|
دارفور.. خيارات محدودة / مايكل غيرسون - واشنطون بوست
|
دارفور.. خيارات محدودة الشرق الاوسط اللندنية GMT 1:15:00 2007 الأحد 23 ديسمبر
مايكل غيرسون - واشنطن بوست
زرت خلال رحلة الى رواندا في الآونة الأخيرة نصبا تذكاريا متواضعا لعشرة جنود بلجيكيين من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أعدموا مطلع عام 1994 خلال عمليات الإبادة التي حدثت هناك. ويبدو ان مدبري ومهندسي عمليات الإبادة تلك ظنوا أن ارتكاب مثل هذه الأعمال ضد القوات الأجنبية في وقت مبكر سيدفع هذه القوات للفرار، وهذا ما حدث بالفعل. والآن، بعد مرور حوالي 14 عاما، يواجه المجتمع الدولي اختبارا من نوع آخر. ففي مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل ستتسلم الأمم المتحدة، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، قيادة عمليات حفظ السلام في إقليم دارفور غربي السودان، حيث قتل حتى الآن حوالي 20000 شخص من جراء عمليات الإبادة التي ادت الى نزوح مليوني شخص ايضا.
يجب ان ينجح التدخل الدولي هذه المرة، وإلا فإن كل وعود ما بعد رواندا بعدم وقوع عمليات إبادة أخرى ستكون مجرد أكاذيب فقط.
مدى جدية تعامل منظمة الأمم المتحدة تجاه هذه القضية تخضع لجدل ساخن في أوساط إدارة بوش. وبلغني من دبلوماسي ان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يعمل جاهدا من اجل نشر سريع لقوات حفظ السلام في إقليم دارفور، فيما يلاحظ بطء واضح من مسؤولين آخرين، مثل جان ـ ماري غوهينو، مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام، تجاه نشر قوات حفظ السلام في دارفور خشية الفشل.
إلا ان جين هول لوت، رئيسة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة، نفت ذلك تماما، وقالت ان عمليات نشر القوات تحددها المشاركة العسكرية للدول الأعضاء في المنظمة فضلا عن موقف الحكومة السودانية، كما أشارت ايضا الى التقدم الذي حدث هناك، مثل وجود قوات من رواندا ونيجيريا فضلا عن وصول جزء من وحدات الهندسة من الصين، كما انها تحدثت حول عدد من العقبات.
قالت جين ان هناك نقصا في المروحيات، وأوضحت ان قوات حفظ السلام تحتاج الى 24 مروحية، من ضمنها 8 مروحيات قاذفة للقنابل، وقالت ايضا ان الدول الأوروبية لديها عدد كبير من هذه الطائرات لكنها لا ترغب في المساهمة بها في عمليات حفظ السلام. أكدت جين ايضا انه اذا لم يكن هناك دعم فاعل من السودان فإن الأمم المتحدة لن تحقق النجاح المطلوب. وقالت على وجه التحديد انه من الضروري تعاون عدد محدد من المسؤولين في الخرطوم في إخماد عمليات الإبادة التي أشعلوها.
الولايات المتحدة تعمل من جانبها على الحصول على مساهمات من الصين وأوكرانيا وبولندا وكوريا الجنوبية، إلا مساعيها لم تثمر نتائج تذكر.
النظام السوداني ظل على مدى سنوات يقدم وعودا بالتعاون الاستراتيجي في هذه القضية، لكنه ظل يشكل عقبات تكتيكية في كل مرة، وأشارت جين على وجه التحديد الى المشاكل في الحصول على تأشيرات الدخول وتخصيص مساحات للقواعد وحركة المعدات والعمليات الليلية.
ويمكن القول ان الوضع الحالي في مجمله يترك الولايات المتحدة في مواجهة خيارات محدودة. أولا، التفاوض بصورة مستمرة بشأن قوات حفظ السلام. ويرى مسؤول أميركي ان وجود هذه القوات، التي من المفترض ان تتزايد تدريجيا، ستساعد في نهاية الأمر في الضغط على النظام على ان تكون هناك جهود ترمي الى التوصل الى اتفاق سلام وتوحيد فصائل التمرد ودعم الجهود الرامية الى إجراء محادثات مع الحكومة على أمل التوصل الى تسوية ايجابية.
يتمثل الخيار الثاني في زيادة الضغط من جانب واحد على السودان. فمجموعة العقوبات الأميركية الأخيرة على الخرطوم كانت فاعلة، وربما تكون هناك مجالات أخرى لفرض مزيد من العقوبات. فمن الممكن ان تفرض الإدارة الاميركية في يناير او فبراير (شباط) المقبل مطالب محددة على النظام السوداني وتطبيق عقوبات مصرفية أو أخرى متعلقة بديون السودان في حال رفض النظام الاستجابة لهذه المطالب.
يمكن القول هنا ان خيار تغيير النظام يعتبر الأكثر صعوبة وإثارة للجدل. إلا ان ذلك لا يعني بأية حال غزوا اميركيا للسودان، لأن ذلك ربما يكون كارثة. فهناك خيار فرض منطقة يحظر فوقها الطيران وفرض حصار على ميناء السودان الوحيد الذي يصدر عبره إنتاج البلاد من النفط. ستكون الرسالة الموجهة الى السودان واضحة ومحددة، فإما ان يحدث تغيير جذري في سلوك النظام او تتغير الحكومة.
لن تحظى الولايات المتحدة بتأييد دول كثيرة في هذه النزاع، كما ان هناك مخاطر كثيرة. فالتوازن بين شمال السودان العربي وجنوبه الأفريقي يتسم بالهشاشة، ذلك ان الطرفين على استعداد في ما يبدو لاستئناف الحرب الأهلية. لذا، فإن أي خطوة أميركية تخل بهذا التوازن قد تتسبب في عنف شامل.
كل هذه الخيارات لها عيوبها. فالمفاوضات المكثفة ربما تمنح الدبلوماسيين سلسلة أخرى من انتصارات «البيانات الصحافية» التي لم تغير شيئا على الأرض. تغيير النظام من أكثر خيارات السياسة الخارجية سلبية ولا يخلو من عواقب غير متوقعة.
إلا ان الخيارات في رواندا كانت ايضا لها عيوبها. مصداقية الأمم المتحدة باتت مرة أخرى محل تساؤلات. عدد قواتها غير كاف. رغم ذلك فإن نشر هذه القوات هو آخر أمل لسكان دارفور الذين يشعرون بالخذلان. ولا يمكن ان نفر مرة أخرى.
|
|
|
|
|
|