جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جابو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 04:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2012, 02:39 PM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جابو

    بيني وبين كاتبة هذه السلسلة الشابة أجوك مراسلات- هي تخرجت قبل سنوات من جامعة بحر الغزال ، وتعمل بالصحافة.
    وقد هزتني مقالاتها عن ما كابده جنوبيو العودة الطوعية من أهوال ومعاملات لا إنسانية. طلبت منها نشر هذه المادة بعد تنظيمها في سودانيز أون لاين وفي كافة المنابر السودانية؛ ففاجاتني بأنه يسرها لو أن بكري أبوبكر منحها العضوية وأنها من سكان الخرطوم.

    _______________
    تحياتي

    كنت قد طلبت مقدمة تمهدية لنشر سلسلة العودة الطوعية علي موقع سودانيز و قد فعلت في السطور ادناه فاذا كان لديك أي تعديل او إضافة رأيتها مكملة للموضوع عليك به.و لك فائق شكري و تقديري.
    أجوك
    المقدمة..
    قراء موقع سودانيز اون لاين الأعزاء.. تحريا لإمازة الخيط الأبيض من الأسود قصدنا نشر السلسلة التي بين يديك كي يقف الشعب السوداني علي جرائم منظمة ترتكب تحت ناظريه وباسمه و هو لا يعلم لاسيما في هذه الفترة الدقيقة الحرجة من قبل من يريدون تحميل الشعب السوداني من اثقال ما يزرون. وايمانا بأن الحكومات الي زوال عاجلا ام آجلا و ان طال مقامها و ان الأرض باقية وتواصل الشعوب دائم ؛و لكبير يقيننا ان الشعب السوداني ما كان ليبارك مثل تلك الجرائم التي تقترف بأسم الوطن سعينا جاهدين لعرض الحقائق كما هي دون زيادة و ان كان قد شابها نقصانا في بعض جوانبها تحت عنوان (جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت)و ننقل الصورة من خلال روايات خير من تحدث عنها و هم اهل رحلة العودة الطوعية التي صادفت أحداث منطقة هجليج الأولي .ولم يفت علينا بالمقابل نقل اراء الجهات ذات الصلة بأمر العودة الطوعية عبر اجراء حوارات حملت ما ناب جانبهم من مسؤوليات تجاه تلك الرحلة بحسب ما كان من اتفاق بين حكومة دولة جنوب السودان و حكومة السودان.ولأن من رأي ليس كمن سمع نخبركم انه و بالرغم من الحرص علي نقل تفاصيل الحدث كاملة الا أن مقدراتنا تقاصرت امام الظروف الانسانية بالغة التعقيد و التي تعرض لها اهل رحلة العودة الطوعية. حدث ذلك بالرغم من تعهد حكومة الخرطوم بعدم التعرض لجنوبيي الشمال و احسان معاملتهم علي نحو انساني الي ان يبلغوا دولتهم الجديدة؛ و لكن عالم الغيوب وحده من يدري بما سيكون عليه الحال مع اهل العودة الطوعية المتكدسين في ميناء كوستي بعد هجليج الثانية خاصة ان والي ولاية النيل الابيض رسم التفاصيل الاولية لكيفية التعامل معهم من خلال تعبئة ضارة مسيئة لادمية من كرمه الله علي سائر خلقه.بالرغم من ان التفاصيل التالية مضي عليها ما مضي من الوقت الا ان العزاء في أن ذاكرة التأريخ تظل متقدة من جهة و لان معظم النار من مستصغر الشرر فالي المتن..

    جنوبيُّو العودة الطوعية.. رحلة الأهوال والموت(1)
    أجوك عوض الله جابو
    الخرطوم - جبل أولياء
    02-04-2012
    عندما ضاقت الأرض عليهم بما رحبت بفعل تصريحات الحكومة السودانية المتوعدة باقتراب اليوم الموعود لإجلائهم عن السودان، وبعد انتظارهم حكومة دولتهم الوليدة أملا في أن تنتشلهم من درك الهلع ودياجير ظلمة المجهول، أخيراً.. لائح الأمل في تباشير حملها إليهم سلاطين ومنسقو ولاياتهم عصر الجمعة 15 مارس حينما أخطروهم بضرورة تأهبهم للسفر بالخروج إلى الميادين وتجهيز أغراضهم لانتظار العربات التي ستنقلهم إلى دولتهم يوم السبت 16 مارس أي خلال ثماني وأربعون ساعة بعد التوقيع على المذكرة، كما ورد في ذات المذكرة التي حملت توقيع كل من (المركز القومي للنازحين ومفوضية العمل الطوعي والإنساني "ولاية الخرطوم" ومفوضية الإغاثة وإعادة التعمير دولة الجنوب) والتي وقعت في 14 مارس 2012م معنونة بـ (خطة تنفيذ العودة الطوعية لمواطني دولة جنوب السودان "برّاً"). فما كان منهم إلا أن تباروا في الخروج والاستعداد في حرص وهمة لافتة، تلك الهمة التي أفضت إلى اشتباك النسوة فيما بينهن حيث كانت كل منهن الأحرص على المغادرة قبل غيرها... ومع طلوع شمس اليوم الموعود للرحيل بعض المعسكرات حالفها الحظ فصدق الوعد وغادر أهلها، بينما امتد انتظار البعض ليوم أو ثلاثة أو امتد انتظار بعضهم أسبوع ولا يزال الباقون يفترشون بسط الانتظار في تلك الميادين.. ولكن من ابتسم لهم الحظ يمموا وجوهم شطر الجنوب وهم يودعون السودان مدينة مدينة وقرية قرية.. وبعضهم يحدث نفسه بشيء من الأسى (لعل قدمي لن تطأ أرضك بعد يومي هذا دون تأشيرة "فيزا").
    وانطلقت الرحلة وفقاً للمسار المرسوم لها حسب المذكرة المشار إليها وحددت خط سيرها بـ (الخرطوم- كوستي الأبيض – أمر عدارة- كيلك – الخرصانة – هجليج – ميوم – بانتيو) ولم تبلغ ميوم ولا بانتيو لأنها توقفت عند هجليج وما أدراك ما هجليج.. تفاصيل رواها من كانوا في أتون نيران الحرب وبراثين المعاناة من أهل العودة الطوعية.

    الخرطوم - جبل أولياء: أجوك عوض الله جابو
    الطريق إلى نقطة عبور جبل أولياء (التفتيش)

    بعد أن نما إلى علمنا أن رحلة العودة الطوعية التي انطلقت قبل أيام عادت أدراجها من هجليج بعد أن صادف وصولهم اندلاع معركة هجليج.
    وعلمنا أيضا أن العائدين ساعتها استُوقفوا عند نقطة العبور الخارجي بجبل أولياء قادمين من ربك وعلى الفور استجمعت بعضي توطئة لشد الرحال.
    باتجاه الخامسة والنصف مساء كانت تشير عقارب الساعة عندما وطئت قدماي يوم الخميس 29 مارس موقف استاد الخرطوم قاصدة "مواصلات" جبل أولياء وبعد لأي بفعل ما كسبت يد الازدحام وجدت لنفسي مقعداً على متن أحد (بصات) الولاية الشهيرة بـ "بصات الوالي" عطفاً على والي الخرطوم بطبيعة الحال ولم يلبث (البص) إلا قليلا حتى تحرك بنا الى الوجهة التي نريد، حينها كنت أضغط بين الفينة والأخرى على أزرار هاتفي ليرن جواباً هاتف (اقووك) في "نقطة تفتيش" العبور الخارجي بجبل أولياء.
    فيتسرب إلى أذني صوته مجيباً (لا زلنا نقف، لم يسمحوا لنا بعبور النقطة بعد ولم يأت إلينا أحد) رداً على سؤالي هل سُمح لكم بعبور النقطة ودخول الخرطوم؟.

    نسيت أن أقول لكم إن (اقووك) أحد الذين عادوا في رحلة العودة الطوعية التي عاودت أدارجها دون أن تبلغ محطتها الأخيرة بارض جنوب السودان.
    عندما بلغت نقطة العبور المعنية كان الليل قد أرخى سدوله.. ازدحام كثيف من السيارات لكن قيل إنه طبيعي لاسيما أن تلك نقطة عبور، بيد أن ما لم يكن طبيعيا يومها انتشار واسع لأفراد الشرطة على امتداد البصر؛ كانوا يستوقفون الغادي والرائح راكبا وراجلاً.. وبعد ما جاوزت خطواتي "الصبّة" الخرصانية قليلا إذا بأحدهم يستوقني بلهجة حادة (تعالي يا هيي) فالتفت فإذا به رجل شرطة يرتدي زي شرطة النجدة والعمليات المميز يقف إلى جوار عدد من نظرائه فاتجهت نحوهم وعندما اقتربت منهم سألني بصوت عال وبحدة أكثر: (جاية من وين، من جبرونا ولا دار السلام؟). أجبته من الحاج يوسف فقال: (من كرتون كسلا؟) لم أرد. فقال: (دايرة شنو هنا؟) قلت أقصد بعض أهلي الذين جاؤوا ضمن جنوبيي العودة الطواعية الذين أوقفوا على الناحية الأخرى من نقطة العبور. قال لي: (امشي). فذهبت وكلي رجاء أن لا يُحال دون وصولي إلى حين أطلب، إلى أن بلغت المبتغى وصافحت (اقووك).
    الجانب الجنوبي من العبور... المعاناة تمشي على أربع

    يبدو أن لعنة الجنوب تصر على ملاحقتهم بالرغم من أنهم في قلب الشمال "هكذا حدثت نفسي" وأنا أتجول بين الحافلات المتوقفة التي كانت تقلهم. لم تكن الحافلات تقف متراصة في انتظام، بل وقفت كل واحدة في اتجاه مخالف للأخرى وكل العائدين منتشرين فيما بينها؛ يجلسون ويقفون في شكل "حلقات" بعضهم افترش الأرض.. والبعض الآخر افترش الملاءات.. وكان الاطفال يصرخون بطريقة (هستيرية) المكان يمور موراً بحركة الناس وأحاديثهم وانفعالاتهم.. تلك امرأة وافقة تحاول جاهدة إسكات طفلها وتلك أخرى جمعت ما توفر من "قش" أشعلت النار ووضعت "حلة" على ثلاثة حجارة. سألت ماذا تطهو تلك المرأة الآن؟ وعلمت منها أنها تطهو خلطة من الدقيق والماء لتصنع منها "نشا" علها تقيم أود ابنها الذي دخل يومه الرابع دون أن يتناول طعاماً.
    وتلك ثالثة تقسّم البسكويت والكيك بين أبنائها. أما هؤلاء فقد فضلوا البقاء داخل الحافلات.. صعدت إلى متن إحدى الحافلات بعد أن دلني (اقووك) عليها.

    كانت تستلقي على مقعد الحافلة وبالقرب منها طفل ملفوف.. ما كنت لأعلم ذلك لولا صراخه الذي انبأني بوجوده.. امرأة متقدمة في السن خاطبتها السيدة المستلقية داخل السيارة بجوار طفلها الوليد؛ بلغة الدينكا "انهضي هذه السيدة – تقصد شخصي- تعمل في منظمة جاءت لمساعدتنا" لم تفترض أني أتيت من طرف الحكومة، بل من طرف منظمة. نهضت وجلست.. كان الطفل يصرخ بشدة لدرجة صعب معه سماع إحدانا للأخرى.. فطلبت منها إرضاع الطفل ليسكت فما كان من المرأة ذات الخمسين ربيعاً الا أن أجابتني: (ما عندها لبن، لم تأكل شيئا منذ أن وضعت في الطريق قبل ثلاثة أيام، كما لم يتم تنظيف الطفل الوليد منذ ميلاده وحتى الآن. سألتها أن تسرد لي ما حدث فقالت: (كنا نسير بكل خير إلى أن وصلنا هجليج عند الساعة الرابعة والنصف، توقفت العربات التي تقلنا بجانب الطريق، نزلنا من العربات لقضاء الحاجة بينما قصد البعض المطاعم لتناول الطعام. كان التوتر يلف المكان.. لم يكن هناك شيء على ما يرام هكذا كانت تقول نظرات أهل المنطقة بجانب العساكر الموجودين.. كان الكل ينظر إلينا بتفحص، شيء ما كان يدور بخلد من قابلناهم، ولكن لم نسبر أغواره إلا عندما "وقع الفاس في الراس" العساكر طلبوا منا العودة إلى متن الحافلات وبعد أن فعلنا قدم الينا أحد العساكر وطلب منا النزول مرة أخرى، وقال لنا: (مافي زول يركب في العربية) وبعد قليل سمعنا صوت السلاح، فأمرنا السائق بالصعود داخل الحافلة. لم يصعد الكل داخل الحافلة منهم والدتي وابن خالتي وأختي وأخي، فطلبت من أمي أن تصعد وقبل أن تفعل تحركت الحافلة وازداد إطلاق الرصاص فتوجهت بنا صوب الغابة إلا أن العساكر أطلقوا رصاصهم على الحافلة فتوقف السائق فأمرونا أن نعود إلى محطة لا أعرف اسمها.. في طريق عودتنا إلى المحطة قابلنا أفرادا مسلحين فنهبوا منا شنط ملابس بعضها جديدة بجانب هواتفنا. وروت إحدى السيدات لـ (الأحداث) أن أحد المسلحين كان ضمن الذين قابلناهم خاطب زملاءه قائلا: (ما كان تشيلوا منهم حاجاتهم). فما كان منهم الا أن أخرجوا "سكاكين" وهددونا وطلبوا منا جمع كل الهواتف ممن داخل العربة، وضربوا عمي بـ "عكاز" وصعد أحدهم إلى سطح الحافلة وأخذ جزءاً من الشنط وتركونا واختفوا داخل الغابة فعدنا إلى المحطة).. أين وضعتي إذن؟ لا أعرف اسم المكان، ولكني وضعت صباح اليوم في المكان الذي أمضينا ليلتنا فيه. ومن التي قامت بمساعدتك في الوضوع؟. قابلة كانت ضمن العائدات كانت معنا بالعربة).
    في العقد الثالث من عمرها كانت تجلس بالقرب مني انتزعت سانحة الحديث "مارسا رياك" لتروي: (الحافلات التي كانت تقلنا لم تكن في مقدمة الطوف لذلك لم نر بداية الحرب.. عندما وصلنا أمرونا بالنزول من الحافلات.. ما حدث أن بعض أهل المنطقة جمع أبناءه داخل الحافلات التي كانت تقلنا بعد أن أخلونا منها وطلبوا من السائقين التوجه بعيداً عن المكان، والباقون هددونا وأمرونا أن لا نتحرك وقالوا لنا: (من يتحرك حنضربوا بالنار).. وذهبوا إلى حيث جيش الحركة الشعبية الذي كان يبادلهم النيران؛ فجأة عمت فوضى وكان الكل يركض دون "فرز" باتجاه الغابة وأطلقوا النار على رجالنا ودهست العربات الفارة أطفالا ركض أهلهم دونهم، بل و"سوّت" بهم الأرض تماما.. وعندما حل الظلام في المعسكر الذي تجمعنا فيه كان بعض الأفراد يأتون ويشيرون إلى النساء وبنات في عمر أربعة عشر عاماً ويتوجهون بهن نحو الغابة وما أن يرن هاتف واحد منا حتى يأخذوه منه، أخذوا كل هواتفنا). وتواصل مارسا رياك ـ التي كانت تقصد ولاية (واراب) ـ حديثها لـ (الأحداث) وفي اليوم الثاني غادرنا إلى ربك واستقبلنا عدد من رجال الشرطة وطلبوا من السائقين التوجه بنا إلى الرنك، ولكن السائقين أخبروهم أن الوقود قد أوشك على النفاد فتوجهنا صوب الخرطوم ولكن عندما وصلنا إلى هنا "نقطة العبور" رفضوا السماح لنا بالعبور وقالوا لنا: (لن يدخل أي جنوبي الخرطوم مرة أخرى)، طلبنا منهم إعادتنا إلى معسكراتنا ووضحنا لهم اننا لا نرفض السفر فقط نريد أن يسمحوا لنا حتى نحاول السفر جواً لكنهم قالوا: (الموضوع منتهي مافي طريقة ما حتدخلوا الخرطوم تاني).

    كان ينتظر جوار الحافلة وما نزلنا حتى عرفنا بنفسه قائلا: (أنا سلطان ولاية غرب الاستوائية جون ماركو بوتي) ويستطرد: (كانت الامور تسير بصور طبيعية حتى عندما وصلنا منطقة خرسانة إلى أن وصلنا هجليج الساعة الخامسة مساء (كان في ضرب قدامنا ضرب شديد، السواقين وقفوا العربات طرف الشارع، وبعد ما نزلنا من العربات حسب أوامر عساكر، شالوا خمسة من عرباتنا وركبوها جماعة بتاعهم وما نزلوا حاجاتنا المشحونة في العربات. وناس هجموا باقي العربات وقتلوا ثلاثة أشخاص أمامنا.. لما سمعنا صوت ضرب نار جرينا كلنا، ونشكر السواقين لأنهم أنقذونا قالوا للناس اركبوا.. اركبوا. جينا الجبلين وبتنا فيها، وتحركنا الساعة تمانية ولما وصلنا المحطة التانية هجموا علينا بعض الناس، قدام. السواقين مشوا اتكلموا معاهم كتير، واتفقوا إنو كل عربية تدفع متين جنيه، جمعنا قروش من بعضنا ودفعنا حتى فكونا. ولما جينا كوستي مفروض كان يقولوا لينا امشو الرنك، ولكن بتنا في كوستي قالوا لينا الساعة 12 نرجع الخرطوم ولما رجعنا ناس المفوضية ما جونا لحدي هسة ما أكلنا أربعة أيام. نهبوا كل حاجاتنا).
    كثيرون أبدوا رغبة ملحة في الحديث ولكن الوقت مضى كثيرا الساعة الآن التاسعة والنصف كان عليّ مغادرة المكان.. غادرت على أمل أن أعود غداً "الجمعة".


    البحث عن تصريح الخروج

    الخروج من معسكر "التفتيش" كان أصعب بكثير من الدخول. فوجئت بأن عدد قوات الشرطة في تزايد استوقفوني مرة أخرى بأكثر من صوت بل اعترض أحدهم طريقي إلى أين تذهبين؟ أجبته لستُ من ضمن من حضروا بل جئت من الخرطوم لرؤية أهلي في المعسكر.

    قال لي لا يمكنك الخروج، ولكن أحدهم أشار إلى بمقابلة العقيد قائد "الدورية" فسألته أين هو؟. يجلس داخل العربة.. وقبل أن أتوجه إليه ترجل من العربة.. ومن الواضح انه كان يتابع ما كان من حوار بيني وبين جنوده. خاطبني كيف لي أن أتأكد أنك لستِ ضمن العائدين؟. وأردف بسؤال.. ممن استئذنتِ وأنتِ تدخلين المعسكر؟ قلت له من بعض الجنود كانوا يقفون بالقرب من "الصّبة" الخرسانية في المدخل. فأمر أحد الجنود بأن يرافقني قائلا: (اسألهم وإذا لم يتعرفوا عليها جيبا معاك). خطوات ووصلنا المدخل وجدنا الشرطي الذي استوقفني عند دخولي جالسا يتكئ على سلاحه، فسأله الشرطي الذي كان يرافقني إن كنت قد مررت به قبل قليل من هنا؟ أجاب الشرطي بالإيجاب فأخلوا سبيلي. طال الوقوف دون أن أجد عربة تقلني إلى سوق الجبل، إلى أن أوقف شرطي المرور عربة "بوكس" فركبت مع عدد من الرجال ومن أحاديثهم علمت أنهم نفر من السواقين الذين كانوا في الرحلة فسألت أحدهم رواية ما حدث في يومهم ذاك، فاشترط على عدم ذكر اسمه ليروي: (نحن سواقين نعمل في خط المواصلات الداخلية، المفوضية قصدتنا كأفراد واتفقت معنا على أن نقوم بتسير رحلات إلى جنوب السودان (أويل، واو، واراب) (تحركنا وصلنا نهاية الطريق المسفلت واستقبلنا السير على الأرض تعطلت العربات، وعندما وصلنا "حلة برنو" هاتفنا سائقي العربات التي كانت تسير في المقدمة قالوا لنا "البلد برجلت ما تجوا" واتصل بنا ناس المفوضية من الخرطوم وطلبوا منا العودة شمالا.. وعندما هممنا بالعودة قابلنا عربة (لاند كروزر) كتب على لوحتها "استثمار" على متنها شخصان؛ واحد جنوبي والتاني شمالي.. وقالوا إنهم ناس المفوضية وطلبوا منا معاودة السير جنوبا. وعندما طلبت منهم إبراز بطاقاتهم رفضوا وأصروا على أن نسير جنوباً وأكدوا لنا بأن الأوضاع آمنة.
    """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
    جنوبيو العودة الطوعية.. رحلة الأهوال والموت -2
    أجوك عوض ألله جابو
    الخرطوم - جبل أولياء
    04-04-2012
    وصلنا السجانة.. من كان يجلس بجواري تساءل بثقة: (لماذا أحضرنا السائق بشارع المطار) قلت هذا شارع السجانة. فأردف: (راسنا لافي الواحد من شدة الهلع ما مصدق إنو رجع الخرطوم)

    (لمحت الشاب الذي كان ينظر الينا بحذر يتنصت حديثنا وينظر الينا وهو يلمز صاحبه ويهمس له: (قول للزول دا ما يتكلم مع المرة دي).

    جنوبيو العودة الطوعية.. رحلة الأهوال والموت (2)

    عندما ضاقت الأرض عليهم بما رحبت بفعل تصريحات الحكومة السودانية المتوعدة باقتراب اليوم الموعود لإجلائهم عن السودان، وبعد انتظارهم حكومة دولتهم الوليدة أملا في أن تنتشلهم من درك الهلع ودياجير ظلمة المجهول، أخيراً.. لائح الأمل في تباشير حملها إليهم سلاطين ومنسقو ولاياتهم عصر الجمعة 15 مارس حينما أخطروهم بضرورة تأهبهم للسفر بالخروج إلى الميادين وتجهيز أغراضهم لانتظار العربات التي ستنقلهم إلى دولتهم يوم السبت 16 مارس أي خلال ثماني وأربعين ساعة بعد التوقيع على المذكرة، كما ورد في ذات المذكرة التي حملت توقيع كل من (المركز القومي للنازحين ومفوضية العمل الطوعي والإنساني "ولاية الخرطوم" ومفوضية الإغاثة وإعادة التعمير دولة الجنوب) والتي وقعت في 14 مارس 2012م معنونة بـ (خطة تنفيذ العودة الطوعية لمواطني دولة جنوب السودان "براً"). فما كان منهم إلا أن تباروا في الخروج والاستعداد في حرص وهمة لافتة؛ تلك الهمة التي أفضت إلى اشتباك النسوة فيما بينهن حيث كانت كل منهن الأحرص على المغادرة قبل غيرها... ومع بزوغ شمس اليوم الموعود للرحيل بعض المعسكرات حالفها الحظ فصدق الوعد وغادر أهلها بينما امتد انتظار البعض ليوم أو ثلاثة أو امتد انتظار بعضهم أسبوع ولا يزال الباقون يفترشون بسط الانتظار في تلك الميادين.. ولكن من ابتسم لهم الحظ يمموا وجوهم جهة الجنوب وهم يودعون السودان مدينة مدينة وقرية قرية وبعضهم يحدث نفسه بشيء من الأسى (لعل قدمي لن تطأ أرضك بعد يومي هذا دون تأشيرة "فيزا") كما قطعت بذلك السلطات الرسمية في الخرطوم.

    وانطلقت الرحلة وفقا للمسار المرسوم لها حسب المذكرة المشار اليها وحددت خط سيرها بـ (الخرطوم- كوستي الأبيض – أمر عدارة- كيلك – الخرصانة – هجليج – ميوم – بانتيو) ولم تبلغ ميوم ولا بانتيو لأنها توقفت عند هجليج وما أدراك ما هجليج.. تفاصيل رواها من كانوا في أتون نيران الحرب وبراثين المعاناة من أهل العودة الطوعية.
    الخرطوم: جبل الأولياء- أجوك عوض الله جابو

    عندما اختلط الحابل بالنابل

    في الحلقة الفائتة توقفنا عندما بدأ أحد سائقي سيارات الفوج في سرد ما حدث في هجليج. وواصل رواية ماحدث قائلا: علمنا بعد فوات الأوان أن من قابلناهم لم يكونوا موظفي المفوضية لاسيما بعد أن علمنا أن العربة التي كانت تقل موظفين المفوضية الحقيقيين عادت أدراجها فراراً باتجاه الشمال فور اندلاع الأحداث.
    بعد لحظات من وصولنا سوق هجليج سقطت (دانة) وسط السوق وعندما تأزم الموقف أكثر وساد الهلع رأينا عددا من شباب المنطقة بزي مدني كانوا ملثمين يستغلون "مواتر" ويحملون أسلحة، والبعض الآخر كانوا يتجولون وسط العربات وما وافق هواهم طلبوا من سائقها أن يدخل بها الغابة فيفرغها من كل الامتعة التي كانت مشحونة ويتركون العربة تمضي لحال سبيلها.. وبينما الحال كذلك مرت بالقرب منا عربة (لاندكروزر) وكانت تتبعها ستة أخريات من نفس "الموديل" علمنا من تعليق المسلحين الذين يقفون بالقرب منا أن أحد قائدي القوات الجنوبية وصل، تظليل زجاج العربة لم يمكننا من رؤيته وفجأة سقطت دانة على العربة التي كانت تقله فطار عاليا وانتهى.. حاولت الدبابة أن تتحرك ولكن سرعان ما عاجلها صاروخ. وعندما استنتجنا من أصوات زخات الرصاص الملاحقة والدانات أن وطيس المعركة قد حمي واستحكمت حلقاتها تحركت عرباتنا فراراً بأقصى سرعة فما كان من البعض هناك إلا أن أطلقوا النار على إطارات العربات (تاتاتاتاتاتاتااخ) بكثافة لإتلاف الإطارات حتى يتسنى لهم نهب ما يريدون، فتعطلت بعض العربات، بينما كانت الاخريات تسير بسرعة جنونية دهست بعض الاطفال الذين فقدوا أهلهم كان أكثر من ثلاث عربات تسير على جسد الاطفال الواهنة فتسوي بهم الارض دون أن يتوقفوا، شاهدت عربة "قريس" أذكر انها كانت تسير ضمن فوج العربات قبل وقوع الحادث وكنت أعلم انها ملك لأحد الشباب من أبناء الدينكا وكان داخل القريس عددا من "اللابتوبات" لم ندر إلى أين اقتيد صاحبها ولكن أحد شبان المنطقة أدار محرك العربة "القريس" وتوجه صوب الغابة، وفي الاثناء قفز بعض الشباب من أولاد الدينكا داخل السيارة من الشباك؛ فما كان من المالك الجديد إلا أن أشهر السلاح في وجههم وصاح: (هووي إنتو مجانين ولا شنو، أنا العربية دي قلعتها لو ما دايرين تنزلوا هسة أنا برصصكم). فقفز الشباب مرة أخرى خارج "القريس".

    العربات التي استطاعت الفرار (عسكرت) في أم عدارة وفي الصباح عاودنا أدراجنا إلى ربك.
    وسألته هل وزع طعام على العائدين؟ فأجاب قائلاً لم يوزع لهم أي طعام، كانوا جوعى لا يملكون حتى ما يشترون به الطعام فقد جمعوا كل ما عندهم ودفعوه لجماعة من المسيرية استوقفونا وفرضوا على كل عربية دفع مبلغ 200 جنيه كشرط ليسمحوا لنا بالمغادرة سالمين.

    لاحت لنا ملامح مدينة ربك عند الساعة 9 صباحا حيث كان في استقبالنا فصيل كامل من الجيش وقالوا (لينا طوالي من هنا والي الرنك) قلنا لهم: (عرباتنا منتهية وهؤلاء الناس لم يذوقوا أي طعام منذ أيام) أجابنا ضابط برتبة العقيد: (ديل جنوبيين ما حيشموا ريحة الخرطوم، من هنا وإلى الرنك طوالي). وبعد ذلك توجهنا إلى الرنك وعندما وصلنا صبيحة يوم الاربعاء 28 مارس الساعة الحادي عشرة، استوقفنا "ناس" البوابة وأخبرونا بأن تعليمات صدرت اليهم بإيقافنا، فأمضينا ليلتنا بها نفترش الارض، وعندما اشرقت شمس يوم الخميس 29 مارس وفي الساعة الحادية عشرة أخبرونا بأنهم تلقوا تعليمات جديدة تفيد بأن علينا التوجه صوب الخرطوم مرة أخرى.

    وبينما كنت استمع بتركيز لرواية محدثي الذي كان يتحدث بصوت عالي قطع صوت سائق" البوكس" ما تواصل من حبل أحاديثنا (خلاص دا حدي، أنا داخل سوق الجبل ممكن تركبوا من هنا). شكرنا الرجل ونزلنا في "المثلث" لاحظت أن واحداً ممن كانوا معنا على متن "البوكس" كان ينظر إلينا ملياً.
    وماهي إلا بضع دقائق وكنا على متن بص "الولاية" كان خاليا من الركاب عدا نفر قليل هنا وآخر هناك، لمحت الشاب الذي كان ينظر الينا بحذر يتنصت حديثنا وينظر الينا وهو يلمز صاحبه ويهمس له: (قول للزول دا ما يتكلم مع المرة دي). بيد أن المهموس في أذنه وبدلا عن توصيل الرسالة انفجر هو الآخر: (وما الذي يسكتنا هؤلاء الناس قاموا بخداعنا). بكل اطمئنان أدرت ظهري باتجاهه مستفهمه ومن هم؟.. دنا إلى بعض الشئ وقال بعد أن أعربت له عن صفتي: (يا أختي كان اتفاقنا مع ناس المفوضية انو العربات الماشة اويل بخمسة مليون. وواو بستة مليون ونصف.. وكواجوك بستة مليون. قبل مغادرتنا إلى اويل تم توزيع المبلغ الذي استلمناه من المفوضية نظير الرحلة، مالك العربية أخد مليونين من الخمسة ووضع احتياطي صيانة العربية ماشي وجاي مليونين ونصيب السائق من المشوار مليون، ولكن الآن العربية ضربت ثلاثة لساتك وجوز اللستك بـ "مليون واربعمائة وخمسين" والخيط بـ "ثمانمائة". الرقعة في الخرطوم بـ "خمسة جنيه" وفي عدارة بـ "خمسة وعشرين جنيه ، واذا احتجيت؛ سيد البنشر بقول ليك استنى يدخل جوه ويمرق ليك بسلاح في يده ويقول ليك بـ "أربعين جنيه" وتحت التهديد مافي طريقة الا تدفع، ونحن صرفنا كل ما نملك في شراء الطعام للعائدين) ويواصل (ما كنا لنأكل وأمامنا أطفال ونساء جياع فبعد أن أنفقنا كل ما بطرفنا اضطرت بعض النسوة لبيع ما تبقى معهن من "باكتة" الدقيق بـ "عشرين جنيه" فقط وعندما وصلنا ربك كنا معدمين تماما لا نملك حتى ما ندفعه لنقطة العبور. ولما قلنا للعقيد الذي طلب منا التوجه إلى الرنك لن نستطيع لأن من بين الركاب جرحى علق أحدهم (بستنوهم بس) فأجابته "نحن رجال أدونا طلقة ما بستنوننا زي الاطفال"). ولكن أحدهم قاطع مستدركا: (مسؤول المفوضية أخبرنا بأن حكومة الخرطوم ستقوم بتأمين الطوف حتى نصل حدود دولة الجنوب وبعد ذلك يتولى الامن في الجنوب مسؤولية تأميننا حتى نصل المحطة الاخيرة ولكن لم تسر معنا أي قوة أمنية، فقط رافقتنا شرطة المرور. بعض السلاطين رفضوا أعطاءنا "المانفستو" دون أن ندفع لهم مقابل فتركناهم، فلحقنا بعضهم في الجريف غرب، المفوضية قالت بأنها ستزود الناقلات بالوقود قبل التحرك ولكنها لم تفعل ولم توفر وجبات للعائدين كما وعدت ايضا. قطعت- المفوضية- بأن فريقا طبيا سيرافق الرحلة ولكن لم نر ولا ممرضا فالسيدة التي وضعت في الطريقة كانت محظوظة لأن من ضمن العائدات كانت هناك قابلة، لسنا شركات فمن يعوض خسارتنا لاسيما واننا رفضنا العرض الجديد الذي عرضته علينا. عاجلته بسؤال بعد أن صمت ماذا عرضت عليكم؟ عرضت علينا دفع مبلغ خمسمائه جنيه مقابل أن نقوم بترحيل العائدين من نقطة عبور جبل أولياء إلى الرنك ولكننا رفضنا، وغدا سنحضر لنفرغ العربات مما تبقى من الامتعة ونستلم عرباتنا.
    وصلنا السجانة.. من كان يجلس بجواري تساءل بثقة: (لماذا أحضرنا السائق بشارع المطار) قلت هذا شارع السجانة. فأردف: (راسنا لافي الواحد من شدة الهلع ما مصدق إنو رجع الخرطوم). دقائق أخريات وكنا عند صينية شارع الحرية ولكن يبدو أن رأس محدثي لم يكف عن اللف بعد فما أن تراءت "داخلية حسيب" من خلف زجاج البص حتى طفق بسؤال آخر (وصلنا معمل استاك)؟. أجبته .. بل هذه داخلية حسيب فما كان منه الا وان أقسم: (والله العظيم تصدقي يا أخت نحن سواقين مواصلات داخلية وما قادرين نتعرف على الشوارع)!!.
    افترقنا بعد أن أقسم أحدهم جهد إيمانه وأصر أن آخذ منه، ورقة من فئة العشرة جنيهات فلم أجد غير أن أبر قسمه. ودّعوني.. خطوات وعاود أحدهم أدراجه صوبي سألني: (لماذا تبدين كل ذلك الاهتمام بهذا الموضوع؛ مؤكد أنك ستكافأين بعربة. مازحته صادقة: (لو كان ما تقول صحيحا لمن قبلت أن آخذ العشرة جنية.. افترقنا.
    صباح الجمعة 30 مارس غادرت المنزل في التاسعة.. بعد أن وصلت الخرطوم واستقليت "مواصلات" جبل الاولياء حاولت كما أمسى الاتصال بـ "اقووك" لعل جديدا قد طرأ على ما رأيتهم عليه من حال ولكن يريد المرء أن يعطي مناه ويأبى الله الا ما يشاء هاتف "اقووك" كان مغلقا. ولكن الاجابة التي كنت أنشدها من الاتصال بـ (اقووك) توفرت لي حال اتصالي اتصلت بموظف المفوضية مصطفى يوسف الذي أجابني: (أنا في طريقي إلى الجبل)... أذن أهل العودة الطوعية لا زالوا عالقين في نقطة العبور!!

    معبر رفح سوداني عند نقطة عبور جبل الأولياء

    عربات العودة الطوعية التي لا يتوه عنها أحد وقد ربطت عليها قطعة "دمورية" مكتوب عليها (برنامج العودة الطوعية الخ...) تحركت من المكان الذي كانت تقف فيه بالامس تحركت إلى أقصى الجنوب وكأن من أمر بذلك رام تأكيد إصراره على أن يعودوا جنوبا. لم يختلف حال المكان الذي حركوا اليه عن الاول ليس بينهم وبين أشعة الشمس الحارقة منذ الامس واقي سوى أسقف العربات الواقفة، ليست هناك حمامات لقضاء الحاجة أو أي ستار ليقصده الرجال والنساء والشباب. ووقفت بالمكان الذي كانوا يقفون فيه عربة المفوضية وأخرى لدوريات شرطة جبل أولياء ولاية النيل الابيض بجانب "دفار" كبير لأفراد شرطة مكافحة الشغب. نساء ورجال جنوبيون يتجهون صوب المعسكر يحمل بعضهم أكياس داخلها رغيف ومياه، فيما كانت بعض النسوة يحملن "أعمدة طعام".
    عندما اقتربت من المدخل رأيتهم يستوقفون كل من يهم بالدخول ويتحدثون إلى الناس بصرامة وحدة بالغين.. فتجاهلت وجودهم وتظاهرت بعدم فهم ما يجري من منع الناس ولكن... بذات طريقة الأمس استوقفوني: (ماشة وين؟ المشي بغادي ممنوع). فتراجعت إلى الوراء قليلا ووقفت مع الواقفين.. بعض رجال وشباب وبنات صغيرات من داخل المسكر يحملون "جركانات" فارغة متجهين من الجنوب ناحية مدخل النقطة حيث ترابط الشرطة وعندما وصلوا البوابة قال: (ماشين وين؟ إنتو هسة ما طلعتو جبتو موية) رد رجل أربعيني كان يحمل "جركانة" فارغة: (ناس كتيرين دايرين موية). أخذ، ورد فسماح.

    حينما كانت الجنسية مبرئة للذمم

    كان الخيار الوحيد أمام الزائرين لرؤية أهلهم داخل المعسكر انتظار القادمين من داخل المعسكر لاستقبال أهلهم أو انتظار من خرجوا لجلب الماء ليطلبوا منهم إخبار المقصود من أهل المعسكر بأن لديه زوار.. طال الانتظار وطال. قلت لأحد رجال الشرطة كان يحمل عصاة في يده شأنه شأن الفريق الذي كان معه بينما كان الآخرون يحملون أسلحة: (ظرفي استثنائي.. فمن أقصدها داخل المعسكر أخت لي وضعت في الطريق وأحمل لها بعض ما تسير بها أمرها لأنها لا تملك أبيض ولا أسود). سألني العسكري: (معاك بطاقة أو جنسية)؟ أجبته بالنفي - كانوا يسمحون بالدخول في حالة إيداع الزائر بطاقة أو جنسية- أشار الجندي بأن اتجه للضابط لأحكي له ظرفي عله يسمح لي بالدخول. فتوجهت اليه كان يجلس إلى جنبه آخر وقصصت له القصة فتحدث إلى بهدوء معتذرا بلطف: (شوفي الناس الوراك دي كتيرة كيف ولو سمحت ليك ما حيرضوا) وأردف (عندك بطاقة أو جنسية) لم تختلف الإجابة الثانية عن الاولى فقال لي: (معليش). ابتعد قليلا.. يقف إلى جواري خلف الحاجز الخرصاني من اتجاه الشمال أناس كثر ولكن أحد العساكر أصر على أن نبتعد عن المكان أكثر وأكثر وكان (يُهش) الناس بالعصا التي كانت في يده وهو يقول: (لو دايرين أكعب من كدا بنوريكم ليهو). استفزتني طريقتة.. سألته وماذا ستروننا أكثر مما أريتمونا؛ بل ماذا نتوقع أصلا؟ حدق باتجاهي مليا وردد ذات عبارته (لو دايرين أكعب من كدا بنوريكم ليهو).

    بكاء على الأحياء قبل الأموات

    مؤكد أن كل من بداخل المعسكر لم يأتوا من بيت واحد لذلك كان طبيعيا أن يستغرق بحث "المرسال" وتعرفه على المزور وقتا ليس بالقصير وما أن يحضر المزور من داخل المعسكر وتصافح عينيه عين الزائر من أهله وما أن يبلغه حتى يرتموا في أحضان بعضهم البعض وترتفع أصواتهم في بكاء حار ويزداد النحيب فور شروع الأول في سرد رواية ما ألم بهم في (رحلة الأهوال والموت) جميعهم كانوا يبكون بلا استثناء رجالا ونساء. وكان رجال الشرطة يجيلون بصرهم في تلك المشاهد. أحداهن أتت للاطمئنان على ابنها الصغير الذي كان مسافرا مع جدته "والدتها" وما أن رأت والدتها قادمة من على البعد تحمل ابنها حتى انخرطت في نوبة بكاء جنونية وكانت تردد بلغة الدينكا: (دي إهانة شنو يا ربي).
    انطوني شاب لم يبلغ العشرين من عمره ما أن صافح شقيقه الذي قدم من داخل المعسكر حتى انفجر هو الآخر يبكي بطريقة لفتت الكل لدرجة أننا جميعا ذهبنا اليه نهدئ من روعه بعد أن نحى بنفسه بعيدا يردد (مش الحكومة دا حنشتغل فيهو. ليه يهينونا كدا). فهمت من عبارته أن المصائب والنواب لم تنل منهم إلا لضعفهم، وان من يفعلون ما فعلوا من قهر استقووا بالسلطة. عقارب الساعة تشير إلى الرابعة عصر ولم يتسن لي دخول المعسكر بعد. كيف أعود وقد وعدت من وعدت داخل المعسكر أمس فضلا عن انهم لا يمانعون رواية ما لحقهم (طق طق طق). لم أبرح هجير الشمس منذ أن وصلت الساعة الحادية عشرة كنت استرق الاستماع لرواية الزوار الذين يتحدثون إلى أهلهم الزائرين. إلى أن استطعت أخيرا عبور الحاجز الخرصاني إلى داخل المعسكر. لم أصدق أني دخلت المعسكر أخيراً.. أسير بحذر ما تقدمت خطوة إلا وظننت أنهم سيستوقفوني كما حدث في المرتين السابقتين، تجنبت الالتفات إلى الوراء وما أن اقتربت من العائدين حتى تعرف على أحدهم، صافحني وقال سمحوا لك بالدخول بعد أن أوشكنا على الرحيل وأدارت بعض العربات محركاتها إيذانا ببدء التحرك.
    يتبع
    """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

    الخرطوم: جبل الأولياء - أجوك عوض الله جابو(3)
    الأحداث: 9 أبريل 2012
    عندما ضاقت الأرض عليهم بما رحبت بفعل تصريحات الحكومة السودانية المتوعدة باقتراب اليوم الموعود لإجلائهم عن السودان، وبعد انتظارهم حكومة دولتهم الوليدة أملاً في أن تنتشلهم من درك الهلع ودياجير ظلمة المجهول، أخيراً.. لاح الأمل في تباشير حملها إليهم سلاطين ومنسقو ولاياتهم عصر الجمعة 15 مارس حينما أخطروهم بضرورة تأهبهم للسفر بالخروج إلى الميادين وتجهيز أغراضهم لانتظار العربات التي ستنقلهم إلى دولتهم يوم السبت 16 مارس أي خلال ثماني وأربعين ساعة بعد التوقيع على المذكرة، كما ورد في ذات المذكرة التي حملت توقيع كل من (المركز القومي للنازحين ومفوضية العمل الطوعي والإنساني «ولاية الخرطوم» ومفوضية الإغاثة وإعادة التعمير دولة الجنوب) والتي وقعت في 14 مارس 2012م معنونة بـ(خطة تنفيذ العودة الطوعية لمواطني دولة جنوب السودان «براً»). فما كان منهم إلا أن تباروا في الخروج والاستعداد في حرص وهمة لافتة؛ تلك الهمة التي أفضت إلى اشتباك النسوة فيما بينهن حيث كانت كل واحدة منهن الأحرص على المغادرة قبل غيرها... ومع بزوغ شمس اليوم الموعود للرحيل بعض المعسكرات حالفها الحظ فصدق الوعد وغادر أهلها بينما امتد انتظار البعض ليوم أو ثلاثة أو امتد انتظار بعضهم أسبوع ولا يزال الباقون يفترشون بسط الانتظار في تلك الميادين.. ولكن من ابتسم لهم الحظ يمموا وجوهم جهة الجنوب وهم يودعون السودان؛ مدينة مدينة وقرية قرية وبعضهم يحدث نفسه بشيء من الأسى (لعل قدمي لن تطأ أرضك بعد يومي هذا دون تأشيرة «فيزا») كما قطعت بذلك السلطات الرسمية في الخرطوم.
    وانطلقت الرحلة وفقاً للمسار المرسوم لها حسب المذكرة المشار اليها وحددت خط سيرها بـ(الخرطوم - كوستي الأبيض – أمر عدارة - كيلك – الخرصانة – هجليج – ميوم – بانتيو) ولم تبلغ ميوم ولا بانتيو لأنها توقفت عند هجليج وما أدراك ما هجليج.. تفاصيل رواها من كانوا في أتون نيران الحرب وبراثين المعاناة من أهل العودة الطوعية.
    دار مثل دارك قد تجدها
    وروحك لن تجد عوضاً سواها
    وفق معنى البيت أعلاه كان لسان حالهم يردد وهم يسردون تفاصيل رحلتهم تلك..
    توقفنا في المرة السابقة عند الحظة التي تمكنت فيها من دخول المعسكر وما إن اقتربت من العائدين حتى تعرف علي واحد من العائدين وصافحني وقال: (سمحوا لك بالدخول بعد أن أوشكنا على الرحيل وأدارت بعض العربات محركاتها إيذاناً بالرحيل) خطواتي تتوغل ناحية المعسكر باتجاه الجنوب أكثر من 38 مركبة يصطفون طويلاً، وقد استقبلت مقدمتها الجنوب الجغرافي الكل هنا غاية في الانشغال.. عدد من الناس يعتلون سطح «الحافلات والنيسانات» ويقومون بحزم أمتعة المسافرين، لم تكن العربات التي تقف نفس عربات الأمس وبحسب ما علمت عندما كنت أقف عند بوابة التفتيش أن سائقي المركبات التي جاء العائدون على متنها بجبل الأولياء رفضوا العودة مرة أخرى لهول ما رأوا، بالإضافة الى أن أعطالاً لحقت ببعضها فاضطرت المفوضية لإحضار مركبات جديدة. ارتبكت قليلاً فقد خشية أن تتحرك المركبات دون أن أنجز مهمتي كنت حريصة على أن أتحدث الى توني سبت بلاريو الذي كان يقصد ولاية غرب بحر الغزال. وتوني شقيق انطوني الشاب الذي أشرت في الحلقة الماضية الى أن نوبة جنونية من البكاء اعترته فور احتضانه شقيقه الذي كان ضمن العائدين؛ كنت أتوق لمعرفة ما سرد توني لشقيقه فحمله على البكاء بتلك الطريقة فأخذت رقم هاتف توني الذي كان داخل المعسكر أملاً في أن أستمع اليه حال تمكني من الدخول وبينما أنا أجول ببصري بين الفتية الواقفين هناك والنساء اللائي لُذنا بظلال العربات الواقفة هناك، يوم أنْ عز المظل إلا الله وقد افترشن بعض الملاءات على الأرض لإجلاس أطفالهن. لمحته فجأة؛ ناديته.. وليم.. فالتفت الي واتجه نحوي ووليم داك دام رجل في الخمسين من عمره يقصد ولاية وراب.. قابلته ليلة الخميس 29 مارس عندما كنت أهم بمغادرة المعسكر حيث كان هو الآخر في طريقة الى سوق الجبل ليجلب لأبنائه الذين لم يتناولوا طعاماً لأربعة أيام فول مصري كما أخبرني وقتها.. تنحينا جانباً خشية أن ينتبه الينا أفراد الأمن الذين كانوا منتشرين بكثافة داخل المعسكر فابتدر محادثتنا بقوله: (لن ننسى قط ما لحق بنا وسنحكيه لأبنائنا فقد تعاملوا معنا وكأننا لسنا «بني آدمين») فسألته رواية ما حدث فطفق يسرد: (بعد أن سلكنا طريق الأبيض مروراً بالدلنج وخرصانة ووصلنا هجليج حوالي الخامسة والنصف عصراً كان أطفالنا عطشى فترجلنا من العربات قاصدين ماسورة بالقرب من المكان الذي توقفنا فيه الكل يحمل «جركانة» موية فارغة وبعد أن وردنا الماء وتوجهنا صوب عربات الطوف اذا بأحدهم يستوقفنا بحدة اقيفوا.. اقيفوا بالموية دي.. فتوقفنا وكنا أكثر من عشرين رجلاً وشاب كان المستوقف رجلاً معاقا لا سيقان له.. كان يسير متدحرجاً على إطارات صغيرة وعندما اقترب منا استل سكيناً كبيراً من طرفه وطفق يتلف «الجركانات» فاندلق الماء دُهشنا كثيراً لذاك التصرف الغريب وألقينا «الجركانات» المثقوبة وتوجهنا صوب العربات وقد تملكنا الخوف تماما، وقتها كانت الأحداث لم تندلع بعد. وبعد ان وصلنا العربات وجلسنا بقليل.. كان عدد من شباب المسيرية يستعرضون أمام ناظرينا وهم يلوح بسكاكين ويرددون (الليلة يوم الضبح) وفي الأثناء أحد المسلحين أطلق النار دون سابق إنذار على شاب في العشرين من عمره كان ضمن العائدين وأرداه قتيلاً في الحال وبرر الأمر لمن كان معه بأن الشاب ينتمي لعصابات «النيقز» المشهورة لم نكن ندري ما الأمر بالضبط حتى اندلعت الأحداث وسمعنا دوي القنابل وزخات السلاح وعمت الفوضى المكان وكان السائقون يصيحون بنا اركبوا.. اركبوا. وعندما تأزم الموقف واشتد القصف ركض السكان المحليون باتجاه الغابة بجانب المسلحين وبعض أهل العودة الطوعية الذين ترجلوا عن مركباتهم تحت تهديد السلاح ليستغلها المسلحون لصالحهم، دهست المركبات عدداً من الأطفال واعتداء بعض المسلحين على النساء والفتيات. وبعد أن استطعنا الفرار من المنطقة ووصلنا خرصانة قصدنا معسكراً للجيش في قرية صغيرة لا ادري ما اسمها؛ شرطي في المعسكر خاطبنا: (عفشكم دا كلوا حينزل تحت وتمشوا لو دايرين تحيوا). وفي الحظة حضر قائد المنطقة وقال للشرطي من الذي أصدر اليك تعليمات لتقول ما قلت (خليهم يركبوا عرباتهم)، وباطمئنان تحركنا باتجاه كيلا مسافة سير... واستوقفتنا جماعة كان أفرادها يرتدون «جلاليب» وكان ضمنهم مسلحين (المسلحين هناك بسمعوا التعليمات من ناس الجلاليب) وأحد من أصحاب «الجلاليب» صاح: (ديل حينزلوا كلهم ولا نقتلهم) فاختلفوا.. واحد من أبناء النوبة كان ضمن المسلحين اعترض قائلا: (الزمن دا كلو ما حصلت حاجة كعبة زي دي في المنطقة دي خليهم يجمعوا ليكم قروش بس). الكل كان صامتاً الا هم فيما بينهم (جرو الحبل بينهم كداااااآ.. ولد النوبة كان داير يخارجنا بأي طريقة) هنيهة زمن خرجوا باتفاق قضى بأن تتدفع كل مركبة 200 جنيه ففعلنا وعندما وصلنا الدلنج قابلنا موكب لعربات قيل إنه المحافظ وكان في طريقه الينا؛ وعندما قابلنا تقدمنا حتى الابيض ومررنا بالرهد ولما قصدنا كوستي ووصلنا في الصباح «لقينا كمين» بوليس قالوا: (ما حترجعوا الخرطوم تاني) اتصلوا على محافظ الرنك فرد بأن ليس لديه ميزانية لاستقبالنا «للأنو في ناس كتار هناك» وقصدنا الخرطوم يوم الخميس 29 مارس (لقينا بوليس الخرطوم كلو في انتظارنا في التفتيش جبل الاولياء).. قالوا لينا ما حتدخلوا الخرطوم شوفوا ليكم طريقة خلاص بقيتوا جنوبيين ونحن شماليين. وناس المفوضية جونا لكن الناس كانوا زعلانين شتموا موظفة المفوضية – يقصد نائبة المفوض العام للإغاثة وإعادة التعمير جمهورية جنوب السودان جلفانا لوكا) ولولا أن حُلنا بين بعض العائدين خاصة النساء دونها لأوسعوها ضرباً وقالوا لها (انتو تلبسوا في الدهب ومرتاحين ونحن نموت وتعبانين أربعة أيام ما لاقين موية ولا أكل؟) فاضطرت نائبة المفوض للانتظار خارج المعسكر. ناس المفوضية وزعوا لينا «جركانات موية» الساعة السابعة مساء. ووزعوا لينا «سندوتشات»عدس الناس اتخاطفوا لأنها ما كفَّت الناس). ويواصل وليم حديثه (حسب الاتفاق الذي وقعه وزير الشؤون الإنسانية لوال اشويل كان يفترض أن يرافق القافلة تأميناً ولكننا لم نرَ شرطياًض واحداً كنا نسير وحدنا بجانب السائقين بالاضافة الى عربة بها ثلاثة من موظفي المفوضية لم توزع المفوضية المواد الغذايئة على العائدين حسب الاتفاق، بإمكانك التأكد من السائقين أنفسهم منذ أن غادرنا الأبيض ولم نرَ العربة التي كانت تحمل المواد التمونية. وعندما تحركت بعض المركبات أسرع توني باتجاهي وأخبرني بأن بالحافلة من يود الحديث الي بخطوات عجلى وصلنا الحافلة المقصودة وصعدنا الى الداخل، أربع نسوة كانت كل واحدة منهن جمعت أطفالها الى جنبها، في العقد الثالث من عمرها كانت تجلس بالمقعد الخلفي متوسطة أبنائها ترتدي عباءة مزركشة وطرحة وبينما كان طفلها الصغير نائماً على مقعد الحافلة كان يرتدي لباساً أبيض اللون وكان صدره كاشفا، درجة الحرارة عالية جداً لذا كان طبيعياً أن لا يطيق الجلوس داخل تلك المركبة الا المضطر وكذا كانوا.. سلمت عليها وجلست بالقرب منها.. صعد رجل من ضمن العائدين.. أمرهم بأن يسدلوا ستائر المركبة حتى لا يرانا أحد، وعندما طلبت منه الجلوس لرواية ما حدث معهم أجابني: (أنا كنت نظامياً وحسب تقديري الكلام هنا مخاطرة.. أنا عارف كل حاجة وشفت كل حاجة لكن ما حأتكلم إلا في الجنوب). وترجل بعد أن نصحني بألا أطيل المكوث داخل المعسكر. عرفتني السيدة بنفسها قائلة: (اسمي آمال اندريا، أنا ماشة يامبيو. وقعت الاحداث بعد ان وصلنا هجليج، كنا في مؤخرة الطوف، عشر دقائق من وصولنا وبدأ إطلاق النار. كان الأطفال يركضون هنا وهناك.. قام زوجي بجمع كل ركاب الحافلة في مكان واحد وأمرنا بألا نتحرك حتى نتبين الامر، وبعد قليل كان الكل يركض. ثلاثة أولاد مسلحين بأسلحة بيضاء وآخر ناري صعدوا الى متن الحافلة التي كانت تقلنا وشرعوا في ضرب سائقها وأمروا السائق بأن ينطلق بهم فأدار محرك المركبة واختفى داخل الغابة واختفت معه كل أغراضنا وشنط ملابسنا فكما ترين لا أجد ما ألبسه لطفلي النائم لم يتركوا لنا قطعة قماش واحدة ولم نعد نملك من الملابس عدا التي نرتديها، عندما اشتد القصف فررنا باتجاه الغابة وطلب منا زوجي الانتظار قليلاً قبل أن نخرج الى «الزلط» انتظرنا قليلاً ثم خرجنا الى الطريق فصادفتنا»عربية جيش كبيرة وقفوا و(شالونا بالعربية ودونا تاني معسكر في خرصانة» لم يكن بالمعسكر سوى بعض النساء وعندما جن الليل حصل شيء ما كويس كان بعض المسلحين بنادوا النسوان، اتنين بنات قدامنا ودوهم جوه الراكوبة ممنوع تتكلم بالموبايل، ممنوع تبول حتى العيال قالوا مافي زول يتكلم كان اتكلمت طلقة.. واحد من المسلحين قال لأبونا جيب قروش عشاء، كان المنظر شين كلنا الأسرة الفي العربية دي اتغطينا ببطانية واحدة من الخوف). وتواصل
    حافلتنا دي كانت مافي جات ورانا أمس. ناس المفوضية من أول طلقة جروا). ما إن انتهت آمال اندريا حتى أُسرعت ناحية باب المركبة ولكنها استوقفتني كانت تجلس بالمقاعد الأمامي تحمل طفلة وبعد أن اقتربت من باب المركبة استوقفتني ليس لدي جديد بعد ما روت آمال غير أن أحد المسلحين هددنا وقال لي: (جيبي الموبايل) أجبته الموبايل دا حق منو؟ فما كان منه إلا أن وضع مسدسه على صفحة عنقي وكرر (جيبي الموبايل) فأدخلت يدي في جيبي وسلمته موبايلاتي الاثنين بيدي، ولما وصلنا الجبل هنا عاملونا معاملة كعبة شديد، مهما كان الجنوب انفصل نحن بينا دم وعشرة وكلام سياسة دا ما عندنا فيهو ذنب، أهلنا واقفين بره المعسكر ما خلوهم يجونا في شنو اصلو، أنحن مش كنا يوم ناس واحد ولا سياسة مسح كل حاجة؟.. قبيل في شيخ جاب لينا فتة قالوا ليهو منو القال ليك تجيب ليهم أكل؟.. حتى إنسانية ذاتو بقى مافي أنا متأسف والله. سألتها ذكر اسمها قالت اسمي: (أليس جمعة أقصد ولاية بحر الغزال). مررت بهم مسرعة كان مستلقياً على ملاءات تحت ظل إحدى المركبات وبينما جلست أمه وبعض إخوته بالقرب منه أشار وليم ناحيتهم وأخبرني بأن ذاك الطفل أحضر لتوه من المستشفى فبعد أن ساءت حالته جداً اصطحب أحد العساكر الذين يقفون عند البوابة والدته وذهبوا به الى المستشفى. وطلب مني وليم أن أذهب لرؤية سيدة اصيبت في ساقها ولم تستطع الذهاب الى المستشفى، اعتذرت لأن السيدة كانت داخل إحدى المركبات المتوقفة في أقصى الجنوب.
    صافرة الرحيل..
    كان موظفو المفوضية بجانب عدد من أفراد الأمن والشرطة متجهين ناحية المعسكر.. فقد هان ساعة المغادرة. وعندما اقتربت منهم خاطبني أحد العساكر ممن كانوا يقفون في البوابة وين ما مع الجماعة؟ لم أرد عليه. خرجت من المعسكر الساعة الخامسة إلا دقائق قبل أن تبتعد الأمجاد التي استقليتها عن نقطة العبور، كانت عربات قافلة العودة الطوعية تقصد طلمبة الوقود الكائنة بالقرب من النقطة وعلمت أن موظفي المفوضية سيرافقونهم في رحلتهم الى الرنك.. غادروا وكان الخوف يتقدمهم جراء رحلة الأهوال والموت التي عادوا منها.
    في الحلقات القادمة سوف نستعرض كل من آراء المركز القومي للنازحين والعائدين بولاية الخرطوم ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ورأي مفوضية الإغاثة وإعادة التعمير بدولة جنوب السودان ويدلي كل بدلوه في ما نشر من حلقات العودة الطوعية.. رحلة الأهوال والموت.
    """"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

    أميرة الفاضل في المحور الثاني من حوارها مع (الأحداث) عن العودة الطوعية لجنوبيي الشمال

    ليست لديّ معلومة بذلك (...) وهذه المعلومة جديدة بالنسبة لي
    """"""""""
    الجهات التي صاحبت رحلة العائدين هي الشرطة والأجهزة الأمنية
    """""""""""""

    لم يصلنا تقرير عن أن واحداً من العائدين تضرر أو توفي
    """""""""""
    قبل مجيئكم بساعة تسلمت آخر تقريراً خاصاً بتفاصيل رحلة العودة الطوعية المستفسَر عنه ولم يحوِ التقرير أي حديث عن وفيات
    """"""""""""
    القصف مدعوم من قبل دولة جنوب السودان التي كانت تعلم أن لديها عائدين في الطريق
    """""""""""""
    الحديث عن تعرض الجنوبيين لابتزاز في نقاط العبور غير صحيح
    """""""""""""
    عدد من المنظمات شاركت في تقديم المعينات بالإضافة إلى أن بعض العائدين كان بحاجة لخدمات طبية.. استوثقوا من معلوماتكم أكثر.
    """""""""""""""""""""

    العائدون كانوا 1600 شخص أو أكثر وتم ترحيلهم وأقلَّتهم المركبات ولم يعد هناك إمكان لهم.
    """"""""""""""""

    كنت أرى الأنسب الإبقاء عليهم في النيل الأبيض، بعد ذلك يتم ترحيلهم عبر جودة إلى الرنك لأنهم رُحلوا في اليوم الثاني للرنك.
    """"""""""""""""
    لم يكن أشد المتشائمين من أهل رحلة العودة الطوعية التي ودعت سماء الخرطوم في السابع من أبريل الجاري، يتوقع أن تتعرض قافلتهم لما تعرضت له من فصول حكاية روتها ملامح المرارة والبؤس التي بدت عليهم في صفحات "الأحداث" غير أن للصورة أكثر من تفاصيل، وللحكاية عدة أوجه حسبما كشفت المرافعات التي قدمتها كل جهة من الجهات القائمة على أمر تنظيم عمليات العودة الطوعية. وزيرة الرعاية الاجتماعية أميرة الفاضل في مرافعتها عن دور وزارتها كشفت النقاب عن حقائق رسمت صورة بأبعاد مختلفة تماماً عن الأولى عبر محاور لم تنقصها الجراءة، إذ كان لا بد لنا من استفسار الجهات الرسمية وقد مثلت لنا وزيرة الرعاية الاجتماعية وجهة نظر رسمية نعرضها اليوم، إلى جانب رأي المركز القومي للعائدين والنازحين بولاية الخرطوم الذي سوف ينشر فيما بينا أيدنا من أيام... فإلى تفاصيل الحوار:

    حاورتها: أجوك عوض الله جابو ـ تيسير عبد الحليم ـ إلهام مصطفى

    - العائدون في رحلة العودة الطوعية وسائقو المركبات أكدوا أن الرحلة التي تحركت من جبل الأولياء وصادف دخولها هجليج ساعة اندلاع الأحداث الأولى في المنطقة كانت تسير دون أي تأمين. تعليقك؟
    وقعنا مذكرة تفاهم مع وزارة الشؤون الإنسانية بدولة الجنوب قبل شهرين بحضور وزير الشؤون الإنسانية لدولة الجنوب، وبعدها وقعنا ما سُمي بخطة التشغيل وكان بين مدير مركز النزوح والعائدين كممثل لوزارة الرعاية الاجتماعية بجمهورية السودان اللواء السر العمدة، ومفوضية الشؤون الإنسانية جلفانا واتفقنا على طرق التنفيذ على أن يكون هناك نقل برّي وجوّي والسكة حديد لأن النقل النهري كان به إشكالات لذلك لم يرد في مذكرة التفاهم. وبدأنا الترحيل بالسكة حديد وسيّرنا ثلاثة قطارات بعد أن وضعنا ترتيبات للنقل البري، بجانب ترتيبات للترحيل عبر النقل الجوي أيضاً، ولكنه محصور في فئة كبار السكن والحالات الخاصة، وفي المرحلة الاولى نقلنا 400 فرد، والمرحلة الثانية و400 ويزيد قرابة الألف تم ترحيلهم بالنقل الجوي. ومعنا في هذا البرنامج منظمة الهجرة الدولية كجهة ممولة للعودة الطوعية للجنوبيين. يوم السبت الذي سبق الاعتداء الأول على هجليج حركنا رحلة بعد أن حضر وزير الشؤون الإنسانية لوال اشويل من جوبا وذهب بنفسه إلى حيث النقطة التي تقف عندها البصات والشاحنات التي تقوم بترحيل العائدين وكان على متنها 1624. انطقت الرحلة من منطقة جبل أولياء "حقيقة لم أحضر الترحيل" ولكن حضره كل من "ناس المركز" والوزير وكانوا حضورا حتى تحركت الحافلات والباصات وما حدث إن.. القافلة عندما وصلت إلى منطقة هجليج توغل جزء المقدمة داخل منطقة هجليج بينما لم يدخل جزء المؤخرة داخل المنطقة أصلاً نسير مع كل القوافل التي ننظمها شرطة وأمن ولو هناك من تحدث عن أن القافلة سارت دون تأمين فهذا الحديث غير صحيح لأننا "نحنا ذاتنا" علينا مسؤولية كبيرة بالمناسبة بجانب أن تأمين قوافل العائدين مسألة لا تحتاج إلى حديث وليس هذا فحسب فالتأمين يصاحبهم من ولاية الخرطوم وعندما يصلون ولاية النيل الأبيض يتحرك تأمين "تاني" معهم، كان في رحلة العائدين شرطة وأجهزة أمنية. والحديث عن أن قافلة العائدين شهدت قصف هجليج بالتزامن أيضا حديث غير صحيح وقد تحققت في الأمر أكثر من مرة، في "ناس" تعرضوا للقصف في الجزء الواقع بعد هجليج إلى بانتيو وطبعاً حدود مسؤوليتنا حتى بانتيو الشاحنات والبصات تقوم بتوصيل العائدين إلى بانتيو وبعد ذلك يتولى الامن في الجنوب مسؤوليتهم ثم تعود قوافلنا من هناك شمالا، والجزء الذي عبَر هجليج ودخل بانتيو توغل داخل حدود دولته، والجزء الذي لم يدخل إلى هجليج عندما وقع القصف قمنا بإرجاعهم إلى كنانة بالنيل الأبيض حيث مكثوا بالنيل الأبيض يوماً وقمنا بإرجاعهم مرة أخرى إلى الخرطوم جبل أولياء. لم يصلنا تقرير عن أن واحداً من العائدين تضرر أو توفي "خالص والله" قبل مجيئكم بساعة تسلمت آخر تقرير خاص بتفاصيل رحلة العودة الطوعية المستفسر عنه ولم يحو التقرير أي حديث عن وفيات (أُجري الحوار في الخامس من أبريل)
    -إذن.. تعليقك على بعض المشاهدات التي جاءت على لسان العائدين أنفسهم والتي كشفت عن تعرض عدد من مركبات العودة الطوعية لعمليات نهب كبيرة من قبل جماعت مسلحة؟
    أكيد يوجد قصف... في قصف.
    - ولكنك ذكرتِ أن الرحلة انطلقت بصحبة تأمين شرطي وأمني ومع ذلك تعرض العائدون لابتزاز جماعات نهب في الطريق أخذت من كل مركبة مبلغ 200 جنيه كشرط لعبور كل حافلة أو بص في ظل وجود التأمين كما أكدتِ. تفسيرك؟
    "ما صاح الكلام دا.. ما صاح أول حاجة "أورّيك" الرحلة بتاعة الجنوبيين دي كيف الجهات التي كانت ترافق قافلة العودة الطوعية هي الشرطة، جهاز الأمن والمخابرات الوطني وهؤلاء موجودون في كل نقاط العبور بالاضافة إلى أن عبورهم لنقاط على الطريق يتم عبر مندوبنا، لذلك الحديث عن تعرضهم لابتزاز غير صحيح، أولا نشترك جميعاً في التكلفة المالية ولكن النسبة الكبيرة تكفلت بسدادها منظمة الهجرة الدولية. وبالعكس تضررنا من رجوع البصات إلى نقطة عبور جبل الأولياء مرة أخرى لأن أصحابها رفضوا الذهاب إلى الجنوب لتخوفهم جراء القصف الذي شهدوه في هجليج الامر الذي اضطرنا لاستبدالها واستئجارها بعدد 57 حافلة جديد. فتكر أن هنالك أناس يريدون تشويه صورة العودة الطوعية، فعلى من يسأل عن تعرض قافلة العودة الطوعية لقصف هجليج _ تقصد أحداث هجليج الأولى – أن يعلم أن القصف مدعوم من قبل دولة جنوب السودان التي كانت تعلم أن لديها عائدين في الطريق وزيادة على ذلك كانوا على تنسيق معنا والوزير "في الصورة" وجميعهم كانوا على معرفة بالاضافة إلى أن مسألة الترحيل مشتركة بين الحكومتين: حكومة السودان وحكومة جنوب السودان. وافتكر أن الحديث عن ابتزاز في نقاط العبور غير صحيح.
    -وماذا عن الحديث عن حالات وفيات؟
    حالات وفيات عادية حدثت هناك مرضى كانوا على متن البصات.
    أقصد حالات وفيات نتيجة للقصف بجانب عدد من الأطفال دهستهم المركبات أثناء محاولات فرار الكل؟
    -ما حصل.. إلا خارج حدودنا وداخل دولة الجنوب.
    - ولكن محور حديثنا الآن يدور عن العائدين الذين صادفوا قصف هجليج وعاودوا أدراجهم شمالاً؟
    لا.. لم تصلني أي تقارير بذلك من أي جهة لا من جهاز الأمن ولا الشرطة ولا من ناس المركز ويمكنكم أن تذهبوا لمحادثة السر العمدة "رئيس المركز القومي للعائدين والنازحين ولاية الخرطوم" حول الحديث الدائر بيننا الآن لأن التقارير التي رفعت لي لم تتضمن شيئاً من هذا القبيل.
    -ولكن ذهبنا إلى سر العمدة وقال لنا: (الموضوع دا منتهي وما حأتلكلم فيه)؟!
    اذهبوا إلى السر العمدة سأتحدث إليه ليجيب على كل أسئلتكم، لم تردني أي معلومات منهم. والتقارير التي وصلتني لم تتضمن أي رصد لوفيات "خاااالص والله" ولكن أتوقع أن تحدث وفيات عادية لأن العدد كان كبيراً


                  

العنوان الكاتب Date
جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جابو Bushra Elfadil05-07-12, 02:39 PM
  Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-07-12, 08:04 PM
    Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا على عجب05-07-12, 10:24 PM
      Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-07-12, 10:56 PM
        Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-08-12, 01:36 PM
          Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا nazar hussien05-08-12, 01:51 PM
            Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-08-12, 07:21 PM
              Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-10-12, 08:12 AM
                Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا محمد كابيلا05-10-12, 08:35 AM
                  Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا عمار عبدالله عبدالرحمن05-10-12, 09:55 AM
                  Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-10-12, 12:00 PM
                    Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Balla Musa05-10-12, 03:46 PM
                      Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-10-12, 06:51 PM
                        Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-11-12, 11:25 PM
                          Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-13-12, 07:28 PM
                            Re: جنوبيو العودة الطوعية رحلة الأهوال و الموت - بقلم أجوك عوض الله جا Bushra Elfadil05-15-12, 01:36 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de