هدوم العيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 05:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2005, 05:21 AM

SILVER MOON
<aSILVER MOON
تاريخ التسجيل: 02-24-2002
مجموع المشاركات: 300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هدوم العيد



    مثل كثيرين في القرية الوادعة على ضفاف النيل لم تكن الملابس الجديدة تعرف طريقًا إلى جسده الناحل إلا مع إطلالة العيد .. فقد كانت الدمورية زيًا رسميًا طوال أيام السنة .. وكانت الفانلة المهترئة لباسًا للنوم وأحيانًا لباسًا للعب مع الأقران .. وكان لديه جلباب واحد لا يلبسه الا في المناسبات العظيمة كعرس في الحلة او عند الذهاب إلى السوق الكبير .. وكانت الباتا ترفًا لذا كان جده حريصًا عليها.. يمنعه دائما من اللعب بها.. فهو ولع بالكرة يظل يركل كل حصاة يصادفها او علب الصلصة التي كانت تملأ طرقات القرية التي أدمن أهلها الدمعة (صلصن كرواد) وخاصة في المواسم التي تقل فيها الخضروات الطازجة..
    ولكن هيهات أن يستجيب لجده فقد كان وأقرانه يتسابقون على من يستطيع قذف الحصى في البئر المهجورة بركلة واحدة.. وكان هو دائمًا من يفوز لأنه كان يغافل جده ويلبس الباتا في أثناء القذف بينما الآخرون يمارسون الركل حفاة .. ولم يكن ما يناله من عقاب يثنيه عن هذا الفعل..
    ولشدة شقاوته اهترأ الحذاء وتمزق الجلباب في يوم أصر فيه على لبسه وهو ذاهب إلى الطاحونة..
    وكان جده أكثر الناس انزعاجًا فهو لا يدري هل سيستطيع ابنه الذي يعمل في الخرطوم موافاة الأسرة بملابس جديدة وخاصة ان العيد أصبح على الأبواب أم انه لن يجد أحدًا يرسل معه الملابس ومصاريف العيد .. أم سيعتذر بسبب الظروف كما فعل أكثر من مرة ..
    أفكار شتى دارت بخلد الرجل السبعيني والجدة تشاركه هذا الهم .. وهما لا يعرفان كيف يتصرفان اذا تلكأ ابنهما أو لم تتهيأ له الظروف لإرسال حاجيات العيد.. وقد ظلا لأكثر من أسبوعين يترقبان اللواري القادمة من حلفا.. بل كانا يستيقظان من عز النوم كلما سمعا لوريًا يقف في اي مكان من البلد وهما يخمنان بوصول فلان او علان .. وما كان يعنيهما أن يكون هذا الفلان أو ذاك من طرف ابنهما.. وكثرت المرات التي خابت فيها ظنونهما حتى كادا يفقدان الأمل.. والطفل لاه لا يعرف كم يتعذب جده وجدته من أجله.. ولم يتحرك في دواخل الولد الاحساس بالعيد الا عندما وجد بعض أقرانه يذهبون مع آبائهم أو إخوانهم الكبار إلى سوق عبري لتفصيل الملابس الجديدة.. فقد كان الواحد منهم يحضر من السوق مبهورًا بما رأى .. ويحكي تفاصيل دقيقة عن كيف أخذ الخياط المقاسات وماذا قال الوالد وكيف رد الخياط .. ومن رأى من الاطفال هناك ..فكان الفاضل وهذا اسمه يسمع كل الحكاوي التي يختلط فيها الحقيقة بالخيال وفي اعماقه حزن كبير يريد أن يتفجر.. ولكنه لا يفعل ذلك الا عندما يختلي بجده وجدته اذ يظل يبكي حتى يغالبه النوم .. وفي أثناء نومه كان يتكلم بكلام غير مفهوم ولكن كانت العبرة تخنقه فيستيقظ فزعًا مما زاد جده وجدته رهقًا.. وخشيا أن يحدث له مكروه .. ومع أنهما ربيا الطفل ولا يزالان يقفان على تربيته الا انهما كانا يريانه أمانة في عنقيهما.. وعليهما أداؤها كما ينبغي.. ومع خوفهما لم يقطعا الامل .. بل ظلا في رجاء أن ينفرج الحال.. والطفل يزداد ذبولا و يزداد هذيانه في الليل.. بينما يلعب مع أقرانه وحكاياتهم سكاكين تقطع أحشاءه..
    لم تجد الجدة مخرجًا لهذه الأزمة غير بيع الجدي الذي ظلت تعده لضحية العيد، فكل ما لديها من خراف وماعز تشاركها فيها بناتها وغيرهن من اللائي اخترن المدن مهاجر..
    وفي اليوم السابق لوقفة العيد اوكل الجد لشاب من الحي مهمة اصطحاب حفيده إلى خياط القرية.. لأن خياط السوق لا شك مشغول ولا وقت لديه بعد أن أصبح هناك أقل من يومين على العيد ..
    تعكر الطفل كثيرًا ورأى في ذلك انتقاصا من قدره.. كيف يذهب الأطفال الى السوق بينما يخيط هو ملابسه في القرية .. وظل الجد يقنعه من دون فائدة حتى تفتقت ذهن الجد عن فكرة راقت له.. فاليوم الاثنين وخياط القرية لا شك في السوق الأخير الذي يسبق العيد .. فلماذا لا يذهب اليه هناك ويطلب منه ان يأخذ مقاسات حفيده في السوق ثم يقوم بالخياطة في محله بالقرية..
    رأى الرجل أن عليه تكبد المشاق من أجل إسعاد حفيده .. وكان أكثر ما يحيره الوسيلة التي تعينه على الانتقال من القرية إلى السوق.. فهو لا يركب ظهور الحمير من سنوات كما ان الوقت قد تأخر ولا عربات هناك حتى يقف في الطريق انتظارًا لوصول إحداها .. وعزم على أن يركب حفيده حمارته بينما يصحبها هو راجلا.. وكان الطفل بجلبابه المرتق يركب ظهر الحمارة وهو يكاد يطير فرحًا .. وعندما وصلا المنطقة الخالية التي تفصل القرية عن السوق لاحت عربة مسرعة تجاوزت الرجل وحفيده ولكن عاد سائقها القهقري .. وسأل الرجل عما به وإلى أين يتجه ..
    كان السائق يعرف الرجل، ويعرف انه لم يعد يذهب الى السوق مهما كانت الأسباب.. عندما ادرك وجهة الرجل طلب منه ربط الحمارة في اي مكان وان يركب معه واعدًا اياه بتوصيله الى البلد وقتما اراد .. والعجيب ان الرجل معروف بشدته وكرهه لكثرة الوقوف في أثناء مشواره اليومي بين بيته والسوق.. ولكنه تقديره للجد غلب طبعه..
    ركب الجد والطفل مع السائق وكان هذا في حد ذاته ميزة على الفاضل أن يحسن حفظها وتنميقها حتى يباهي بها اقرانه.. وكانت عيناه تحاولان التقاط التفاصيل الدقيقة التي ستضفي على حكايته نكهة خاصة..
    في منتصف السوق هبط الجد وأمسك بيده حفيده وعند مكتب البريد سأل عن الخياط فقال له أحدهم أنه يفطر في المطعم المقابل .. وخشي الرجل أن يتورط في افطار لا يطيقه .. فانتظر بقرب المكتب وكل من يراه من أهل البلد يأتي إليه متسائلا ومندهشًا حتى بدأ يشعر بالضيق من كثر ترديد الحكاية.. خرج الخياط من المطعم .. فنادى عليه الجد بصوت آمر.. فانتبه الرجل وهو لا يصدق عينيه.. جاء مهرولا فانتحى به الجد جانبًا .. ففهم ما يريد .. ذهب بهما الى خياط السوق وطلب منه أخذ المقاسات بعد أن اوضح له الموقف..
    استطاع الخياط أن يننتهي من حياكة الملابس في مساء يوم الوقفة واعتذر لانه لم يتمكن من كي الجلباب بسبب ضغط العمل .. طمأنه الجد بأنه سيطلب من احد الجيران كيه.. المهم ان ينام حفيد محتضنًا جلبابه الجديد .. وبالفعل ظل الفاضل يحتضن جلبابه بقوة حتى اشرق فجر العيد .. وجاء ابن الجيران وهو يفرك عينيه لكي الجلباب وما أن سخنت المكواة حتى وضعها في منتصف الجلباب ولم يشعر إلا وقد التصق كله بباطن المكواة .. محدثًا خرقًا واسعًا في الجلباب.. وصاح الفاضل الذي كان يراقب الموقف بأعلى صوته منتحبًا بينما قذف محمد ابن الجيران الذي كان على مشارف مرحلة الشباب المكواة وجرى مسرعًا خارجًا من البيت..
    ظل الفاضل يتمرغ في الأرض وهو يحتضن جلبابه متأملا الخرقة بين الفينة والأخرى فيعلو صوته ويخفض.. ولم يستطع أحد إسكاته .. بل لم يقو أحد على غسل وجهه بماء لكي يهدئ من روعه .. فقد كان يقفز من بين أيادي الجيران الذين تجمعوا على صوته ككرة تتقاذفها الأرجل .. وكان بينهم من أتى من أحياء القرية الأخرى للمعايدة قبل الذهاب الى الصلاة .. إذ كان تجمع المصلين قبل الذهاب الى المسجد بجوار منزل الجد..وخشي الجد والجدة أن يحدث له مكروه من فرط البكاء .. بينما هم في هذه الحالة المزرية وقف لوري أمام باب المنزل وقد ذهلوا جميعًا لأن أحدهم لم يسمع بأي صوت ينبئ بوصوله لشدة انشغالهم بالفاضل..
    سكت الجميع حتى الفاضل أخذ يمسح دموعه بطرف الفانلة المهترئة وعيناه معلقتان باللوري الذي ظل محركه يدور .. قفز رجل تبدو عليه نعومة المدن على الرغم مما يبدو عليه من علامات الارهاق وهو يحمل بين يديه كيسا مخيطًا .. رحب به الجد والرجل يعرفه بنفسه .. ويتأسف لأنه تأخر مدة يومين في الطريق بسبب عطل في اللوري .. ولأنه يعرف الظروف أبى ألا أن يسلمه الطرد المرسل من ابنه قبل أن يبلغ قريته الواقعة في أرض المحس.. أي الى جنوب قريتهم.. شكر له الجد وأصر عليه أن ينزل ضيفًا عليه ليواصل مسيره بعد الغداء.. وبعد طول إقناع رضي الرجل وبقية الركاب أن يصلوا العيد ثم يفطرون ليواصلوا مشوارهم ..
    وكانت الجدة تحتضن الطرد وتضمه اليها ضما وهي تشمه لعلها تجد فيه شيئا من رائحة ابنها وتخمن وهي تسأل نفسها عما بداخله..
    وكان الفاضل يتبعها كظلها وعيناه تتعلقان بالطرد .. ويلح عليها أن تفتحه بسرعة..
    ذهبت به الى المطبخ واحضرت مقصًا حادًا وأخذت تقص الكيس من أطرافه واخذت تخرج ما في أحشائه وهي تدعو لأبنها كلما وجدت شيئا كانت في أمس الحاجة .. وما أكثر ما تحتاج هي وكل من في القرية.. وكان الفاضل يبدي ضيقًا كلما وجد شئيا لا يخصه .. بل لم يفرح عندما أخرجت جدته حذاء جديدا ثم كراسات واقلام.. ثم أطلق صرخة عالية اهتزت لها اركان المطبخ عندما رأى جلبابا أبيض من ذلك النوع الجديد الذي لا يتكرمش.. انه لا يعرف ماذا يطلقون عليه ولكنه يعرف خاصيته هذه.. دخل على جده والضيوف وهو يصيح : يا جدي بابا ارسل هدوم العيد.. انشرحت اسارير جده وأخفى دمعة تريد أن تفضح مشاعره .. ثم قام من المجلس وهو يصيح يا : شريفة خللي عثمان يضبح ثلاثة من الخرفان للضيوف.. ارتبكت شريفة في البداية وقد تذكرت الشركاء ولكن الموقف كان أكبر من أي تفكير من أي نوع

    حسين حسن حسين
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de