|
الى ..عماد عبد الله..هذه النص هديتى اليك...1985؟؟؟
|
حكايات عبد الله الملفقة (2)
تاج السر الملك
بعض من سيرة عبد الله الذاتية
هذه الحكايات ..حكايات حقيقية مائة بالمائة , و هى ليست نسج خيال و لكنها تتداعى فى خيال كاتبها بشكل يبعدها عن قوانين السرد الصارمة , و يقترب بها من صفة المذكرات , أما مناطق حدوثها .. فعالم فسيح , خارج حدود الوطن , و ذاكرة كاتبها , سنوات فى غربة بحار طاف بالعديد من دول العالم ..و ظلت نقاط رصده تسجل دون ترتيب , الكثير من المشاهد التى تظهر و تتلاشى , فى مدن تقع خلف البحر الواسع الممتد , ثم تظل كل الحكايا و الوقائع و منارات تنبض فى ركن قصى من الذاكرة , ..لا تتبدد بتوالى الأيام , و لكنها تتشابك , فى وحدة من الدهشة الكبيرة , دهشة اصابت الكاتب عندما فارقت الحقائق و المبادىءاجسادها اما عينيه و تحولت الثوابت و القناعات الى بخار فى اسطورة من رماد, ثم تبدأ رحلة معرفة الذات من جديد ..هذه رحلة تشبه رحلة ( يوليسيس) و لكنها دون ( بينيلوب) فى الأنتظار , فهى هنا امرأة فى جميع الموانىء.
(1) ( الكانيكا بيتش) ابحث فيه عن لذة الكلمات المثيرة و لحظات الألهام المريرة , و البحر يتكسر بنزق الوان اشبه بنزق الألوان التى تسكن لوحات ( فان جوخ) , و ادنى من لحظات لا أنتمائه العسيرة , و البحر لا منتم ..اخ مالح لكل مياه العالم , انظره و ابدأ قراءتى الصامتة فى عيونها , اكذب حتى يستطيل انفى بطول انف ( بينوكيو) الخشبى , أقعى فتضحك..اجلس تحت الشمس قبالتها حتى ابدو ظلا لكلب, اتعذب فى شكى من ان ( مسيلمة ) قادم على ظهور السفائن , اشكو اليها من خطوط كفى التى تشبه اثار جروح مندملة, و الهواء الذى لا يعبىء رئتى بالسكون. سنتان و انا مبحر أتامل مشهد الجزر اليونانية , قطع من الجنان الطافية ..أصرخ فى عزلة الوجد (يا الهى ..أيوجد حقا مثل هذا الجمال؟؟؟) , و الساحل التركى بجباله التى تلامس السحاب و تتجاوزه بلا عنت ودون روية . عبرت البسفور برفقتها , و الناس يحدقون فينا, حتى أحسست بثقل لونى على جلدى الغض , لم يطاوعنى النطق حتى عدنا الى صخب المدينة , انتقمت لسحنتى أمامهم و الليل صلب العود اشد , حتى انفضوا من حولى , تمنيت عليهم الكارثة , و عندما عادوا , عدت , مدعوما بالجن و الكحول و المردة , و كل شىء حولى رخو , شائه , مهشم , محتسب الى زوال , مفاصلى لا يحركها عقل و لا تسكنها عاطفة , امتد فى الجهات الأربع , اياد و سيقان, و شتات رماد , العرق تجففه عنى اياد لا أعرف مصادرها , حتى أحتقنت عيناى بالضوء و الظلمة المتلازمين ..حسبته الدمع, و انا امتلىء بغصة فاترة لا تسكنها وصمة الصدق ولايلوح بظاهرها وشم الرياء ..باطل كل هذا .
(2)
( كريستين ) , وليلة السبت و الهواء يعمر بالسخونة, و كل واحدة افردت لها خيمة من عمرى و ايامى المهدرة ,لونى و حرارتى الأفريقية , اتحور رجل البلوز, لم اكن ادرى قدماى فى الأرض ام فى فراغ, عبثت الموسيقى بروح الطفل فى اقبية دواخلى و تقلب الضوء امام عينى غيبوبة ساحرة أشبه ما تكون بألهام الأعشاب, و عندما أطلت , انهارت مضاربى , جرفها سيل من الحرمان و التشوق الممض, أحكمت ابتسامتى و انا واثق من لمعانها ,انحسر موج الوهج عن ساقيها فجف ريق الكلام و اندثر النطق و نهضت مضاربى بعزم الصبوة الجامحة. موسيقى ثيوديراكيس فجرت صبابة الرغبة فى النساء و الرجال , و ( ليماسول ) تاخذ ملامحها من تفاصيل جبل ( ترودوس) المهيب , يحنو عليها و يهبها سماته, و كل شىء اخضر , الطرق ثعابين حالكة الخضرة , و السحب جن على صهوة خيول خرافية ..كنت وقحا حين مددت ساقى, مناورة اكسربها طوق الجمود , انفاسى تتلاحق بانتظام , هناك ..امامى ..تجلس مثل عصفور ضال, عقلى يعمل بانفصال تام عن جسدى و رغائبى , سوف اهزمكم بالطبل و اهلى لا يخيبون لى رجاء , ايقاعهم و اصواتهم النادية مثل زخات مطر البطانة , و امتلاء الصبار باللبن المالح , همدت فائرة الجوى , وانبهم صدى الأستغاثة اليائسة لرضيع أفلت الثدى من شفتيه , نرقص خطوة الدجاجة المرحة , و الطريق الى ( نيقوسيا) عامر بالشقر و الحمر , و انا مغرم برؤية النساء ذوات الخطو الضيق , ابحث بعزم جن عن اصولها,. انفلتت اغنياتى مثل فراش مبثوث..رقصت..حبوت و الطبل يستدر العرق , دفنت وجهى فى الصدور و الشعور و تنشقت خيبتى , درت مع الضوء حتى استحال حمما فاستحلت دخانا, يلاحقنى الأنبهار حتى أدركنى ممسكا بخناقه فسقطنا معا اعياءا, فانطرح لبن الصبار اللزج المالح..قطرة فقطرة فقطرة.
(3)
فى ( روما) كنت أهرب من ومع و ضد قدرى , حوائط العزلة تشتد رسوخا, رايت اهلها ..الرجال الأشجارو النساء ذوات الخطوة الواسعة , ابتسم بالهزيمة امام شموخ البنايات و نظافة الطرقات و بهرج النيون المضاء , اقول باننا نملك مثل هذا و اكثر , امشى بثبات و خيلاء لا يليقان برجل يزحف ضد ذاته و معتقداته , يحمل أمنياته بيد و على الأخرى تتعلق ( سيلفيا) بحنو لا يصعب تاويله , كل شىء هادىء فى ساحة ( سانت اندروز) حتى لعب الصبية فى الباحة التى تقع وسط البنايات الفارهة ..تقتحم الأشياء عقلى , اشياء بلا اسم و بلا قيمة , ينفلق البوق فى مسامعى , و انا اتقافز مثل قرد هرم , و فى خضم حيرتى سمعت طرق الرجال الشجار على باب غرفتى , اصطفوا امامى , فى عصف البرد و الريح القارس, اخرجوا هوياتهم , امسكوا بذراعى و قيدونى اما خاطرها المنكسر..تذكرت كيف اقتادوا ( على التونسى ) و زمر من شباب افريقى و مصريون فى ( سالونيكا) كلما نشرت الصحف نبأ جريمة قتل غامضة و كلما راجت للمخدرات سوق , اصطفوا امامى كعصف الريح العاقر , ثم تلوا على مسامعى حديث اللون , و مطار ( ليوناردو دافنشى) يعج بالقادمين و المغادرين , القضبان و الحواجز و رجال الأمن ببزاتهم الأنيقة اللامعة , خطوة واحدة و انا خارج الحدود , و هى تحترق وراء القضبان , تتناثر حولى الابتسامات الصفراء تلون وجوه الرجال الأشجار , تملؤنى حنقا لا سبيل لأفثاؤه , يرق لحالى ( فيتوريو) يمتص منى كل كرهى لهم , يدافع بأكتافه يندد بالحرب و يقول بان هذا ظلم بلطف بالغ , و العيون تلاحقنى و تلاحقها , عيون افريقية و عيون من تايوان , عيون عيون و شعوب من العالم الأول والثالث, ا صابنى أزيز المحركات برعب خفى و الصالة تزدهى و تذبل على انغام بلوز الثالثة , جاهدت فى فتح عينين ذابلتين بالقهر , و( سيلفيا) خلف حواجز الصالة تقضم اظافرها ..ثم و بتلويحة متعبة استدارت بسبيل الذهاب, و الرجال الأشجار يهمهمون باللغة السريعة الحاسمة, و من موقع الطائر شهدت شعوب المتوسط التى تحيا بالنبيذ , انكرونى و تمنوا لى رحلة سعيدة , أستسلمت حينما طوقنى زمن الأقلاع المتسارع العنيد , و هى قريبة بعيدة المنال , و الطائرة تنزع أظافرها عن الحصى , تنفست بارتياح و هى تسبح فى الفراغ اللانهائى , نفضت عن يداى الحمى و النجوم و النساء , و اسبلت عيناى عن اول طارقة فى المحط القادم.
|
|
|
|
|
|