(حول إلإدعاءات الحديثة من قبل التقري حول : قبائل (اللبت والإبداوي الحدارب البجا ) في أريتريا..وشهادة العمدة محمد آدم من اللبت.. وبعض المؤرخين والنسابة).
نعم،لا زالت محاولات إنتحال تاريخ وهوية البجا تسير بخطى حثيثة من قبل إثنين ونصف مليون لاجئ أريتري تم توطينهم وتجنيسهم في السودان ، وكذلك لا تزال محاولاتهم لتمثيل شرق السودان في منبر جوبا الذي تسلقوا له بمعاونة بعض الإنتهازيين وتجار القضايا في (سوق) جوبا السياسي الذي أضحى مهزلة الذي جمع المتردية والنطيحة وما أكل السبع..من الجهلاء والأميين والأجانب ومتسولي السياسة!
* القبائل البجاوية الأريترية : نعم، توجد حاليا قبائل بداويت (بجا) في أريتريا.. وكذلك في مصر أيضا على إمتداد الصحراء الشرقية المصرية وحوالي أسوان (ناهيك عن مثلث حلايب المحتل ) .
نسبة لكون إمتداد البجا القديم حسب المصادر والمراجع التي تؤرخ لأمتداد قبائل البجا القديمة من قوص شمال الأقصر ووادي الحمامات في مصر.. إلى ميناء مصوع الحالي جنوبا..
حيث لم توجد في ذلك الزمن قبائل تتحدث التقري في هذه المنطقة جنوب أرض البجا سوى قبيلة الخاسا..
التي وثق لها في التاريخ القديم (نهايات مملكة مروي) في نقش النجاشي عيزانا بصورة منفصلة عن البجا.. فقد ذكر في نقشه الشهير (البجا، والنوبة الزرق والحمر ، والباريا، والكاسو (الكوشيين)، والمانجورتو) .
وكذلك وثق الدمشقي وبعض المؤرخين المسلمين في مرحلة التاريخ الوسيط لتواجد للخاسا والرقبات كطائفة ملتحقة بالبجا وتتحدث لغة مختلفة.
اللبت والإبداوي الحدارب في أريتريا الحالية :
وهم قبائل بجاوية تتحدث البداويت (ولا تتحدث التقري لغة البني عامر والحباب )، ولكن وجدت نفسها ضمن نظارة البني عامر في أريتريا حسب التقسيم الإداري الحديث الذي سنته الحكومة الأريترية.. عدا الحدارب التي كان لها تقسيم منفصل.
📌 وقد شهد العمدة محمد آدم من شيوخ اللبت في مقطعين فيديو حرص على أن يسجلوهم له : بأن القبائل التي تتحدث البداويت في أريتريا هم بجا وليسو بني عامر كما صار يشاع مؤخرا ، وأضاف ثم كرر بأن البجا فقط هم من يتحدثون البداويت لغة وثقافة وعراقة ، وعبر بأنه قد إستاء جدا من بعض الذين طفحوا على الوسائط إساءة وذما للبجا وتزويرا لتاريخهم !
البجة في العصر الحالي:
عديد من قبائل البجة الحالية تتبنى أصولا عربية نسبة لتمازج بعض الهجرات العربية مع قبائل البجة القديمة بالتزاوج والتوالد ولذا فإن تسميتها بالبجة لا تعنى مدلولا عنصريا محضا وإنما تعنى في وقتنا الحالي مدلولا قوميا اصطلاحيا. وهذه القبائل التي تعرف اليوم بقبائل البجة لها في نفس الوقت ذاتية قبلية محددة.
والأنساب العربية لا تعني بالطبع محو الأصول البجاوية العريقة القدم.. فالهجرات العربية ذابت بالطبع في المكون البجاوي كما ذابت في كل المكونات السودانية التي إختلطت بها عبر النظام الأمومي الأفريقي العتيق .
ومع الاختلاف الكبير لهذه القبائل في أصولها ومنابعها ومساكنها إلا أنها تشترك في عدة صفات وروابط تجمعها في وحدة اجتماعية واحدة وثقافة عتيقة واحدة فضلا عن الصلات والترابط القائم فيما بينها.
وأهم الصفات المشتركة فيما بينهم :
وحدة اللغة والميل إلى حياة البداوة والحذر وصعوبة الألفة مع التحفز للحرب وتوقع الشر الدائم والصلابة وقوة الشكيمة وصعوبة المراس والبرود الزائد في التعامل مع الغريب لحين الإطمئنان له (وهو ناتج عن الحذر الشديد من الغرباء بسبب تاريخ مرير من التصدي للغزو الأجنبي والحروب القديمة سواء مع الحثيين أو الهكسوي أو الفرس أو البيزنطيين أو الرومان أو المسلمين أو الترك أو الإنقليز وغيرهم ) ..
كذلك من صفاتهم الجلد المتناهي إزاء الأحداث والتوحد عند الحروب والملمات، والشجاعة والإقدام الذين اشتهروا بهم في جميع مراحل حياتهم التاريخية وخلدهم الأعداء قبل الأصدقاء.
وعمق الإيمان في المعتقد من شيمهم (القديم منه وهو العقيدة الآمونية، والوسيط منه وهو المسيحية التي إعتنقتها مملكة واحدة من ممالك البجا، ثم الإسلام الذي تسلل إليهم عبر الطرق الصوفية )..
أما المتحدثون بلغة (التقراييت) والذين صار يشملهم نطاق التسمية البجاوية العامة مؤخرا (بحكم المجاورة) . فإنهم وإن اختلفوا مع إخوانهم المتحدثين بلغة (البداوييت) في اللغة فإنهم شركاؤهم في الطابع العام وفي بعض الصفات التي ذكرناها، هذا مع إختلافهم العميق معهم في جذور الثقافة وكذلك الأزياء( هذا رغم تطبعهم مؤخرا ببعض الثقافة البجاوية ولبس الزي البجاوي.. بل حتى صاروا يتلقبون بلقب (أدروب وأدروتا) هذه الألقاب التي تميز البجا في السودان .
أما عن تكوين القبائل البجاوية الحالية التي أشرنا إلى بعض تزاوجها مع العرب فإننا نستطيع القول بأن هذا الأمر قد بدأ ما بين القرنين السابع والعاشـر الهجري..هذا رغم أن القبائل العربية التي هاجرت إلى أرض البجا قد كانت تعيش وسطهم وتتحدث لغتهم وطاعتها للبجا تقريبا حتى القرن الرابع عشر الهجري كما وثق المؤرخون.
* وتعتبر القرون الثلاثة الأولى من العهد الإسلامي مرحلة حروب ومجابهة فيما بين العرب والبجا في عقر ديار البجة. تليها القرون الأربعة التي شكلت مرحلة تآلف ومصالحة في بدايتها وتزاوج ومخالطة في أوسطها (حسب النظام الأمومي الذي كان معمولا به في ثقافة البجا)، وتمازج وانصهار في نهايتها لتبرز بعد هذه المرحلة طلائع القبائل الموجودة حاليا. إلا أنه يمكننا القول أن هناك عناصر استطاعت الاحتفاظ بهوية البجة الأصلية وعاداتهم وتقاليدهم القديمة. ونستطيع أن نحصر هذه العناصر في وقتنا الحاضر في عدة بيوتات تنتمي لعديد من قبائل البجا وتعيش في الخلاء والجبال في المناطق المقفرة من السكان ،وكذلك في قبائل الشمال حيث مثلث حلايب خاصة وادي العلاقي.
وهنالك أيضا قبائل بجاوية عريقة في أريتريا الحالية تتحدث البجاويت وتحتفظ بثقافة البجا وتراثهم القديم تنتمي إداريا حاليا لنظارة البني عامر رغم إختلاف اللغة.
فقبائل بني عامر حلف قبلي كبير لا يعود إلى أصل واحد وهم قبائل حديثة تكونت كحلف..خلال فترة الفونج ثم توسع هذا الحلف ليضم كل المتحدثين بلغة التقري وكذلك بعض القبائل المتحدثة بالعربية والتي تزعم إنتمائها العربي واليمني على وجه الخصوص.
والقبائل البجاوية في أريتريا يشملهم جميعا اسم (البداوييب)، وهذه العناصر هي:
(1) البجه إبداوي :
الاسم هنا لقبيلة صغيرة محدودة موجودة في خور بركه و(تتبع إدارياً). لنظارة البني عامر ،رغم أنها في الواقع تعتبر من ضمن أكثر القبائل في شرق السودان وإرتريا محافظة على الأصول القديمة للبجة الذين كانوا في مرحلة ما قبل الإسلام.
وتحتفظ هذه القبيلة بكثير من الخصائص البدوية المحضة التي كانت طابع البجة القدامى فهم قوم يحبون رعى الأغنام ويعيشون على ألبانها ولحومها ولحوم الصيد البرى ولا يحبون المدن ، واغلب وجودهم في الجبال حول مناطق خور بركه وساوه وجميل وغيرها من مناطق المنطقة الغربية من إرتريا . كما أن لهم وجود في جنوب غرب إرتريا وشمال غرب إثيوبيا وخاصة في المنطقة بين الحمرة وغندر ، مما يؤكد أن إقليم (بجا مدر ) هي أرض من أراضـي البجا ويعود تاريخها إلى هزيمة البجا لمملكة أكسوم بعد صراع كر وفر مرير وثق بعضه النجاشي عيزانا في أحد نقوشه الذي ذكر فيه حروبه مع مجموعات البجا ..وهذا قبل هزيمة البجا نهائيا لأكسوم وتأسيس إقليمهم بجا مدر في الهضبة الحبشية.
و(البداويب) يتسوقون في أغردات وأم حجر والحمرة وكسلا وتوكر. وهم قوم شديدو الفراسة و يعتمدون على الأعشاب في أدويتهم ولهم فيها حكمة غريبة وعريقة.
مفرد القبيلة يسمى (إبداوى) بالدال الثقيلة التي تنطق بثني اللسان إلي سقف الحلق عند نطق الدال بدلا من إلصاق اللسان بالثنايا العليا كما هو مخرجه في النطق، وهم أي (البداوييب) غير اللبت الذين يجتمعون معهم في العادات والتقاليد إلا أن أصـول اللبت عربيه قبطية بجاوية وكلمة لبت تحريف لكلمة قبط (مصريين) وتسمى اللغة البجاوية (بداو ييت) بالدال الثقيلة مع الإمالة في الباء وبالتعريف (تب داوي) والتاء هنا أداة تعريف للاسم المؤنث ولابد من الضغط على الكسرة تحت الباء الأخيرة في حالة النطق إلا أن الاسم يطلق على جميع البجة بمختلف قبائلهم. والمتحدثون (بالبداوييت) يعرفون أنفسهم عند الجمع (بالبداوييت) مع اعترافهم بوجود قبيلة (إب داوى) بعنصرها الحالي في أعالي خور بركه ().
(2) البجا اللبت:
قبيلة توجد أغلبية عناصرها في المنطقة بين اللقدى والحمرة وأم حجر وحامداييت ودهيماء، ويتمركز أغلبهم في الديرة بالقرب من دهيماء وهذه المنطقة تقع شرق ود الحليو في محافظة (سيتيت) السودانية. وحول منطقتي الحمرة الإثيوبية وأم حجر الإرترية، كما توجد عناصر منهم في مناطق خور بركه ومنطقة التاي شرق همشكوريب وصعيد هرناييت وتوكر وجزء يسير منها في ريفي كسلا . وتعتبر مدن ودالحليو السودانية وأم حجر الإرترية والحمرة الإثيوبية من أهم أسـواقهم بالإضافة إلى مدن كسلا وتوكر.
وقبيلة اللبت الآن جزء من البني عامر (من ناحية إدارية أيضا) إلا إن جذور هذه القبيلة ترجع إلى التمازج البجاوى القبطي الذي حدث بعد اجتياح قبائل البجة لمملكة أكسوم وتمركز العناصر القبطية في الهضبة الإثيوبية.()
وإذا رجعنا إلى لفظ كلمة لبت نجدها تحريف لكلمة قبط وفق تأويل بعض المؤرخين.
وقد هاجر الأقباط من مصر إلى الحبشة مرتين، الهجرة الأولى كانت عند دخول الإسلام إلى مصر عام (640م -642م) أما الهجرة الثانية فكانت في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله في عام (996 - 1021م) حيث نزح الأقباط إلى الحبشة واستقروا هناك وكانوا من ضمن الجيوش التي حاربت الإمام أحمد بن إبراهيم في مواقع عديدة.
وكان للأقباط يد في تنظيم الدولة الحبشية إذا يحدثنا التاريخ أن الملك (الحطي) كان لداود بن سيف أرعد في عام 812م الذي خلفه ابنه تادرس ثم أخوه إسحاق بن داود . هذا وقد استفاد الملك حطي إسحاق بخبرة واحد من الأقباط القادمين من مصر يعرف بفخر الدولة حيث رتب له المملكة وجبى له الأموال فصار الحطى ملكا له سلطان وديوان.
كان تأثير الأقباط في الحبشة واضحا كما يتضح لنا ذلك من الكتب التي تنظم القانون وغيره مثل كتاب (فنخانجست) وترجمتها قانون الملك الذى كتبه القبطي ابن عسال كذلك كتاب (فوس منغسائى ) وترجمتها دواء الروح وكتاب (فقارى ملكوت) وترجمتها التأمل في الملكوت وغيرها من الكتب التي يتضح بأنها قد اقتبست من كتب الفت بالغة العربية.
( من مقابلة مع : الشيخ عمر محمد حسب : كبير اللبت بدهيماء وقلوج (ناهز عمره تسعون عاما) في مدينة ودالحليو 1985م).
* ملاحظات من مؤرخ بجاوي آخر :
نظارة البني عامر ليست كالنظارات الأخرى .
فمثلا عندما نقول نظارة الهدندوة نتحدث عن عدة فروع يجمعها أصل واحد مع وجود التحالفات الصغيرة بحكم الموقع الجغرافي.
ما ينطبق على نظارة الهدندوة ينطبق على نظارة البشاريين والامرأر ونظارة الحلنقة وغيرهم من فروع البجا (كل هذه النظارات يدل مسماها إلى عناصرها ذات الأصول الواحدة)..وكذلك أغلب النظارات في السودان مثل نظارة الشكرية والرشايدة وغيرها من النظارات المختلفة.
فنظارة البني عامر تختلف في مكوناتها عن النظارات الأخرى كونها حلف قبلي عريض من عدة قبائل وأصول مختلفة.. من حيث أن فروع البني عامر تستظل بمظلة إدارية واحدة وهي سلطة (البني عامر) وقد اخذوا الإسم من ناصح بن عامر بن علي نابت...وهو أول زعيم إستولى على السلطة من البلي في إريتريا..وفرض سيطرته على مجموعة القبائل الموجودة تحت زعامتهم (هذه المجموعات القبيله مختلفة الأصول والمنبع ) بعضهم كان تحت رعاية البلي (الذين كانوا يتحدثون البداويت أيضا) ، بل بعباره أدق هذه القبائل كانت عبارة عن رقيق للبلي (حسب نظام شماقلي تقري الاقطاعي ) وتحول الأمر للنابتاب.. إثر استيلاء ناصح بن عامر على الزعامة من البلي ( بمساعدة السلطنة السنارية ) وأصبحت بعض هذه القبائل(أرقاء للزعيم عامر وابنائه وأحفاده من بعده ) وأصبح آل عامر النابتاب سادة والآخرين من القبائل ضمن زعامة بيت نابت أرقاء ..(حسب نظام شماقلي تقري) ...ولا زال الأمر في (داخلهم هكذا موجود)..
وهم فرع بيت معلا ينتسب إلى أصل مختلف
ومعه فرع أب حشيلا
فرع الألمدا ينتسب إلى أصل مختلف
فرع الرقبات أيضاً ينتسب إلى أصل مختلف
وهكذا كل فروع مكونات ما يسمى بقبيلة البني عامر العريضة تنتسب إلى أصول مختلفة..
وللدلالة على ذلك اذا سألت أي واحد على حده عن أصله لن تجد من يرجع لك بأصله إلى عامر !!
لذلك ما يسمى بقبائل بني عامر هي عبارة عن تحالف قبلي فرضته ظروف الإدارة التي خططها المستعمر.
(والجدير بالذكر ..أن قبائل البداويت أعلاه لا تخضع لنظام العبودية (شماقلي/ تقري )..
ولكن وجودها ضمن نظارة البني عامر نسبة لأسباب إدارية حديثة فقط فرضتها ظروف الدولة) .
فالبني عامر كما أسلفت كيان قبلي أي (مجموعة قبائل مختلفة) تكونت تحت مسمى البني عامر ، أستمد إسم البني عامر (كما يقال !) من إسم عامر بن على نابت بن محمد أبو القاسم الشاعدينابي العباسي.. والقبيلة التي نسبت لهذه السلالة أي (النابتاب) حلت محل البلي في إرتريا وفرضت سيطرتها على مجموعة القبائل الموجودة في المنطقة التي كانت تسيطر عليها قبيلة البلي وأسبغت عليها إسمها. والنابتاب يرجعون بأصولهم لفرع الشاعديناب من قبيلة الجعليين القرشية التي تنتسب إلى العباس بن عبد المطلب( كما يزعمون).
أما عن كيفية انتزاع السلطة من البلي فتتفق أغلب الروايات مع رواية العمدة إدريس صالح الحسن والتي وردت " أنه وصل في أحد الأيام إلى منطقة البلي شيخ كبير، وذاع أمره بين الناس وكان حين يسأل عن إسمه وموطنه ومن أين جاء كان يرد للسائلين أنه اسمه علي وأنه نبت من الأرض فأطلق عليه الناس اسم علي نابت. وفي أحد الأيام أستدعي لمقابلة كبير البلي (إدريس أدرأييب) ويعني إسمه بالبداويت (الأيادي الحمراء) وهي كناية عن الفارس المضمخة أياديه بالدم في الحروب وهي كناية عن الشجاعة والفروسية : أداراييب مذكر و أدراييت مؤنث الإسم. وأدار شبيه لمعنى أدروب..فأدار يعني أحمر ، وأدروب يعني أحمر .
والمعنى المفصل للكلمة بلغة البجا البداويت : فالكلمة من مقطعين
فإدار كما ذكرت يعني الأحمر.. إييب معناها الأيدي..
أدارأييت عند إدغام الكلمة تقلب الباء ياء.
(فالبلي كقبيلة عربية وافدة إلى أرض البجا.. بعدما ختلطوا بالبجا صاروا يتحدثون البداويت ويتسمون بأسماء بجاوية.. والبعض يخلط بينهم وبين (البلو كلو) الأحباش سكان منطقة صنعفي الأريترية وهذا خطأ.. فأولئك يتحدثون لغة التقري).
المهم، نواصل قصة كبير البلي إدريس أدارأييب مع علي نابت :
فطلب منه كبير البلي إدريس أدراييب معالجة أبنته الوحيدة (آمنه) التي حار في أمرها الأطباء ووعده بالزواج منها إن هي شفيت على يديه، وأراد الله أن تشفي البنت من المرض على يدي علي نابت، فما كان من (أدارأييت) إلا أن وفي بوعده فزوجها من علي نابت، استاء البلي رجالا ونساء من قرار زعيمهم بتزويج أبنتهم من الغريب إلا أنهم أذعنوا لرغبته، وعندما طلب من النسوة بناء بيت العرس قلبن العمود الأوسط وهو في شكل قوس إلى أسفل البيت وجعلن واجهته إلى الغرب بدلا من المشرق (الذي يعنى اتجاه القبلة الشريفة) كعادة أهل البلاد وزينوا واجهته باللون الأحمر كناية عن الشؤم والبلاء " أستقر علي نابت بين أصهاره وأنجب إبن أطلق عليه إسم عامر.
ولم يعجب هذا الأمر البلي ( أي زواج إبنة زعيمهم من شيخ مجهول الهوية) مما جعلهم يتربصون به حتى قتلوه.. ومثلوا بجثته..وقطعوا رأسه.. وجعلوه مكيالا يكيلون به الحبوب!!
كبر عامر الذي كان يناديه أخواله (بقرماي مود أور) والتي تعني بالبجاوية ابن مكيال الرأس..فقرماب تعني الرأس وأور إبن ومود تعني المد أو المكيال بلغة البجا البداويت.. ولصياغة الجملة تقلب الباء إلى ياء ..وهكذا تصبح الكلمة أبن مكيال الرأس أي المكيال الذي صنع من رأس ( علي نابت) ، وذلك إشارة إلى رأس والده الذي أصبح مكيالا للحبوب.
فسأل والدته عن سبب تلك التسمية إلا أنها حاولت التهرب من سؤاله فلما ألح عليها وأصر على معرفة القصة ووجدت نفسها مجبرة شرحت له ما فعله أخواله بأبيه.
وكان الشيخ علي نابت قد ترك عند زوجته وصيه لأبنه عامر بها تفاصيل نسبه وموطنه الذي جاء منه، كما ترك له سيفه الذي كان يحمل شعار قبيلته. استلم عامر وصيه والده فوجد أن أصل والده من المتمة، وأسمه علي بن محمد أبو القاسم بن محمد الطريح بن أحمد سوينق بن شاع الدين بن عرمان وسلسة نسبه ترجع به إلى فرع الشاعديناب من قبيلة الجعليين.
ذهب عامر إلى مدينة المتمة ووقف في وسط السوق وعرض سيف والده والذي يحمل شعار الجعليين، ووجد في الحضور من يتعرف على السيف مؤكداً أن السيف سيف محمد أبو القاسم بن محمد الطريح. فعرفهم عامر بنفسه وأخرج شجرة نسب والده. فدلوه إلى منزل عمه الذي استمع منه، لقصة مولده ومقتل والده .
على أثر هذا اصطحب العم ابن أخيه إلى سنار ، فقابلوا مك سنار الذي كان على رأس مملكة الفونج "السلطنة الزرقاء" في ذلك الوقت.
سمع المك كل القصة التي رواها عم عامر بن على (نابت) ، والتي فحواها {أن والده علي محمد أبو القاسم هاجر من مدينة المتمة في 925هـ تقريبا، فوصل إلى سوبا التي سافر منها إلي سنار ومنها إلى (ريرة- والتي تعني المحبوبة بلغة البجا ) في البطانه وأقام بها مدة ثم ارتحل منها إلى التاكا ومنها إلى "أمبوريب" ثم سافر إلى "القمود" حيث درس في خلاوي البجا الملهيتكناب فحفظ القرآن الكريم وتفقه في علوم الشريعة ومن ثم نذر نفسه للدعوة وسط القبائل التي كانت تعتقد المعتقدات الآمونية التي كانت تسكن مناطق البجا ، فتوجه نحو (سروبت) و(أسرم دهيريب) حيث مقر زعيم البجة (إدريس أدار أييب البلوي). وصل علي إلى هناك وتزوج من بنت زعيم البجة (إدريس أدار أييب البلوي) إلى نهاية القصة التي ذكرناها أنفاً. وحتى وصول عامر إلى مدينة المتمة ومقابلته لعمه.
سمع ملك سنار القصة التي تأثر لها كثيراً، وكان من المعروف توقير ملوك سنار للعلماء والفقهاء، فساءه أن يُقتل داعية إسلامي نذر نفسه للدعوة لدين الله. ووجدها فرصة سانحة لغزو تلك البلاد وضمها إلى مملكته فجهز جيشا كبيرا سمى (بالعرضي) وزحف إلى أن وصل مشارف زعامة البلي البجا في "أكات نأف " وكان ذلك في حوالي 1580م، واشــتبكوا مع جيش البلي في معركة فاصلة دامت ثلاثة أيام كانت نتيجتها لصالح جيش العرضي.
خلفت تلك المعركة أعداداً كبيرة من القتلى في جانب بلي . تعقب جيش الفونج (العرضي) ما تبقى من قبيلة بلي في تلك الأنحاء حتى قضي عليهم تماما، ونصبوا عامر بن علي (نابت) محمد أبو القاسم زعيما ، على أن تكون البلاد (مشيخه) تابعة لمملكة سنار. واستتب الأمر لعامر بن علي نابت وأصبحت المنطقه تحت سيطرته وعرفت ذريته من بعد بالنابتاب.
تزوج عامر بنت قاسم علي من البجا الملهيتكناب وأنجب إبنه الوحيد ناصح ،واستقر في تلك المنطقة وبسط نفوذه على كل القبائل من حوله. وعرفت منطقته لدى المملكة السنارية (الفونج) بمشيخة بني عامر .. إشارة إلى عامر بن علي نابت بن محمد أبوالقاسم الشاعدينابي العباسي.
تصحيح لبس تاريخي :
انتشرت في الآونة الأخير أقوال حاول مروجوها طمس هذه الحقيقة البارزة والمعلومة لدى العامة والخاصة، وزعموا أن قبيلة البني عامر الموجودة اليوم تنتسب إلى (عامر بن صعصة) ويعني بذلك فرية أنها تمتد جذورها إلى قبيلة البني عامر العربية الشهيرة في الجزيرة العربية .
ناسين أو متناسين أن هناك من هم من أصلاب عامر بن علي نابت وأبنه ناصح بن عامر الذي تزوج من آمنه بنت عيسى أدارهيب من البلي وأنجب منها (علي عكسة وإدريس ومتمة) ثم تزوج من نفيسه بنت طاهر ويل ألي من الهدندوه وأنجب منها (أكد وأبسعد وعوض الله) وأن ذريتهما لم تنقرض، وأنهم لازالوا يقلبون القوس الأوسط في بيت البرش ويدهنون مقدمته باللون الأحمر عند إقامة الزواج تيمنناً بتلك العادة التي ابتدعنها نساء بلي تشاؤما بزواج علي نابت محمد أبو القاسم من آمنه بنت زعيمهم إدريس أدر أييت البلوي. ولا يزال النحاس والطاقية أم قرنين اللذان أهديا لعامر بن علي نابت من قبل ملك السلطنة السنارية و المتوارثان من أيام تنصيبه زعيما على مناطق نفوذ البلي القديمة في أريتريا وإلى يومنا هذا موجودان كشاهد على هذا النسب ولإثبات تبعية مشيخة البني عامر للسلطنة السنارية.(كثاني مشيخة تتبع للسلطنة السنارية في شرق السودان بعد مشيخة الحلنقة)..!!
* هكذا أسست مشيخة البني عامر التابعة للسـلطنة الزرقاء في مناطق البجة الجنوبية الشرقية قبل ترسيم الحدود السودانية الأريترية، والتي أصبحت ثاني مشيخة تتبع للسلطنة السنارية في أقصى شرق السودان بعد مشيخة الحلنقة البجاويين.
وكان بيت الزعامة في بني عامر يتكون ولا يزال من سلالة النابتاب التي هي خليط من جد بلوي بجاوي وجد شاعدنابي وجدات بجاويات من الملهيتكناب والهدندوة.
بيت زعامة من أصل (بجاوي، جعلي شاعدينابي) يحكم أمة واسعة وقبائل متنوعة من التقري ورثها من البلي البجا.
* عندما ظهرت الثورة المهدية إختار زعماء البني عامر الانحياز إلى الطرف الذي انحاز له المراغنة وهو الطرف المناوئ للمهدية والمقاوم لها . وبعد انحسار عهد المهدية وتقسيم السودان الشرقي بين إرتريا والسودان ، أصبحت هناك نظارة كبرى للبني عامر في إرتريا في هوشاييت.. ونظارة صغرى في السودان ، والناظر الموجود في السودان كان يمثل كوكيل للناظر في أرتريا وذلك لحفظ حقوق البني عامر في أسواق السودان (كسلا تحديدا) ..
تبرع السادة المراغنة (بدار لمحل إقامة وكيل الناظر ...الناظر فيما بعد ) في قرية الختمية في كسلا ...وهذه الدار لا زالت مقر ناظر البني عامر في كسلا، وهي جوار ضريح السيد الحسن الميرغني أبوجلابية (وهو جد مراغنه السودان ) .
الناظر إبراهيم محمد عثمان دقلل يعتبر أول ناظر من البني عامر تكون إقامته في السودان (في قرية الختمية بكسلا ) وهو والد الناظر الحالي (علي إبراهيم محمد عثمان دقلل).
( كلمة دقلل تعني الزعيم في لغة التقري).
ثم بعد الهجوم الحبشي على أريتريا تدفقت معظم قبائل منخفضات أريتريا إلى الأراضي السودانية ، ويقدر حسب بعض الإحصاءات بما يقارب إثنين مليون ونصف نسمة !!
ولعوامل سياسية عديدة خاصة بدولة أريتريا.. وبالسودان خلال عهد الإنقاذ.. وكذلك بسياسات التوطين الخاصة بمعتمدية اللاجئين ، تم توفيق أوضاع هذه القبائل الأريترية وتوطينهم داخل شرق السودان.
فمنح بعضها نظارات وعموديات كالآتي :
(1) قبائل البنى عامر أعطيت نظارة فى كسلا موازية لنظارة الهدندوة.
(2)قبيلة البلين أعطيت عمودية فى كسلا.
(3) قبيلة الحباب أعطيت عمودية ، ومن ثم نظارة فى طوكر فى عهد والى ولاية البحر الاحمر محمد طاهر ايلا (من ضمن اتفاقيات شرق السودان – بواسطة الدكتورة آمنة ضرار- أمة التقرى ).
(4) قبيلة الحماسين أعطيت عمودية فى كسلا .
ولهذا الأمر خلفية تاريخية :
فمعلوم أنه عند استعار إوار الثورة الإرترية هاجر معظم أبناء البني عامر الموجودين في إرتريا إلى السودان وأصبح دقلل إبراهيم محمد عثمان ناظراً لعموم قبائل البني عامر. ثم جاءت حكومة (مايو بقيادة جعفر نميري) التي استولت على الحكم في السودان في عام 1969م ، فحلت الإدارات الأهلية، ومن ضمنها كانت إدارة البني عامر ممثلة في ناظر عموم البني عامر (دقلل إبراهيم محمد عثمان) . وبعد انتهاء عهد (الرئيس جعفر نميري) عادت الإدارات الأهلية كما كانت واصبح دقلل إبراهيم محمد عثمان ناظر عموم البني عامـر يرعي شئون قبيلته العريضة بين السودان وارتريا ، إلى أن توفي رحمـه الله في عام (1995م) فعين أبنه دقلل علي إبراهيم محمد عثمان الناظر الحالي لعموم قبائل البني عامر خلفاً لوالده.
📌 هذه تفاصيل قصة تكوين قبيلة البني عامر ( بزخمها الحالي) .
* وللمعلومية :
عاصمة نظارتهم كانت في (هوشاييت) بالقرب من أغردات في أريتريا ....وكانت أغردات تمثل لهم مقر (حضري كمدينة ) وبمرور الوقت أصبحت أغردات تضم منازل أعيان (النابتاب) بما فيهم الناظر .
* وكذلك كون وجود قبائل بجاويت مثل إبداوي واللبت ضمن نظارة بني عامر.. فهذا لا يعني بالطبع أن البني عامر أكثر بجاوية من البجا.. أو أنهم أصل البجا..كما صرنا نسمع حاليا ..!!
لأن وقوع هذه القبائل البداويتية العريقة ضمن نظارة بني عامر في أريتريا هو أمر طارئ وحديث.. وقد فرضه التقسيم الإداري فقط.
كما ذكر مؤخرا العمدة محمد آدم في شهادته التاريخية..
وهو من اللبت فرع الكرب كناب .
* كما أن زعم البني عامر بأن القبائل البداويتية ضمن نظارتهم هي أول قبائل تحدثت بلغة البداويت.. فهو زعم باطل تاريخيا.. فلغة البجا معروف أنها من أقدم اللغات الأفريقية وعاصرت مصر القديمة.. وعاصرت البجا القدماء من مدجاي وتراجلدايت (سكان الكهوف) وبلميين ومدد وغيرهم من مجموعات البجا القدماء.
وملوك البجا كانوا آخر من دون النقوش وكتب بالغة المروية .
ولقد ذكر المؤرخ الشريف محمود أبو عائشة :
البلوييت تعني اللسان العربي وكل من يتحدث باللسان العربي هو بلوييت (واللغة العربيه نفسها تسمى عند البجا بالبلوييت)...السؤال لماذا أطلق البجه لفظ (بلوييت) على اللسان العربي ؟
الإجابة عندما حضر (البلي) (وهم قبيله عربية من قحطان أي من من قبائل جنوب الجزيرة العربية إلى أرض البجا (الممتدة من شمال أثيوبيا الحالية إلى عيذاب و منطقة صعيد مصر )، تعاملت البجا مع بلي وبالتالي أطلقوا على كل من يتحدث العربيه إسم (بلوييتياي أي من البلوييت) .
وكل العنصر العربي من البلي أو ربيعة وجهينة وغيرهم من (العناصر العربية) التي جاءت إلى المنطقه تحدثت (بالبداوييت) حتى يستطيعوا التعامل مع زعماء البجا وكذلك العمالة البجاوية (سواء كانت عمالة مناجم الذهب أو أدلاء القوافل ) ولي شواهد على ذلك : (كل العناصر الشمالية التي جاءت إلى الشرق استهوتها العادات واللغة البجاويهة ...مثال الجعليين في سنكات والشايقية في طوكر وبورتسودان والرباطاب والشايقية والجعلية في مدن القاش المختلفة)، بل أبعد من ذلك الجهينية الموجودون في (ينبع في السعودية ) صادفت منهم سعوديين يتحدثون البجاوية بطلاقة أهل ساحل البحر الاحمر..وذلك نسبة للتلاقح التجاري وإقامة بعضهم في شرق السودان منذ القدم !!
يتابع المؤرخ الشريف محمود أبو عائشة شهادته :
لا أميل لنفي تواجد البلي..وذلك لصلة أهل الجزيرة العربية بالضفة الغربية للبحر الأحمر منذ القدم، ففي الصومال وإريتريا وشمال أثيوبيا ومنطقة العفر ..كانت ولا زالت الأسر العربية المعروفة والتي تنتمى لعديد من قبائل جزيرة العرب والتي هاجرت لأسباب مختلفة، وهنالك شواهد عديدة كما نعلم. وبخصوص قبيلة بلي لها ما لبقية القبائل العربية الوافدة ..فتأثرت أيضا وذابت ..وهناك اليوم أسر من بلي معروفة وسط الهدندوة اليوم أصبحت جزء لا يتجزأ منها ، كما أن هناك أسر بلوية في الأرتيقا ذابت وأصبحت جزء لا يتجزأ منها ، وهذا معروف.
(إنتهت شهادة المؤرخ).
.......
فإذن، لا ندري ما المغزى من اللغط الذي يدور من البني عامر والتقري عموما.. حول قبيلة بلي تحديدا.. حاليا..وظهورها فجأة على وجه الأحداث دونا عن المجموعات العربية الأخرى التي هاجرت إلى أرض البجا ؟!!
فكأنما قبيلة بلي العربية المهاجرة والتي ذابت في البجا وتحدثت لغتهم ولها بيوتات معدودة وسط البجا الآن.. أضحت هي الساس والراس للبجا وماضيهم وحاضرهم ؟!!
هذا الطرح هو طرح خاطئ ومخاتل بالطبع.. ويصب في محاولات حثيثة من مجموعة معينة لتشويه وإنتحال وسرقة تاريخ أمة عريقة عمرها آلاف الأعوام..
والأسباب سياسية.. إضافة إلى أسباب أخرى تصب في أطماع الدول المجاورة للسودان.
كما لا ننسى أن هنالك خلطا متعمدا بين قبيلة (بلو كلو) الحبشية التي سكنت منطقة صنعفي الأريترية.. وبين قبيلة بلي العربية البجاوية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
آمنة أحمد مختار
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست