قضية عجيبة تتكامل فيها أركان التناقضات بطريقة تحير العقول .. شعب شقيق في دولة شقيقة كانت علاقته بشعب السودان حميدة طوال التاريخ .. وشعب آخر شقيق في دولة أخرى شقيقة أيضا كانت علاقته وثيقة بشعب السودان عبر التاريخ .. ثم توالت الأحداث لتطفو في السطح قضية معقدة هي تخص شعب دولة من تلك الدول .. وكان يفترض من دولة السودان أن تتخذ مسار الحياد في تلك القضية الحساسة للغاية .. حيث الحكمة كانت تقتضي عدم الانحياز لجانب من الجوانب مهما تكون شدة المبررات .. وهي دولة السودان التي واجهت لسنوات طويلة تلك الحروب الأهلية في أرضها وبين أبناءها .. وحينها لم تتدخل حكومات أو شعوب تلك الدولتين في شئون السودان في يوم من الأيام .. ولم ترسل جنودها للسودان ليحاربوا ضد طرف في مواجهة طرف .. ولكن بطريقة غير حكيمة وغير عقلانية كان ذلك الموقف المتسرع من جانب النظام البائد .. والذي بلغ مرحلة السفور والجرأة في تخريب العلاقة مع بعض فئات تلك الشعوب .. ولم تكن تلك الخطوة من النظام البائد من منطلق الشهامة والمروءة وحماية الحرمين الشريفين كما كان يدعي النظام ويجتهد لإقناع الشعب السوداني .. ولكن كان السبب الأساسي لتلك الخطوة هو ذلك الإفلاس والتدهور الكبير في اقتصاد البلاد .. ذلك الاقتصاد الذي انهار كلياُ بأسباب هؤلاء الأنفار في سدنة النظام .. حيث ذلك النهب وذلك الفساد وذلك الاحتكار المجحف .. وفي المراحل الأخيرة لعمر النظام كانت المقدرات المالية بالسودان قد تحولت وانحصرت كلياُ في أيدي وجيوب هؤلاء السدنة من نخب النظام .. في الوقت الذي فيه كانت الفئات السودانية المغلوبة على أمرها تعاني من الويلات وتقف طوال النهار في الصفوف أمام الصرافات والبنوك .. وتلك الشهية للدولارات هي التي كانت تدفع النظام البائد ليفقد ماء الوجه ويقف سافراُ ليرسل الجنود حتى يحاربوا في حروب أهلية للآخرين !. وهي خطوة قد شوهت كثيراُ صورة السودان .. كما شوهتُ تلك العلاقة الحميمة التي كانت قائمة مع كافة فئات ذلك الشعب الشقيق .
والصورة تزداد تعقيداُ وإرباكاُ في الخطوات التالية المستقبلية .. حيث كان ذلك التدخل الغير مدروس خطئاُ جسيماُ .. وفي نفس الوقت فإن الخروج العشوائي الغير مدرس من تلك المعضلة أيضاُ يمثل معضلة غير حكيمة !.. والشعب السوداني لا يريد أن يفقد المودة مع هؤلاء أو مع هؤلاء .. وتعقيدات تلك القضية لا تتوقف فقط عند حد التدخل أو التخارج من تلك القضية !! بل تتعدى كثيراُ لتفرض واقعاُ مريراُ في داخل وخارج السودان ! .. حيث في الداخل تتوفر تلك الأسر والعائلات الكثيرة التي تعيش حالياُ على كفالة هؤلاء الجنود الذين يكسبون أموال طيبة بالمقارنة مع المردود المالي بالسودان .. والبعض من هؤلاء الجنود الذين يقاتلون حاليا في تلك الحروب الأهلية خارج البلاد يجدون أنفسهم مجبرين على مواصلة نفس الطريق الشائك المحفوف بالمخاطر .. ويقول أحد الأبناء الجنود أن الأمنية الوحيدة التي يتمناها أي جندي سوداني في الوقت الحاضر هي أن يجد السانحة ليسافر ويحارب في تلك الحروب حتى يؤمن المستقل لعائلته وأسرته ولمستقبل أيامه !.. وذلك رغم أن المخاطر جسيمة في تلك الحروب !.. بل أكثر من ذلك فإن البعض من هؤلاء الجنود الذين يشتركون في تلك الحروب يصرون ويقولون بأنهم سوف يتمردون في حال إجبارهم على العودة ! .. ويكونوا في زمرة هؤلاء المرتزقة الذين يتعاقدون شخصياُ مع تلك الدول ليحاربوا حتى يكسبوا تلك الدولارات .. فإذن السودان اليوم يواجه حالة فريدة ومربكة للغاية إزاء تلك القضية الشائكة !.. ( حالة مربكة في خارج البلاد وحالة أخرى مربكة في داخل البلاد ! ).. وفي نهاية المطاف فإن هؤلاء الجنود هم في ذمة الدولة السودانية بالقدر الذي ينصفهم وينصف عائلاتهم عند العودة .. والمنطق السليم يقول : ( لا يحق للدولة أن ترسل الأبناء ليموتوا حسب الأهواء عند الحاجة ثم يهملوا وعائلاتهم بعد العودة!!. ) .. وعليه لا بد أن تكون خطوة العودة مدروسة بالقدر الذي ينصف هؤلاء الجنود ولا يظلمهم لمجرد القرار والتخارج !.. وليس من العدل والإنصاف أن يعود ذلك الجندي ويرضى بذلك الراتب المعهود المتواضع بنفس الحال وكما كان في الماضي !. وفي كل الأحوال فإن لسان حال الشعب السوداني يقول: ( لا بارك الله في ذلك النظام البائد الذي ورطنا في تلك الورطة والمعضلة العويصة ! ) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة