رحيل الشاعر ممدوح عدوان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 02:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-20-2004, 10:43 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحيل الشاعر ممدوح عدوان

    بعد صراع مرير مع السرطان


    رحل ممدوح عدوان المبدع المتعدد ذو المواقف الساطعة


    كتب - عمر شبانة:



    لم يكن الشعر وحده هو الذي لفت الانتباه والاهتمام إلى الشاعر ممدوح عدوان الذي رحل عن عالمنا ليل أول أمس الأحد، بل الجرأة وخفة الظل. ففي شعره كله دافع صاحب “تلويحة الأيدي المتعبة” عن القناعات التي رافقته على امتداد تجربته برمتها بكل ما يلزم من سطوة المحاججة وقوة البرهان. كان يروي حكاية طريفة عن هارون الرشيد الذي شاهد رجلاً يسدد قضيباً من معدن إلى حلقة ضيقة فيصيبها عن بعد فأمر بأن يكافأ ويجلد في الوقت ذاته. أما المكافأة فبسبب المهارة والدأب والإتقان وأما الجلد فلأنه صرف جزءاً من حياته على ما لا طائل منه. وأما ممدوح فقد كان ينتزع من الحكاية بعدها الرمزي ليخلص إلى أن الشعر، وفق رأيه، ليس مهارة محصنة ولا لعباً مجانياً على حبال اللغة بل ينبغي أن يمتلك إضافة إلى ذلك وظيفة اجتماعية وموقفاً من العالم. وقد ظل الشاعر أميناً لهذا الموقف ومنافحاً عنه في مجمل أعماله.

    يعتبر ممدوح عدوان اول من كتب المونودراما في سوريا، واول نص كتبه من هذا النوع كان بعنوان (حال الدنيا) وتبعه ب (القيامة) ثم (الزبال)، وذلك في النصف الثاني من الثمانينات. وهي نصوص يعالج فيها الكاتب جملة من القضايا الاجتماعية الراهنة، مثل الفقر والفساد. وكان الممثل زيناتي قدسية قد قام تباعا باخراج وتمثيل هذه النصوص الثلاثة. هنا سنكتفي بالحديث عن الزبال كنموذج لهذا النوع من المسرح.

    ومنذ أعوام.. دخل الشاعر في صراع مرير ودامٍ وتراجيديّ مع الموت، من جهة القلب أولاً، ثم من جانب السرطان الملعون، وظل في مواجهته يتحدى بصلابة وقوة، وبجهود مكثفة ومتنوعة، وبقهقهة تسخر من العدم، فقد عرف كيف يحول مأساته الشخصية إبداعاً خالداً يدفع عنه شبح الفناء. يدفعه بالشعر وبالرواية وبالترجمة وسواها، ويتمنى لو كانت لديه أدوات أخرى للتعبير عما لديه. “هناك مناطق لا يعبر عنها الشعر، ولا بد من وسائل أخرى. أتمنى لو كنت أستطيع أن أرقص وأغني وأعزف..” كان ممدوح يقول.

    وحين كان يسأل عن مرضه كان يقول “أنا لا اشعر أنني مريض، شعرت فقط في الشهرين الأولين ببعض التعب، ومن ثم استأنفت نشاطي، خلال العلاج شعرت بفقدان ذاكرة جزئي، ولكنني خلال الفترة التي تلت أصدرت كتابين هما “حيونة الإنسان والآخر” “الجنون مرة أخرى”، والذي يعتبر جزءا ثانيا لكتابي “دفاعا عن الجنون”.

    يصفه حسن حميد ب”غول الأدب في سوريا”، ويقول إنه “ينتمي.. إلى طينة الخزف الصيني”.عرفناه في أوائل العقد التاسع من القرن العشرين، شاعراً ممتلئاً شباباً متدفقاً حياة وضحكاً، بل قهقهات تملأ ردهات الفنادق التي كان ينزل فيها، مترافقاً، غالباً، مع علي الجندي الشاعر الأكثر شغباً وتمرداً، حتى ارتبط الشاعران في حضور يشي بحميمية العلاقة التي جمعت عدوان ابن “مصياف” إلى الجندي ابن “السلمية”، طوال عقود من الشعر والسهر والعشق للحياة، رغم الفارق في العمر بينهما.

    وفي دمشق التسعينات، صرت أراهما معاً في “شرفة” اتحاد الكتاب العرب، المطعم والمقهى المعروف لكل من يعرف دمشق جيداً، إلى أن تزوج الجندي زواجه الثاني وانتقل إلى اللاذقية، وانشغل ممدوح بورشته المتعددة الأشغال، دون أن يتوارى تماماً، فقد ظلت إطلالته خفيفة الظل تتكرر في “رواق الفنانين”؟ أو في “نادي الصحافيين”؟ مع ضحكته المجلجلة التي تجلب التائهين إلى طاولته المحتشدة برفاق الليل والشعر والحياة.

    يُعدّ ممدوح عدوان، المولود في قرية قيرون (مصياف) العام (1941)، من أكثر أصحاب التجارب الأدبية والشعرية العربية إثارة للجدل، فهو مثقف ثقافة ذات أبعاد ورؤى غنية وواسعة ومختلفة، مشاكسة ومتحدية ومتمردة.

    وإلى كونه واحداً من شعراء جيل الستينات، الجيل المؤسس للمشهد الشعري في سوريا، فهو قدم قدراً كبيراً من الإبداع المتعدد، إنه روائي؟ مسرحي وكاتب قصة ودراما ومترجم ذو أهمية استثنائية. وقد قيل إن له في الأسواق حوالي ثمانين كتاباً والعشرات من المسلسلات الدرامية.

    فمنذ مجموعاته “الظل الأخضر”، و”تلويحة الأيدي المتعبة”، و”الدماء تدق النوافذ”، و”يألفونك فانفر”، و”لا بد من التفاصيل”، مروراً ب”طيران نحو الجنون”، حتى مجموعته “كتاب الموت”، وعلى مدى سبع عشرة مجموعة شعرية، كرس عدوان صوتاً شعرياً متميزاً ببصمة المواجهة مع أشكال القهر والطغيان والتسلط.

    وهو كان يرى أن الشاعر دون كيشوت، وقد أصدر كتاباً أسمه “نحن دون كيشوت”. فما هو الدون كيشوت عند ممدوح عدوان؟ يقول “هو شخص اطلع على الثقافة واكتشف خطأ العالم، فقرر أن يجابه العالم بأسلحة لم تعد صالحة. الشاعر هكذا. يخرج الشاعر من الثقافة وعنده رؤية لفساد العالم، فيُقرر أن يُحارب هذا الفساد بالكلمة، ولو أن كل شخص منا استخدم أسلحته في ميدانه لمجابهة هذا الفساد مثلما الشاعر يستخدم أسلحته، لما بدا أنّ الشاعر دون كيشوت، ولكن عندما يحارب الشاعر لوحده دون الاقتصادي ودون السياسي ودون الآخرين تصبح المسألة وكأنها تكبير رأس”.

    وللتعدد في إبداعات عدوان نكهة الموسوعة، فمن منا لم تحرضه مجموعة “أمي تطارد قاتليها” في السبعينات؟ ومن منا لم تسحره ترجمة عدوان “تقرير إلى غريكو” لكازانتزاكيس في الثمانينات؟ ومن الذي لم يتوقف متأملاً صراعات “الزير سالم” أو رواية “أعدائي” في أواخر القرن العشرين ؟ وكيف يمكن أن ننسى ترجمة “الإلياذة” مطلع القرن الواحد والعشرين؟ ومن لم تأخذه إلى الطفولة والشقاوة والصبا مجموعته الشعرية “عليكَ تتكئ الحياة”؟ وعلى مدى أربعين عاماً جسد عدوان العطاء الغزير والمتنوع.. وهو عن قرب إنسان خجول، لكن أبرز ما لديه مشاكسته وسخريته ومداعباته اللطيفة والحميمة، وروحه المرحة، وفطنته العالية ونكتته الحاضرة على الدوام. تجلس معه فتشعر كم هو رقيق وودود. يحب الحياة ولا ينشغل بحديث الموت، “كل إنسان يخاف الموت، يقول، ولكن هذا لا يشغل تفكيري كثيراً، فهو لا يعني لي سوى توقف مشاريع. أنا أخاف أن أموت قبل أن أكتب كل ما برأسي، وأحب الحياة ومتعلق بها، لكن أحس كأنني أتفرج على شيء في الحياة، لكنه شيء غريب..”. ويبدو الشاعر شديد الشبق تجاه الحياة، وهو لا يقول ذلك شعراً فقط، بل سلوكاً يومياً جعله يستهلك أجمل ما فيها، فشرب من “رأس النبع”، وتذوق أجمل الغابات والجبال والبحار، وتلذذ بكثير مما يحلم به من متع العيش ومراراته، ووزع ثمار أشجاره على الأصدقاء والمحبين، حتى صاح، في مجموعته “وعليك تتكئ الحياة” تلك الصيحة الغريبة “أنِلْ قدمي ظهرَ الموت/ دنا وقت الترجل عن جراحي/ أنل عينيّ إغفاءً بحضن الموت/ قد أضنانيَ السفرُ..”، ثم يصرخ باستعلاء “لقد أمسكت بالسنارة/ اسحبني من الماء/ وطوح بي على الرمضاء”.

    وحين يرى أباه الرمزي ضعيفاً، وقد بدأ جبينه يميل نحو الأرض، يصرخ به، وربما يصرخ بنفسه أيضاً “مت يا أبي/ مت كي ترى حبي/ الذي أخفيت عنك طوال عمري/ في رثائك/ الآن مت/ لا ترتشف تلك الحثالة من وعائك/ مت واقفاً../ أرِهِم بأنك تستطيع بهمّة/ أن تنتقي موتا../ مت كي أراك/ أو مت لكي أكبر/ وتظل ملء البيت فوّاحا”.

    وهو على قدر من الاعتداد بما فعل في الحياة والعيش والعمل حتى يقول “ما الذي ظل لدى البحر سواي/ ما الذي يفعله البحر إذا غبت وخليتُ مياه البحر في غفوتها دون زبد..؟”.

    وفي مجموعته الشعرية الأخيرة “كتابة الموت” تبدو الحياة مائدة والبشر يلتفون حولها، أو يغادرونها “إننا ننهض عن مائدة العمر ولم نشبع/ تركنا فوقها منسف أحلام/.../ نحن أكملنا مدار العمر فرساناً/ وقد متنا شبابا..”. رأى فيه البعض “الشاهد المحتج بصوت عالٍ على الهزائم وارتكاساتها المهددة لمصائر الأمة العربية بأفدح الأخطار، والتردي القاتل في الأوضاع العربية.. وهدر الذات على أيدي أنظمة وحُكام لم يعرفوا يوماً كيف يوحدون كلمتهم على شيء إلا على التخاذل والتسليم.. وعلى محق شعوبهم وتغييبها والتنكيل بها تحت (يافطات) وشعارات خداعة”.

    أما جهوده المسرحية، فكانت علامة بارزة في تاريخ المسرح السوري والعربي، فقد استند إلى تراث عربي وتاريخ حافل ومسرح عالمي استقى منه فنياته العالية.. فكانت مسرحياته “الرجل الذي لم يحارب”، و “سفر برلك” و”جمال باشا السفاح” وغيرها، تؤرخ للحياة الثقافية والإبداعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في سوريا، من جهة، وتتناول الصراعات تناولاً نقدياً لاذع السخرية من جهة ثانية. وقد أعطى لمسرحه روح الشعر، كما أمدّ شعره بروح المسرح ولغته وحواراته.



    حياته في سطور



    ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941.

    تلقى تعليمه في مصياف، وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة الانجليزية، عمل في الصحافة الأدبية، وبث له التلفزيون العربي السوري عدداً من المسلسلات والسهرات التلفزيونية.

    عضو جمعية الشعر.

    مؤلفاته:

    1 المخاض- مسرحية شعرية- دمشق 1967.

    2 الظل الأخضر -شعر- دمشق 1967.

    3 الأبتر -قصة- دمشق 1970.

    4 تلويحة الأيدي المتعبة -شعر- دمشق 1970.

    5 محاكمة الرجل الذي لم يحارب -مسرحية- بغداد 1970.

    6 الدماء تدق النوافذ -شعر- بيروت 1974.

    7 أقبل الزمن المستحيل -شعر- 1974.

    8 أمي تطارد قاتلها -شعر- بيروت 1977.

    9 يألفونك فانفر -شعر- دمشق 1977.

    10 ليل العبيد- مسرحية - دمشق 1977.

    11 هملت يستيقظ متأخراً- مسرحية- دمشق 1977.

    12 زنوبيا تندحر غداً- مسرحية.

    13 لو كنت فلسطينياً- شعر.

    14 مذكرات كازنتزاكي -ترجمة -جزآن- بيروت 1980 1983.

    15 حكي السرايا والقناع - مسرحيتان- دمشق 1992- اتحاد الكتاب العرب

    - وله في نقد الشعر والمسرح كتابان هما: الأول بعنوان “هواجس في الشعر” والثاني “هواجس في المسرح”.

    - دميان : رواية/ تأليف هرمان هيسه ؛ ترجمة - ط.1. - عمان، الأردن: دار أزمنة، 1998. كما صدرت ضمن سلسلة (ابداعات عالمية/ دار الحوار - اللاذقية).

    - سد هارتا/ تأليف هرمان هيسه؛ ترجمة ممدوح عدوان. - ط.2. - دمشق، سوريا : دار ورد، .2000

    - تلفيق إسرائيل التوراتية تأليف: كيث وايتلام الناشر: قدمس للنشر والتوزيع - سوريا


    http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=129242
                  

12-22-2004, 10:05 AM

عصام عيسى رجب

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل الشاعر ممدوح عدوان (Re: sympatico)

    صديقي سمباتيكو

    "كلُّ الأحبةِ يرتحلون
    فترحلُ شيئاً فشيئاً عن الروح
    أُلفةُ هذا الوطن ..."

    أمل دنقل

    وها هو جميلٌ آخر يرحل ... على عربة السرطان النارية ... التي أدمنت لا شك صحبة هؤلاء الركاب الجميلين / أمل دنقل / سعد الله ونوس / إدوارد سعيد ...

    قال عنه الناقد صبحي حديدي:

    "هل من الممكن تخيّل المشهد الأدبي السوري المعاصر بدون هذا الرجل المؤسسة، ممدوح عدوان؟
    مَن مثله سوف يمارس، بإجادة وتميّز وأصالة وعمق ودأب، الشعر والرواية والمسرح والمقالة والدراما التلفزيونية والترجمة... في آن معاً؟
    وفي الأساس، هل كان مشهد الحداثة الشعرية السورية على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين سيكتسب تلك النكهة الخاصّة والمعطيات المنفردة، لو أنّ ممدوح عدوان لم يرفد عمارته بمداميك كبرى، مبكّرة وطليعية في آن، مثل "تلويحة الأيدي المتعبة"، 1970؛ و"الدماء تدقّ النوافذ"، و"أقبل الزمن المستحيل"، 1974؛ و"أمّي تطارد قاتلها" و"يألفونك فانفر"، 1977؟
    ومَن سوى ممدوح عدوان كان سيشاطر الراحل الثاني، سعد الله ونوس، عبء الارتقاء بالمسرح السوري الحديث والمعاصر، وزجّه في قلب ورشة مذهلة تطرح الأسئلة الضرورية والجوهرية وغير المألوفة من جهة، وتمارس التطوير في كتابة النصّ وتنفيذ العرض وتحريض التنظير النقدي من حهة ثانية؟ لم يكن هذا ممكناً من دون ونوس في "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" و"الفيل يا ملك الزمان"، ولكنه أيضاً لم يكن ممكناً من دون عدوان في "محاكمة الرجل الذي لم يحارب" و"ليل العبيد" و"كيف تركت السيف".

    هنا شهادات عنه نشرتها جريدة الحياة اللندنية في عددها أمس الثلاثاء 21 ديسمبر 2004، وتوجد مواد كثيرة عنه وله نشرها موقع جهة الشعر ورابطها هو:

    http://www.jehat.com/ar/default.asp?action=article&ID=551


    شهادات تحتفي بالشاعر السوري المشاكس ممدوح عدوان

    جريدة (الحياة)


    غاب الشاعر السوري ممدوح عدوان ليل أول من أمس عن ثلاثة وستين عاماً بعد "معركة" مريرة مع المرض الخبيث، وهو ظل يقاومه بشراسة حتى الرمق الأخير. وكان الكثيرون - وأنا منهم - يعتقدون أن ممدوح عدوان سينتصر على الموت بالحياة وليس بالشعر والمسرح فقط. هذا الشعور كان يخامر أي شخص شاهد الشاعر في أيام المرض أو سمع ضحكته المجلجلة أو استمع اليه يتحدث متكابراً على العياء والعلاج المضني. غلب الموت جسد ممدوح عدوان وليس روحه، هو المتمرّد بالصوت المرتفع والمثقف بالصوت الخفيض.
    كان ممدوح عدوان يصرّ على انه شاعر أولاً وأخيراً. الصفات الأخرى والألقاب تأتي من بعد. وهو لم يفته يوماً أنه مسرحي وروائي ومترجم مبدع استطاع في السنوات الأخيرة أن يقتحم عالم "الإلياذة" وأن ينقلها وحده الى العربية ولكن من لغة وسيطة هي الانكليزية.
    وإن هيمن الهم الإيديولوجي والسياسي على معظم نتاج ممدوح عدوان الشعري والمسرحي فهو استطاع أن ينقذ نفسه من "متاهة" هذا الهم، وأن يرقى بشعره الى مصاف "الوجداني"، متحاشياً الوقوع في شرك الواقعية الجافة والالتزام الصارخ. فصوته الشعري كان محفوفاً ببراءة طفولية ونقاء وجودي وعمق أنساني. ومكنته هذه العناصر من كتابة قصيدة همّها الأول هو الانسان والمجتمع... أما الجمالية والإبداع اللغوي والترف الشكلي فهذه كلها تأتي لاحقاً.
    ولا بأس إن طغت في أحيان شخصية ممدوح عدوان على شعره ومسرحه، فهي جزء رئيس من ظاهرته الفذّة. وقد كان رجلاً مشاكساً ومعانداً وفي حال من "النفور" الدائم وخصوصاً كلما أحيط بالألفة، مثلما يدل عنوان ديوان له هو "يألفونك فانفر". وفي ذاكرة الأصدقاء يحضر الكثير من طرائف ممدوح عدوان وسلوكه الفريد وشخصه... أما ممدوح الشاعر فينبغي البحث عنه في ثنايا تلك الذاكرة. وهذا لا يقلل من شأنه، فهو كان إنساناً عظيماً بظرفه وعفويته وقلبه الكبير. وكان أشبه بالفرسان المثاليين، يخوض المعارك بلا هوادة وبجرأة قد تبلغ في أحيان الى حدّ المبالغة.
    ولعل الشاعر المعاند الذي كان يدافع بشراسة عن قصيدة "التفعيلة" كتب في أيامه الأخيرة قصائد نثرية، قدّمها صديقه الشاعر محمد الماغوط. ولكن ما كان ممدوح ليعلن أنه تنازل عن قصيدة التفعيلة مستسلماً لقصيدة النثر، فهو أصلاً كان منفتحاً على الأنواع الأدبية كافة من القصيدة الى المسرحية فالرواية فالمقالة... وكان في هذه الميادين المختلفة هو نفسه، بجرأته وحماسته ولوعته وطفولته الشقيّة.
    غاب ممدوح عدوان! الآن يجب أن نستعيده وأن نعيد قراءته لنعلم مَن كان حقاً هذا الكاتب - الظاهرة، ولنتخلص قليلاً من شخصه الطاغي وقلبه الكبير الذي لم يكن قادراً على الكراهية حتى في أوج "المعارك" الأدبية.

    عبده وازن
    (لبنان)


    وفي ما يلي كتابات المشاركين:

    ***

    إلى ممدوح عدوان

    محمد الماغوط
    (سوريا)

    ممدوح...
    أنت تحب مصياف
    وأنا أحب سلمية
    وكلانا ديك الجن في مجونه،
    وعطيل في غيرته
    فلنصطحبهما إلى أول حانة أو مقصف
    ونبثهما أشواقنا وكلامنا وهمومنا.
    ولأن مدينتي لا ترتدي شيئاً تحت كرومها
    فإياك أن تطرف عينك عليها
    وإلا صرعتك في الحال.

    ***

    لا تصدق أنني أهوّل عليك لا أكثر
    كما كان سليمان عواد يهول على أمير البزق،
    مهدداً إياه بلفافته الـ"خصوصي للجيش".
    أتذكر تلك اللفائف؟
    وذلك السعال المديد والمتقطع،
    كالتدريبات الأولية في المستعمرات على نشيدها الوطني؟!
    ومع ذلك لا أقل عنك جهلاً في هذه الأمور.
    فللآن لا أعرف سعال الشاعر من القارئ من الناقد
    من المترجم من الراوي.
    لا أعرف إلا سعالي!
    صحيح أن معظم التبوغ مصنعة،
    لكن سعالي طبيعي ومكفول لمئة عام من العزلة!
    ومع ذلك، أقدمه بكل سرور
    مقابل شعرك المتساقط ولونك الرصاصي،
    وأهوال العلاج ونفقات الأمل.
    مع أنني لا أملك سواه.
    إنه نشيدي الوطني!
    وأتمنى أن يُعزف قريباً في المعسكرات
    والدوائر الرسمية والمدارس،
    وعلى الأقل في دور الحضانة.
    ولن أقلع عن التدخين.
    ولماذا؟
    وكل أنواع السموم تحيط بي كقشرة البيضة،
    أو اللباس الهتلري في القطب الشمالي.

    ***

    والآن دعنا من كل هذه الترهات
    أريد خزعة من رئتيك وجبينك وأحزانك..
    إن نسيجها أكثر متانة ومماطلة
    من قلعة مصياف وجبال ديرماما
    وأكثر فطنة وثقة من أعلام الغزو في الظلام.
    وأنا واثق بأنك ستزهر من جديد كالوراقة،
    وفي عز الشتاء.
    وإذا خطرت لك زيارتي حيث أقيم
    فعلى الرحب والسعة.
    فإذا لم أكن موجوداً،
    فسعالي يقوم بالواجب وأكثر:
    تهليلاً وترحيباً وعناقاً
    حتى الغضب والانفعال،
    والتظاهر إلى جانبك ولأية قضية.
    لأنني قد لا أعود أبداً،
    فمدينة لا يوجد فيها مريض نفسي أو عقلي حتى الآن
    لن أبقى فيها دقيقة واحدة.

    ***

    درس في محبة الحياة

    قاسم حداد
    (البحرين)

    عليه ان يرأف بنا، هذا الموت.
    بقيت نسمة واحدة لا تعود تكفي لفقد ممدوح عدوان.
    هذا الذي قال لي مرة بعد مرضه الأول بالقلب: "ليس لدي وقت لكي أموت، أنا مشغول كثيراً". ها هو يأخذ الوقت كله ويموت.
    في اللقاء الأول معه في بيروت 1970، في سهرة من سهرات الملتقى الشعري العربي الأول، كانت سنية صالح طيبة آنذاك، وكان ممدوح أصدر ديوانه "تلويحة الأيدي المتعبة" بمقدمته الفذة عن الجولان، قلت له وهو في غمرة حركته العارمة عاصفاً بالحفل والملتقى وليالي بيروت: لست متعباً مثل عنوان ديوانك. قال الأيدي ربما، لكن الجسد لا. ثم حكى لنا حكاية الملك الذي قتل مهرجه بسبب لا جدوى لعبة الإبر المشهورة. لم يكن يريد للشاعر العربي ان يقع ضحية لا جدوى الكتابة.
    منذ ذلك اللقاء وممدوح صار صديقاً لا يمكن تخيل ملتقيات الشعر وسهراتها من دونه. صخبه الفاتن لم ينكسر حتى أيامه الأخيرة إلا على مضض. في كل مرة يسألني: "بدك كاسة عرق من بيتي؟".
    ممدوح عدوان لا يشبه أمثاله أبداً. كان يحسن تلقيننا درس محبة الحياة. لكن لا نحن نتعلم الدرس، ولا الحياة رأفت بممدوح.
    كلما التقيت به، في الفترة الأخيرة، رحت أرقبه عن كثب وهو يعالج جسده بروحه الناهضة. لقاؤنا الأخير في مهرجان صور اللبناني، كان فادحاً الى أقصى حد، فبعد ان قرأ واحدة من أجمل قصائده الأخيرة "خيانات الجسد" التي تشي بمستخلصات حكمته الموغلة في السخرية المرة، وبعدما أنهى القراءة، وفيما هو يترك المنصة والمسرح والدرجات الصغيرة عائداً الى مقعده بخطوات موهنة، فإذا به يتعثر ويقع ليشهق له جمهور المهرجان جميعه ويسارع من في الصفوف الأمامية ليرفعه ومن بينهم زوجته السيدة إلهام. فيعلق بأسلوب جارح السخرية: قلت لكم، انها خيانات الجسد. لقد كان جسده يقصر عن روحه.
    ليس سهلاً الذهاب الى كتابة ممدوح وتخيله مفقوداً.
    لكنه لم يعد هنا الآن.
    كنتُ اتفقت معه ان يكون رئيس تحريرنا الزائر في "جهة الشعر". لعله ذهب الى جهة الشعر على طريقته.

    ***

    الشاعر الذي مازح الموت

    محمد علي شمس الدين
    (لبنان)

    لماذا السرطان؟ لماذا يقع الشاعر في ذراع السرطان؟ معظم الذين أحببتهم ماتوا بالسرطان. لكنْ لماذا السرطان؟ ألأنه مخيف أكثر من سواه؟ لا فارق... بالسرطان أو بالقوس. بالأسد أو بالعقرب. الموت هو الموت. لا أنوح على ممدوح. أتخيّله الآنَ واقفاً على قرن كركدنّ الموت، يمازحه... يعابثه ويلويه. ما حيلة السرطان بعد أن يموت الشاعر؟ لا شيء... يُسقَطُ في يده... ينهزم. ممدوح عدوان سبقته قهقهاته الى المقابر. وأحسبه الآن يمازح من حوله من موتى، من ملائكة وشياطين. أحسبه يلقي عليهم هذه اللقطة من شعره: "وصديقي/ قبل أن يكمل سَرْدَ النكتةِ المرتجلةْ/ مزّقته قنبلةْ".
    ممدوح عدوان كان شاعر المفارقات الساخرة. يقطف من المشهد لحظته الأخيرة، ليطرح السؤال أو الدهشة أو المفارقة. بعد أن يصف في قصيدته "خارجي قبل الأوان" حواره مع السيّاف، مبتدئاً هذا الحوار بانتمائه لرهط عليّ "أنا من رهط عليّ"، يصل الى لحظة الخروج... ولماذا؟
    لم ينتبه ممدوح عدوان في حياته لمداهمات الحداثة... كما لم ينتبه لمداهمات المرضى. كان يدخّن بشراهة كتابته للشعر. وكان يكتب الشعر بشراهة من يعبّ الحياة عباً... يمارسها أكثر مما يفكّر فيها أو يتأملها... ويكتب قصائده كما يمارس الحياة بما يشبه الارتجال وقطف المفارقة والسخرية من كل شيء... من المأساة كما من الملهاة... من الموت كما من الحياة...
    تغلب على أشعار ممدوح كما تغلب على سيرته حرارة وسخرية. لم يكن لديه وقت للنحت في اللغة أو للسؤال المجرد في الوجود بمقدار ما كان لديه شَغَف محموم بالتعبير... بأخلاطه واندفاعاته... بمفارقاته التي تشدّه للضحك على أنفِ الخطر، وفي عين سيكلوب الموت المفتوحة المخيفة. ألم أقل إنني أتصوره في هذه اللحظة واقفاً على رأس قرن كركدنّ السرطان وهو يلقي قصيدة أو يرتجل نكتة... ويقطع بين الفينة والفينة، إلقاءه بسعال متقطّع... سعال طويل وجميل تقطعه الضحكات، من هنا والى آخر أيام التكوين.

    ***

    موقع اتهامات كثيرة

    خليل صويلح
    (سوريا)

    عاد ممدوح عدوان أخيراً إلى "دير ماما" مسقط رأسه، هذه القرية التي طالما استعاد سيرتها في قصائده الأخيرة، وكأنه في جردة حساب نهائية لا يجد سوى مرابع الطفولة البعيدة ملاذاً نهائياً لجسده، لكن صاحب "تلويحة الأيدي المتعبة" ترك خلفه رصيداً هائلاً من الاحتجاج والرفض، فهو شاعر مشاغب من طراز خاص، لم يترك فرصة للتعبير عن هواجسه إلا وخاضها بنبرة عالية سواء في الشعر أم في المسرح أم في الدراما أم في الترجمة.
    وخارج نصوصه الإبداعية سيبقى ممدوح عدوان ظاهرة ثقافية سورية نادرة، كم نحتاج إليها في بلاد اعتادت على النبرة الخافتة والصمت في مواقف كثيرة تحتاج إلى شجاعة المثقف وبسالة الصوت المتفرد. والحال أن فداحة الخسارة تتكشف، ليس على طريقة المراثي الجاهزة، إنما من منطلق عدالة قضية هذا المثقف وجسارة حضوره في المشهد الإبداعي.
    شخص استثنائي بحق، أراد أن ينتبه إلى نفسه من الداخل وأن لايعيش الحياة بحياد، فكتب آلام الآخرين بحبه الخاص من دون أن يفقد نرجسيته كشاعر مغامر ومثقف جوّال، لذلك لم يرتبك وهو يجرب أدوات كثيرة لإيصال صوته من المنبر العالي إلى الغرف المغلقة.
    كان ممدوح عدوان لفرط جرأته موقع اتهامات كثيرة، تنقله من خندق إلى آخر، لكنه لم يلتفت إلا إلى صوته الخاص وموقعه الثقافي المتعالي من دون أن يتجاهل صفع أعدائه وقت اللزوم بالشتيمة الثقافية المناسبة. فهو صاحب الأجوبة الحادة والحاسمة لكل من يعترض طريقه، وعلى هذا الأساس كتب نصوصاً مسرحية إشكالية كما في "هاملت يستيقظ متأخراً"، و"محاكمة الرجل الذي لم يحارب" و"كيف تركت السيف"، ولم تكن مشكلاته مع الرقابة أقل وطأة، إذ منع نصه "ليل العبيد" بعد أيام من عرضه على خشبة مسرح الحمراء في دمشق.
    ممدوح عدوان اكتشف "راداره" الخاص في الترجمة أيضاً، حين التفت إلى نصوص استثنائية، كان أبرزها "تقرير إلى غريكو" السيرة الذاتية والفكرية لنيكوس كازانتزاكيس.
    ومن ضفة أخرى التقط ممدوح عدوان نصين روحيين بديعين لهيرمان هيسه هما "رحلة إلى الشرق" و"سد هارتا". وفي الدراسات الفكرية ترجم كتاباً مهماً هو "تلفيق إسرائيل التوراتية: طمس التاريخ الفلسطيني" لكيث وايثلام. ومن أعماله المترجمة الأخرى رواية "الجنرال" لآلان سيليتو، ومسرحية "ساعي البريد" لانطونيو سكارميتا عن حقبة من حياة بابلو نيرودا. ولعل الانجاز الأهم لممدوح عدوان في هذا السياق هو ترجمته لكتاب هوميروس الشهير "الإلياذة" بصيغة جديدة تدير ظهرها للترجمات التقليدية السابقة لهذه الملحمة، إذ يشير إلى أن هذا النص كان سماعياً وليس مكتوباً.

    ***

    "إنهم يكذبون حتى في نشرة الطقس"

    هالا محمد
    (سوريا)

    كان ممدوح عدوان من بين الأشجع من أبناء جيل اتصف الكثير منهم بالأبطال "التراجيديين".
    عام 1980 قال في اجتماع الأدباء مع ممثلي الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة في سورية: "أنا أعمل في إعلام أخجل منه فهو يكذب حتى في نشرة الطقس وأخبار الكوليرا...". وانتقد جريئاً وحيداً وقتذاك التركيبة البنيوية لـ"سرايا الدفاع" التي تم حلها في ما بعد. هذه المواقف كانت صدى لشعره الرافض والثوري الذي كان له تأثير واسع في أوساط الشباب في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ولأعماله المسرحية وترجماته التي أثرت المكتبة العربية، مما أكسبه احتراماً لدى الخصوم والأصدقاء. كان حضوره طاغياً في دفاعه عن مشروع ثقافي رحل وهو يشهد إجهاضه المرير في الواقع، لكنه رحل من دون أن يستسلم. فحيثما تلفّت كنت تراه في الصحافة وشاشات التلفزة والمهرجانات واللقاءات الحميمة، هو الذي لم يكن يغادر بيته، مقر عمله!.. وإلا فكيف استطاع وهو لم يبلغ الخامسة والستين إنجاز أكثر من 08 مؤلفاً.

    ***

    صعب في زمن صعب

    محمد علي فرحات
    (لبنان)


    يبدو للوهلة الأولى صعباً، لكنك تعرف لاحقاً انه يتقصد الصعوبة ليرسم مسافة حرية تفصله عن الآخرين، وهي أيضاً مسافة للإبداع، ففي بلده وفي جيله بالذات، كانت الايدولوجيا فخاً يلغي الكلام الفردي لمصلحة كلام معمم يدعي التعبير عن الجموع.
    رجل صعب تغلب على مرحلة صعبة، فاستطاع أن يمرّر مقالات وقصائد ومسرحيات ودراما تلفزيونية تتلمس قلقاً على المستقبل وتضع مبضع النقد في زمن الماضي، ووجد وقتاً ليساهم في الرواية وفي مهمة التنوير عبر ترجمات لأعمال غربية.
    ناشط ثقافي ومبدع هو ممدوح عدوان، رجل الحضور في المشهد النقدي السوري والعربي، بالمعنى الواسع لكلمة "نقد"، المعنى الذي يطاول الانسان في اجتماعه وغنائه واقتصاده وقلقه على الهوية وأسئلته أمام مجهولات المستقبل. لذلك فإن تصنيف أعماله وتقويمها لا بد من أن يندرجا في تصور عام لدوره كمثقف ناشط وشاهد وملتزم. لن أتحدث عن تعارفنا الطاعن في أزمنة لبنان وسورية ولقاءات في بيروت ودمشق ومنتديات في هذه العاصمة العربية أو تلك، وعن وصول هذا التعارف الى صداقة تعبر سوء تفاهم على هذه القضية أو تلك، فأن يكون الكاتب سورياً يعني وقوفه عند مسلّمات وطنية أكثر مما ينبغي وتفحصه الأشياء والأحداث والمواقف في معيار هذه المسلّمات الوطنية أكثر مما ينبغي. يا ممدوح عدوان الفارس الشجاع كلمة وأخلاقاً، الساخر من السرطان حتى اللحظة الأخيرة، وداعاً، وسيطبع عدد من مؤلفاتك طبعات جديدة... بالتأكيد.

    (الرياض 20/12/2004)

    ***

    "نعمة" الموت بالسرطان

    ابراهيم حميدي
    (سوريا)


    كان ممدوح عدوان "محظوظاً" في ان المرض زاره قبل سنوات من رحيله كي تسرع "المؤسسات المانحة" السورية في منحه جوائزها قبل عودته في موكب رسمي - وداعي الى مسقط رأسه.
    وكلما كان السرطان يكثر من علاماته على جسد عدوان، كانت الجوائز والصور التذكارية تنهمر على رأسه مثل "حب عزيز" القاسي.
    وبين جرعة كيماوية وأخرى تحول عدوان من ذاك "المطلوب" بسيارة ودوريات حراسة مكشوفة "تسهر على راحته" حيثما حل في الليل والنهار في شوارع دمشق لأنه كتب عن "الحاشية" بعنف، الى شخص يكرم في المراتب الرسمية... وشبه الرسمية.
    قبل أشهر فقط وقف السرطان الى جانب عدوان في مسقط رأسه المسرحي، فوافقت إدارة "المعهد العالي للفنون المسرحية" بعد تردد على تكريمه مع راحلين اثنين هما سعدالله ونوس وفواز الساجر. وكانت جائزته عبارة عن "شهادة تقدير" وباقة ورد وألف دولار... مع صورة جماعية ضمتهما مع وزير الثقافة محمود السيد وعميد "المعهد" سامر عمران لتعلق الصورة في "لائحة الشرف" مع وعد السيد بأن يكون "تكريم المبدعين الذي يقدمون حياتهم فداء للوطن تقليداً في سورية".
    وتزامنت شراسة المرض مع جائزتين اخريين. الأولى لدى تكريمه في افتتاح الاستحضار الثانية عشرة لـ"مهرجان دمشق المسرحي"، والثانية لدى تسميته عضواً في لجنة تحكيم جوائز "ادونيا للدراما السورية" التي أطلقتها "المجموعة المتحدة".
    ... ولأن السرطان سرق منه مهنة المشي في الطرق، توطآ معاً فأرسل عدوان حلقات مكتملة من ضحكته بدلاً من الجسد الى حفل توزيع الجوائز مساء الخميس الفائت.
    مدير مكتب "الحياة" - دمشق

    ***

    غياب جارح

    خالدة سعيد
    (سوريا)


    غياب ممدوح عدوان جارح، جارح لأنه ذهب حاملاً وعوداً متجددة لم يستنفدها، ولأن صوتاً متمرداً حرّاً قد قُصف قصفاً.
    لقد غُلبت شجاعتُه وكسره الموت الذي تحدّاه.
    أذكره في زمن مجلة "مواقف"، حين كان صوته يجيئنا مثقلاً بالبروق نضراً آملاً عاصفاً، حتى ليفيض عن إغواء الإيديولوجيات.
    لم تتسع حياته لأحلامه الشاسعة والعاصفة، ولا للأسرار التي تبادلها مع الشعر. ومتى كانت الحياة تتسع لوعود الشعر؟ غياب الشاعر جارح دائماً، يستحضر معركة الشعر والحلم مع الموت، انه اليوم جارح مراراً في زمن يُحاصَر الشعر ويهجم الخراب.

    ***

    لستُ روائياً يا صديقي"

    عبدالعزيز المقالح
    (اليمن)


    على رغم أن رحيله كان متوقعاً منذ عام، على الأقل، فإن إعلان هذا الرحيل كان مفاجئاً بقدر ما كان محزناً، ومثيراً لتداعيات لا حدود لها من الأسى، والشعور بالصدمة. كانت الثقة بمقاومة المبدع الكبير ممدوح عدوان، وبتحديه للمرض اللعين اكبر من الثقة بالطب الحديث ومعجزاته، ومنذ أسبوع فقط هاتفتني الصديقة الكاتبة الروائية ليلى العثمان لتقول لي انها تناولت الغداء مع ممدوح وزوجته، وان وضعه الصحي يثير القلق لكنه يبتسم، وينكت، ويتحدى المرض بطريقة غير معقولة. طمأنتني الكلمات بعض الشيء وتمنيت أن يطول به العمر ليواصل إمتاعنا بإبداعه وترجماته. لكن (ما كل ما يتمنى المرء).
    حسرتي برحيل ممدوح كبيرة ومضاعفة، حيث كنت قد تلقيت منه رسالة قبل عامين يقول فيها: اشتاق الى صنعاء، وكان ردي العاجل، بأن صنعاء أكثر اشتياقاً إليك يا ممدوح. وجاءت المناسبة من خلال مؤتمر الرواية الذي عقد في صنعاء في بداية هذا العام كانون الثاني (يناير) 2004، وتوجهت اليه الدعوة، وكان رده مداعباً: "لست روائياً يا صديقي، أنا شاعر وسأنتظر فرصة قادمة".
    وتكررت اليه الدعوة، بأن صنعاء مفتوحة تمد ذراعيها اليه في أي وقت، لكنه ربما نتيجة لظروفه المرضية كان يؤجل المواعيد من شهر الى آخر. في هذا الصباح، وبالصدفة المحضة، كنت استمع الى فيروز وهي تردد بصوتها الملائكي الباكي: "وليست عشيات الحمى برواجعٍ/ إليك، ولكن خلِ عينيك تدمعا/ كأن خلقنا للنوى، وكأنما/ حرامُ على الأيامِ ان نتجمعا".
    هل كان ذلك الصوت الملائكي الباكي ينذر بالخبر المشؤوم الذي كان علي أن أتلقاه بعد ثلاث ساعات فقط؟؟ ربما...
    وفي تقديري انه ومن الآن وصاعداً، سيبدأ الشعور الحارق في تبين مدى الخسارة التي ستلحق بالإبداع العربي لغياب واحد من أبرز أعلامه. فقد كان ممدوح شاعراً مبدعاً، وناقداً متمكناً يراجع الأعمال الأدبية بعين ورؤية ثاقبتين، كما كان مترجماً رائعاً تقرأ ترجماته، وكأنك تقرأ عملاً إبداعياً يضارع النص الأصلي، وقد يتفوق عليه. تحية إكبار وإجلال، في وداع مبدع كبير، وإنسان أكبر ولا عزاء للإبداع والمبدعين.

    ***

    وجه دمشق الذي لا يغيب

    محمد بنيس
    (المغرب)


    استحضر ممدوح عدوان في الحيوية الشعرية والثقافية التي جعل بها حياته نابضة على الدوام. الشاعر والمترجم يتكاملان. ودمشق وجهه الذي عاش محتمياً به في مراحل المكابدة كما في مراحل الإبداع. كذلك عرفته منذ الستينات عبر دواوين وترجمات كان فيها يبحث عن الأعمق الذي يواجه به. تلك اللقاءات المتكررة بيننا لم تكن كثيرة، لكنها كانت إنسانية. وفي كل مرة كان لنا ما يسمح للكلمات أن تتحرر من الحدود. هو كذلك كان في كتاباته وفي علاقته الإنسانية.
    وأتذكر أنه كان من دلني أول مرة على ضريح ابن عربي في دمشق. كان في كلماتنا شبه تواطؤ. فـقـط ابن عـربـي الذي كانت رغبتي قوية في زيارة ضريحه، وهو أنصت إلى الرغبة وصاحبي. حواراتنا كانت تنتقل بين الشعر والترجمة. وفي زيارتي الأخيرة لدمشق هذا الصيف زرته في بيته مع الصديقة رشا عمران والصديق سيف الرحبي. إنه كما عرفته. حياة الكتابة الاعتيادية. واضح مع نفسه. يقاوم بالترجمة والكتابة.
    ممدوح عدوان، شاعر الصداقة لن يغيب عنا.

    ***

    الكتابة طريقة حياة

    محمد جمال باروت
    (سوريا)


    كان ممدوح عدوان على مدى ثلاثة عقودٍ ونيف "شاغل" الجميع في سورية، بحيويته الهائلة التي تجمع في شكلٍ فريدٍ بين روح الصدام والمشاكسة والمنافرة والتهكم والبوهيمية وعمق المعرفة وشمولها والحنين الرعوي الرقيق إلى أزمنةٍ طفوليةٍ أليفةٍ. ولعلّ تعدد الأجناس الكتابية والثقافية التي انتمت إليها تجربته الإبداعية المركبة يعكس تلك الأبعاد المضطرمة والجامحة في شخصيته الثقافية والإبداعية. لقد كانت الكتابة لديه تجربة تركت آثاراً لها في كل شيءٍ تقريباً، وكأن ليست هناك زاوية لم يفعل أو لم يحاول أن يفعل ممدوح عدوان شيئاً فيها أراده على الدوام مختلفاً.
    كانت الكتابة لدى ممدوح تجربة إبداعيةً، وفي شكلٍ أوضح طريقة حياة. في تاريخ الشعر السوري الحديث كان ممدوح ينتمي إلى المتألقين في ما نسميه بجيل الستينات في سورية. وكان بحيويته وروحه السجالية وتدفق إنتاجه المتعدد والمتنوع علامةً في ذلك الجيل الذي نقل الشعر السوري مباشرةً من الكلاسيكية الجديدة إلى الشكل الحديث. هذا الجيل، وبينه ممدوح، كان متشرباً بلاهوت الثورة اليساري الجديد، وخلط هذا اللاهوت في مجمل تجربته الإبداعية الحياتية، وجعله متمسكاً بوظيفة الشعر ما فوق الشعرية. ولذلك هيمنت التحريضية الغنائية على لغة ممدوح الشعرية بهدف كسر قشرة العالم الآسن واستفزازها باستمرار.
    وخلافاً لجيل الستينات في العراق الذي كان أصدر مجلة "شعر 69" لتمثل اتجاهاً حداثوياً في فهم طبيعة الشعر ووظيفته وأدواته ضمن الأفق الأدونيسي الذي كان يشعل يومئذ حرائق في كل الجدل الثقافي اليومي، بقي ممدوح وجيله ما خلا بعض الاستثناءات متمسكاً بفهمٍ بسيطٍ للغة القصيدة ينفر من الغموض الدلالي ويعتني أيما اعتناء بتيسير عملية التوصيل والتواصل، وكان في ذلك يميل إلى استحياء الرمز التاريخي الحي في الذاكرة الجمعية أكثر من الرمز الأسطوري بسماته الرؤيوية والنبوية الكامنة.
    كان ذلك موضع جدلٍ حارٍ بينه وبين شعراء الستينات في العراق. جيل فاضل العزاوي كان يرى أن طبيعة قصيدة مجايليه في سورية تعمل من دون تحدٍ يواجهها، فلقد "اكتملت" دورة الكلاسيكية الجديدة السورية، بينما يواجه جيل الستينات العراقي تحديات السياب والبياتي. إلخ، ولهذا يلح على الاتجاه نحو القطيعة، بينما يضعف هاجس القطيعة لدى عدوان وجيله.
    ممدوح ابن ما يمكن تسميته بجيل المنعطف الثاني في الشعر السوري. دخل جيله إلى مسرح التجربة الشعرية من أوسع أبوابه. كان هناك شاعر سوري مهم سبق تجربة ممدوح وجيله هو خوري الذي لم يكن معروفاً حتى الآن في تاريخ الشعر السوري للأسف الشديد. وبحكم طبيعة تكوين ممدوح، فإنه لم يلق بالاً للأسئلة الميتافيزيقية والكيانية بل لأسئلة الحياة الجارية المتفقة أمام عينيه ومخيلته. ولم يلق ممدوح بالاً لتحديات "الطنين" الشديد للحداثة يومئذ، ومطابقتها مع الرؤى النرجسية والملائكية والرمزانية والكهانية للعالم، لكن هذا "الطنين" استفزه كثيراً بقدر ما اضطر إلى الاندماج في إشكالياته. (...) أليس هو صاحب "يألفونك فانفر"، وكأنه كان يكتب فيه وصيته في عدم الاستكانة وبقاء الروح مضطرمةً طليقةً على رغم كل الانكسارات.

    الحياة
    2004/12/21


                  

12-27-2004, 09:09 AM

EMU إيمو
<aEMU إيمو
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 2923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل الشاعر ممدوح عدوان (Re: sympatico)

    ممدوح عدوان طاقة بلا حدود
    له الرحمة والمغفرة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de