزاجيا واحدا وعليه ينبغي ان نتقبل نتائج علاجنا المرجوة في مواجهة هذه الجراثيم البشرية الفتاكة بكامل الواقعية و الاهم ان العلاج الثوري المنشود ينبغي ان يحقق اصلاحات ترضي الجميع عبر صيغة تمثل الحد الادني في التوافق بين الثوار بعد تنازلات وترضيات واتفاقيات وتحالفات ومواثيق تعبر عن هذه الفسيفساء البشرية الناشدة للتغيير وايضا علينا ان نتفهم نفسيات بعضنا وخلفياته الثقافية لطالما يجمعنا خندق التغيير حيث تتفاوت نوعية المظالم والضغائن والاحقاد والالام والاحزان المعاشة من ثائر لاخر. وكل ثائر ينفعل ويتفاعل مع القضية الوطنية علي خلفية كم وكيف ما وقع عليه من مظالم... فالثائر الذي قصفت ( الجراثيم) قريته وابادت اسرته واغتصبت ابنته او زوجته او اخته و احرقت زرعه وانعامه وتشرد علي اثر ذلك في الوطن فقيرا جائعا مشردا هائما في عاصمة البلاد بلا اهل واحباب ابدا لن يتساوي في ردة فعله في ذات المواجهة المطلوبة ضد ( الجراثيم) مع اخيه الثائر الناشد للتغيير والذي يعيش بين اهله واحبابه في بيته .. فالاول أتوقع منه ردة فعل اعنف تتسق مع حجم الظلم الماحق الواقع عليه ولكنه لا ولن يسرق ولا يغتصب ولا يظلم لانه ثائر والثائر انسان يحمل اخلاقا هي التي دفعته ضد الظلم ولكنه قد يقتل قاتل اهله او مغتصبهم كنوع من الثأر والثأر مسلك اجتماعي غير مستهجن في ثقافاتنا واعرافنا المحلية كنوع من الانتقام المبرر اخلاقيا من رد الاعتبار لاجل دم اريق او شرف انتهك ولذلك يتفاوت غضب الثوار من ثائر لثائر حسب بنيته النفسية والتربوية والثقافية وحسب حجم ونوع الظلم الواقع عليه حيث كل منهم يعبر عن حالة نفسية مغايرة لا يمكن البتة التحكم فيها في جو معملي كامل التعقيم والانضباط المعياري كالذي نهيئه لصناعة الدواء الطبي فالمعارك النضالية له جوها الخاص والحساس و الذي من الصعب ضبط الاعصاب والمشاعر فيه ومن هنا ينبغي ان نتقبل ردود افعالنا بما هي عليه والمهم ان الموجب فيها غالب علي السالب وهي في النهاية ردود افعال مشروعة ومبررة انسانيا واخلاقيا ضد فعل شرير ابشع منها الاف المرات فالسن بالسن والعين بالعين والنفس بالنفس والباديء اظلم و الباديء هو المسئول اولا واخيرا عن ايصال الضحايا الي هذه الحالة التي نستهجنها بل للاسف نغض الطرف كثيرا عن المتسبب الرئيس الذي اوصلنا اليها اي هذه الجرثومة الظالمة ختاما علينا بمثلما تقبلنا العلاج الطبي باثاره الجانبية السالبة علينا ان نتقبل ايضا العلاج الثوري باثاره الجانبية السالبة وهو ليس امرا نشازا بل هو حال الثورات في كل العالم دوما نجدها مستصحبة بكثير من السلبيات من تفلتات واسراف في العنف وهي حالة طبيعية تتسق مع طبيعة فسيفساء القائمين بها و هو امر حتما ستقلل من اثاره الجانبية السالبة ارشادات وتوجيهات القوي الثورية الواعية التي تسعي لقيادة الثورة لنهاياتها المنشودة عبر مسيرة ثورية ينبغي ان تعمل خلالها علي رفع مستوي الوعي الثوري لرفاق الخندق لتجاوز اجندات الذات الصغري لاجل الذات الكبري ( الوطن) لايصال التغيير لنهاياته المنطقية المنشودة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة