في وقت من الأوقات كنا نرى أن البراءة والطيبة في الشعب السوداني هي سمة من السمات التي تفاضل وتميز الشعب السوداني عن الشعوب الأخرى .. وهي تلك الشعوب الأخرى التي كانت ومازالت تجاملنا لتقول : ( شعب السودان شعب طيب !! ) .. رغم أنها كانت ومازالت تخفي وتغمز في سرها .. وهي ترى أن شعب السودان في حقيقة الأمر هو شعب عبيط حين يرجو حسن الحصاد بتلك الصفة الواهية بمعنى الكلمة .. ثم دارت السنوات تلو السنوات حتى أكدت التجارب للشعب السوداني بأن تلك الصفة بحق وحقيقة هي من الصفات ( الاعتباطية ) .. والمعاجم تقول أن معنى ( الاعتباط ) هو حالة العشوائية التي تعني فعل الشيء بغير علة أو تبرير .. وتلك الصفة ( الاعتباطية ) في إنسان السودان كانت السبب الأساسي في إضاعة السودان كثيراُ وكثيراُ .. وقد أعاقت تقدم السودان نحو الأمام بخطوات ثابتة وسليمة كحال الكثير من الدول التي كانت خلفنا في مشاوير البناء والتعمير ثم تقدمت الآن أمامنا .. وكل تحركات وتصرفات أبناء السودان مهما يرتقون ثقافة وكفاءة وعلماُ ومعرفةُ لا تخلو من لمحات تلك ( الاعتباطية ) !.. ولا يدري أحد متى أصيب الشعب السوداني بتلك اللوثة والداء الخطير التي تعني الطيبة !!. البعض يقول أن الشعب السوداني مصاب بداء الطيبة منذ أقدم العصور .. والبعض الأخر يقول أن الشعب السوداني قد اكتسب تلك الصفة المقرونة بالانهزامية في الطبائع نوعا ما في مراحل الحملات الاستعمارية .. وقد أصيب بذلك الداء في أيام حكم الأتراك للسودان .. حيث تعلم ظاهرة الطيبة لقلة الحيلة .. ولكن تلك الحادثة للمك نمر حيث إحراق ذلك الباشا ورفاقه تنفي تلك الصفة عن الشعب السوداني .. ثم فجأة نجد أن ذلك الهروب لأرض الحبشة بعد تلك الحادثة مباشرةُ تؤكد ثبوت صفة ( الاعتباطية ) .. والبعض الآخر يقول أن الشعب السوداني قد أصيب بداء الطيبة والاعتباط في أيام الاستعمار الإنجليزي الأول .. ولكن تلك البطولات والمواجهات العظيمة التي جرت في بدايات حركة المهدية ومقتل غردون باشا تنفي صفة ( الاعتباطية ) عن الشعب السوداني .. ثم فجأة وبطريقة مضحكة للغاية تتجلى تلك ( الاعتباطية ) مرة أخرى عند الحديث عن معركة ( كرري ) ! .. تلك المعركة التي تنافي كل أعراف العقل والمنطق في سجالات الحروب عبر التاريخ !!.. وهي المعركة التي أكدت قمة ( الاعتباطية ) في الشعب السوداني !.. والبعض الآخر يقول أن صفة الطيبة في الشعب السوداني قد تفاقمت في مراحل الحكم الوطني بعد الاستقلال .. ولكن يقال في الأمثال : ( يتماثل المتبقي في الغربال في معظم الصفات !! ) .. بمعنى آخر أن الساحات بعد الاستقلال كانت خالصة بأبناء السودان .. وقد يصدق كثيراُ من يقول ذلك التبرير .. حيث يتضح جلياُ للعالم صواب تلك المقولة : ( الشعب السوداني هو من أطيب الشعوب فوق وجه الأرض وفي نفس الوقت هو من أعبط الشعوب فوق وجه الأرض !!.) .. فهو ذلك الشعب المعروف الذي خاض أطول الحروب الأهلية في العالم ثم خرج من تلك الحرب خاسراُ .. حيث حارب لأكثر من أربعين عاماُ من أجل الوطن الواحد .. وقدم الكثير والكثير من التضحيات في الأرواح والمقدرات في تلك الحروب .. ثم في نهاية المطاف هو ذلك الشعب الكريم الطيب الذي تنازل طائعاُ وقدم ذلك الجزء العزيز من أرض الوطن للآخرين في طبق من ذهب !!.. ألم نقل لكم أن ذلك الشعب السوداني هو من أطيب الشعوب فوق وجه الأرض وفي نفس الوقت هو من ( أعبط الشعوب ) فوق وجه الأرض ؟؟ .. وبالأمس القريب جرى ما جرى في أرض السودان والعالم يشهد ويتعجب !.. حيث ذلك الشعب الطيب الذي تظاهر سلمياُ حين أجبرته الظروف الحياتية القاسية .. فأوجد تلك المتاريس في الطرقات .. ثم بمنتهى البراءة والطيبة رقد ونام مطمئناُ في أرض الاعتصام وكأنه ينام في ساحة الحرم المكي الشريف .. فإذا به يقوم من نومه منزعجاُ ليواجه أشد ألوان القتل والتنكيل !!.. والعجيب في الأمر أنه في حالة من الهستريا والاعتباطية يسأل عن هؤلاء القتلة المجرمين فلا يجد الإجابة حتى هذا التاريخ !! .. وكأنه بعد ستين عاماُ من التجارب مازال يجهل أنه في دولة السودان بلد العجائب .. ذلك البلد الذي يمارس كل ألوان المستحيل منذ الاستقلال .. حيث المقتول فيه يرحل للمقابر وهو لا يعرف القاتل !!.. ولا يعرف الأسباب التي من أجلها قد قتل !!.. والقاتل فيه يقتل ثم لا يستحي ويبادر ليعزي أهل المقتول !!.. وفي نفس الوقت هو ذلك القاتل الذي يجهل من هو الذي أمره بالقتل والتنكيل !!.. كما أنه يجهل أسباب ذلك القتل وأسباب تلك الإبادة والتدمير !!.. والسجان فيه يسجن وهو لا يعرف من هو ذلك السجين ولماذا هو مسجون !.. والجلاد فيه يعدم وهو يجهل من هو ذلك الحاكم ومن هو ذلك المحكوم !! .. والسلطان فيه يحكم وهو يجهل ما هو المطلوب !! .. والشعب فيه ينتفض ويثور وهو يعلم مسبقاُ أنه مهزوم !!.. ورغم كل ذلك فالكل يصحا في الصباح الباكر ليشرب الشاي باللبن برفقة الزلابية !! .. ثم يمازح الآخرين وكأنه أسعد إنسان فوق وجه الأرض . بل كأن شيئاُ لا يجري في بلاده !! .. فيا عجباُ من شعب يزاول الحياة بمنتهى البراءة والطيبة !!.. ويحق للعالم من حولنا أن يضحكوا على طيبتنا ويقولوا : ( ذلك الشعب السوداني سوف يدخل الجنة دون حساب أو عقاب لبراءة سجيته ولطيب خواطره !! ) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر عيسى محمد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست