الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد القاد

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 01:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-24-2004, 02:06 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8973

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد القاد

    الاخوة الكرام في اثناء تصفحي لموقع اسلام اون لاين عثرت على هذه المادة الغنية وهانذا انقلها الى موقع سودانيز اون لاين تعميما للفائدة



    ************************************************************


    الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا

    نشأة أسلمة المعرفة

    عبد القادر قلاتي
    03/09/2003

    يرجع أغلب الدارسين فكرة أسلمة المعرفة إلى كتابات سيد نقيب العطاس في كتاب نشره عام 1969. وكانت فكرته تهدف إلى تحرير الناس في عالم الملايو من التقاليد الخرافية والثقافات المحلية والسيطرة العلمانية على التفكير واللغة. غير أن بدايات البناء التنظيري لهذه الفكرة كانت مع جمعية العلماء الاجتماعيين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. خصوصًا عند إسماعيل الفاروقي وجعفر شيخ إدريس، بالإضافة إلى سيد حسين نصر والعطاس.

    لقد بدأت تنظيرات هؤلاء العلماء استنادًا إلى الحركة النقدية التي بدأت تطال الإبستملوجيا الغربية من طرف عدد من الفلاسفة الغربيين أنفسهم، "ونخص بالذكر هنا «هيوم» (Hume) في كتابه حول الطبيعة الإنسانية؛ حيث هاجم المبالغة في الموضوعية ورفعها إلى مكانة «شبه إله»، كما تساءل عن مبررات افتراض أولي لعالم خارج ذواتنا أو حتى عن ذات منفصلة عنه.

    كما صرّح أن «التكرار» -أحد مبادئ الموضوعية العلمية- ليس لديه أي قوة برهنة على الإطلاق، وذلك بالرغم من أدائه دورًا رئيسيًا في «فهمنا» للأشياء.

    وبالفعل فإن «هيوم» كان مقتنعًا بأن كلاً من العقل والحجج لا يقومان إلا بدور صغير فقط في «فهمنا»؛ فالمعرفة لا تتعدى كونها معتقدًا لا يمكن الدفاع عنه"1.

    وانطلقت مدرسة «إسلامية المعرفة» في هذا الاتجاه مستثمرة هذه الحركة النقدية التي بدأت تتسع في الغرب ومن داخل المجتمع العلمي، خصوصا «وايتهيد» (Whitehead)، و«توماس كون» (Kuhn)، و«بولانيني» (Polanyi)، وبول فييرابند (P.k.feyerabad)، وميتروف (Mitroff)، ورافتز (Ravetz)، هذه الحركة النقدية التي بدأت تؤسس لإبستملوجيا غربية بديلة ولأنماط معرفية غير غربية للتفكير.

    وجاءت محاولة «أسلمة المعرفة» كرد فعل إسلامي -كما قال ضياء الدين سردار- على الإمبريالية الإبستملوجية الغربية.

    وبدأت محاولة التنظير تركز على تقديم انتقادات حادة للإبستملوجيا الغربية، جسدتها كتابات سيد محمد النقيب العطاس وإسماعيل راجي الفاروقي، فقد قدم العطاس في مقالة له: (نقض تغريب المعرفة 1985) «أشد الانتقادات تدميرًا للإبستملوجيا الغربية؛ حيث أكد أن مذهب "الشكية" شاسع الانتشار، وهو الذي لا يعرف الحدود الأخلاقية والقيمية، والمنتمي للنظام المعرفي الغربي، وهو نقيض الإبستملوجيا الإسلامية»2 فيقول:

    «يبدو أنه من المهم أن نؤكد على أن المعرفة ليست حيادية، وأنه بإمكانها فعلاً أن تستقرأ مع طبيعة ومضمون معينين، ومن ثم تتنكر بقناع المعرفة. كما أنها في الواقع تؤخذ ككل -ليس كمعرفة حقيقية، ولكن كتأويل لها من خلال "موشور" للتصوير العالمي للرؤيا الفكرية وللإدراك الحسي النفسي للحضارة التي تلعب الآن الدور الرئيسي في صياغتها ونشرها.

    إن ما يصاغ وينشر هو معرفة نقعت في خاصة وشخصية تلك الحضارة، بحيث تصهر المعرفة المقدمة والمنقولة كمعرفة على هذا النمط بمهارة مع الحقيقة بغية أن تتخذ -عن جهل وبرمتها- كالمعرفة الحقيقة نفسها»3.

    ويعتقد العطاس أن «قيم التنوير» والحركة الفلسفية الفرنسية للقرن السابع عشر هي القيم الأصلية للعلم والتكنولوجيا الحديثة»4، رغم أنه يقر ما للإسلام وتراثه من مساهمة في بناء المعرفة التي عرفها الغرب فيما بعد، والتي أبدعت نموذجه الحضاري، والتي كان لها الدور المعتبر في تطوير العلم والتكنولوجيا الغربيين. «لكن المعرفة والروح والعلمية العقلانية أعيدت صياغتها وقولبتها لتذوب في بوتقة الثقافة الغربية. وهكذا أصبحت منصهرة ومندمجة مع جميع العناصر الأخرى التي تكون خاصية وشخصية الحضارة الغربية».

    إن هذا الاندماج وذلك الانصهار أنتجا -كما يقول سردار- «ثنائية مميزة في التصور العالمي وقيم النظام المعرفي الغربي»5، وهذه هي نقطة الارتكاز في نقد العطاس للنموذج الحداثي العربي ودعوته إلى الأسلمة تبدأ بالعمل على إبداع النظام المعرفي الإسلامي الذي يتم بعيدًا عن النظام المعرفي الغربي.

    ذلك أن المساهمات الإسلامية داخل هذا النظام المعرفي «لا يمكن إلا أن يزيد في صيت القيم والتوترات الداخلية للثقافة والحضارة الغربيتين. كذلك فإن منظومة المعرفة والعلم هذه لا يمكن أن تلبي حقاً احتياجات المجتمعات الإسلامية أو حتى أن يكون لها جذور اجتماعية داخل العالم الإسلامي»6.

    وقريبًا من هذا تأتي أطروحة الفاروقي حول الأسلمة؛ فهو يرى أن مرض الأمة لا يداوى «إلا بجرعة إبستملوجية، وأن أصعب مهمة تواجه الأمة الإسلامية هي إيجاد حل لمشكلة التعليم»7 ذلك أنه لا أصل في نهوض هذه الأمة من ركودها الحضاري وربطها بدورة حضارية جديدة، ما لم تبدع نظامًا تعليميًّا تلغي به هذه الازدواجية الراهنة في التعليم الذي انقسم إلى نظامين: ديني وآخر دنيوي.

    ودعا الفاروقي إلى إيجاد هذا النظام التعليمي الذي «ينبع من الروح الإسلامية، ويعمل باعتباره وحدة متكاملة مع برنامج الإسلام العقدي» 8، ويحدد الفاروقي في خطته للأسلمة خمسة أهداف هي:

    - التمكن من العلوم الحديثة.

    - التمكن من التراث الإسلامي.

    - إثبات الصلة بين الإسلام ومختلف فروع المعرفة الحديثة.

    - البحث عن وسائل تمكننا من التأليف المبدع بين التراث والمعرفة المعاصرة.

    - وضع الفكر الإسلامي في المسار الذي يتيح له إنجاز النموذج الإلهي.

    إن التطبيق العملي لهذه الخطة يقوم على افتراض أساسي هو البدء بالمجالات المعرفية كما هي الآن في سياقاتها الغربية. مع شيء من الحذف والإضافة لتتم في الأخير الأسلمة المطلوبة أو كما يرى الفاروقي. والفاروقي باعتباره من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية كان تركيزه الأساس في دعوته إلى الأسلمة، هو أسلمة هذه العلوم تحديداً. فهو يرى أنها العلوم أكثر ترويجًا للنموذج الحداثي الغربي ومفاهيمه الخاصة بالدولة ـ الأمة (Nation - state)، والهوية العرقية» 9. غير أن الفاروقي أغفل ما للعلم والتنكولوجيا من دور في المحافظة على الأنساق الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية التي يسيطر بها الغرب على العالم. لم يعد المجتمع (الغربي تحديداً) يصاغ من مفاهيم العلوم الاجتماعية بل إن هذه الوظيفة انتقلت إلى المعرفة العلمية والتكنولوجية التي أصبحت «هي الأداة الرئيسية للإمبريالية المعرفية الغربية»10.

    إن المعرفة لا يمكن فصلها على التصور والنظام العقدي الذي تمتد فيه جذورها وأي محاولة لاختراق هذا المفهوم وتصور إمكانية تجاوزه، لا تقود إلى أي مشروع إيجابي؛ فالإيستمولوجيا أو نظرية المعرفة «تعمل على تحديد المعرفة والتمييز بين فروعها الرئيسية وتعيين مصادرها وإقامة حدودها. إن إمكانية وكيفية المعرفة هي التساؤل المركزي للإبستملوجيا..»11، لذا فإن محاولة أسلمة الفروع العلمية والمعرفية التي تطورت في الوسط الثقافي والاجتماعي الغربي، هي غير ذي جدوى فجدير بعلماء الأمة والمشتغلين بالبحث العلمي أن يوجهوا طاقاتهم لإبداع منظومة معرفية تستند إلى الإطار المرجعي الديني الذي يملك منهجيته ومفرداته ومفاهيمه. حتى نصل إلى مرحلة إبداع علوم تختلف عن العلوم الغربية المعاصرة، فلا نستطيع مثلاً أن نقول بأسلمة الأنثربولوجيا، العلم الذي نشأ في إطار ظروف خاصة، وقام على أسس ومبادئ معينة، أو نزعم أنه بإمكاننا أن ننشأ علم أنثربولوجيا إسلامي، ذلك خطأ منهجي يتضمن قبول الحدود الاصطناعية التي وضعت لهذا العلم ضمن المنظومة الحداثية الغربية.

    إن أسلمة المعرفة ليست إلا مغالطة إبستملوجية أظهرت الإسلام وكأنه دين يحتاج إلى الارتباط بالمعرفة الحديثة متغافلة عن حقيقته كدين صالح لكل زمان ومكان (وهو مفهوم مركزي في المنظومة المعرفية الإسلامية)، فحاجة الأمة إلى التقدم الحضاري يجب ألا تتجاوز أبعاد هذا الدين وحقيقته.

    كما يجب علينا كأمة أن نعترف بأن أبستومولوجيا العلم الغربي هي التي صاغت العلم الحديث. «إن أبستملوجيا العلم الحديث هي التي تحدد الطريقة التي تمكن الأفراد في المجتمعات المصنعة من تصور «عالمهم» ومحاولة معرفته وفهمه والسيطرة عليه. وتركز هذه الإبستملوجيا أساسًا على التمييز بين الذاتية والموضوعية... إن هذه الثنائية بين الوقائع والقيم، الحقيقة الموضوعية والإحساس الذاتي تمثل الميزة الرئيسية لإبستملوجيا العلم الحديث، إنها طريقة معرفية تناقض تلك التي تسود في كثير من المجتمعات التي تتصور الحكمة والمعرفة في حالتها الشعورية الذاتية»12.

    إن الغرب وعبر فلاسفة كثر بدأ يبحث عن أبستومولوجيا بديلة. لتلك التي ارتبطت بالمغامرة الأستدمارية (Colosation) الأوروبية وبظهور العقلانية العلمية كوسيلة شرعية وحيدة لفهم الطبيعة والسيطرة عليها. فلماذا لا نبدأ نحن محاولاتنا التجديدية بالبحث عن صيغة لتصور ذاتي للمعرفة ؟ مستند إلى مفهوم العلم، المصطلح الأقرب إلى الرؤية الإسلامية. بل هو المفهوم الوحيد والمركزي لما قد نسميه بإبستملوجيا إسلامية. فقد ظل العلم عبر تاريخ أمتنا الطويل يربط المجتمع الإسلامي بمحيطه ويعطي للإسلام حركته وحيويته .

    إنه في ظل هذه الدعوة ـ صناعة إبستومولوجيا إسلامية ـ يجب على الحركة التجديدية أن توظف طاقاتها وقدراتها في طرح خطاب تجديدي متماسك يستند إلى الذات بعيداً عن فتنة النمط الحداثي الغربي، فالأسلمة أشبه ما تكون كما يرى ضياء الدين سردار بعملية إعطاء روح من القيم الإسلامية في حقول معرفية تشكلت بالرؤى الكلية والمفاهيم واللغة والنماذج المعرفية الغربية، وهي كما يخشى سردار أقرب إلى تغريب الإسلام منها إلى أسلمة المعارف الغربية.

    طالع بقية محاور الورقة:



    http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2003/09/article01_c.shtml
    --------------------------------------------------------------------------------

    1- ضياء الدين سردار ـ مجلة الفكر العربي / العدد 75 / شتاء 1994، ص 106.

    2- نفس المصدر ص 108.

    3- نقلاً عن ـ ضياء الدين سردار ـ مجلة الفكر العربي / عدد 75 /شتاء 1994. ص 109.

    4- ضياء الدين سردار ـ مجلة الفكر العربي / عدد 75 / شتاء 1994. ص 109.

    5- ضياء الدين سردار ـ مجلة الكفر العربي / عدد 75 / شتاء 1994. ص 109.

    6- نفس المصدر ـ ص 109.

    7- نفس المرجع ـ ص 109.

    8- نفس المرجع ـ ص 110.

    9- نفس المرجع ـ ص 113.

    10- نفس المرجع ـ ص 113.

    11- ضياء الدين سرداد،مجلة الفكر العربي، العدد 75، شتاء 1994، ص 104.

    12- سردار، الفكر العربي، عدد 75، شتاء 1991، ص 105..

                  

06-24-2004, 03:38 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8973

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد ا (Re: محمود الدقم)

    --------------------------------------------------------------------------------



    الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا

    في نقد المحاولات التجديدية

    عبد القادر قلاتي
    03/09/2003






    يمكن أن ندرك بيسر أهم الأخطاء التي وقعت فيها حركة التجديد المعاصرة في محاولاتها التي تمت في حقل التداول الإسلامي، ذلك أن إصرارها على التقريب بين حقلين تداوليين يملك كل منهما خصوصية الاختلاف عن الآخر جعلت أي متابع للخطاب الديني يلحظ هذا الخلط المنهجي في عموم ما أنتج من تنظير فكري خلال عمر هذه التجربة التي اعتبرنا بدايتها ظهورا لحركة الوهابية في الحجاز.

    فعملية التقريب التي تمت في إطار هذه المحاولات والتي استقت مفاهيم وآليات نقلتها من حقل تداولي «مغاير للمجال التداولي الإسلامي العربي..» 1.

    أظهرت عدم إمكانية الإحاطة بالحداثة الغربية وفهم سياقاتها التاريخية «لأنها مفهوم معقد لا يمكن الإحاطة به» 2 أو التمكن من فهم تجربته دون قراءتها بعيداً عن الانبهار ودون التخلص من آثار لحظة الاصطدام التي طرقت بقسوة العقل العربي والمسلم، وراحت هذه المحاولات تحاكي النمط الحداثي الغربي الذي كان يستبطن نبذ كل ما هو قيمي باعتباره نمطا يستند في تجربته الحداثية على العلم الذي لا يمكن للجانب الأخلاقي أن يتدخل في ممارسته؛ فالحضارة الغربية كما تنعت «حضارة منكفئة على «اللوغوس» في دلالته اليونانية الأصلية أو بإيجاز إنها «حضارة لوغوس...» 3 ومن معاني «اللوغوس» التي برزت معنيان «اشتهرا أكثر من غيرهما، وهما: «العقل» و«القول»؛ فحينئذ، تكون الحضارة الحديثة حضارة ذات وجهين: «حضارة عقل» و«حضارة قول»؛ لكن الوجه الذي شغل الناس عمومًا والمتفلسفة والحداثيين خصوصًا أكثر من الآخر إلى حد الافتتان به، هو كونها «حضارة عقل»؛ وتجلى هذا الافتتان في رفع «الخاصية العقلية» -أو بالاصطلاح المعروف؛ «العقلانية»- إلى أعلى مرتبة من مراتب الإدراك الإنساني كما تجلى في الميل إلى تخصيص أهل الغرب بها» 4 فالمحاولات التجديدية التي حسمت موقفها من الحداثة من أول لحظة بأن اختارت تقريب النموذج الحداثي الغربي مع تراثنا الفكري دون أن تتميز خصوصيات هذا النموذج، ودون أن تبرز خصوصية الدين الإسلامي راحت تخوض في موضوع «العقلانية» بعيداً عن خصوصية الذات، وتستند في كثير من تنظيراتها إلى هذه الخاصية «حتى تواردت عليه ضروب من الشبهة والإشكال، وتطرقت إليها صنوف من الخلل والفساد، هذه الضروب والصنوف التي تحتاج إلى استجلاء أوصافها وبيان أسبابها وتحديد آثارها حتى نحترز من الوقوع فيها ونهتدي إلى طريق في «العقلانية» يكون موافقاً للأخلاق الإسلامية» 5. فإذا حاولنا أن نجمل المحاولات التي استقت معايير العقلانية الغربية (المجردة) نستطيع أن نلاحظ ثلاث حقائق من واقع الاشتغال بهذه العقلانية حصرها طه عبد الرحمن فيما يلي:

    1- أن كل من تولى النظر في وسائل النهوض بواقع العالم الإسلامي والعربي لم يتردد في أن يجعل العقلانية على رأس هذه الوسائل، مشيدًا بفضائل وفوائد المناهج العقلية في تحصيل المطلوب من التقدم والتحضر.

    2- أن التعلق بالعقلانية تساوي فيه من يتمسك بأخلاق الدين الإسلامي ومن يميل عن هذا الدين مبتغيًا العمل بأخلاق أخرى وكذا من ينزل منزلة بين هذين الطرفين، منتقيًا بعض الأخلاق من الدين الإٍسلامي والبعض الآخر من مذاهب غير إسلامية أو غير دينية، بحجة مسايرة التطور والاستجابة لمقتضى التغيير.

    3- أن هذه الدعوة إلى العقلانية التي تشترك فيها الفئات الإسلامية والعربية على تباين اختياراتها العقدية تزايدت في الشدة والانتشار على مدى فترة استغرقت قرنًا ونصفًا من الزمن وامتدت من منتصف القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين 6.

    ولم تخضع مَوْضَعَة «العقلانية» في المجال الإسلامي. أو تنظيرات هذه المحاولات لعملية نقد، بالقدر الذي يجعلها مقبولة التوظيف والتقريب من المجال التداولي العربي الإسلامي، بل اندفعت المحاولات التجديدية نحو مَوْضَعَة العقلانية، وكأنها المخلص لأوضاعنا الحضارية وأبت هذه المحاولات كما قال طه عبد الرحمن: «إلا التمادي في التعلق بالعقلانية والاحتجاج بها والاحتكام إليها، نظرًا لراسخ إيمانهم بكمال مبادئها وتجانس مناهجها وسلامة مآلاتها، حتى أنهم لو فوتحوا في أمر هذا التمحيص وأشعروا باستعجال الحاجة إليه، لكرهوا الدخول فيه لما بلغه هذا الاعتقاد من أنفسهم» 7 وتذهب هذه المحاولات في تقريبها لتراثنا الديني نحو المعايير العقلانية، وإن اختلفت فهومهم نحو أي من الجوانب التراثية أقرب إلى الاستجابة لهذه المعايير. «منهم من يقول بأنها النصوص الفلسفية، ومنهم من يرى أنها النصوص الفقهية، ومنهم من يعتقد أنها النصوص اللغوية، ومنهم من يذهب إلى أنها هي النصوص الكلامية، ومنهم أخيرًا من يجمع أجزاء هذه النصوص، ثم ما كان من هذه النصوص واضح الانتساب إلى العقلانية لزم في نظرهم تحقيقه والانتفاع به وفق مقتضيات الحداثة وشروط التطلع إلى المستقبل»8.

    إن أشكال الوعي المغلوط الذي صاحب هذه المحاولات عندما تصور أصحابها إمكانية تبنّي المنظومة الحداثية الغربية دفع بها إلى التسليم بمرجعية الحداثة وطرح تصورات ومحاولة إبداع مفاهيم ضمن هذا التصور المغلوط الذي يكشف مدى سذاجة هذه المحاولات عندما تصورت مثلاً إمكانية أسلمة المنظومة المعرفية التي أنتجها النمط الحداثي الغربي وهي إحدى الآفات التي وقعت فيها حركة التجديد بعد آفة العقلانية المجردة غير المسددة (بتعبير طه عبد الرحمن). وظهرت فكرة الأسلمة على الرغم من براءتها من تهم التغريب وتشويه الإسلام التي عادة ما تتهم بها بعض المحاولات المؤدلجة، وتطورت دعوتها حتى غدت اتجاهاً كبيراً ضمن هذه المحاولات. وظهرت دعوتها الأساس، وهي أسلمة المعرفة الغربية، وخصوصًا العلوم الإنسانية كالاقتصاد والعلوم الاجتماعية والأنثربولوجيا وعلم النفس والفلسفة. وخلقت هذه المحاولة خطًّا جديداً في التفكير الديني بدأ يعمل على بناء نظام معرفي وفق الرؤية الإسلامية، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته دون التغاضي عن «الإجابات الفلسفية الوضعية بأشكالها المختلفة وإعادة توظيف هذه العلوم ضمن نظام منهجي ديني غير وضعي»9.

    غير أن المحور الأساسي في أدبيات هذه المحاولة التجديدية هو بناء الأنساق المعرفية التي عرفها تاريخنا وذلك «للربط بين الأنساق المعرفية أو النماذج وبين الإنتاج الفكري الذي وجد في تلك العصور لتحديد مدى الاستقامة والفعالية والتجديد والشمول في ذلك الإنتاج أو تجديد العلاقة بين الأزمة الفكرية التي عاشتها الأمة وبين الأنساق التي سادت في تلك الفترات... ثم محاولة كشف وبيان كيفية استمداد النماذج المعرفية الجزئية من النظام الكلي التوحيدي» 10.

    كل ذلك تمهيداً كما يقول طه جابر العلواني «لإمكانية تشكيل نماذج معرفية في مختلف العلوم الاجتماعية والتطبيقية قائمة على عقيدة التوحيد والجمع بين القراءتين، قراءة الوحي وقراءة الواقع مع الاستفادة مع النماذج المعرفية التي سادت التراث والنماذج المعرفية التي طورها الفكر الغربي أو الإنساني المعاصر» 11.

    طالع بقية محاور الورقة:

    بناء التجديد في النمط الغربي

    في نقد المحاولات التجديدية

    نشأة أسلمة المعرفة

    حدود إمكانية التجديد الذاتي

    فك ترابط علاقة التجديد بالحداثة


    --------------------------------------------------------------------------------

    1- طه عبد الرحمن ـ تجديد المنهج في تقويم التراث ـ المركز الثقافي العربي ـ ص 237.

    2- داريوش شايفات ـ أوهام الهوية ـ دار الساقي. ص 117.

    3- طه عبد الرحمن ـ سؤال الأخلاق ـ ص 59.

    4- طه عبد الرحمن ـ سؤال الأخلاق ـ ص 59.

    5- نفس المرجع ـ ص 60.

    6- نفس المرجع ـ ص 60.

    7- طه عبد الرحمن ـ سؤال الأخلاق ص . 60 ـ 61.

    8- طه عبد الرحمن ـ تجديد المنهج. ص 25.

    9- محمد أبو القاسم حاج حمد ـ منهجية القرآن وأسلمة فلسفة العوم الطبيعية والإنسانية ـ نقلاً عن إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم ـ طه جابر العلوي ـ ص11.

    10- طه جابر العلواني ـ إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم ـ ص 20.

    11- نفس المرجع ـ ص 20.
                  

06-24-2004, 03:40 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8973

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد ا (Re: محمود الدقم)

    الثقافة والفكر | السياسة | التاريخ والحضارة | علوم وتكنولوجيا | الاقتصاد والتنمية


    --------------------------------------------------------------------------------



    الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا

    بناء التجديد في النمط الغربي

    عبد القادر قلاتي
    03/09/2003






    لا يمكن أن نحدد شروطًا موضوعية لتتم عملية التجديد في حقل التداول الإسلامي دون توقف هذه المحاولات التي تتم بعيدًا على النصوص المؤسسة لتراثنا الديني. والتي تعمل على الاستنجاد بمفاهيم تشكلت خارج هذا الحقل التداولي. لتصوغ مفاهيم هامشية لا تلمس بنية التراث وإطاره العام، ومن ثَم لا يطال مجهودها سوى ما تشكل في التاريخ من نصوص أفرزتها قراءات تمت حول هذه النصوص المؤسسة (القرآن والسنة). والتي ارتبطت بسياقات تاريخية وحيثيات وليدة تلك اللحظة التاريخية، وإذا كنا نشترط إبعاد هذه المحاولات، فإننا لا نملك اشتراط إزاحة مجهودها الذي قارب القرن ونصف القرن.

    وفي محاولتنا لتحديد الشروط الموضوعية التي يجب أن يستوفيها حصول عملية التجديد بعيدًا عن الأنساق المعرفية والأنماط الحدثية التي ترتبط بحقل تداولي آخر. يستوجب ذلك التقدير السليم للحقيقة الدينية التي تختلف اختلافًا بينًا عن المعايير الفلسفية التي تطبع النمط الحداثي الغربي. ذلك أن "مسالك الغرب في التحديث بُنيت أصلاً على أسس عقدية وقواعد مذهبية تعارض الحقيقة الشرعية الإسلامية. وكل من اتبع هذه المسالك الحداثية من غير إتمام التبصر بسياقاتها العقدية وكامل التبين لآثارها ومآلاتها القريبة والبعيدة، لا بد أن يقع في الإضرار بعقيدته الدينية وبعمله الشرعي، ذلك أن هذه المسالك قامت على صنفين من الفصل: أحدهما: فصل العقل عن كل دلالة على الغيب، ومن المعلوم أنه لا عقل في الإسلام إلا ممن أدرك هذه الدلالة الغيبية وعمل بها؛ والثاني، فصل العلم عن الأخلاق" 1، وهنا يكمن الخلاف المعرفي بين النمطين المذكورين. ذلك أن العقل والعلم يمثلان المستند بالنسبة لكلا النمطين، فالحداثة الغربية تستند إلى العقل بعيدًا عن كل دلالة غيبية وعن العمل عندما يتجرد من كل دلالة خلقية.

    وهذا ما يدفعنا للبحث عن نمط مخالف يبقي للدلالة الغيبية والخلقية حضورها عند كل محاولة للتجديد لما للدلالتين من ارتباط بهذين الصنفين؛ لذا يجب أن نطلب نمطًا تحديثيًّا مغايرًا، لما كنا قد سلمنا به منذ الإرهاصات الأولى للمشروع التجديدي الذي يزيد عن قرن ونصف إذا اعتبرنا لحظة التجديد بدأت مع الحركة الوهابية، واعتبرنا هذه المحاولة أولى حلقات ما قد نسميه بالتجديد الذاتي الذي تم بعيدًا عن فتنة النمط الحداثي الغربي الذي هيمن على كل المحاولات التي جرت هنا أو هناك في عالمنا العربي والإسلامي.

    فالمحاولة، وإن كانت بسيطة إلا أنها طرحت مفهوماً ذاتيًّا للتجديد يتلخص في "سيطرة الفكرة الإسلامية الوحيدة التي تصلح بما فيها من طاقة متحركة. لتحرير العالم الإسلامي المنهار منذ سقوط خلافة بغداد" 2 دون الاستناد إلى مفاهيم من خارج المنظومة الفكرية الإسلامية. وهنا تكمن فرادة هذه المحاولة التي لم تبدد فاعليتها سوى تحالفات سياسية ألغت كل بعد لفكرتها الأساس. ثم ظهرت محاولات أخرى بدت أنها امتداد لها غير أن طغيان النمط الحداثي الغربي دفع بهذه المحاولات بعيدًا عن (الفكرة الأصيلة في الإسلام) كما يسميها المرحوم مالك بن نبي. فالشروط الموضوعية التي يمكن أن تضمن تحقق محاولة تجديدية جادة ليست واضحة بالقدر الذي يجعلنا نحددها ضمن عناصر معينة، بل إن هذه الشروط حسب تقديرنا للحالة التي يعيشها الفكر الإسلامي المعاصر غير واضحة المعالم في ضوء هذا الجمود والارتهان للحداثة الغربية، ومن ثَم فالفكر الإسلامي يجب أن يتحرك ضمن تفكير جديد انطلاقًا من الموروث الديني، وأن يستثمر الآليات التي صاغت مفهوم العلم والمعرفة في إطار هذا الموروث دون الارتهان للنمط الحداثي الغربي، بل يستفيد من الحركة النقدية التي بدأت تطال الأبستملوجيا الغربية.

                  

06-24-2004, 05:08 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد ا (Re: محمود الدقم)

    الاخ محمود
    سلام
    سعدت جدا ببوستك هذا.. انا كنت اعمل فى جامعة قامت على فكرة اسلامية المعرفة حيث تدرس كل العلوم .. مستخدمة اسلامية المعرفة

    الكاتب اراد ان يعطى العطاس الاسبقية والريادة على الفاروقى فى هذا المجال..ولكن المعروف ان للفارقى حق الريادة فى التنظير والتخطيط الاساسى.. الذى تمخض عن الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا
    التى تقوم فلسفتها على اسلامية المعرفة ولقد انشأ العطاس معهد الفكر الاسلامى.. وهناك منافسة وغتاتات كبيرة بين المؤسستين
    وارى ان الكاتب قد مال الى جانب العطاس..
    ولكن فكرة اسلامية المعرفة هى فكرة جيدة لو نفذت بالصورة التى كان الفاروقى ينظر لها..لقد كان الفارقى رحمه الله يجمع طلاب مميزين
    من جميع الدول الاسلامية ليكونوا نواة فىالتنظير والتأسيس لاسلامية
    المعرفة فى جامعة تمبل بافلادلفيا قسم الاديان.. وقد كرس كل جهوده لذلك ولكن للاسف قتل فى سنة 1985 تاركا مشروعه فى منتصف الطريق بواسطة هؤلاء التلاميذ مازالت الدراسات تترى فى محاولة لوضع الاسس الاساسية.. تحولت اليوم الجامعة الاسلامية بماليزيا الى مركز للبحوث
    فى تجديد وبعث العلوم الاسلامية المتنوعة.. حيث تكتب عشرات البحوث سنويا عن القضايا الحادثة.. كما تضم الجامعة كل الكليات الحديثة
    وتدرس كل العلوم والتخصصات..من منظور اسلامية المعرفة..
    و تصدر الجامعة دورية اسمها التجديد كما يصدر معهد الفكر الاسلامى
    مجلة اسلامية المعرفة.. وبها كثير من المقالات التى تستحق القراءة
    والتأمل.. ما زال الناس يأخذون الانطباع ان كل البحوث التى تدرس
    الاسلام هى عن فقه النفاس كما يقول بعض الساخرين ولكن.. حقا هناك
    دراسات تكتب بصورة منهجية وعلمية فى كل الاقسام عن الاسلام..
    بهذه الجامعة الان طلاب من 118 دولة يبحثون فى كل مجالات الدراسات الاسلامية والعلوم المختلفة..

    ان شاء الله لى عودة لمناقشة بعض ما طرح
                  

06-26-2004, 03:21 PM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8973

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-نشأة أسلمة المعرفة-عبد ا (Re: محمود الدقم)

    شكرا لك الدكتورة بيان على الايضاح المهم واعتذر سلفا عن تاخري في الرد.

    ان تجديد الخطاب الديني الان ضرورة ملحة حتى تستبين الامورفي زمن القطب الواحد والتطرف الذي شوه انجازات العمل الاسلامي ووضعيات الجاليات لاسلامية خصوصا في اوروبا والامريكيتين وفي ظل ايضا من ياججون نار صراع الحضارات.


    الابحاث وورش العمل الاسلامي ضرورية لكن الاهم من كل ذلك تطبيق هذه المقررات على ارض الواقع حتى يكون للحضارة الاسلامية مكانا لها بين الامم..

    مرة اخرى اجدد شكري لك وما زلت اتابع كتاباتك باهتمام.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de