الى جنات الخلد البروفسير الضو مختار

Quote: الضو مختار د.عزان سعيد [email protected] الكتابة عن أمثال الضو مختار لمما يعجز عنه الإنسان , لكنى سأحاول فى عجالة , عسى أن أوفى الرجل بعض حقه علينا, نحن من أسعدنا الحظ بدراسة الطب بجامعة الخرطوم تحت عمادته. لم يكن الضو مختار أحمد مختار عميدنا فحسب . كان والدنا , وصديقنا فى الشدائد , وأستاذنا , ليس فى الطب الباطنى فهمو من المسلم به , وإنما فى الديمقراطية وإحترام الرأى الآخر وسعة الصدر والتواضع. ولقد زعمت فى كلمة حفل تخريجنا أننا قد جعلنا نموذج الضو مختار مقياسا لكل عميد فى الجامعات والكليات الأخرى , وكان الفشل حليفا للجميع. . جئنا إلى كلية الطب وبنا حماس وفورة شباب , وروح ميالة للصدام . فى السنة الثانية كان أول لقاء لنا بهذا الرجل العظيم . رفعنا مذكرة إحتجاج على القبول الخاص وسيرنا مسيرة لمكتبه , ولما لم نجده وأستلم منا القائمون على أمر المكتب الورقة ظننا إنها ستجد طريقها لسلة المهملات كمصير أى ورقة ترفع لأى مسؤول فى بلادنا . فوجئنا فى اليوم التالى بخطاب من العميد يطلب لقاء ممثلى طلاب السنة الثانية . ذهبنا نتوجس خيفة وقد بلغت القلوب منا الحناجر ونحن حديثى عهد بعقابيل مقابلة المدراء فى المدارس والتى لا تكون نتائجها مما يسر دائما. أجلسنا البروف قدم لنا شرحا ضافيا مدعم بالإحصاءات وبقينا معه زهاء الساعة, حتى أشفق الجمع علينا , وخرجنا يملؤنا الفخر والإحساس بأننا أصبحنا فى هذه الكلية شركاء فى صنع قرارها لا طلاب. وهكذا كان ديدنه. ما أن تبدر لنا بادرة مشكلة حتى نسارع شفهة أو كتابة إلى صدره الواسع . مهما صغرت مشاكلنا وتفهت , كنا نجد منه آذانا صاغية وردا ضافيا مكتوبا, ولم يكن بيننا وبين مكتبه حجاب. دخلنا له مرة أنا ومأمون نناقشه فى أمر ما وكان معه عميد كلية الطب بجامعة كسلا. أجلسنا كعادته بجواره وطلب لنا مشروبا , إندهش العميد الضيف وسأل البروف مستنكرا : ( ديل طلبة ؟!) حالة متفردة من العظمة كان الضو مختار . كان قريبا من طلابه متلمسا لأوجاعهم ومشاكلهم , وهم من القلائل الذين زارونا فى الداخلية . وكان كذلك , ملاذنا وملجأنا فى الشدائد. عندما أغتيل الطالب محمد عبد السلام حاصر العساكر الكلية لمنعنا من الخروج . ومن وقاحة الضابط أنه قام بأسر مجموعة من الطالبات داخل الكومر لمساومتنا على التفرق.ولم يسمع لوفدنا الذى بعثنا به للمطالبة لإطلاق سراح الطالبات , فلجأنا إلى البروف العظيم. جاء بسرعة وأطلق سراح الطالبات . هتفنا له ملئ حناجرنا هتافا يقطعه التصفيق : ( الضو. . الضو الضو. . الضو . .الضو ) وهو يحيينا برفع يده متقدما الموكب . زاد حبنا له فى ذلك اليوم على ما كان قد تملك قلوبنا من قبل . ولم أقابل أحدا أحب كليتنا وحدب عليها مثله . كانت الكلية وجامعة الخرطوم له كقطعه من ولده وبدنه. وقف بشدة ضد السلطة عندما ألغت التخصصات الطبية بجامعة الخرطوم. ووقف بشدة ضد ما يسمى بجامعة الخرطوم الخاصة ( القبول الموازى ) مما أظن أنه كلفه منصبه. وهنا , لابد من أن أسجل موقف تاريخى عظيم له. لعل الكثيرين لا يعلمون أن البروف كان هو السبب الرئيسى فى الإحتجاجات الطلابية الضخمة التى أطلقنا شرارتها من كلية الطب وعمت الجامعة وأدت لإلغاء القبول الموازى. قابلته ذات نهار وهو يهم بركوب عربته مذكرا إياه بموضوع تغيير لافتة الكلية لتتناسب مع عظمتها . قال لى : ( خليك من اليافطة . جاياكم حاجة جديدة , قالوا حيعملوا كلية طب تانية بالقروش, حقو تخلو بالكم ). كان هذا قبل الإعلان الرسمى عن المشروع الكارثى بأشهر , وأفادنا وقوف البروف العاطفى مع حركة الإحتجاج وتأييده الضمنى لها فى جعلها مؤثرة ذلك التأثير الذى أدى لألغاء المشروع ووأده فى مهده. لقد وضع الضو مختار الكلية وطلابها دوما فى حدقات عيونه. لقد أحبهم وأحبوه , ولم تشهد فترة عمادته التىإستمرت سنينا حادثة واحدة لطلاب هتفوا ضده أو غضبوا منه. أحبه الجميع من كل ألوان الطيف كأب أولا وكأستاذ وعميد ثانيا .