ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعبير محمود محمد طه: رحلة الكفاح و

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 03:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2020, 01:05 AM

محمد محمود
<aمحمد محمود
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 51

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعبير محمود محمد طه: رحلة الكفاح و

    00:05 AM January, 20 2020

    سودانيز اون لاين
    محمد محمود-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر



    ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعبير
    محمود محمد طه: رحلة الكفاح والخيال



    تصادف الذكرى الخامسة والثلاثون لإعدام الأستاذ محمود محمد طه يوم 18 يناير هذا العام وقوعها بعد الذكرى الأولى لثورة ديسمبر المجيدة وانعتاق السودانيين من نظام الحكم الإسلامي الذي فرضته عليهم حركة الإخوان المسلمين (الإخوان صاعدا). وكانت هدية الثورة لذكرى طه أن يتمّ إحياؤها والاحتفاء بحرية الفكر والتعبير هذا العام في الخرطوم وبعد منع دام ثلاثين عاما بانعقاد الندوة الفكرية الكبرى التي نظّمها مركز الدراسات السودانية بالتعاون مع جامعة النيلين وشارك فيها مثقفون سودانيون ومثقفون من بلاد عربية مختلفة. ورغم أن الإخوان بذلوا كل ما في وسعهم لمحو ذكرى طه إلا أنه حفر أثرا واضحا وباقيا ظلوا يطالعونه كلما طالعوا المادة 126 أو مادة الرِّدّة في قانونهم الجنائي. فهذه المادة والتي لم تكن موجودة في القانون الجنائي عندما أُعدم طه أنتجتها تحديدا مواجهتهم مع طه وظلّت عالقة بذكرى إعدامه — كانت تبريرا بأثر رجعي لهذا الإعدام وتهديدا قائما لكل من يقرّر الإخوان أنه قد ارتدّ.
    كان فرض جعفر نميري لعقوبات الشريعة الحدّية وبدء تطبيقه لها بين ليلة وضحاها والمشاهد البشعة لبتر الأيدي والأقدام والمشاهد المذلّة للجلد صدمة من أقسى صدمات السودانيين. ورغم أن طرفا من الشريعة ظلّ قائما وسط السودانيين منذ الفترة الاستعمارية وهو قوانين الأحوال الشخصية إلا أن الحدود كانت أمرا مختلفا. فقوانين الأحوال الشخصية وعلى تمييزها ضد المرأة لم تصدم مشاعر المجتمع السوداني كمجتمع ذكوري وكمجتمع إسلامي تقليدي يعامل المرأة باعتبارها ناقصة عقل وبالتالي ناقصة الأهلية القانونية. أما الحدود برجمها وبترها للأطراف وتشويهها لجسد الإنسان وإعاقته وبجلدها وبقِصاصها الذي أحيا مبدأ وعقوبات العين بالعين والسن بالسن فإنها صدمت الحس الأخلاقي السليم الذي يتمتّع به أغلب الناس. وكانت هذه الصدمة هي ما أراده نميري بالضبط، علاوة على أنه رأى فيها وسيلة لإكساب ما يشبه الشرعية لنظام انقلاب عسكري كان فاقدا للشرعية أصلا.
    وكان الجمهوريون، على صغر تنظيمهم وهامشيته، هم القوة الوحيدة التي عبّرت عن اعتراضها العلني على ما أطلقوا عليه "قوانين سبتمبر 1983" عندما أصدروا بيانهم الشهير "هذا أو الطوفان" في ديسمبر 1984. اعترض البيان على القوانين ورأى فيها تشويها للإسلام ولسمعة البلاد. إلا أن الاعتراض لم يعنِ أن الجمهوريين غيّروا موقفهم الأساسي المؤيد لنظام نميري إذ أنه قُدِّم كـ "نصيحة خالصة ومبرأة". وما يجب ملاحظته بهذا الصدد أن طه ينطلق أساسا من موقف مؤيد لتطبيق عقوبات الحدود — التي ظلّ دائم الدفاع عنها والتبرير لها — إلا أنه عبّر عن مأخذين على قوانين سبتمبر: مأخذ على مستوى محتواها ومأخذ على مستوى توقيتها. فعلى مستوى المحتوى يقول البيان: " ... فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين، ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق في المال العام، مع أنه في الشريعة يُعزّر ولا يُحدّ لقيام شبهة مشاركته في هذا المال. بل إن هذه القوانين الجائرة أضافت إلى الحدّ عقوبة السجن وعقوبة الغرامة، مما يخالف حكمة هذه الشريعة ونصوصها ... " أما على مستوى التوقيت فيقول: " ... ثم إن تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية، وهي عدالة غير محقّقة اليوم." ولأن أمل طه في نظام نميري وإمكانية تهيئته للأرضية التي من الممكن أن تزدهر وتسود فيها الرؤية الجمهورية لم ينقطع فإن البيان طالب "بإتاحة كل فرص التوعية والتربية لهذ الشعب حتى ينبعث فيه الإسلام في مستوى السُّنّة (أصول القرآن) فإن الوقت هو وقت السنة، لا الشريعة (فروع القرآن) ... بهذا المستوى من البعث الإسلامي تتحقّق لهذا الشعب عزّته وكرامته ... " وكما نرى فإن البيان طرح اعتراضه على قوانين سبتمبر في إطار اعترافه بشرعية النظام والأمل في قبوله للنصيحة وأن لغته ومحتواه تميّزتا بـ "اللِين" كما لاحظ عبد الله النعيم في مقدمة ترجمته الإنجليزية لكتاب الرسالة الثانية من الإسلام. إلا أن نميري وجد في بيان الجمهوريين فرصته لتأكيد عزمه على التنكيل بأي معارضة لقوانينه ولإثبات "شرعيته" الإسلامية الجديدة.
    وعندما قرّر نميري التحرّك ضد طه كان هناك حليف قوي آخر يسنده وهم الإخوان المسلمون الذين أصبحوا يده اليمنى في محاكمه "للعدالة الناجزة" بعد فرض قوانين سبتمبر. وإن كان نميري قد حرّكته دوافع الحسابات السياسية بالدرجة الأولى، فإن الإخوان حرّكهم بالدرجة الأولى عداء مذهبي قديم وعميق علاوة على دافع السياسة. إن ما بينهم وبين طه كان ذلك العداء التاريخي بين الإسلام السني التقليدي وذلك النمط من التصوف الذي من الممكن أن نطلق عليه اسم "التصوّف الجذري" والذي مثّلته خاصة مدرسة محيى الدين بن عربي (ت 1240) ومثّله قبله الحسين بن منصور الحلّاج (ت 922) وكان طه حاملا للوائه. عبّر هذا التصوف عن شوقه للوصول لله والعلاقة به بلغة أكّدت على ذاتية التجربة الصوفية بوصفها تجاوزا لمحمد أو تجاوزا لما وصفوه بـ "الحجاب النبوي" الذي يقف بين العابد وربه. ومن الممكن القول إن طه قدّم نظرية من أكثر النظريات جذرية في هذا المضمار عندما تحدّث عن تجربته الصوفية بوصفها تجربة نقلته من مقام "المقلِّد" لمحمد لمقام الذي تجاوز "الحجاب النبوي" وسقط عنه التقليد ليبلغ مقام "الأصيل". وفي حديثه عن مقامات العابد العارف يشير لتلك الحالة العليا التي يتوق كل متصوف لتحقيقها وهي حالة الاتحاد مع الله (تلك الحالة التي أشار لها الحلّاج عندما قال: "أنا الحقّ") — وهي حالة يسبقها عنده اطّلاع العابد على أسرار تجعله يتحرّر من أسر التسيير ليحقّق حريته، ويصفها بقوله: "ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله — فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله". بالطبع نحن هنا في منطقة خيال محض لا يختلف عن خيال من ادّعوا النبوة — وهو خيال يبلغ ذروته في حالة محمد في قصة الإسراء والمعراج (وإن كانت هذه القصة لا تتحدّث عن اتحاد بالله، فهذه لغة أخذها الصوفية فيما بعد من مصادر أخرى). وهكذا فليس غريبا أن إسراء محمد يقابله إسراء عند ابن عربي. وابن عربي لا يحجم عن استخدام كلمة خيال وهو يتحدّث عن التجربة الصوفية، ويقول عن إسراءات الصوفية: "فلهم أسراءات روحانية برزخية يشاهدون فيها معاني متجسّدة في صور محسوسة للخيال، يُعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني ... " ومقابل الصور الحسية التي تقدّمها مادة الإسراء والمعراج التقليدية أو مادة ابن عربي فإن طه يقدّم لنا صورة تجربة وجودية ويقول: "وليس لله تعالى صورة فيكونها ، ولا نهاية فيبلغها ، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين ... "
    ما كان بالطبع من الممكن للإسلام السني التقليدي أن يصمت على أفكار طه وخاصة ادعاء الأصالة وسقوط تقليد محمد في حقه. وهكذا كان من الطبيعي أن يتحرّك ممثلوا المؤسسة الفقهية بدعوى قضائية ضده في عام 1968 وأن تصدر المحكمة الشرعية حكمها بردّته وتأمره بالتوبة عن جميع أقواله. وكان من الطبيعي أن يفتي الأزهر ضده ويصف فكره بأنه "كفر صراح ولا يصح السكوت عليه" وأن يطالب بمصادرة فكره والعمل على إيقاف "نشاطه الهدّام". وكان من الطبيعي أن يفتي عبد العزيز بن باز، رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي حينها، ضده ويصفه بالإلحاد ويحذّر من "الفساد الكبير" الذي "[سيترتب] على تركه والإعراض عنه" وأن يطالب بـ "إحكام الشرع الإسلامي للنظر في أمره والحكم فيه بما يقتضيه الشرع المطهر من قتل أو سجن أو غيرهما ... " كان هذا هو المسرح الممهّد للإخوان المسلمين ليلعبوا دورهم في جريمة إعدام طه.
    لا يُعرف تاريخ ميلاد طه بالضبط، مثل غالبية أبناء وبنات جيله الذين لم يحفل أحد بكتابة تاريخ ميلادهم. ولكن وفي حالة هذا الرجل الذي لا يُعرف متى دخل العالم فإن الجميع، في السودان وخارج السودان، يعرفون متى خرج من العالم بالضبط — المكان واليوم والساعة. وهيئة موته اختلفت عن هيئة موت غالبية الناس في أنه كان موتا علنيا شهده الآلاف. ولعلّ طه كان في لحظة مواجهته لموته بعيدا عن هؤلاء الذين ملأوا المكان بضجيج تكبيرهم وتهليلهم. ولعلّه، وهو الذي كان ممتلئا دوما بالحلم الصوفي للقاء الله والاتحاد به، كان في تلك اللحظة في حضرة فرحه وهو يتهيأ للقاء من يحبّ. وكان هذا الفرح بعض ما شاهده المحتشدون عندما كُشف القناعُ الذي غُطّي به وجهُه فرأوا وجها مطمئنا مبتسما. ولعلّه استرجع في تلك اللحظة وعاش كلماته: "وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف ... "
    حملوا جسده ودفنوه في مكان مجهول. بدأت مسيرة الطفولة من لحظة مجهولة التاريخ وانتهت رحلة الكفاح والخيال لقبر مجهول المكان.

    محمد محمود أستاذ جامعي سابق ومدير مشروع الدراسات النقدية للأديان.

    لمشاهدة فيديو مساهمة الكاتب عن العلمانية في الندوة الفكرية بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإعدام الأستاذ محمود محمد طه يمكن الذهاب لموقع يوتيوب والاسترجاع بكتابة العنوان: محمد محمود حول العلمانية والديمقراطية في السودان أو استخدام الرابط التالي:
























                  

01-23-2020, 06:54 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36456

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعب� (Re: محمد محمود)


    وجاءت ذكرى من كان إياه يرهبون!

    فتحي الضَّو

    سألني أحد القراء الكرام قائلاً: لماذا تكتُب عن الأستاذ محمود محمد طه باستمرار وأنت لست جمهورياً؟ عجبت من قوله وأجبته إن ذلك صحيح جزئياً، فقد دأبت على الكتابة عنه بين الفينة والأخرى منذ استشهاده، وليتني استطيع أن أكتب عنه كل يوم، لعل ذلك يفيه بعض حقه علينا. قال: وما حقه علينا؟ قلت له إن نُخلِّد ذكراه كسوداني أولاً، لأنه علَّمنا ما لم نكن نعلم في حب الوطن، فقد استرخص روحه وافتداه. وكإنسان ثانياً، لأنه نذر نفسه للفكر الحر وأعمل العقل الذي ميَّز الله به بني آدم عن سائر خلقه تأملاً وتفكراً وتدبراً، ثمَّ سار على الدرب الذي سلكه الحلاج والجعد بن درهم والإمام أحمد بن حنبل والسهروردي وابن المقفع وابن رشد ولسان الدين بن الخطيب وابن الفارض…. وكبطل ثالثاً، لأنه أعاد علينا سيرة أبطال الأساطير الإغريقية الذين جسدوا ملحمتي الموت والحياة. وقلت له هكذا فعل أرسطو وهو يتجرع السم أمام تلاميذه بيمينه، ويحتضن (الأورجانون) الذي حوى مؤلفاته بشماله. وقلت له هكذا فعل السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وهو يواجه مؤامرات يهوذا الإسخريوطي ويتخطى (أسبوع الآلام) بإرادة جبارة ليواجه الموت صَلباً. وقلت له بل هكذا كان النبي الكريم محمد (ص) وهو يعاني عذاب أهل مكة، وعلى رأسهم عمه عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) وهم يكيدون له كيداً!

    (2)

    ثمَّ قلت له أيضاً إنه على رغم الذي قرأته واستكثرته، فنحن ما نزال نشعر أن مثقفي أهل السودان لم يوفوه حقه بقدر ما أثرى الفكر الإنساني . ذلك لأن بعض حقه علينا أن يتبارى الفنانون والروائيون والتشكيليون والنحاتون والشعراء والكُتَّاب – كل ما وسعته موهبته – في توثيق حياة المعلم الأكبر بذات الزخم الذي اكتنفها، والتفرد الذي زانها والبهاء الذي لازمها (أثناء المحاكمة البائسة سأل القاضي المهلاوي الأستاذ محمود محمد طه عن مهنته فقال له معلم، وأرسطو كان يُكنى بالمعلم الأول، وكلاهما بها قَمِين) بل نحن نطمح أن نزيد من درجة وفائنا لشهيد الإنسانية في زمان غير هذا بدعوة المخلصين والأوفياء من سدنة الفكر والثقافة ليتنادوا بتضمين سيرته مقررات الطلب للأجيال اللاحقة، لعلهم يقفون على قيم البسالة وكيفية الثبات على المبدأ، وليتهم يستلهمون منها دروساً تعينهم على تنطع الجهلاء وترهات الرجرجة وتخرصات الدهماء من تجار الدين وسماسرة الوطن!

    (3)

    إن إحياء ذكرى المعلم الأكبر سنوياً واجب علينا، ولكنني والحق أقول إن المرء ليكاد يتوارى خجلاً فليس الشهيد ممن يذكرون لماماً. فيقيني أن ردهات التاريخ ستظل تردد صدى رحلة ثابر فيها الأستاذ على مدى أربعة عقود زمنية وهو يرفد الفكر الإنساني بآرائه وأفكاره وتعاليمه حتى آخر لحظات حياته عندما كان حبيس جدران سجن كوبر. سوف يتحدث الناس إلى أن يوم يُبعثون عن تلك الكلمات الصاخبة التي صدرت عنه في المحاكمة الجائرة، وهو يسلك أعلى مراقي الشجاعة، ويصدع بها في وجه السلطان الجائر. ولعمري ما يزال الناس حيارى وما هم بحيارى في تفسير تلك الابتسامة الوضيئة التي فتر بها ثغر المعلم الأكبر، عندما اعتلى منصة الإعدام وهو على شفا شبر من الموت، فأرهبت جلاديه وزادتهم ضعفاً على ضعف وهلعاً على هلع!

    (4)

    قلت للسائل لقد ظننت وهماً بأن الأستاذ حكر على الجمهوريين، وهذا لعمرى ظن آثم. صحيح أن الأستاذ هو فيلسوف الفكرة الجمهورية وحامل لوائها، وقد تمسك بمبادئه حتى دفع حياته ثمناً لها. ولأن الفكرة نفسها فكرة كونية أي ليست متعلقة بقضية دنيوية في رقعة جغرافية محددة، فمن الخطل أن نقول إنها مختصة بتلاميذه وحدهم (إناثاً وذكوراً) أو أنها تعنيهم دون غيرهم، ومن البله الأكبر الظن أن كل من يتناول سيرته يعدُّ متطفلاً. فتلك محض ترهات تشبه تماماً ترهات (الإخوان المسلمين) وتربصهم به في حياته إلى أن اقتادوه لحبل المشنقة، ظناً منهم أنهم سيطفئوا فكره وسيطووا سيرته. ولكن أنظر – يا رعاك الله – أكثر من ثلاثة عقود زمنية والناس يكتبون عنه، فلا جفت الأقلام ولا رفعت الصحف، تماماً مثلما كان الشهيد نفسه يطرح فكره على مدى أربعة عقود زمنية، فلا نضب المعين ولا أرهق الحادي طول السفر!

    (5)

    قلت له إن شئت فقل إنني أكتب عنه لأن له دين عليَّ. فأنا ألجأ إليه عند الملمات، عندما تتكالب عليَّ الهموم وتهاجمني جيوش التيئسيين والمُخذلين وتصبح قواي قاب قوسين أو أدنى من الخور، أهرع إليه لسماع تلك الخطبة العصماء التي نطق بها في محكمة التفتيش، متوسلاً فيها بعض زاد يُعين على المسير (إن هذه القوانين وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله) ثم يوجه سهامه مباشرة نحو الجلاد الجالس أمامه (إن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً من أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين) ثم يختم بكبرياء وإصرار فريد (من أجل ذلك فأنا غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر) فتأمل – يا هداك الله – كيف يمكن للكلمة أن تُصبح رصاصة، إنني على يقين بأن المهلاوي قاضي محكمة التفتيش تلك، كان يرتعد وهو جالس على كرسيه!

    (6)

    قلت له: ليست الشجاعة وحدها ما يمكن أن يستمدها طالبها من سيرة المعلم الأكبر، ولكن أنظر لحياة البساطة التي عاشها واتساقها مع أفكاره. لم تشغله الدنيا بكل ما فيها من ملذات برع جلادوه في التمتع بها بلا وازع أخلاقي عندما دالت لهم السلطة. لم يكن من الذين يتخيرون من الطعام أطيبه، ولا من الذين يرتدون من الملابس أزهاها، ولا من الذين يمتطون ظهور الفارهات من السيارات، ولا من الذين يبتنون القصور طابقاً عن طبق. كان يعيش حياة زاهدة تتماهى مع سلوكه وما يدعو له. وكان يعيش بين الناس ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، يعاود المرضى ويزور ذوي الحاجات في بيوتهم، حتى لا ينزع الحياء من وجوههم، وهم يسألون الناس إلحافاً أعطوهم أو منعوهم!

    (7)

    ليس دَيَنه على رقبتي وحدي أيها السائل، فللأستاذ الشهيد دَيَن على أهل السودان ينبغي أن يستذكروه وهم يعيشون سنوات المحنة التي تطاولت. فقد كان يُحذرنا من اللاهوتيين الجدد كأنه يعلم الغيب. قال لنا إن اللئام سيتداعون إلى موائدنا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. قال لنا إنهم سيهبطون علينا بليل كما يهبط الجراد على أرض فيحيلها صعيداً جرزاً. قال لنا إنهم سوف يعوثون في السلطة فساداً ويختالون بين الناس استبداداً. قال لنا إننا سوف نذوق منهم الأمرين، ضنكاً في العيش وإهانة الكرامة السودانية. قال لنا إنهم سيفصلون الجنوب بعد أن جعلوا أعزة أهله أذلة، كمواطنين من الدرجة الثانية بفضل شريعتهم الشوهاء. قال لنا إن ديدنهم ازدراء الفكر وإذلال المفكرين. قال لنا إن ما أسموه المشروع الحضاري هو محض دجل، وما الدين الذي يدَّعون سوى آيات شيطانية من صنع أبالستهم!

    قلت لنا الكثير المثير العجب، يا أيها المعلم الأكبر، ولكننا أضعناك ولم ندخرك ليوم كريهة وسداد ثغر. لم نحسن الإصغاء لك لأن بآذننا وقر عصرئذٍ، فلم نستبن النصح إلا ضحى الغد!

    لكن سنكتب عنك ليس من باب الوفاء وحده، ولكن لأن الكتابة عنك توجعهم وترهقهم قتراً… فهم إياك يرهبون حياً وميتاً!

    آخر الكلام:

    لابد من الديمقراطية والمحاسبة وإن طال السفر!
                  

01-25-2020, 06:49 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48493

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعب� (Re: adil amin)

    الحزب الجمهوري نحن ضد قيام أي دولة دينية ونطالب بإلغاء قوانين الشريعةالحزب الجمهوري نحن ضد قيام أي دولة دينية ونطالب بإلغاء قوانين الشريعة


    لا يكاد المرء يصدق أن عقوبات الجلد تنفذ حتى الآن، خاصة بحق النساء:

    متى تتوقف مثل هذه المحاكمات وعقوبات الجلد؟؟متى تتوقف مثل هذه المحاكمات وعقوبات الجلد؟؟


    Quote:
    حكم بـ(40) جلدة على فتاة ضبطت مخمورة
    أخبار السودان
    On يناير 15, 2020
    1
    مشاركة

    الخرطوم: شيرين أبوبكر

    أوقعت محكمة جنايات بلدية اركويت ,الأربعاء, برئاسة القاضي بابكر عبد العال, عقوبة الجلد (40) جلدة حدا لشابة (3) أشخاص ضبطوا مخمورين بمنطقة “الجريف غرب”. وأمرت المحكمة بإبادة الخمر معروضات.

    وضبط نقطة إرتكاز للشرطة بالمنطقة المتهمين في الشارع العام يترنحون أثناء سيرهم, وتفوح منهم رائحة الخمر.

    وقامت بإقتيادهم للقسم, ودون في مواجهتهم بلاغات منفصلة بمخالفة نص المادة(78) من القانون الجنائي المتعلقة بالسكر.


    إلى من يقول في بوست في المنبر العام لسودانيز أونلاين:


    Quote: الجمهوريين في بكاءهم المستمر على مقتل محمود م طه لا يختلفون كثيرا عن بعض الشيعة وبكاءهم على الحسين منذ 1400 سنة ، بس الفرق في (التطبير) ...


    وإلى الأخ صاحب البوست الذي يصف هذا القول بالمنطقي، أقول أن الأمر ليس بكاءا ولكن طرف منه تذكيرا للنفس وللآخرين أن القوانين التي دفع الأستاذ محمود حياته فداء للمطالبة بإلغائها لا تزال تطبق إلى الآن.
    لو كان للجمهوريين، وللحزب الجمهوري، نقطة واحدة تحسب لهم فهي مثابرتهم في سبيل إلغاء القوانين والعقوبات الموروثة من قوانين سبتمبر، بما فيها ما تمت إضافته إليها، مثل المادة 126 "الردة".

    الحزب الجمهوري نحن ضد قيام أي دولة دينية ونطالب بإلغاء قوانين الشريعةالحزب الجمهوري نحن ضد قيام أي دولة دينية ونطالب بإلغاء قوانين الشريعة

                  

01-26-2020, 03:35 PM

Azhari Baloul
<aAzhari Baloul
تاريخ التسجيل: 02-24-2017
مجموع المشاركات: 106

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ذكرى 18 يناير والدفاع عن حرية الفكر والتعب� (Re: Yasir Elsharif)


    يحمد لدكتورمحمد محمود في مقاله هذا ذكر أن الجمهوريين: ( هم القوة الوحيدة التي عبّرت عن اعتراضها العلني على ما أطلقوا عليه "قوانين سبتمبر 1983" عندما أصدروا بيانهم الشهير "هذا أو الطوفان" في ديسمبر).
    ويؤخذ عليه أنه كتب ككاتب روائي، متأثرا بدراسته الواسعة في الأدب، فأطلق العنان لخياله ليتخيل أن ما عاشه الأستاذ وجسده هو مجرد خيال!!! كتب الدكتور محمد محمود مقاله تحت عنوان: محمود محمد طه: رحلة الكفاح والخيال، وختم مقاله ب: (حملوا جسده ودفنوه في مكان مجهول. بدأت مسيرة الطفولة من لحظة مجهولة التاريخ وانتهت رحلة الكفاح والخيال لقبر مجهول المكان).

    لم يكن الأستاذ داعيا أو مجسدا لخيال فلقد كتب: (إن ما جئت به هو من الجدة بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب وبحسبك أن تعلم أن ما أدعو إليه هو نقطة إلتقاء الأديان جميعها، حيث تنتهي العقيدة ويبدأ العلم، وتلك نقطة يدخل منها الإنسان عهد إنسانيته، ولأول مرة في تاريخه الطويل).
    هذا العلم الذي يدعو إليه الأستاذ محمود هو تجسيد المعارف في اللحم والدم، وفي ذلك يقول الله جلّ شأنه وعلا: ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد). إن كلمتي " تقشعر" و" تلين" هي ليست خيال بل واقع معاش للعابد..

    إن الفكرة الجمهورية علمية وعملية لأقصى مدى ويستطيع السالك في النهج النبوي والذي شرحه الأستاذ في عدة كتب منها طريق محمد، ورسالة الصلاة، وتعلموا كيف تصلون، وأدب السالك في طريق محمد، أن يجسد الدين في اللحم والدم وأن يجعل جسده روحانيا ويتذوق ويعيش الدين بصورة علمية ويستطيع روحنة جسده لكي يستيقن معان ومشاهد مثل الإسراء والمعراج. إن الجاذبية لا تفعل فعلها في الأجساد المروحنة، ولقد كان عدم تأثر جسد الأستاذ بالشنق هو أكبر تجسيد لذلك.هذا ليس خيال بل واقع جسده الأستاذ في يوم 18 يناير 1985م..

    دعنا من خيالك الذي ليس له حدود والزم نفسك الحياد حين تكتب عن الأستاذ محمود محمد طه...إن اختلاف الرأي لايفسد للود قضية إن كانت العقول كبيرة ولكن العقول الصغيرة تضيق بالرأي المخالف...

    (عدل بواسطة Azhari Baloul on 01-27-2020, 02:03 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de